سينودس الأساقفة: التقارير حول القارات

الفاتيكان، الخميس 14 أكتوبر 2010 (ZENIT.org). –

ننشر في ما يلي نصوص مداخلات التقارير حول القارات والتي تليت بعد ظهر الاثنين في معرض الجلسة الثانية من سينودس الأساقفة. وقد عممتها اليوم دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي باللغة العربية.

* * *

نهار الاثنين عند الساعة 16:30، مع تلاوة صلاة الأدسوموس (Adsumus)، عُقِدَت الجمعيّة العامّة الثانية، لقراءة التقارير حول القارّات في القاعة وللبدء بمُداخلات آباء السينودس في القاعة حول موضوع السينودس "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة. ’وكان جماعة الذين آمنوا قلبًا واحدًا ونفسًا واحدةً‘ (أع 4: 32)"

 الرئيس الدوريّ المنتدب نيافة الكاردينال ليوناردو ساندري، رئيس مجمع الكنائس الشرقيّة السامي الاحترام (حاضرة الفاتيكان).

 استتبع مداخلات آباء السينودس حول موضوع السينودس وقتٌ لمداخلات حرّة لآباء السينودس بحضور الأب الأقدس.

 حَضَرَ هذه الجمعيّة العامّة التي اختتمت عند الساعة 18:55، بصلاة التبشير الملائكيّ، 163 أبًا.

تقارير حول القارّات

  – نيافة الكاردينال بوليكارب بنغو، رئيس أساقفة دار السلام (تنزانيا)، رئيس مؤتمر المجالس الأسقفيّة لأفريقيا ومدغشقر السامي الاحترام (تنزانيا)

 – نيافة الكاردينال روجر مايكل ماهوني، رئيس أساقفة لوس أنجلوس السامي الاحترام (الولاياتالمتحدة الأمريكيّة)

 – سيادة المطران أورلندو ب. كويفيدو،، رئيس أساقفة كوتاباتو، أمين عامّ اتحاد مجالس الأساقفة الآسيويّة السامي الاحترام (الفليبّين)

 – نيافة الكاردينال بيتر إردو، رئيس أساقفة إسترجوم، بودابست، رئيس مجلس المجالس الأسقفيّة في أوروبا السامي الاحترام (المجر)

–  سيادة المطران جون أتشيرلي ديو، رئيس أساقفة ويلّينغتون، رئيس اتحاد مجالس الأساقفة الكاثوليكفي أوقيانيا السامي الاحترام (زيلندا الجديدة)

 – سيادة المطران رايموندو داماشينو أَسّيس، رئيس أساقفة أبّاراسيدا، رئيس مجلس أساقفة أمريكااللاتينيّة السامي الاحترام (البرازيل)

ننشر في ما يلي التقارير حول القارّات.

  – نيافة الكاردينال بوليكارب بنغو، رئيس أساقفة دار السلام (تنزانيا)، رئيس مؤتمر المجالس الأسقفيّة لأفريقيا ومدغشقر السامي الاحترام (تنزانيا)

أتكلّّم هنا باسم تجمّع المجالس الأسقفيّة في أفريقيا ومدغشقر الذي أترأسه حاليًّا.

إنّ تجمّع المجالس الأسقفيّة في أفريقيا ومدغشقر على علاقةٍ داخليّةٍ مع الكنيسة في الشرق الأوسط وبخاصّة مع الكنيسة في مصر التي هي جزء من أفريقيا ومن الشرق الأوسط.

إنّ مصر، إن لم نتوقّف عند الإختلافات اللغويّة والثقافيّة مع الصحراء السفلى في أفريقيا هي بموقعها الجغرافيّ جزء من الكنيسة في أفريقيا (SECAM). كما هي جزء من الكنيسة في الشرق الأوسط لأسباب لغويّة وثقافيّة. ولعلّ المكوّنَين لإنتماء الكنيسة في مصر ليسا مفترقَين. بل على العكس بإمكانهما أن يُستخدما بطريقة إيجابيّة لخير كلّ من الكنيسة في أفريقيا والشرق الأوسط.

