تأمل اليوم: قانون الإحتكار

تأمل اليوم: قانون الإحتكار

تأمل في قراءات الأثنين,  2 ديسمبر 2013 7 كيهك 1730
اليوم السابع من شهر كيهك
الأب/ بولس جرس
السنكسار
نياحة القديس متاؤس الفاخورى بأسنا
في مثل هذا اليوم تنيح الأب متي المسكين، وقد كان رئيسا لدير جبل أسوان، وكان ذو فضائل عظيمة  وقد منحه الله نعمة شفاء المرضي وإخراج الشياطين- ويحكى أنهم قدموا إليه امرأة بها مرض خفي حار في علاجه الأطباء فعلم بالروح حالها، وأمرها إن تقر بخطيئتها أمام الحاضرين، فاعترفت انها تزوجت بأخوين فاعتراها هذا الداء، فصلي القديس من اجلها فبرئت في الحال – وقد بلغ من فضائل أن الوحوش كانت تأنس إليه وتتناول طعامها من يده ولما اكمل سعيه تنيح بسلام . صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما ابديا امين .
استشهاد القديس بانينا و باناوا
تذكار تكريس كنيسة القديس ابسخيرون القلينى
نياحة القديس يوحنا أسقف ارمنت
نص الإنجيل
“وجاء إلى كفرناحوم . وإذ كان في البيت سألهم : بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق  فسكتوا ، لأنهم تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو أعظم  فجلس ونادى الاثني عشر وقال لهم : إذا أراد أحد أن يكون أولا فيكون آخر الكل وخادما للكل فأخذ ولدا وأقامه في وسطهم ثم احتضنه وقال لهم  من قبل واحدا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني فأجابه يوحنا قائلا : يا معلم ، رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا ، فمنعناه لأنه ليس يتبعنا فقال يسوع : لا تمنعوه ، لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعا أن يقول علي شرا لأن من ليس علينا فهو معنا لأن من سقاكم كأس ماء باسمي لأنكم للمسيح ، فالحق أقول لكم : إنه لا يضيع أجره ” (مرقس 9 : 33 – 41)
نص التأمل
“رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا، فمنعناه لأنه ليس يتبعنا”
 
 قدمنا يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013 –  20بابة 1730 تأملاً حول هذا النص بعنوان “من الأعظم”… تعالوا اليوم نتأمل في موقف آخر للرسل، يرفضه الرب يسوع ويأمرهم ألا يحاولوا فرضه أو تطبقيه في حياتهم الرسولية والكنسية…هذا الموقف هو ما يمكن ان نسميه بلغة عصرنا الحديث ” قانون الإحتكار” ويتلخص هذا القانون التجاري في اقتناء أحدهم لسلعة أو ماركة أو حتى منطقة بعينها، لا يستطيع غيره الإقتراب منها أو التصرف فيها او حتى التعامل معها بدون إذنه، وإلا يوجد مخالفا ومتجاوزا للقانون ويخضع من ثم لما ينص عليه ذاك من عقوبات عادة ما تكون حادة ورادعة لأي تعدٍ…
منذ القدم حاول البشر تطبيق قانون الحيازة وحق الإحتكار على كل شيء وهكذا خُلق الفقر والفقراء… فما الفقر سوى حيازة الأقلية واستحوازها على معظم أرزاق الأغلبية المسكينة والتحكم بالتالي في أقدارها دون أن يكون لتلك الأغلبية حتى حق الإعتراض…
وهكذا حاول اليهود منذ القدم وإلى اليوم ” إحتكار الله” وجعله ملك إسرائيل وحدها وما يخضعه لها بالطبع من شعوب!! وصار إسرائيل شعب الله المختار واصبحت باقي الشعوب كلابا تستجدي الفتات تحت موائد أربابها… فكره العالم اليهود واضطهدهم وعذبهم ورفضهم وحاول إبادتهم.
 وفعلت المسيحية حين قويت شوكتها بالمثل: فصار القانون “لا خلاص خارج الكنيسة” وبدأ المسيحيون الذين عانوا إضطهاد أباطرة الرومان، يحكمون على غيرهم بالموت والهلاك ويرفضون وجود الوثيين بجوارهم ويستنكفون حتى التعامل معهم… وعندما استتب الأمر للكنيسة الكاثوليكية صار قانون الإحتكار الجديد هو “لا خلاص خارج الكنيسة الكاثوليكية” فقامت الثورة على الكنيسة واكتسى عصر النهضة باسوأ علاقة بين الناس والكنيسة وعلى الأخص المفكرين والمثقفين والفلاسفة والمستنيرين وخسرت الكنيسة كثيرا… وهكذا فعلت أيضا الكنيسة الأرثوذكسية والبروتستانية لم تنجو من نفس الفخ….
وجاء الإسلام فاشهر “أن الدين عند الله هو الإسلام” وغير المسلمين ليسوا سوى حفنة من القردة والخنازير التي تستحق الإبادة والسحق والقتل… فنشأ الإرهاب وصار وصمة في وجه الإسلام برغم تأكيد المسلمين بأنه أكثر الأديان تسامحا وقبولا وإعترافا بالآخر.
بخلاف الأديان حاول الكثيرون على مر التاريخ، إحتكار الحقيقة ليس آخرهم هتلر ونظرية” الجنس الآري” ، وكانت النتيجة دوما كوارث وموت وحرب ودمار…
اليوم نرى يوحنا الحبيب، الطيب الحنون الذي يتكيء على صدر المسيح في العشاء الأخير، ويقف شامخا بجوار صليبه في المشهد الرهيب على الجلجثة، ذلك اللآهوتي صاحب الرؤيا والرسائل والإنجيل، كاتب أرقّ فصول الإنجيل واكثرها فيضا بكلمة الحب والمحبة… يتقدم ببلاغ  إلى صاحب الشأن يسوع : “رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا، فمنعناه لأنه ليس يتبعنا”… لعله كان ينتظر سناء ومدحا بل مكافاة تجعل منه ” المحتكر الأعظم  لإسم يسوع” … لكن الرب يسوع يرفض ان يكون موضوع احتكار سواء لإمة أو لفئة أو لطائفه أو حتى لتلاميذه ذاتهم الذين اختارهم واتتقاهم ودعاهم واعدهم ورباهم…
أتركوه… دعوه يعمل…افسحوا له المجال ان يخرج الشياطين ويصنع المعجزات باسمي، فليس في هذا ضير لي او انتقاص من سلطاني …المأساة أنه قد يكون في الحقيقة انتقاص من سلطانٍ تدّعونه لأنفسكم…
وهنا تكمن المشكلة فالرغبة البشرية في التملك والسيطرة  ولإحتكار حتى لحقائق الإيمان المطلوب انتشارها!! حتى لله سبحانه جل جلاله!!! حتى للمسيح الذي جاء لفداء الجميع… تتملك على الأتباع والتلاميذ وتسيطر عليهم برغم أن الأساس المنطقي والإيماني هو عكس هذا: أي الإنتشار لا الإحتكار.
ألست معي أننا نعاني في عالمنا اليوم من ملايين اليوحنات التي تريد إحتكار القدرة والحقيقة لنفسها؟ السؤال: ألست أنا وأنت أحد هؤلاء المحتكرين؟ تذكر أن الإحتكار هو مصدر للقلق وأصل كل صراع ومفرخ للفقر والفقراء… مع ان الدعوة إلى الإغتراف والتمتع والدخول إلى العرس مفتوحة للجميع!