أولويات السينودس: يجب أن يبقى المسيحيون في الشرق الأوسط لتأدية رسالتهم

بقلم الأب سمير خليل سمير

روما، الأربعاء 13 أكتوبر 2010 (Zenit.org) . – آسيانيوز

مع قرب انعقاد السينودس، يزداد التوتر في المنطقة، في إيران وفي العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هل سيؤثر هذا كله على السينودس؟ تنص الوثائق التحضيرية بوضوح على أن الوضع السياسي والصراع الإسرائيلي الفلسطيني يؤثر على حياة المسيحيين من ناحية آفاقهم الاقتصادية وهجرتهم وحريتهم.

القضية الإسرائيلية الفلسطينية

هناك غموض كثيف يلف القضية الإسرائيلية الفلسطينية. فمن جهة، لن تقبل إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات، ومن جهة أخرى، وحتى بين الصقور الإسرائيليين، هناك من يعترف بإمكانية قيام دولة فلسطينية. وهذا هو الاقتراح الأكثر عقلانية. بالطبع أن هناك أيضاً قضايا ملحة لا بد من حلها منها: القدس، المياه، عودة اللاجئين الفلسطينيين، والمستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية.

إن كنا نريد السلام فعلاً، ينبغي علينا على الأقل أن نصوغ بعض المبادئ ونطبقها لاحقاً: دولتين ذات حدود واضحة. مع الأسف، لم تقبل إسرائيل أبداً بمسألة الحدود، في حين أن هناك من يرفض وجود إسرائيل بحد ذاته من الجانب الفلسطيني. إن قرار الدولتين هو الأكثر عقلانية بينا تبقى مسائل أخرى قيد المناقشة: القدس وبعض الحدود. مؤخراً، تحدث البعض عن حل دولة واحدة تجمع الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنني أعتقد أن هذا الأمر صعب حالياً هذا إن لم يكن خيالياً. ولا أعرف مدى استعداد القيادتين للسير على هذه الدرب. فهل الشعبان قادران على تخطي انفعالاتهما الدينية والتاريخية من أجل واقعية سياسية تأخذ بالاعتبار كل الجوانب؟ لا أدري، وحده التاريخ يكشف لنا ذلك.

لكن السينودس من هذا المنطلق يستطيع فقط أن يقدم الحل الأكثر واقعية: الحل العقلاني مع أخذ ظروف الإسرائيليين والفلسطينيين بالاعتبار. حالياً، يبدو أن البلدان العربية هي الأكثر تصميماً على القيام بهذه الخطوة. وسيتوجب على الفلسطينيين أن يحذوا حذوهم لأنه لا وجود لفلسطين من دون البلدان العربية. ولكن إن لم تأخذ إسرائيل قراراً بوقف المستوطنات، فكل الأمور ستذهب هباء! أرجو أن يضم الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي رجال سياسة يتمتعون بحس سليم وتساعدهم الأسرة الدولية على التحرك.

البقاء لأن هناك رسالة يجب أن نؤديها

يجب على السينودس أولاً أن يخدم لزيادة التوعية بشأن رسالة المسيحيين في الشرق الأوسط. حتى الآن، تحدث أساقفة كثيرون عن وضع المسيحيين من الهجرة وإخلاء الكنائس، إلى العنف كأمر محتم. لكن بندكتس السادس عشر قال خلال رحلته إلى الأراضي المقدسة سنة 2009 أن مهمة المسيحيين تقضي ببقائهم في الشرق الأوسط نظراً إلى الرسالة التي يجب أن يؤدوها.

بالطبع أن المشاكل بين المسيحيين والمسلمين في هذه المنطقة هي عديدة ومنتشرة. وهذا جلي في مصر. فهنا، يوجد توتر وصراع يومي بين الأقباط والمسلمين. وفي الفترة الأخيرة، شهدنا هجوماً إعلامياً متواصلاً على الأنبا بيشوي، النائب البطريركي. فالأسقف قال على ما يبدو القرآن، أن الإنجيل والعقيدة الإسلامية كانت تجمعهما نقاط مشتركة كثيرة في النصوص القرآنية الأولى، وأن الجوانب المختلفة أضيفت لاحقاً إلى هذه النسخة الأصلية من القرآن. لا أعلم إن كان الأسقف قد قال فعلاً هذه الأمور التي تنتمي على أي حال إلى مجالات السكولائية. لكن الاتهام أضحى ذريعة للتظاهرات في الشوارع. في حين أن الذي يقوله (أو الذي قاله على ما يبدو) يجسد رغبة الأسقف في الحوار والمشاركة مع الإسلام.

هذا يظهر وضعاً متوتراً بشدة بين المسيحيين والمسلمين. لكن هذا الوضع ليس مشابهاً في لبنان وسوريا وفلسطين. وفي العراق، يعتمد الوضع على الزمان وكثيراً ما يأتي الاضطهاد نتيجة صراع على السلطة بين السنة والشيعة.

مع ذلك، هل محنة المسيحيين هي رهن السياسة والسياسة وحدها؟ من المؤكد أن السياسة هي التي تحدد توجه أمة معينة وهي مهمة لأقلية ضئيلة كالأقلية المسيحية. مع ذلك نشير إلى أنه لا يمكن مقارنة الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بالأقليات المسلمة في أوروبا. فهذه الأخيرة موجودة في أوروبا منذ أجيال عدة، لكن المسيحيين كانوا موجودين في الشرق الأوسط قبل الإسلام، وهم سكان المنطقة الأصليون.