من جهة، يهاجر المسيحيّون من الشرق الأوسط بسبب ما نستطيع وصفه بظروف ضاغطة على الإيمان المسيحيّ في بعض بلدان الشرق الأوسط. ومن ناحيةٍ أخرى، يهاجر عددٌ من شبّان أفريقيا المسيحيّين كلّ سنة من صحراء أفريقيا الجنوبيّة إلى شمالها (ومنها مصر) للدراسة أو للعمل أو للعبور إلى أوروبا والشرق الأوسط. ويغادر عددٌ من هؤلاء الشباب بلدانهم وهم متحمّسون ويممارسة إيمانهم المسيحيّ. وعندما يصلون إلى شمال أفريقيا

يجدون أنفسهم في بيئة ذات سيطرة إسلاميّة تتيح لهم حرّية محدودة جدًّا لممارسة إيمانهم المسيحيّ.

هذا الحدث يعيدني إلى حالة أفريقيا الشرقيّة لسنواتٍ ليست بالبعيدة. فقبل خمسين عامًّا كان الإسلام مسيطرًا على الشاطئ الأفريقيّ الشرقيّ من المحيط الهنديّ إلى حدّ إيمان الشبيبة القادمة من مناطق القارّة الداخليّة بحثًا عن الوظائف والعمل في الدول البحرّية والمكاتب الحكوميّة في المناطق الساحليّة.

والذي أنقذ الوضع في شرق أفريقيا هو التعاون الوثيق بين المرسلين المسيحيّين في الداخل وأولئك الذين على الساحل. فكان الشباب المتوجّهون نحو الساحل يأخذون معهم رسائل توصية من المرسلين في الداخل إلى المرسلين على الشاطئ. وهؤلاء استقبلوا الشباب في مقرّات مسيحيّة وصار باستطاعتهم ممارسة حرّيتهم بحرّيّة.

واليوم، لا أحد مسيحيّين في سواحل أفريقيا الشرقيّة يشعر بضغوطٍ ليخفيَ هويّته المسيحيّة بالرغم من واقع أنّ الإسلام ما زال ديانة الغالبيّة. ولم يعد من ضرورة لفصل المناطق المسيحيّة.

وبالنظر إلى الحالة التي وصفتها في أفريقيا الشماليّة والشرق الأوسط، علينا القيام بخطواتٍ عمليّة. وعليه، فالتعاون الوثيق بين كنيسة الصحارى السفلى مع الكنيسة في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط، هو ذو الأهمّيّة الأعلى للحفاظ على المسيحيّة في المنطقتين.

إنّ الـ SECAM  هي أسلوبٌ ممتاز لمثل هذا التعاون.

 

  – نيافة الكاردينال روجر مايكل ماهوني، رئيس أساقفة لوس أنجلوس السامي الاحترام (الولاياتالمتحدة الأمريكيّة)

 نيابةً عن الأساقفة والكاثوليك في شمال أميركا، يسعدني تقديم تحياّتي إلى أخوتي الأساقفة والكاثوليك من كافة الكنائس في الشرق الأوسط الملتئمين في هذه الجمعيّة الخاصّة التاريخيّة. نحن مباركون في بلادنا بأن يكون لدينا عدد كبير من أعضائكم الذين يعيشون في هذا الشرق متّحدين مع الكنيسة الكاثوليكيّة في الولايات المتّحدة.

إنّي أركّز هنا في السؤال على كيفّية عيش مسيحيّي الشرق الأوسط في الإنتشار سرّ الشركة فيما بينهم ومع غير المسيحيّين. ثمّ سوف أوجّه اهتمامي إلى النظر إلى الشهادة المميّزة لمسيحييّ الشرق الأوسط والتحدّيات التي يقدّمونَها.

