كلمة البابا خلال امسية الصلاة مع الشباب على شاطىء كوباكابانا

كلمة البابا خلال امسية الصلاة مع الشباب على شاطىء كوباكابانا

“أيها الشباب لا تنسوا أبداً أنكم أنتم حقل الإيمان! انتم رياضيو المسيح!”

بقلم البابا فرنسيس

ريو دي جانيرو, 28 يوليو 2013 (زينيت)

ننشر في ما يلي التعليم الذي قدمه البابا فرنسيس بحماسة وخشوع إلى ما قارب مليونين من الشباب اجتمعوا على شاطئ كوباكابانا لعشية الصلاة الختامية ليوم الشبيبة العالمي.

* * *

الشباب الأحباء،

لدى رؤيتي لحضوركم اليوم، يذهب فكري إلى قصة القديس فرنسيس الأسيزي. لقد سمع أمام الصليب صوت يسوع القائل: “فرنسيس، إذهب وأصلح بيتي”. وأجاب فرنسيس الشاب بجهوزية وسخاء على نداء الرب هذا: أصلح بيتي. ولكن: أي بيت؟ توصل  فرنسيس رويدًا رويدًا إلى فهم أنه ليس بصدد ترميم مبنى من الحجر، بل أن يقدم اسهامه لحياة الكنيسة: هو بصدد القيام بخدمة الكنيسة، من خلال محبتها لكيما يشع فيها أكثر وجه المسيح.

اليوم أيضًا، يحتاج الرب لشباب لأجل كنيسته. الشباب الأحباء، الرب بحاجة إليكم. اليوم أيضًا هو يدعو كل منكم لاتباعه. لا إلى الحشود. بل لكم، لكم، لكم، لكل واحد منكم!! اسمعوا في قلوبكم ما يقوله لكم. أعتقد أننا نستطيع أن نتعلم شيئًا مما جرى في هذه الأيام: كيف اضطررنا أن نلغي، بسبب سوء الأحوال الجوية، إقامة هذه العشية في “حقل الإيمان”، في غواراتيبا. ألا يقول لنا الرب بهذا أن حقل الإيمان الحق ليس موقعًا جغرافيًا بل هو نحن!؟ نعم! هذه هي الحقيقة! كل واحد منا، كل واحد منكم، جميعًا.

أن نكون تلاميذ رسل يعني أن نكون حقل إيمان الله. لهذا، انطلاقًا من صورة حقل الإيمان، فكرت بصور ثلاث، تستطيع أن تساعدنا على فهم أفضل لما يعني أن نكون تلاميذ رسل: الصورة الأولى هي الحقل أي المكان الذي نزرع فيه؛ الثانية، هي الحقل أي المكان الذي نتدرب فيه؛ الثالثة هي الحق كالمكان الذي يتم فيه عمل البناء.

الأول: الحقل كالمكان الذي يتم فيه زرع البذار. نعرف جميعنا مثل يسوع الذي يتكلم فيه عن مزارع خرج ليزرع حقله: بعض الحب سقط على جنب الطريق، البعض الآخر بين الحجارة أو وسط الشوك، ولم يعط ثمرًا؛ ولكن البعض الآخر وقع في الأرض الطيبة وأعطى ثمرًا كثيرًا (راجع مت 13، 1 – 9).

لقد شرح يسوع عينه هذا المثل: الزرع هو كلمة الله المزروعة في قلوبنا (راجع مت 13، 18 – 23). اليوم، كل الأيام، ولكن اليوم بشكل خاص، يسوع يزرع. عندما نقبل كلمة اللع، عندها نكون حقل الإيمان.

أرجوكم، اسمحوا ليسوع ولكلمته أن تدخل في حياتكم، اسمحوا لزرع كلمة الله أن يزهر، اسمحوا له أن ينمي. الله يفعل كل شيء ولكن أنتم، أفسحوا له المجال ليفعل، اسمحوا له أن يكون فاعلاً في هذا النمو.

