فكر فيما لديك بدلاً من التفكير فيما تريد

فكر فيما لديك بدلاً من التفكير فيما تريد

اعداد الأخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس – اكتوبر 2013

     إن أكثر الاتجاهات العقلية انتشارا وتدميرا هو التركيز على ما نريد بدلاً من التركيز على ما لدينا. فالفكرة التي تقول “سأكون سعيدا عندما تتحقق هذه الرغبة”، سوف تكرر نفسها بعد الحصول على رغبتنا. نحن نريد هذا أو ذاك، وإذا لم نحصل على ما نريد نظل نفكر في كل الأشياء التي ليست لدينا، ونبقى غير راضين. وإذا حصلنا على ما نريد، فنحن ببساطة نعيد نفس التفكير في ظروفنا الجديدة. لذلك رغم حصولنا على ما نريد فإننا نبقى غير سعداء، فالسعادة لا يمكن أن تتحقق طالما نحن غير قانعين بحالتنا، ونبحث دائما عن رغبات جديدة، هذا ليس معناه أن لا يكون عندنا طموحات لتطوير أنفسنا وحياتنا، لكن أعني هنا عدم الشعور بالرضا ، وعدم التقدير الكافي لما لدينا من نعم وهبات وهبها لنا الرب.

       القناعة عنصر هام لتحقيق الشعور بالرضا، وقد عُرِّفت القناعة بأنها الاكتفاء من المال بقدر الحاجة والكفاف؛ لكنّ الحقيقة أن القناعة تشمل الاكتفاء الماديّ ولكنها لا تنحصر فيه.  فمن الناس من يرضى بمستوى معيشة معين ولكنه غير قانع في الحياة لأن الله لم يعطه مثلاً ابناً (حتى ولو رزقه بنات جميلات كبنات أيوب!)، ومنهم من لا يعجبه المكان الذي ولد فيه ونشأ، ولا يعرف طعم الرضى إلا لو انطلق إلى مكان آخر. فالقناعة هي الرضى والاكتفاء في شتى أمور الحياة. وتوحي الكلمة في الإنكليزية “satisfaction” بأنها تشير إلى الإشباع، فهو شرط رئيسي للقناعة.

      ففي عصر كثرت فيه وسائل الترفيه والراحة نجد أنفسنا جميعاً بحاجة لكي نقرر ما الذي نحتاج إليه حقاً وما الذي نرغب في الحصول عليه، وما أبعد الفرق بين الاثنين! قال الجاحظ: “القناعة هي الاقتصار على ما سنح من العيش والرضا بما تسهل من المعاش.”

أمر الله في الوصايا العشر قائلاً: “لا تشتهِ بيت قريبك… ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك” (خروج 17:20). وصرّح الرسول بولس بقوله: “فضةَ أو ذهبَ أو لباسَ أحدٍ لمْ أشتهِ” (أعمال 33:20).  وفي أيامنا هذه يمكن لكل منا أن يضيف لتلك القائمة عشرات الأشياء التي يتعرّض لاشتهائها ويرغب في امتلاكها. فقد يهوى الرجل امتلاك السيارات الأحدث، وأفضل كمبيوتر متطوّر، وأرقى آلة تصوير؛ بينما تصبو المرأة إلى اقتناء المزيد من الثياب والحصول على بيت أوسع والتحلي بالمجوهرات الثمينة.  وحتى الأطفال والشبيبة في أيامنا صارت لهم قوائمهم الطويلة من هواتف خلوية وسائر ألعاب الكمبيوتر والفيديو، وصرنا في سباق مع الزمن، فما هو حديث الآن يغدو بعد أشهر بالياً ومتأخراً عن ركب الحضارة، وما علينا إلا أن نتخلص منه ونشتري الأرقى والأكثر تطوراً.

       هنا نرى أنفسنا بحاجة لتحديد ما هو فعلاً ضروري وأولوي، وأن نتعقّل فلا نتسرع لشراء كل جديد بغض النظر عن مدى احتياجنا له أو كونه متناسباً مع قدراتنا المادية وتحصيلنا. قال بولس الرسول: “قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه، أعرف أن أتضّع وأعرف أيضاً أن أستفضل، في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدرّبت أن أشبع وأن أجوع، وأن أستفضل وأن أنقص ” (فيلبي 13:4). لذلك استطاع أن ينشد: “كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء” (2كورنثوس 10:6).

علّمنا المسيح أن نصلي: “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم” (متى 11:6). كما أكد بولس للشاب تيموثاوس بأن: “التقوى مع القناعة هي تجارة عظيمة لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أنّنا لا نقدر أن نخرج منه بشيء أيضاً” (1تيموثاوس  6:6 ). لا يمكن أن نفصل القناعة عن الإيمان، فالاتكال الكامل على الله يولد الاكتفاء الذي يثمر بالقناعة، لذلك يحثنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين بقوله: “كونوا مكتفين بما عندكم لأنه قال لا أهملك ولا أتركك” (5:13).

لا شكّ أنّ في الحياة أموراً يمكن أن نغيّرها ويجب أن يكون عندنا الطموح والاجتهاد لنفعل ذلك. فإن كنت تحبّ العلم مثلاً، ما الذي يمنع أن تحصّل شهادةً أعلى؟ وإن كان عندك وفرة من الوقت، لِمَ لا تجتهد في صقل موهبة أعطاك الله إياها سواء في الموسيقى أم الأدب أم الفن؟

وخلاصة القول: هناك طريقة لنكون سعداء، وهي أن يتحول تركيز تفكيرنا فيما نريد إلى فيما نملك. فبدلا من أن تتمنى زوجة مختلفة،  حاول التفكير في صفات زوجتك الرائعة. وبدلا من أن تشكو من مرتبك كن شاكراً لأن لديك وظيفة. إن قائمة الاحتمالات بلا نهاية، ففي كل مرة تلاحظ  أنك تسقط في فخ: ” أتمنى لو كانت الحياة مختلفة ” توقف وابدأ ثانية. خذ نفساً وتذكر أن كل ما لديك يستحق الامتنان به، وعندما لا تركز على ما تريد، بل على ما لديك … سينتهي بك الأمر إلى الحصول على المزيد مما تريد على أية حال. فإذا ركزت على الصفات الجميلة لزوجتك، ستصبح هى أكثر محبة لك، وإذا  كنت سعيدا لأن لديك وظيفة بدلا من الشكوى منها، فستؤدي عملا أفضل وتكون أكثر أنتاجية وربما ينتهي الأمر بحصولك على زيادة في راتبك،  وهكذا الأمر بالنسبة لبقية الأشياء الأخرى.

     أكتب ملحوظة لنفسك: أن تبدأ التفكير فيما لديك أكثر من تفكيرك فيما تريد، وإذا فعلت ذلك، فسوف تبدأ حياتك أفضل كثيرا من ذي قبل، وستعرف ماذا يعني الشعور بالرضا.