شاهدون للشركة: بينما نعترف بالوحدة مع روما، ينبغي تشجيع العلاقات بين الكنائس، ليس فقط بين الكنائس الكاثوليكية الشرقيّة  المستقلّة في الشرق الأوسط ولكن بشكلٍ أخصّ في بلدان الإنتشار. (مقطع رقم 55). وفيما نقرّ باستنزاف المسيحيّين من الشرق الأوسط إلى أوروبّا واستراليا والأميريكيّتين، وجدنا عدّة طرق لتحويل الهجرة إلى فرصة جديدة لدعم هؤلاء المسيحيّين وايجاد استقرار لهم في الإنتشار، ونحن نحاول ان ندعم هذه الكنائس الكاثوليكيّة المستقلّة من خلال الترحيب بهم ودعمهم لإنشاء الرعايا والمدارس والمؤسسات الثقافيّة والجمعيّات لإغاثة شعوبِهم المحتاجة عندما يستقرّون في الغرب.

 لقد استقبلنا الأشوريّين-الكلدان، والاقباط، والروم الملكيين، والموارنة والسريان الكاثوليك ، وساعدت أبرشيّتنا العديد منهم على مدار السنوات بمنحهم قروض ماليّة ووسائل أخرى تساعدهم على إيجاد بيوتٍ لهم في لوس أنجلوس. وعلى مدى خمسٍ وعشرين عامًا من خدمتي الأسقفيّة، قمت بزيارة هذه الكنائس، وكنت أشجّعهم على "أن يكونوا أنفسهم" خلال وجودهم في أبرشيّة لوس أنجلوس التابعة للكنيسة اللاتينية. بالإضافة إلى هذه الموارد، لدينا المؤسّسة الرعويّة الكاثوليكيّة الشرقيّة، التي تضمن مكرّسين من هذه الكنائس الشرقيّة وغيره ويجتمعون مرّتين في الشهر للصلاة والدعم المتبادل لتنسيق الأنشطة الرعويّة في لروح البنيان المتبادل بدلاً من روح المنافسة.

 الشركة هي في قلب الحياة الإلهيّة. التعدّد في الوحدة، والوحدة في التعدّد. الوحدة في التعدّد، والتعدّد في الوحدة، في قلب الشركة، أي الكنيسة. في الولايات المتّحدة، إنّ الإحترام العميق للتعدّد ينتج تحدّيات فريدة. إن ّ المؤمن في الكنائس المستقلّة الكاثوليكيّة غالبًا ما ينتمي إلى كنيسة كاثوليكيّة تختلف عن كنيسته الأصليّة. مثلاً كنيسة اللاتين. ومثل هؤلاء الأشخاص مطالبون بالحفاظ على انتمائهم لجماعتهم الأصليّة أي الكنيسة التي نالوا العماد فيها. بيد انّ العديد من الكاثوليك الشرقيّين القادمين من الشرق الأوسط لا ينصتون إلى هذا النداء ويصبحون لاتين. هناك مثلان للتوتر بين التعدّد والوحدة. عندما تضع العائلة أطفالها في مدرسة ابتدائيّة تابعة للكنيسة اللاتينيّة، هناك خصم للأقساط المدرسيّة لأبناء الرعيّة المواظبين. فكيف نطلب من مسيحيّي الكنائس الشرقيّة أن يحافظوا على انتمائهم في الكنيسة التي نالوا العماد فيها. وكيف ننبّه رعاة الكنيسة اللاتينيّة ومدراء المدارس ونشجّعهم على تقديم العون للمهاجرين ليحافظوا على صلتهم مع جماعتهم الأصليّة لئلاّ يثقلوهم بأحمالٍ إضافيّة كأن يخيّروهم ما بين الإلتحاق بالكنيسة اللاتينيّة أو بالبقاء أعضاء في كنيستهم الشرقيّة الأصليّة

مثل ثانٍ قد يسلّط الضوء عاليًا: الكثير من الكنائس الشرقية تمنح سرّ الإفخارستيّا للأولاد مع المعموديّة. عندما يدخل أبناء هذه الكنائس الذين اعتادوا على تناول القربان إلى الكنائس اللاتينيّة ، غالباً ما يمنعون عنه.