يقول لنا يسوع أن البذر الذي سقط على جنب الطريق أو بين الحجارة والشوك لم يعط ثمرًا. أعتقد أنه بصدق نستطيع أن نسأل ذواتنا: أي نوع من التربة نحن؟ أي نوع من التربة نريد أن نكون؟ أحيانًا نحن مثل الطريق: نسمع الرب، ولكن لا يتغير شيئًا في حياتنا، لأننا سمحنا لكثير من الضجيج السطحي أن يشوشنا. وأنا أسألكم، ولكن لا تجيبوا الآن، بل كل في إطار قلبه: “هل أنا شاب أو شابة مشوش أو مشوشة؟” هل نحن مثل التربة المليئة بالحجارة: نقبل يسوع بحماس، ولكننا لا نثبت أمام الصعوبات، لا نملك شجاعة الذهاب بعكس التيار. فليجب كل منا ف قلبه: هل أنا شجاع أم جبان؟

أو هل نحن مثل الأرض المليئة بالأشواك: الأشياء، الأهواء السلبية تخنق فينا كلمة الرب (راجع مت 13، 18 – 22). هل هناك في قلبي عادة أن ألعب دورين متناقضين: أن أحسن التصرف مع الله وأن أحسن التصرف مع الشيطان؟ رغبة أن أقبل زرع يسوع وفي الوقت عينه أن أروي أشواك والأعشاب السيئة التي تولد في قلبي؟ ولكن اليوم، أنا أكيد أن الزرع يستطيع أن يقع في الارض الطيبة. فلنسمع لهؤلاء الشهود، لنعرف كيف وقت البذر في أرض طيبة. “لا، أيها الآب، أنا لست تربة طيبة، أنا كارثة، أنا مليء بالحجارة، بالأشواك، بكل أنواع الاشياء”. نعم ربما ذلك صحيح في الظاهر، ولكن حرر جزءًا من الأرض، جزءًا صغيرًا من التربة الطيبة، واسمح للبذر أن يقع هناك وسوف ترى كيف ينمي.

أنا أعرف أنكم تريدون أن تكونوا أرضًا طيبة، مسيحيين حقًا، لا مسيحيين يعملون “نصف وقت” (part-time)؛ لا مسيحيين بلا خمير، متكبرين، يبدون فقط أنهم مسيحيين ولكن بالعمق، لا يفعلون شيئًا؛ لا مسيحيين مظهريين، مسيحيي الشكليات فقط، بل مسيحيين أصيلين.

أعرف أنكم لا تريدون أن تعيشوا وهم حرية لا أساس لها تنجذب وراء الموضة وفرص اللحظة الحالية. أعرف أنكم تصبون إلى العلاء، إلى خيارات نهائية تعطي معنى كاملاً. هل الأمر كذلك أم أنا مخطئ؟ هل الأمر كذلك؟ حسنًا، إذا كان الأمر كذلك، فلنفعل أمرًا سوية: فلنسكت جميعنا، فلننظر إلى قلبنا وليقل كل واحد منا ليسوع أنه يريد أن يقبل البذر. قولوا ليسوع: انظر، يا يسوع، الحجارة الموجودة في قلبي، انظر إلى الأشواك، انظر إلى الأعشاب السيئة، ولكن انظر أيضًا إلى الأجزاء الصغيرة من الأرض الطيبة التي أقدمها لك لكي يدخل البذر. بصمت، فلنسمح لبذر يسوع أن يدخل.

اذكروا هذه اللحظة. كل منكم يعرف اسم البذر الذي دخل. اسمحوا له أن ينمي، والله سيعتني به.

الحقل. الحقل، إلى جانب كونه موضع زرع، هو أيضًا موضع تدريب. يطلب إلينا يسوع أن نتبعه طوال كل حياتنا، أن نكون تلاميذه، أن “نلعب في فريقه”. القسم الأكبر منكم يحب الرياضة. وهناك، في البرازيل، كما في دول أخرى، كرة القدم هي شغف وطني. أليس كذلك؟ حسنًا، ماذا يفعل لاعب عندما يتلقى دعوة للدخول في فريق ما؟ يجب أن يتدرب، أن يتدرب كثيرًا! وهكذا حياتنا كتلاميذ الرب. يصف القديس بولس المسيحيين فيقول: “كل رياضي يضبط نفسه في كل شيء اما اولئك فلكي ياخذوا اكليلا يفنى و اما نحن فاكليلا لا يفنى” (1 كور 9، 25). يقدم لنا يسوع شيئًا أكبر من كأس العالم! يقدم لنا يسوع إمكانية حياة خصبة، حياة سعيدة ويقدم لنا مستقبلًا معه لا نهاية له، في الحياة الأبدية.