رسالة محبة

يبدو أن كلمات البابا في الأراضي المقدسة والوثيقة التحضيرية للسينودس تقول للمسيحيين: "ابقوا حتى النهاية". وابقوا بخاصة من أجل "غاية"، من أجل رسالة. خلال لقائي مؤخراً مع بعض المسيحيين اللبنانيين، لاحظت أنهم يتساءلون عن الرسالة.

إن الكنيسة في كوريا، البلاد المتميزة بحوالي قرنين من المسيحية، ترسل 700 مبشر إلى العالم. هذا معبر جداً لنا نحن كنائس الشرق الأوسط إذ أن تقليدنا يرقى إلى آلاف السنين. وينتشر المرسلون الكوريون – منهم البروتستانت – في العراق ومصر وفي أماكن أخرى بالشرق الأوسط. من هنا لا بد من إعادة تقييم الوعي التبشيري في كنائس الشرق الأوسط.

يجب أن يكون واضحاً أنه ينبغي علينا البقاء في هذه المنطقة لتأدية رسالة محبة تقوم على مساعدة السكان المحليين على اكتشاف إنجيل يسوع المسيح الذي هو مذهل في إنقاذ حياة الإنسان من خلال تحرير الناس من كل عبء. هذه ليست مسألة تبشير متحمس، بل مسألة عدالة؛ يحق للمسلمين التعرف إلى الإنجيل، تماماً كما يحق للمسيحيين التعرف إلى القرآن.

ينبغي على السينودس أن يقول بوضوح: لا تخافوا، ابقوا في الشرق الأوسط، وإنما ابقوا لإعلان جمال الإنجيل.

قبل أيام، كنت عائداً على متن طائرة إلى بيروت. أراد الجالس بقربي أن يكلمني بأي ثمن، فتحدثنا لأكثر من ساعتين. هو طبيب مسلم سني من شمال لبنان وقد أراد أن يعرف معنى الثالوث المسيحي. أوضحت له أن معنى الثالوث يتمثل في أن الله محبة. فرسالة الإنجيل هي أن الله ليس فقط الكلي القدرة، الله العظيم الذي يجازي ويسحق الشر. الله محبة ومشاركة. وبما أننا خلقنا على صورته، فإننا نعيش أيضاً في المحبة والرحمة. فقال لي محادثي أنه من الجيد أن يتحدث المسيحيون عن هذا الأمر بوضوح، لأنه سيصب في مصلحة المؤمنين من كل الأديان.

سيكون السينودس فعالاً إلى حد أن نطبقه. فإن نصاً – كذلك الذي سينتج عن السينودس – لا يحدث ثورة. لكنه يقترح على مسيحيي هذه المنطقة أن يبقوا لأن هناك رسالة يجب أن ينقلوها. ربما يظن البعض أن لا خيار أمامهم سوى الرحيل. وإنما حتى في الغرب، سيترتب على هؤلاء المسيحيين أن يؤدوا الرسالة عينها. فهذه الرسالة تعطي معنى حقيقياً للحياة.

دعم الكنيسة الجامعة خدمة للجميع

في هذه المهمة، سنحظى بمساعدة جماعات أخرى، الكنيسة الجامعة. من بين المدعوين إلى السينودس، هناك أفراد من عدة منظمات عاملة من أجل المسيحيين في الشرق الأوسط منها عون الكنيسة المتألمة، وجمعية Missio، ومؤسسة الشرق، وروحانية الموعوظين الجدد، وحركة الفوكولاري، وجماعة سانت إيجيديو، وكاريتاس، وشركة وتحرير، وغيرها.

شهادتهم مهمة. كاريتاس وعون الكنيسة المتألمة وجمعيات أخرى تحضر من دون التواقح وتدعم الكنيسة وإنما ليس بصورة حصرية. فمؤسسة كاريتاس في لبنان أو مصر أو الأردن تساعد المسيحيين والمسلمين على حد سواء. وقد أصبح العديد من المسلمين أعضاء في مجلس إدارة هذه الجمعيات. وفرسان مالطا في لبنان يفتحون العيادات في القرى الشيعية والسنية والمسيحية، وتحظى الراهبات الكاثوليكيات بمحبة المسيحيين والمسلمين لأنهن يرحبن بالجميع بمحبة. كما تضم الجامعات الكاثوليكية نسبة جيدة من الطلاب المسلمين الذين كثيراً ما يتلقون المنح من الكاثوليك.

تشهد الكنيسة أنها لا تنتمي إلى طائفة، بل إلى جماعة عالمية لا تسعى وراء السلطة وإنما وراء الخدمة. حتى الكرسي الرسولي الذي كثيراً ما ينظر إليه كسلطة، يشكل فعلياً خدمة أخلاقية وسياسية وخيرية للكنائس والعالم. ولا بد لي من القول بأنه لا وجود لانفتاح مماثل في العالم الإسلامي، وإنما هناك انغلاق متزايد وتبشير متحمس متنامي. الكنيسة هي مؤسسة في خدمة الإنسان.

خاتمة

ختاماً، إن رسالة السينودس إلى المسيحيين هي التالية: نريد أن نبقى في المنطقة لنخلق معاً مع المسلمين ومع أي شخص مجتمعاً للإنسان. نحن لسنا جماعة غريبة، ولكننا ننتمي إلى هذه الأرض ولدينا خدمة معينة يجب أن نقدمها، لنبني مجتمعاً أكثر سلماً وإنسانية.

إلى الكاثوليك ومن ضمنهم الأساقفة الذين يقولون: هذه كلمات رائعة، ولكن ما نفعها؟… أقول أن الكلمات ستؤتي ثماراً إن عملنا على تنميتها. نحن الفاعلون الذين نستطيع تحويل السينودس إلى واقع.

  

حقوق الطبع محفوظة لوكالة آسيا نيوز