هل الدعوة طريقٌ من اختيار الإنسان ؟

زيف بيشا: إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

قبل أن أقرّر دخول إكليريكيّة الآباء اليسوعيّين بثلاثة أيّام، قلت لأهلي:

– إسمعا، لقد قرّرت الذهاب إلى إكليريكيّة للآباء اليسوعيّين.

وكم كانت هذه الأيّام الثلاثة صعبة بالنسبة إليّ لأنّهم لم يكفّا عن البكاء، عاجزين عن فهم ماذا كنت فاعلاً. ربّما، أنا نفسي، لم أفهم جيّداً، في ذلك الوقت، ما الذي كنت أفعله.

السيّد أرماندو تشيتشاريللي

عميد إكليريكيّة شكودر

كان الأمر أكثر سهولة بكثير، بما أنّ الشباب لم يكونوا مضطرين إلى التخلّي عن الكثير الكثير من أسباب الراحة التي توافرت هنا أيضاً. أمّا اليوم، فهم يدركون أنّ اختيار هذا الطريق يتطلّب منهم ان يتركوا وراءهم أموراً عديدة. إذن هذه دعوة للقيام بفحص عميق للضمير.

جنت دجيوني :إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

لم أقم بخياري هذا في سنٍّ مبكرة فقد بلغت الثامنة والعشرين من العمر، ولكن باستطاعتي أن أصفه كنضوجٍ للحسّ الديني.

سنحت لي الفرصة أن أسافر خارج الحدود الألبانيّة فقضيت ثماني سنوات في سويسرا. هناك، حاولت أن أستوحي أفضل صفات هذه البيئة المتديّنة. قرأت اعمالاً في الأدب المسيحي الكاثوليكي. وقرأت أيضاً كتباً من الطرف الثاني، عن نظرة غير المؤمنين إلى الإيمان الكاثوليكي لأنّي أنا أريد لأفكاري أن تكون واضحة وأن اتلقّن تعاليم إيماني ومبادئه- فهذا طريقٌ يختاره الإنسان.

الراوي :تمثّل الإكليريكيّة الروحيّة الأبرشيّة في شكودرا، عاصمة ألبانيا، أمل الكنيسة الألبانيّة، فهي الأولى في البلاد بعد سقوط الشيوعيّة. يدير هذه الإكليريكيّة آباءٌ يسوعيّون إيطاليّون، أمّا بناؤها فقد تمّ بفضل منظّماتٍ خيريّة دوليّة مثل منظّمة “المساعدة للكنائس المعوزة”. تنقسم الدروس إلى مرحلتين، الإكليريكيّة الصغرى والإكليريكيّة الكبرى، موازيتين للمرحلتين الثانويّة والجامعيّة فتمكِّن هذه المقاربةُ التعليميّة الواسعة الطلاّبَ من اختبار فهم أكثر عمقاً ونضوجاً لدعوتهم إلى الكهنوت. تَعدّ الإكليريكيّة اليوم تلامذة قليلين ولكنّ هذا ليس مستغرباً بالنظر إلى عدد الكاثوليك في ألبانيا، فثمّة أربعمئة ألفٍ منهم فقط.

جنت جيوني: إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

أورثتني أمّي الإيمان بقدر استطاعتها، لأنّني ولدت لمّا أعلنت ألبانيا ذاتها الدولة الملحدة الأولى. لذا، شحّت المساعدات الموجّهة إلى التعليم الديني الذي تمّ بالمشافهة فقط. بالتالي، هي أمّي التي مرّرت لي الإيمان وفي السرّ.

زيف بيشا:إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

أتذكّر صليباً عهد أبي أن يصلّي أمامه على الدوام وقد احتفظ به مخبّأً. فكان والدي، كلّما انتهى من الصلاة، أخفى الصليب في مخبأه لأنّه خاف كثيراً أن يُكتشف أمره. في الواقع، نحن تربّينا في هذا الجوّ من الخوف من الكلام بحريّة مع أيٍّ كان.