إنّ هناك حساسيّة كبرى لبعض المواضيع العمليّة التي يمكن أن تخفّف من وطأة المهاجرين الشرقيّين الكاثوليك من الشرق الأوسط. لعلّ الدارسات التي تمنح في الإكليريكيّات تعطي الأهميّة الكافية للتحديات العمليّة التي يواجهها الكهنة والرعاة في حال ساعدوا الجالية في الإنتشار لعيش سرّ الشركة بطريقة احترام شرعة تعدّد الشعوب في هذه الكنائس؟

في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، يوجد العديد من المعاهد للدراسات العليا. إنّ تحضير معلّمي التعليم المسيحي، مع توفير التنشئة الروحيّة والليتورجيّة واللاهوتيّة في هذه المدارس الكاثوليكيّة هي حصريًّا لاتينيّة بتوجيهها. أين يتوافق مهاجرو الشرق الكاثوليك مع هذه المعاهد الكاثوليكيّة التربويّة التي هي حريصة على تقديم دورات وحلقات دراسيّة عن الديانات الأخرى، سواء كانت اليهوديّة أو الإسلام أوالبوذيّة أوالهندوسيّة، ولكن القليل من الإهتمام قد أُعطى للاهوت، لليتورجيا أو الروحانيّة في الكنائس الشرقيّة؟  خاصةً في المناطق حيث يوجد العديد من المهاجرين، كيف يمكن مساعدة هذه المعاهد العليا، إضافةً إلى المعاهد الدينيّة، أن تذكّر بالحاجة إلى هذه الدراسات التي يمكن أن تقدّمها إلى المغتربين لكي "يكتسبوا معرفة كافية باللاهوت وبالروحانية الخاصّة بالكنيسة التي ينتمون اليها" ؟ (فقرة 64).

 شاهدون للمسامحة: هناك تحدٍّ من نوع خاص يساعد هذه الشعوب من الكنائس الشرقيّة لعيش كمال الإنجيل الذي قدّمته الخطوط العريضة 90 "الأمنيات والصعوبات في الحوار مع اليهوديّة" و 95 " العلاقات مع المسلمين". إنّ الكثير من هذه المبادرات قد عولجت في بلدنا وفي أبرشيّتنا ، فلدينا ارث كبير من العمل المسكوني ومن العلاقات بين الكنائس وبين الاديان. ومع الأسف، تقوم هذه المبادرات من دون مشاركة من قبل المسيحيّين المهاجرين من الشرق الأوسط. في الواقع، هناك دائمًا إنتقادات من طرفهم ازاء الجهود المبذولة، وبخاصةٍ فيما يختصّ بالمسامحة.

 غالبًا ما يأتي مسيحيّو الشرق إلى أمريكا الشماليّة مع أفكارٍ ومواقف تجاه الاسلام واليهود لا تتماشى مع الإنجيل أو مع الخطوات التي وضعناها في العلاقات الكنسيّة أو مع باقي الأديان. لأنّنا نحن في لوس أنجلوس نعيش "قريبين" من مختلف الشعوب ومن مختلف المعتقدات، فكيف لنا أن نساعد الوافدين في بلاد الإنتشار لتصحيح المعتقدات الخاطئة التي قد تؤثّر على أوطانِهم من خلال المسيحيين الذين يعيشون في الغرب؟

على الرغم من انهم لا يريدون سماع ذلك، فإنّ المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط وقد هاجروا إلى الغرب هم

بحاجة إلى التحدّي ليكونوا علامةً للتسامح والسلام. والضرورة القصوى هنا هي المسامحة.

 أنّ التحدّي الأكبر الذي تواجهه الشعوب المهاجرة – سواء من الكاثوليك الآتين من الشرق الأوسط أو الكاثوليك الفيتناميين الذين فروا من بلدهم إلى جنوب كاليفورنيا، أو الكوبيين الذين فروا الى شواطئ ميامي – لا يكمن فقط في مساعدتِهم على عيش الشركة بين المسيحيّين والكنائس المسيحيّة. بل إنّ التحدي الأكبر هو أن نساعدهم لأن يكونوا شهوداً للإنجيل من خلال مسامحتهم لأعدائهم الذين قد يكونوا لسبب أو لآخر سببا أساسيا في هجرتهم للبحث عن السلام والعدالة على سواحلنا. ولنتذكّر دائمًا رسالة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الراحل التي وجّهها للدبلوماسيين في العالم في اليوم العالمي للسلام سنة 2002، وقد لخّصها في هذه العبارة المليئة بالتحدّي: "لا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون مسامحة".

 

  – سيادة المطران أورلندو ب. كويفيدو،، رئيس أساقفة كوتاباتو، أمين عامّ اتحاد مجالس الأساقفة الآسيويّة السامي الاحترام (الفليبّين)

 باسم اتحاد المجالس الأسقفيّة في آسيا، أعبّر لكم عن امتناني لدعوتكم الكريمة لي لتمثيل اتحاد المجالس الأسقفيّة الآسيويّة، وللمشاركة في هذا السينودس الهام. وأيضًا، أعبّر باسمهم عن شركتنا وتضامننا، مع آباء السينودس المجتمعين هنا اليوم، وبالأخص إخوتنا الأساقفة في الشرق الأوسط.

موضوعنا هو "الشركة والشهادة " وهو موضوع عزيز على قلب الكنيسة في آسيا. الفقرة 55 من وثيقة العمل تنصّ على رغبة معبّرة: قبول الوحدة في التنوّع، وتشجيع الجماعات على التعاون فيما بينها: "… بعض الأجوبة اقترحت أن يُدعى، كلّ فترة (كلّ 5 سنوات مثلاً) إلى جمعيّة أسقفيّة في الشرق الأوسط".

أوّد أن أتشارك معكم في خبرة أساقفة آسيا: إنّ إجتماع اتحاد المجالس الأسقفيّة الآسيويّة كلّ أربع سنوات، منذ عام 1974، قدّم إختبارًا إيجابيًّا لتعميق الشركة. لا بد من الأخذ بعين الإعتبار أنّ الإتحاد يضم 25 عضوًا دائمًا ومشاركًا، ومنهم طقسان شرقيان قديمان: -السريانيّ المالباريّ والسريانيّ المالنكاريّ، ويتواجد في 28 دولة ومنطقة. ويغطي هذه المساحة الشاسعة من آسيا المتصلة بكازخستان غربًا إلى منغوليا شمالاً واليابان شرقًا وإلى الباكستان والهند جنوبًا، ولاندونيسيا وتيمور الشرقيّة في الجنوب الشرقيّ. وبالرغم من تنوّع الأوضاع الإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والدينيّة، استطاع أساقفة آسيا أن يحققوا درجة عالية من الشركة والصداقة والتضامن والتعاون. وذلك بسبب الرؤيّة المشتركة للرسالة وللأولويّة الراعويّة.

في عام 1970، اجتمع أساقفة آسيا في مانيلا، بوحي من رسالة البابا بولس السادس، الذي تحدّث عن التحديّات الراعويّة في آسيا. وفي عام 1974 التقوا في جمعيتهم العامّة  الأولى كإتحاد مصادق عليه من قبل الكرسيّ الرسوليّ. وتوصلّوا إلى رؤية مشتركة لرسالة إعلان يسوع المسيح كربّ ومخلّص. مؤكّدين على:

إنّ التبشير بالإنجيل هو تحقيق واجب الكنيسة في إعلان إنجيل الربّ بالكلمة والشهادة. في آسيا يتضمّن ذلك:

إدخال الإنجيل في الثقافات، ما يجعل الكنيسة المحليّة حاضرة فعليًّا في حياة شعوبنا وثقافاتهم.

