والخلائق تسبح بحمده “اليدان “

والخلائق تسبح بحمده “اليدان “


المونسنيور د. بيوس قاشا

نعم ، المخلوقات، مهما كانت صغيرة وتافهة، تعكس بطريقة أو بأخرى

         حكمة ومحبة ورسالة… وكلما كان الإنسان صالحاً وخالياً من الأنانية والكراهية ، وجد سهولة في فهم المعنى العميق لحوادث الحياة اليومية. فالقلب إذا ما خلا من الأنانية والكراهية ، أمتدّ تبصّره إلى عمق أعمق وأبعد، لأنه لا يتوقف عند سطحية الأمور، بل يفحص كل شيء ليصل إلى الغاية المنشودة والتي من أجلها كانت رسالة الله في المسيح الحي ، والتي فيها علّمنا ودرّبنا ورسم لنا طريقاً واحدة تقود إليه، وجعل الدنيا وما فيها من أجلنا عبرة ولغة وحقيقة.. وما الحقيقة إلا الله. فها هي المخلوقات تقودنا إلى الأمور العظيمة رغم الحواجز والفشل، وإلى الاستسلام لإرادة الله لأنه الخير الأسمى والعبرة السامية والغاية القصوى .فعبرَ مقالات  من ” والخلائق تسبح بحمده” أُدرج هنا مخلوقات تعكس لنا ولكم محبة ورسالة وحقيقة .

إنَّ الأدمغة الفارغة لا تقدّم خدماتٍ نافعة للبشرية،إلا محسوبياتها، أما الأيدي الفارغة فإنها ينابيع للتدفّق والعطاء. يزعم المتحذلقون أن العقل الإنساني هو أساس التفكير المجرد والعلوم النظرية، بينما الغريزة الحيوانية هي دافع العمـل اليدوي والعلوم التطبيقية.لكن هذا الوهم يتبدّد عندما ننظر إلى أيدي الأمّهات وهي تحتضن أطفالهنّ وتهزّ مهودهم، وأيدي ملائكة الرحمة وهي تعتني بالمرضى وتضمّد الجرحى، وأيادي الفلاحين التي تقدّم الخبز للجائعين، وأيادي الطبّاخين التي تعدّ الطعام للفقراء،وأيادي الاطباء والممرضين والممرضات التي تبذل قصارى جهدها لانقاذ الانسان من الوباء ،وأيادي الميكانيكيين وعمّال البناء المتشققة التي تقيم المصانع وتشيّد العمارات، وهنالك أيضاً الأيادي التي تمتدّ للاستجداء، والأيادي التي تلوّح في الفضاء لحظة الوداع، ويدا رئيس الجوق اللتان تنسّقان النغم مع عزف العازفين.لكن البشر استخدموا أيديهم أيضاً للقتل والنهب والحرق والتخريب. لقد كان سبب جميع الحروب هو طمع الإنسان وميله إلى الأخذ دون العطاء. فاستخدم العنف والسيف عند الضرورة ليعود ويداه محمّلتان بالغنائم والأسلاب.هنالك يدان كانتا قد امتدّتا أفقياً باتجاهين متعاكسين، وقد ثقبهما مسماران، ومن الحفرتين اللتين صنعهما المسماران، ينبوعٌ أخذ يتدفّق ولم ينضب منذ واحد وعشرين قرناً حتى يومنا هذا، ولا يزال يروي البشرية ويحميها من العطش والضياع. إنه يسوع الحي ، القائم من بين الاموات ، بهاتين اليدين كنتَ تبارك جموع اليهود يا سيدي قبل أن يقبضوا عليكَ ويعلّقوكَ فوق الصليب.

بهاتين اليدين الفارغتين كنتَ تشفي المرضى وتقيم الموتى وتعيد البصر للعميان والنطق للبكم.

وبهاتين اليدين أيضاً حوّلتَ الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل (يو7:2).

يداكَ يا سيدي فارغتان تماماً، مبسوطتان دوماً للعطاء دون الأخذ. لقد أعطيتَني يا سيدي يدين كبقية البشر، فماذا صنعتُ بهما وكيف استعملتُهما؟.لو لم تكن قد حرَّرتَ أيدينا من الالتصاق بالأرض لكنّا حتى اليوم نسير على أربع قوائم كبقية البهائم والحيوانات. وبعد ذلك انقسمت أيدي البشر إلى صنفين متناقضين:

         الأولى: هي الأيادي الفارغة التي تمتلئ، وهي التي تأخذ ولا تعطي.

         والثانية: هي الأيدي المملوءة التي تُفرغ وهي التي تعطي ولا تأخذ.

إن أيدي البشر هي التي بنت كل شيء، وهي نفسها التي هدمت كل شيء في هذا العالم. هبني يا سيدي أن أكون من صنف الذين يبنون ولا يهدمون، من صنف الذين يقولون الحقيقة شهادة لمسيرتك ، من صنف الذين يعطون ولا يأخذون، متذكراً أيام طفولتي والأيادي التي كانت تحملني وتحيطنــي بالمودّة والعطف، والتي قامت بتربيتي ولا زالت مهتمة بإطعامي وإكسائي وإسكاني، عسى أن تمحو ذكراها مني جميع نوازعــي وغطرستـــي وادّعاءاتي الباطلة، وتضع في قلبي شيئاً من الرأفة والحنان، وتعلّمني معنى التساهل والمحبة!.هبني يا إلهي أن أعمل وأكـدّ وأتعب من أجل الآخرين دون أن أتوقع منهم جزاءً ولا مكافأةً. هبني يا سيدي ألاّ تكون يداي مفتوحتين عند الأخذ، ولا مقفلتين عند العطاء، بل دوماً فارغتين، شبيهتين بيديكَ المثقوبتين بمسمارين.أمين نعم يارب ، آمين