عظة الأحد الثالث من مسرى

من الرفض إلى الافتراء

الفريسيون ويسوع

بقلم / الأب بولس جرس- راعى كاتدرائية العذراء بمدينة نصر

إعداد ناجري كامل – مراسل الموقع بالقاهرة

خاص بالموقع

– تقديم:

خلق الله الكون بما فيه من كائنات وجعل لها مسارات في الأفلاك لا تحيد عنها، غرائز وقوانين تحكم تصرفاتها وسلوكياتها فلا تحيد عنها قيد أنملة وحتى الكائنات العليا كالملائكة ليس لديها من الحرية ما تستطيع به أن تقرر مصيرها بل هي مقدسة ونورانية بطبيعتها كما خلقها الرب الإله.

عندما أراد الله أن يخلق كائنا يشبهه، على صورته ومثاله، فكر في صنع الإنسان، فأخذ طينا من خليقته الأرض وصوره في أجمل صورة ونفخ في انفه من روحه نسمة الحياة، فصار هذا الكائن العجيب الفريد الوحيد في نوعه، مع كونه من تراب إلا انه ينمو ويتألق على صورة خالقه، وأحب الله هذه الخليقة وتعامل معها بطريقة خاصة جدا أثارت غيرة الخلائق وغيظ الملائكة وحسد إبليس.

أهم ما يميز الله به الإنسان هو العقل والحرية والإرادة والنطق و القدرة على العلاقة والحب والكره والقبول والرفض والاختيار والابتكار. . . . ياله من كائن رائعدة:حق أن يكون الله خليلا وصديقا، لا غرو إذن من أن يترك الرب الإله عرشه الأقدس كل يوم فينزل إلى الفردوس ضيفا على صديقه ادم ليتمشى معه. . . !

تحت تأثير عوامل عدة :المرآة، الشيطان، الحية، الكبرياء، الشهوة… أخطأ و خالف الإنسان بإرادته وحريته مشيئة الله، كانت ثمرة الخطية هي الانفصال عن الله وبدلا من أن يخرج إليه صار يختبئ، وبدلا من أن يلقاه فرحا صار يهرب عريانا، وبدلا من أن يحادثه طويلا انقطع الحوار. . . لم يترك الله الإنسان إلى النهاية لكن لم تعد العلاقة ممكنة ومتاحة كما كانت، ضلت البشرية في الظلم وعاشت في ظلال الموت وراحت تفتش عن آلهة قريبة تشيع في النفوس عطشا لا يرتوي وتسد في الأعماق مكانا خاويا لا يملأه إلى الله. . وطال البحث واستفحل الشر والضلال فتملكا قلب الإنسان وفكره ولم يعد في أجيال كاملة من البشر من يتقى الرب أو يعرفه واقتصرت هذه المعرفة على نفر قليل فإبراهيم وحيد جيله وقبله نوح البار وكذا إسحق ويعقوب. . . إلى أن اختار الرب له شعبا من نسل خليله إبراهيم يتحدث به ومن خلاله إلى البشرية ليقودها من الظلمة والعبودية إلى النور والحرية. وفى ملئ الزمان أرسل ابنه متجسدا من امرأة ليخلص البشرية ويردهم إلى أحضان ملكوت أبيهم فكيف قبلوه وكيف استقبلوه وكيف تعاملوا معه.

هذا هو موضوع قراءات هذا الأحد. . .

 + البولس من الرسالة إلى افسس 6/1-18

يتكلم بولس عن موضوع هام في الخلاص وفى الحياة المسيحية وهو "الطاعة" والكلمة تعنى الخضوع بحب وهى عكس المعصية التي كانت سبب الخطية والطرد من الفردوس.

طاعة البنين، طاعة العبيد، طاعة الجماعة الكنسية.

– طاعة البنين: وهى وصية من الوصايا العشر وهى أول وصية موجهة نحو الإنسان بعد الله، وهى أيضا أول وصية بوعد، و يقابل ذلك طاعة الوالدين لمشيئة الله أن يربوا أولادهم بأدب الرب وفهمه.