الأب أرماندو شيتشاريلليفي

عميد إكليريكيّة شكودر

لقد علّمتهم تربيتهم في ظلّ نظامٍ توتاليتاريّ أن لا ينفتحوا أو يثقوا كثيراً. مع أنّني أرى أنّ ثمة سبب آخر لهاتين الصفتين، غير الخمسين عاما من الحكم الشيوعي، أرى أنّ معرفة المنطقة وفهمها شيئان عسيران.

الراوي

الألبانيّة هي ديانة ألبانيا. لقد تبدّل تاريخ البلاد إلى حدّ انّ ما من ديانة استطاعت أن تجمع الأمّة برباط واحد. لذا، شكّلت ألبانيا مثالاً للبلد المنقسم بحسب دياناته. يشهد التاريخ أنّ القسطنطينيّة عزّزت الإيمان الأرثوذكسي، عقبه نشر روما للكاثوليكيّة، في حين أنّ الغزوات التركيّة أدخلت الإسلام. ولّد هذا الواقع ذهنيّة مركزيّة ألبانيّة ضمنت، في أوقات المحن، الهويّة الوطنيّة الألبانيّة، ولكنّها ، تشوّهت، مع مجيء الشيوعيّة، شوّهها مثالٌ نبذ الكنيسة والجامع لصالح القوميّة الألبانيّة.

تمّ في تلك الأيّام، إدخال دستور ملحد باسم الوحدة الوطنيّة، ثمّ جاءت طائفة من القوانين الواسعة النطاق قضت، في آخر الأمر،على الدين في أنحاء البلاد كافّة. أمّا اليوم، فقد ترافق الانبعاث الديني من تحت الرماد ببعض التحدّيات ابرزها النقص في عدد الكهنة. هذا النقص أدّى إلى الاتّكال على المرسلين الأجانب. هو امر حيويّ، ولكنّه بدوره، أدّى إلى وعيٍ أكبر للحاجة إلى الرهبان والراهبات والكهنة المحليّين.

جنت جيوني :إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

على الكاهن أن يبقى ملتصقاً بالمكان الذي ولد فيه أو بالناس الذين يفهم طريقة عيشهم وحاجاتهم أكثر من سواه فيكون اكثر فعاليّة من شخصٍ من بلد آخر أخذ على عادات وتصرّفات أخرى.

زيف بيشا:إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

أتى، عقب سقوط النظام الشيوعي، مرسلون كثر، فأعيد، مثلاّ إحياء رعيّتنا. جاء إلى بلدتي أيضا كاهن رعيّة، هو متوفٍّ اليوم، كان سبق له أن ألقي القبض عليه وأرسل إلى معتقل للأشغال الشاقّة. وأمّى ألبانيا، كذلك، على وجه السرعة، مرسلون آخرون جاؤوا من إيطاليا ومالطا وغيرهما من البلدان. أثار الأمر اهتمامي وحماستي لأذهب وأنظر وأكون بين هؤلاء الناس فأرى كيف يعملون ويعيشون.

جنت جيوني :إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

نلت مناولتي الأولى والتثبيت، في العام 1991. فاتصالاتي بدأت مع مجموعات من الشباب اليسوعيّينن في تيرانا. هناك، نمت فيّ روابط قويّة مع الحياة المسيحيّة.

الأب أرماندو شيتشاريللي

عميد إكليريكيّة شكودر

لقد حفّزهم الشعور بالحريّة، الحريّة بأن يمارسوا بعد زمن طويل، الإيمان الذي يختارون من دون قيود. إلاّ أنّ ثمّة رغبة في الانتقام، هي أيضا ظهرت وهذه ليست وليدة دعوة أساسها حوافز نقيّة. واجهنا بعض المشكلات مع أشخاصٍ حرّكتهم رغبة قويّة ليصيروا كهنة ولكن نقصتهم الشخصيّة الملائمة لهذه الصفة. فهموا ذلك وتألّموا له، وبما أنّهم تعرّضوا للاضطهاد، فقد تكوّنت لديهم القناعة أنّ بإمكان المرء أن يغيّر الناس بالقوّة، لذا كنتَ تسمعهم يقولون:

– سأكون هذا بالضبط، كاهناً قويّاً.