وبإدخال الإنجيل إلى التقاليد الدينيّة، يمسي الحوار حيًّا بين الإنجيل والديانات الآسيويّة، فيثمر بذار الكلمة في حياة شعوبنا.

وأخيرًا، في إعلان البشرى السارّة للفقراء (لو 4: 18)، يندرج تجدّد حياة المسيح وقوّة سرّه الفصحيّ في بحث شعوبنا عن النمو البشريّ والعدالة والإخوة والسلام، (الإتحاد الأسقفيّ الآسيويّ، 1، 1974، أرقام 25-26).

واستخلص الأساقفة أوّلويّة راعويّة مشتركة، وهي عماد بناء الكنيسة المحليّة
إنّ الكنيسة المحليّة هي الكنيسة المتجسّدة في شعب، كنيسة الشعب الأصليّ والمتجذّرة في ثقافة ما. وهذا يعني عمليًّا، كنيسة في حالة حوار مستمّر ومتواضع ومحبّ مع التقاليد الحيّة والثقافات والأديان، وباختصار مع كلّ الأوضاع المعيشيّة للشعب الذي وجدت الكنيسة في وسطه، وعمّقت جذورها داخله، فأصبح بفرح تاريخه وحياته خاصّيْن بالكنيسة أيضًا. (المرجع السابق، الفقرة 12).

 بالنسبة إلى أساقفة آسيا، إنّ رؤية كهذه للكنيسة المحليّة ورسالتها، تنعكس جيّدًا في بناء الجماعات الكنسيّة الأساسيّة، والتي تصبح فيها الرعيّة والأبرشيّة "شركة جماعات".

وبدعم من المكاتب الراعويّة لإتحاد الأسقفيات الآسيويّة، يتطلّع الأساقفة في آسيا نحو تحقيق واسع لهذه الرؤيّة للرسالة وللهم الراعويّ الأوّلي. ومن خلال قيادتها الروحيّة، تستمرّ الكنيسة في آسيا في تحقيق موجات من الارتداد والتجدّد، وفي تجديد التبشير ونظام الحياة، لتصبح كنيسة مجدّدة بكلمة الله وخبزه الحي. وبالأمس، ذكّرتنا عظة الأب الأقدس أنّ " الشركة عطيّة من الربّ"، والشركة هي في النهاية اشتراك بحياة الله. وهي تتطلّب منّا جوابًا مفعما بالتجدّد والتوبة العميقة.

وذكّرنا الأب الاقدس أيضًا أنّه "لا شهادة، بدون الشركة: ذلك أنّ حياة الشركة هي أكبر شهادة". كم هي رئيسيّة هذه الكلمات بالنسبة لكنيسة آسيا كلّها وبخاصّة في الشرق الأوسط.

 نحن "قطيع صغير" في آسيا، ونسبتنا اقل من 3% من أصل 3 مليارات من البشر في آسيا. وفي ضوء نهوض العديد من التيارات الدينيّة المشكّكة، والتطرّف الذي يغرق المنطقة في العنف والموت، يمكن أن يسيطر علينا الخوف والخجل. لكنّنا أقوياء ومتشجّعون بكلمات الربّ: "لا تخف أيّها القطيع الصغير" وبالتالي، علينا أن نجعل من شركتنا واقعًا وشهادة للربّ المخلّص. لأنّه في مناطق عديدة من آسيا، حيث لا توجد حريّة دينيّة، تمسي الطريقة الوحيدة لإعلان بشرى الربّ الشهادة له بحياة مسيحيّة أمينة، صامتة وصادقة، وهي حياة محبّة لله وخدمة صادقة للقريب. (راجع يوحنّا بولس الثاني ، "الكنيسة في آسيا"، الفقرة 23).