هذا ما يقدمه يسوع لنا. ولكنه يطلب إلينا أن “ندفع” الدخولية، والدخولية هي أن نتدرب لكي نكون في حالة جيدة، لكي نواجه دون خوف كل حالات الحياة، ونشهد لإيماننا. من خلال الحوار معه: الصلاة وهو سيصغي الينا دائما. أبتِ، الآن تدعونا للصلاة جميعًا؟ أليس كذلك؟ أسألك… ولكن أجيبوا بقلوبكم، لا بصوت عالٍ، بل بالصمت: هل أصلي؟ فليجب كل منا. هل أخاطب يسوع، أم أخاف من الصمت؟ أسمح للروح القدس أن يتحدث في قلبي؟ من خلال الأسرار، التي تجعله حياته تنمو فينا وتثبتنا بالمسيح. من خلال محبتنا لأحدنا الآخر، وتعلمنا الإصغاء، والتفهم، والسماح، وقبول الآخرين ومساعدتهم، من دون استثناء. أيها الشباب الأعزاء، كونوا “رياضيين” حقيقيين للمسيح!

3- الحقل هو ورشة بناء. عندما يكون قلبنا تربة جيدة تقبل كلمة الرب، عندما “نتبلل بالعرق” في جهدنا لنعيش كمسيحيين، نختبر شيئًا عظيمًا: لسنا ابداً بمفردنا، نحن جزء من عائلة من الاخوة والاخوات، يسيرون معاً على نفس الدرب: نحن جزء من الكنيسة؛ بالفعل نحن نبني الكنيسة ونحن نكتب التاريخ. يقول لنا القديس بطرس أننا حجارة حية، تشكل هيكلا روحياً (راجع 1بط 2:5). في النظر الى هذا المنصة نرى أنها على شكل كنيسة، مبنية بالحجارة. في كنيسة المسيح، نشكل نحن بأنفسنا الحجارة الحية. يسوع يطلب منا ان نبني كنيسته، ولكن ليس كنيسة صغيرة تتسع لعدد قليل من الأشخاص. إنه يسألنا ان نجعل كنيسته الحية كبيرة لدرجة ان تتسع لكل البشرية، لتكون بيتاً للجميع! لي، لكم، ولكل واحد منا يقول : “اذهب وتلمذ جميع الامم”. فلنجبه هذا المساء: نعم، أنا أيضاً أريد أن أكون حجراً حياً. معاً نريد ان نبني كنيسة يسوع! فلنقل جميعاً معاً: أريد ان أمضي قدماً وأبني كنيسة المسيح!

تتقد في قلوبكم الشابة، رغبة في بناء عالم افضل. لقد كنت أتابع عن كثب أخبار العديد من الشباب حول العالم، الذين نزلوا الى الشوارع ليعبروا عن رغبتهم في مجتمع أكثر أخوة وعدلا(وهنا في البرازيل) نزلوا الى الشوارع ليعبروا عن رغبة في حضارة أكثر عدلا وأخوة. هناك شباب يودون أن يكونوا أدوات تغيير. أنا أشجعهم، بطريقو منظمة وسليمة ومسؤولة، مبنية على قيم الإنجيل، ليواصلوا التغلب على اللامبالاة ويقدموا تجاوبًا مسيحيًّا للإنشغالات الإجتماعية والسياسية في بلدهم. ولكن يبقى السؤال: من أين نبدأ؟ ما هي الشروط لبناء مجتمع اكثر عدلاً؟ سأل أحدهم الام تيريزا يوماً ما الذي نحتاج اليه لنغيّر الكنيسة:؟ فكانت إجابتها: أنت وأنا!

أصدقائي الأعزاء، لا تنسوا أبداً أنكم أنتم حقل الإيمان! انتم رياضيو المسيح! أنتم مدعوون لبناء كنيسة اجمل وعالم أفضل. فلنرفع نظرنا نحو سيدتنا. مريم تساعدنا لنتبع يسوع، وهي تعطينا مثل عبر “نَعمها” للرب: ” ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك” (لو 1:38). فلننضم جميعاً الى مريم ونقول لله: فليكن لنا بحسب قولك. آمين!

***

نقله الى العربية روبير شعيب ونانسي لحود-وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية