عظة الاحد الرابع من ابيب

الموت والحياة رؤية مسيحية

بقلم / الاب بولس جرس- راعى كاتدرائية العذراء بمدينة نصر

 خاص بالموقع

إعداد ناجي كامل- مراسل الموقع بالقاهر

 الحياة هبة من الله ،لا ينكر ذلك انسان عاقل او عقل مفكر ، وهى هبة ثمينة محفوظة فى آنية خزفية وهى الجسد ، معرضة للكسر والسكب والهلاك فى اية لحظة . وهذا ما اتفق العالم على ان يسميه "الموت" فصار الموت عدوا للحياة ، عدوا للانسان ، عدوا للوجود، يهدد عروش الملوك ويتساوى امامه الاباطرة مع الصعاليك ، فصار الموت هو العدو الذى لا يقهر وظل الانسان ينظر اليه فى رعب ويتعامل معه بالاسى والدموع وينظره فى خوف وارتعاد.

    وهكذا ظل صراع الموت و الحياة محتدما مرعبا مخيفا إلى ان جاء يسوع ليكشف للبشرية حقيقة الموت ، وتقف البشرية امامه وامام تعاليمه مذهولة  ومستغربة.

         تراه يمسك بيدى ابنة يايرس ويقول انها " نائمة لم تمت " ونسمعه يناديها فتقوم الصبية .

         نراه يلمس النعش وينادى ابن ارملة نائين "ايها الشاب لك اقول قم " فيسمعه الشاب ويقوم .

         نراه يقتحم قبر لعازر وقد انتن بعد اربعة ايام ويناديه "لعازر هلم خارجا" فيخرج ملفوفا .

يا للعجب متى كان الموتى يسمعون لكننا نراهم يسمعون !

         متى كان الموتى يشعرون لكننا نراهم يحسون بلمسة يديه!

         متى كان الموتى يتجاوبون لكننا نراهم يطيعون اوامره!

         متى كان الموتى يسمعون النداء لكننا نراهم يلبون نداءه!

ليس غريبا عن ذلك الرجل قوله" الحق اقول لكم انا القيامة والحياة من آمن بى وان مات فسيحيا" ،ليس كثيرا عليه ان يقول ستأتى ساعة يسمع فيها الذين فى القبور صوت ابن الله والذين يسمعون يقومون"

ليس غريبا لمن قهر شوكة الموت بالقيامة ان يحول موت احباءه الى انتقال نحو الحياة الافضل،فإذا كان الموت هو نهاية الحياة الارضية فى الجسد "الآنية الخزفية " وإذا كانت الحياة هبة من الله ونحن نعلم انه لا يسترد هباته وعطاياه…فإذن الحياة لا تموت لكنها تتحول ،تتغير ،تنتقل من عالم حسى منظور الى عالن روحى غير منظور فهى نسمة من الرب والرب ابدا لا يموت ولايعرف الفناء وليس للموت عليه من سلطان .

هذه هى رسالة قراءات هذا الاحد تعالوا نتأملها:

 

 

+ البولس من الرسالة الى فيلبى 1/12 إلى اخر الاصحاح  "الموت ربح"

يتكلم بولس عما يلاقيه من صعاب فى سبيل الكرازة بالمسيح وهو لعمق ايمانه وشدة تعلقه بالرب لا يوقفه شئ عن الكرازة باسمه والتبشير بلاهوته الذى غلب الموت ويعطى الحياه …اضطهدوه فازداد صياحا طاردوه فجال العالم و المسكونة ،حاكموه فبشر الحكام سجنوه فلم تمنعه القيود  من غزو مقر امبراطور روما بجرعات الايمان ..

         يتعظم المسيح فى جسدى انا بالحياه او بالموت:

هذا هو لاهوت الموت فى المسيحية فالموت لايضع حدا للوجود الانسانى فى ذاته ولا للعلاقة بالمسيح فهوذا المسيح يتعظم فى شخص الرسول بولس وفى جسده سواء كان بولس حيا بالجسد على الارض سواء زال وجود هذا الجسد الارضى.

         لان الحياه لى هى المسيح والموت ربح  لى:

لقد ادرك الرسل كنه الموت وكشف سره ، لم يعد يخشى علاماته ولم تعد ترهبه لقياه ، انه يعرف المسيح وبالمسيح يحيا وفى المسيح يعرف انه لا حياه ولا موت يقدران على ان يفصلاه عن ذلك الشخص وعن تلك الوحدة فهى وحدة واتحاد لا يعرفان الموت ،على العكس يرى بولس الشيخ المريض والمنهك القوى من الجهاد ان الموت هو ربح وانتصار فحياته فى الجسد مهما كان مريضا او ضعيفا وهزيلا هى "ثمرة عمل" لن يتوقف ابدا عن العمل التبشسرى رغم المتاعب و الاضطهاد ولا عن العمل اليدوى رغم المرض والعلل .

         لى اشتهاء ان انحل لاكون مع المسيح :

يشعر بولس انه "محصور" يريد ان ينحل من حصاره وان ينطلق ليكون مع حبيبه فى احضانه يشاركه مجده بعد ان شاركه الآمه ، وليس ذلك مجرد قبول بالامر الواقع ولا خضوع للصليب يجب ان يتحمله بصبر بل عند بولس "شهوة" تماما كشهوة المسيح ان يتناول الفصح.

         وذلك افضل بكثير:

لقد قرا وفهم وادرك ان كل مافى هذه الحياه من متع وشهوات يتمسك بها الناس انما هو بخار يظهر قليلا ثم يضمحل ومجد باطل سرعان ما يذبل لذا فهو وقد انفتحت عيناه وصار يتتوق الى ما هو ابدى وباق لايزول ولايتقيد ولايتبدل ولايلحقه خلل أو مرض أو فساد ، لقد اختار بولس "النصيب الصالح الذى لن ينزع منه" .

+ الكاثوليكون من رسالة بطرس الاولى 1/25-2/8  " حجارة حية"

حيث يولد الانسان من جديد بمعرفة الرب يسوع والايمان به ،وبتذوق كم هو صالح ذلك الرب الاله الذى تجسد ومات كحجر مرزول لدى الناس مختار من الله ليكون رأس الزاويه ونبع الحياه لكل من يؤمن به ..يتحول المسيحى بالاتحاد بمخلصه الحى إلى" حجر حى " وجزء من بناء هيكل مقدس كهنوتى ويصير هيكلا للروح ومذبحا يقدم عليه ويصعد منه ذبيحة يومية ،ذبيحة روحية ،هكذا تتحول حياه المسيحى وكل من يؤمن بالمسيح غلى حياه مقدسة حياه متحدة بالمسيح ولاهوته حياة حية حياه ابدية ،حياه لا تعرف الموت لانها متصلة بالحجر الحى نبع الحياه وكل من يؤمن به لا يخزى وهو كرامة لكل المؤمنين .

+ الابركسيس  من سفر اعمال الرسل 19/11-13  " آلم ومجد "

يحدثنا هذا الفصل عن عظمة الرسل لا سيما بطرس وبولس وقد حول الرب الآم بولس التى كانت تمثل له شوكة فى الجسد إلى علامة مجد حيث صار ما يربط جراحه من لفائف ومناديل ومآذر مصدر شفاء من الامراض ونبع تطهير من الارواح الشريرة ..كيف يحول الرب الآله إلى مجد هذا هو سره!  سر المسيح الذى عاشه قبلنا فحول الموت إلى قيامة والصليب علامة العار إلى علامة المجد والانتصار والقبر علامة النهاية والفناء إلى منارة ونبع للقيامة والرجاء.

+ المزمور 39/6   " عظمة الرب "

         انت ايها الرب إلهنا ما اكثر ما صنعت لنا: عظيمة هى اعمال الله فى حياتنا.

         فى افكارك من يتشبه بك: من مثل الرب الهنا ومن يستطيع ان يتشبه به.

         فى كل حين يعظم محبو خلاص الرب : نحن نعظمه ونمجده ونشكره فى كل حين فى الضيق والفرح ،فى الفرح والحزن ، فى الحياه وفى الموت ، الهنا عظيم.

+ الانجيل من يوحنا 11/1-45   " قيامة لعازر "

         وكان انسان مريض اسمه لعازر:

هو صديق ليسوع ،يحبه ويدخل بيته "الله يعين" لعازر هذا معناه فهل سيعينه الله فى مرضه .

         فلما سمع يسوع : يسوع سمع ،و السماع فى الكتاب المقدس يعنى إستجابة فكيف ستكون استجابة الرب على مرض صديقه ،عادة ما تكون استجابة الله مختلفة عن البشر وتدبيره لا يشبه تدبيرهم ،فبدلا من ان يسرع اليه مكث فى الموضع حيث هو ثلاثة ايام وبدلا من ان يلبى تمهل ،وبدلا من ان يتحرك نراه يثبت وكأن الامر لا يعنيه أو كانه لم يسمع على الاطلاق وقد نستغرب من الرب هذا التصرف نحو صديقه الذى يحبه جدا ويبكى ويدمع عينيه الغاليه لكن هناك تدبير اعلى من مجرد الشفاء لايراه لعازر ولا اختيه ولا التلاميذ لكن الرب كالعادة عالم بما سيعمل . وهو العالم بكل شئ يعلن لتلاميذه "لعازر حبيبنا قد رقد وتحدثا عن رقاد الموت.

         فالنذهب اليه : فات الاوان بالنسبة للبشر ،رقد ،مات، دفن، لم يعد ممكنا حتى إلقاء نظرة الوداع عليه ، غاب العلم فى المرض ،تأخر إلى الموت لم يحضر حتى مراسيم الدفن والصلاة ؟ لماذا؟ كيف ؟ لما يامعلم اسئلة بلا رد على شفاه الجميع حتى لعازر نفسه !

  نحن لا نعرف فكر الله بينما يقرأ افكارنا

  نحن لا ندرك تدبير الرب بينما هو قد اعد لنا

نحن نرى واقع الموت ونبكى الفراق بحرقه بينما هو يرى الحياه ويعد القيامة ويعد بفرح ابدى!

         لو كنت ها هنا لم يمت اخى : لحظة لقاء موجع ومؤثر تتطلب إيمانا " آلم اقل لك انك إن آمنت فسترين مجد الله ،آلم اقل لك غن اخاك سيقوم ،آلم اقل لك ان لعازر سيحيا وانى آت لاوقظه من رقاده.

         ارفعوا الحجر : يريد الرب مساهمة الانسان فى المعجزة ! آلا يستطيع ذاك الذى نادى الميت من القبر وقد انتن ان يزيح الحجر بنظرة من عينيه او يكلف ملاكا بذلك …هو يريد مشاركتنا لا يريدنا متفرجين ،يريد مشاركة تفترض ايمانا وتسليما .

         لعازر هلم خارجا: ما اعظم الصوت وما اروع اللحظة …غريب ان الجسد المتحلل وقد بطلت الحواس غريب ان العضل المنحل يتحرك ويهب واقفا ،غريب ان الجسد الميت يصحو ويهب واقفا ،غريب ان الجثمان المسجى والمكفن بالاربطة يسير إلى الخارج.

         حلوه : لا اريد الانسان بعد اليوم حبيسا مربوطا ،لا اريده عبدا للموت انما جئت كى ما تكون لهم الحياه وتكون لهم افضل .

خاتمة : ما اعظم النداء نداء الله للانسان :هلم خارجا

         افرح ايها الانسان من قبر موتك

         هلم خارجا ايها الانسان من عبوديتك

         هلم خارجا ايها الانسان من سيطرة شهواتك

         هلم خارجا ايها الانسان من دائرة انانيتك

ما اعظم المعجزة وما اعظم سر الموت وما اعظم سر القيامة وما اعظم سر الحياه ،وما اعظم سر الحياه فى المسيح وبالمسيح ومع المسيح  .