إنّ هذه الشهادة تدفعنا كأساقفة بشركة مع الأب الأقدس، ونحو الآخرين، إلى إتمام التحديّات الراعويّة التي تواجهنا في آسيا، مثل ظاهرة الهجرة التي يطلق عليها أحيانا إسم العبوديّة الجديدة، والتأثير السلبيّ للعولمة الثقافيّة والإقتصاديّة، وقضيّة تغيير المناخ، وقضايا التطرّف الدينيّ، والظلم والعنف في المجتمع، والحرّيّة الدينيّة، وقضايا البيوجينيّة، التي تهدّد حياة الإنسان في أحشاء أمّه، ومن لحظة الحبل به إلى لحظة الموت الطبيعيّ.

وفي حوارنا كعلامة شركة في بيت الربّ، نصلّي لكي نستطيع أن نرسم مقاربة راعويّة مشتركة، لهذه القضايا المختلفة كشهادة لإيماننا بيسوع المسيح.

 

 – نيافة الكاردينال بيتر إردو، رئيس أساقفة إسترجوم، بودابست، رئيس مجلس المجالس الأسقفيّة في أوروبا السامي الاحترام (المجر)

باسم أساقفة أوروبا المُمَثلين من قِبَل رؤساء جميع مجالس أساقفة ألقارّة، الذين اجتمعوا منذ عشرة أيّام في زغرب في الدورة العامّة لمجلس المجالس الأسقفيّة في أوروبا (CCEE)، أوجّه تحياتي الصادقة والقلبيّة للأساقفة الحاضرين هنا ولجميع كاثوليكييّ الشرق الأوسط.

إذا ما نظرنا إنطلاقًا من أوروبا، تقع الأرض المقدّسة والشرق الأوسط في الشرق. من هناك جاءنا نور المسيح الذي يبقى دائمًا الشمس الحقيقيّة التي لا تُقهر والتي لا مغيب لها. يشعّ وجه يسوع مثل الشمس (مت 17: 2) وينير كلّ تاريخ الإنسانيّة. لكن هذا البهاء، قد رآه الرسل المختارون على جبل التجلّي بينما كان يُحضّر حدث آلام الربّ وقيامته.

أوروبا مدينة للشرق الأوسط.لم يأتِ كثيرٌ من العناصر الأساسيّة لثقافتنا من هذه المنطقة فحسب، بل جاء منها أيضًا المرسلون الأوّلون. بعرفانٍ بالجميل، نحفظ ذكرى الحدث الذي تُخبرنا عنه أعمال الرسل : "فبدت لبولس رؤيا ذات ليلة، فإذا رجل مقدوني قائم أمامه يتوسّل إليه فيقول: "اعبر إلى مقدونية وأغثنا!" فما إن رأى بولس هذه الرؤيا حتّى طلبنا الرحيل إلى مقدونية، موقنين أنّ الله دعانا إلى تبشيرأهلها " (أع 16: 9-10). كان قرارًا من العناية الإلهيّة أن يكرّس الأب الأقدس بندكتوس السادس عشر سنة بكاملها للقدّيس بولس رسول الأمم، فإنّ حماسته وحكمته تلائمان التبشير الجديد في عصرنا الحاليّ ملاءمةً كبيرةً.

في هذا السياق، لا بدّ لي من ذكر حجّنا الأسقفيّ الأوروبيّ إلى طرسوس مدينة القدّيس بولس، ولكن يجب عليّ أيضًا أن أجدّد التعبير عن ألم الأساقفة الأوروبيّين العميق وتضامنهم، ذلك التَعبير الذي قمنا به في مناسبة الموت العنيف لسيادة المطران لويدجي بادوفيزي، الرئيس القديم لمجلس أساقفة تركيا.