– طاعة العبيد: حيث كان النظام الاجتماعي يفرض قانون العبودية المرة، يحاول بولس أن يضع بعض من الرحمة والحب ليغير هذه المرارة ويحولها إلى محبيه ببساطة قلب، لا بنية العبودية بل بنية صالحة كأنها طاعة الرب وليس للإنسان لأنهم حتى وإن كانوا سادة بحسب الجسد فهم جميعا عبيدا وأحرارا أولادا لآب واحد هو الله.

– طاعة السادة: تقابل طاعة العبيد يطالبهم بنفس ما طالب به العبيد: عمل مشيئة الله والخدمة بنية صالحة كأنهم يخدمون الرب وليس الإنسان مما يجعلهم ينبذون العنف والاستبداد والتهديد والإذلال لان ربكم وربهم واحد في السماوات وليس عنده محاباة وجوه.

– يطالب جميع أبناء الكنيسة بالشجاعة وحسن الاستعداد والتسلح بكل سلاح الله الكامل لمقاومة إبليس.

– حربنا ليست ضد لحم ودم : الحروب الأرضية حروب وقتية مرتبطة بالزمان والمكان و الظروف التاريخية وهى مهما طالت سرعان ما تنتهي إما بنصر أو هزيمة، إما بصلح و اتفاق. . لكن الحرب الأزلية هي حرب الإنسان مع إبليس الذي هو منذ البدء عدو الإنسان الأول، عدو علاقته بالله عدو الحياة الأبدية والمجد ويعرف بولس انه لا قبل للإنسان بمواجهة إبليس سوى بمعرفة الله ودعمه. " فلذلك خذوا سلاح الله لتستطيعوا المقاومة " في الصلاة و الصوم والسهر.

 

+ الكاثوليكون من رسالة القديس يوحنا الأولى 2/7-17

يتكلم القديس يوحنا لأبنائه الأحباء عن عالمين، عالم النور وعالم الظلمة.

– عالم النور هو عالم المحبة، عالم معرفة الله، عالم يغلب الشرير ويكرهه ويحب الله.

– عالم الظلمة هو عالم الكراهية والخطايا والخضوع للشرير ومحبة العالم وشهواته، شهوة الجسد، شهوة العين وتعاظم المعيشة.

النتيجة النهائية هي انتصار عالم النور على عالم الظلمة " العالم وشهواته يزولان" أما من يصنع مشيئة الرب فهو الذي يبقى خالدا إلى الأبد.

+ الابركسيس من سفر أعمال الرسل 20/1- 12

استكمالا لقراءة الأسبوع الماضي حيث قبضوا على رفاق بولس في اضطراب اجتاح المدينة بقيادة صناع تماثيل الإلهة. . . لكن الاضطهاد يتبعه حيث يمضى " كمن له اليهود في طريق سورية فغير طريقه تفاديا للأذى. . قوة إيمان بولس تجعله ينتصر على كل الصعاب حتى الموت إذ نراه بإيمان ئنطرح على تيخيكوس الذي سقط من الدور الثالث ويقيمه من الموت.

 + المزمور 27/2-6-7

– استمع يارب صوت تضرعي : يتنهد القديس المتهم ظلما وافتراء من أعدائه ويتضرع إلى الله أن يسمع صلاته.

– الرب معونتي وناصري: يعرف البار أن العالم كله يقف ضده في صف لظلمة والموت وأن الرب وحده هو ناصره.

مبارك الرب الإله سمع صوت تضرعي: يبارك الأبرار الرب لأنه وان تمهل فهو دوما يأتي لنصرتهم.

 

 + الإنجيل من مرقص 3/22- 35

تناولنا في الأسبوع قبل الماضي رفض الفريسيين ليسوع ومثل الكرامين القتلة الذي وضعه ليبين مصيرهم إن لم يتوبوا فقالوا حاشا، حاشا للتوبة والرجوع وحاشى أن يؤخذ الكرم منا فنحن أصحابه ولن يأخذه احد من أيدينا، وأرادوا أن يقبضوا على يسوع ليحاكموه ويقتلوه تنفيذا للمثل وكأنهم مسيرون لا مخيرون. . . وفى هذا الأحد ينتقلون من الدفاع إلى الهجوم ولكن كان هجوما مبررا أو حتى منطقي، على العكس أن يتخطى الرفض إلى الافتراء والتجريح وهذا مؤلم جدا سواء في الحياة بصفة عامة أم في الإنجيل لكن رب الموعظة على الجبل يقول : " طوبى لكم إذ قال عنكم الناس كل سوء كاذبين " ها هو يواجه أسوأ ما يمكن أن يقال أنهم يربطون بينه وبين معسكر الظلام و الشر.