جنت جيوني :إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

أردت ان اخدم الكنيسة الكاثوليكيّة في ألبانيا ولو قليلاً، لأنّها تألّمت أكثر من غيرها من الكنائس في أوروبا الشرقيّة. لقد قدّمت اقافلة شهداء الإيمان خاصّتها لأنّهم كانوا كهنة، لأنّهم لم يفضّلوا الدولة على الله. أشكر الله لأنّني الآن في ألبانيا وأسعى جاهداّ لأجد مكاني في الكنيسة الكاثوليكيّة كجزءٍ من هذا التقليد.

زيف بيشا:إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

فكّرت في الالتحاق بالجامعة، سنة بعد انتهائي من المدرسة. ولكنّني عندها بدأت أتردد على الرعيّة ومع الوقت صرت أذهب إلى هناك أكثر فأكثر. أتذكّر كيف كنت أخرج غالباً- بيد أنّ والدي أرادني أن ابقى في المنزل لأدرس – هارباً إلى الرعيّة حتّى أكون مع الشباب. حصلت على كتابي المقدّس الأوّل باللغة الألبانيّة. قُدِّم لي هديّة، هديّة جميلة، لا زلت أحتفظ به إلى اليوم ولا زال بحالة جيّدة.

الراوي

ألقت خمسون عاماً من الشيوعيّة بظلّها على نظرة المجتمع إلى الكنيسة. تواجه الكنيسة، بالإضافة إلى العمل الرعوي المعتاد، سنين عديدة من التربية المسيحيّة حتّى تعتق المؤمنين من قوالب الماضي النمطيّة. ولكن ثمّة عائق لهذا، هو النقص بعدد الكهنة الألبان و مهمّة تثقيفهم المكلفة التي إن استطاعت الكنيسة الألبانيّة أن تحمل وزرها، فيكون الأمر بعُسرٍ كبير.

الأب أرماندو شيتشاريللي

عميد إكليريكيّة شكودر

تعكس الإكليريكيّة دائما، ولو جزئيّاً، الكنيسة التي يأتي منها الإكليريكيّون. هنالك، اليوم، حاجة أكبر للعمل مع الناس على صياغة الضمائر وعلى كشف النقاب عن الدعوات المختلفة. تلعب الإكليريكيّة في هذا المجال، دوراً خاصّأً، لأنها تجمع الأشخاص الذين لا يبدأون كلّ شيءٍ من الصفر. هؤلاء، قاموا بالخطوات الأولى في الجماعات وهم يطلبون تعميق دعوتهم.

زيف بيشا :إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

أتيت إلى هنا، وفي البداية، لم أجد ما كنت أبحث عنه. كانت الحياة مختلفة فتشوّشت أمنياتي. عهدوا إليّ، بعد عام، بمجموعة من الشباب الإيطاليّين الذين أتوا إلى ألبانيا كجزءٍ من مشروع نظّمه اليسوعيّون. حضروا ليحقّقوا عملاً معماريّاً وعملاً إجتماعيّاً مع المصابين بالإعاقات وليشاركوا أيضا في المضمار التعليمي. لقد سحرتني مقاربة اليسوعيّين للناس، كانت بسيطة ومتساهلة للغاية. اكتشفت، في ما بعد انّ الرسالة احتلّت الصدارة في الأهميّة، وما الرسالة؟ ان نكون للآخرين، في الحالات كلّها – بالضبط هذا- من دون الحاجة إلى الأعمال الكبيرة. كان هذا اكتشافا جميلاً جدّاً وقد أعطاني الكثير الكثير.

جنت جيوني:إكليريكي

إكليريكيّة شكودر

يتمتّع كلّ واحدٍ منّا بهبة الإيمان ولكن لكلّ واحد طريقته في التعبير عنه. النصيحة الأبرز التي أستطيع أن أقدّم هي التروّي ومنح الله بعض الوقت وعدم الإقدام على شيء من دون إعطاءه ما يلزم من التفكير. فالاتّزان في غاية الأهميّة، لا سيّما في الشؤون الروحيّة.

منتج منفّذ مارك فون ريدمان

بدعم:

إي أس أن لوغو

المساعدة للكنائس المعوزة

شبكة الإذاعة والتلفزيون الكاثوليكي، 2006