– قبل المسيح كان العالم يعتقد في قوتين متوازيتين قوة الخير وقوة الشر وقسموها إلى إله الخير وإله الشر وهما في صراع مستديم ينتصر فيه واحد مرة ويهزم مرة أخرى، حاولت الديانة اليهودية تغيير هذا المفهوم والتأكيد على أن الله هو الرب والسيد والخالق وجاء المسيح ليثبت أن الشيطان يمكن قهره وانه جبان يفر أمام قوة الله مهزوما مقهورا، لقد حاول أن يجرب المسيح وهزم في البرية وتركه إلى حين، اليوم تراه يستغرب من البشر كيف يجمعون الظلمة مع النور كيف يخلطون البر مع الإثم كيف يلتبث عليهم الأمر فيعكسوا الحقائق ويشوهوا الصور.

– الكتبة والفريسيون نزلوا من أورشليم : تحرك هؤلاء ليروا النبي الجليلى الذي سمعوا عن تعاليمه ومعجزاته ويقدموا تقريرا عنه إلى رؤسائهم الدينيين، فيا هول ما رؤوا :العمى يبصرون العرج يقفزون ويسيرون والخاضعون لحكم إبليس يظهرون. . . نسوا كل المعجزات وعبروا عن نفوسهم المريضة ولم يمجدوا الله الذي آتم في ابنه الذي جال يصنع خيرا ويبشر بالملكوت ويشفى كل سقيم. . . لم يحاولوا أن يقرؤوا إن تلك علامات الملكوت الذي ينتظرونه بفارغ الصبر. . كيف يعمى الحقد العيون وكيف يغلق القلوب ويشل فكر العقول.

– انه بعل زبوب رئيس الشياطين يخرج الشياطين :

كيف أيها الإنسان، كيف تجرؤ على إهانة خالقك وفاديك، كيف تحول قوة الله إلى الشيطان وكيف تنسب لكلى الطهر الذي لم يصنع خطيئة ولم يوجد في فمه غش هذه التهمة الشنيعة، ما علاقة القدوس ببعل زابوب رئيس الزبالة والقمامة والنجاسة الكذاب أبو الكذب، ما علاقة الطهارة بالقذارة، ما علاقة السماويات بالجحيم، كيف أيها الإنسان وأنت بقوة الله وكلمته تستطيع أن تتحدى قوة الشيطان، كيف تتهم ملك المجد نفسه بأنه يحتاج إلى تحالف مع قوة الشيطان في سبيل المجد الباطل ! أين ذلك من بشارة الملاك للعذراء " المولود منك قدوس ويدعى ابن الله وهو يخلص شعبه، أين ذلك من شهادة يوحنا " يأتي من بعدى من كان قبلي وأنا لست مستحقا أن انحنى لأحل سيور حذاؤه " أين ذلك من شهادة الشياطين أنفسهم " ما لنا ولك يا يسوع الناصري هل أتيت لتهلكنا، نحن نعلم انك المسيح ابن الله وكان ينتهرهم لأنه لا يبتغى المجد الباطل منهم فكيف يتحالف مع رئيسهم.

– انه دعاهم وقال لهم بأمثال:

ما هذا بعد هذه التهمة الفظيعة بعد قلب الحقائق رأسا على عقب، بعد هذا الظلم والبغى لا ينتهر، لا تسحق ولا تغضب بل تدعو وتحاور وتفسر بأمثال. . . حقا انك لقدوس أيها المعلم وصالح وطويل الأناة وكثير الرحمة.

– كيف يقدر الشيطان أن يخرج شيطانا:

لقد أعطيتكم العقل فاستخدموه وهناك القياس و المنطق فاستفيدوا منهما ولكم من الحكمة ما تستطيعون بها أن تميزوا. . . حتى لو كنتم غير مؤمنين بقوة الله وعمل الروح القدس لا تجدفوا، البيت المنقسم على ذاته يخرب والدولة المنقسمة على حكومتها وشعبها تتفتت، والعائلة المتصارعة تتبدد في الوحدة والصلح والسلام والبنيان المشترك النجاح، فهل يسعى إبليس الذي يرسل زبالين يريد أن يسقط الأبرار ويستعبد الجميع ويخضعهم لسلطانه هل يقبل أن يهدم هو سلطانه ومملكته ؟ أيعقل أن يستولى الضعيف على أموال القوى ولا يعقل أن تكونوا بهذا العمى والغباء؟؟؟

– الحق أقول لكم كل شئ يغفر لبنى البشر:

قل الحق أيها المعلم اخبرنا بالحق أيها الطريق و الحق والحياة، نحن في عطش لنسمعك، ما أجملها من بشرى، بشرى التوبة وغفران الخطايا، بشرى الخلاص من عبودية إبليس، بشرى التحرر من وزر الإثم وعقوبة الموت. . . نعم نحن نعلم أن بك وفيك ومنك الخلاص وغفران الخطايا. لقد علمتنا أن نغفر وان نطلب الغفران.

– لكن من يجدف على الروح القدس :

ما التجديف على الروح القدس :انه أعظم إساءة إلى الله انه أعظم من الكفر بالله وأفدح من الإلحاد، فالكافر والوثني قد يكون بجهل وعن عدم معرفة وعدم إدراك. . أو عدم فهم لكن من يرى عمل الله ويشعر بلمسة أصبعه ويدرك انه أمام قوة لا تقاربها قوة البشر قوة أعظم من قوة الإنسان قوة تعمل للخير والبنيان قوة تهب الشفاء والفرح والسلام قوة تحرر الإنسان من عبودية المرض والموت والذل و الهوان " قوة الله " لان قوة إبليس موجهة في اتجاه عكسي تماما فهي تعمل للشر والهدم وتفرخ المرض والشقاء والبؤس والحرب وهدفها استعباد الإنسان والاحتفاظ به أسيرا للجهل والموت والذل والهوان. . . من يفهم كل هذا ثم ستجرئ على الله وعلى روحه القدوس الفاعل والحاضر في شخص الرب يسوع فان ذلك فاسق وشرير كاذب ومفتر ولا يستحق اقل من عقوبة بطرس لحنانيا وسفيرة اللذان كذبا على الروح القدس فماتا في الحال.

– لا مغفرة له بل يستوجب دينونة أبدية :

هذا هو ما يستحقه هؤلاء المفترون، هؤلاء الفعلة القتلة، هؤلاء الرافضون لعمل الله ورحمته، هؤلاء المصرون على الضلال وقلب الحقائق. . . دينونة أبدية لا ترحم لأنهم لم يعرفوا الرحمة لأنهم وصلوا إلى منتهى الحقارة والسفالة أن يجدفوا على روح الله القدوس. . . من يغفر لهم ومن يتشفع فيهم بأنات لا توصف. . . من يخلص وينجى، أناسا يحولون الحق إلى باطل والنور إلى ظلام والقداسة إلى نجاسة. . . منخاتمة:سيدينهم سيدهم وإلى النار الأبدية المعدة لإبليس وأعوانه سيذهبون لأنهم كانوا يقولون عن القدوس البار إن به روحا نجسا. . كيف يبصرون كيف لا يعقلون كيف لا يميزون!

 

– خاتمة :

تشعر بالغضب والأسى كلما تقرأ هذا النص، ولا نجد أي عذر لمن ينكر الحق ويقلب الحقائق فعسى ألا نكون نحن هؤلاء ويا ليتنا نكون من بني النور الذين يعرفوا كيف يميزوا روح الله عن الأرواح الأخرى. . . ونحن في عصرنا الحديث معرضون عبر الانترنت والقنوات الفضائية أن نستقبل كل يوم ألاف الرؤى والصور بل والمعجزات. . . يخدعون الكثيرين إن أمكن فليحفظنا روح الله القدوس من كل شر ومعصية وضلال.