عندما نفكّر بالشرق الأوسط نحن الأوروبيّون، يجب علينا أن نفحص ضميرنا. هل إنّ رسالة الإنجيل لا تزال حيّةً في ما بيننا، هذه البشرى السارّة التي تلقّيناها من الرسل؟ أولمْ يعد يُرى في حياتنا هذا النور وهذا الحماس النابعان من الإيمان بالمسيح؟

في أيّامنا، عندما يصل من مختلف بلدان الشرق الأوسط لاجئون ومهاجرون مسيحيّون إلى أوروبا، ما هي ردّة فعلنا؟ هل نهتمّ كفايةً بالأسباب التي تُلزم آلافًا، إن لم نقل ملايين، من المسيحيّين على أن يغادروا أرضهم حيث كان يسكن أجدادهم منذ حوالي ألفيْ سنة؟ هل هو صحيح أنّ تصرّفنا هو أيضًا مسؤولٌ عمّا يحصل؟ نحن في مواجهة تحدٍّ كبير. يجب علينا أن نبحث في طبيعة التغيّرات في أوروبا والعالم الغربيّ وفي نتائجها. هل نعرف أن نعبّر بطريقة فعّالة عن دعمنا لمسيحييّ الشرق الأوسط؟ هل تبقى العوامل الرئيسيّة للحياة العامّة الأوروبيّة حسّاسة إزاء القيم الإنسانيّة التي تضيء عليها المسيحيّة؟ أمّ إنّنا غير مبالين وحذرون إزاء هذا الأرث الثمين الذي هو جزء منّا؟ هذا الأرث الذي بدونه قد لا توجد أوروبا على الصعيد الثقافيّ.

يطرق المسيحيّون الوافدون من الشرق الأوسط باب قلوبنا ويوقظون وعينا المسيحيّ.

كيف نستقبل هؤلاء الإخوة والأخوات؟ كيف نساهم في الحفاظ على إرثهم القديم والكنسيّ أيضًا- للمستقبل؟

موضوع هذا السينودس هو "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة". في أعمال الرسل، نقرأ بالفعل أنّ جماعة الذين آمنوا كانوا "قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة" (أع 4: 32). هذه الشركة توجد أيضًا في الكنيسة اليوم، بل إنّ شركة القدّيسين  مادة من قانون إيماننا. هذه الشركة الجوهريّة يجب أن تكون -مثل الكنيسة نفسها- في الوقت عينه منظورة وغير منظورة؛ يجب أن تفعل في عالم النعمة، بل أيضًا في عالم المجتمع. يصلّي كاثوليكيّو أوروبا ويعملون ويجتهدون ويناضلون لكي يكونوا أيضًا حاضرين وفعّالين في المجتمع المنظور. على الرغم من كلّ الأحزان، كل خيبات الأمل، من كلّ التجارب السلبيّة وأحيانًا أيضًا من التمييزات والضغوطات التي تنال من المسيحيّين الذين يريدون إتّباع ضميرهم، لا نزال نأمل بأنّ أوروبا سوف تستطيع أيضًا أن تعود إلى هوّيّتها الخاصّة المتجذّرة بعمق في ثقافة الحياة والرجاء والمحبّة، بقدر ما يزداد وعينا لدعوتنا المسيحيّة في هذا المجتمع بقدر ما نكون قادرين أيضًا على إظهار وإشعاع قوّة الإنجيل القدير والقادر على تحويل المجتمع البشريّ لعصرنا. بالأمانة لتعليم المجمع الفاتيكانيّ الثاني المعبَّر عنه في الدستور الراعويّ "فرح ورجاء" علينا أن نتبع دعوة الكنيسة: " فعلى الذين لهم الؤهلات، أن يتهيأوا لممارسة فن السياسة الشديد الصعوبة والشريف جدًّا. فلينكبّوا عليه بغيرة دون أن ينشغلوا بمصلحتهم الذاتيّة أو بالفوائد الماديّة. وليحاربوا الظلم والطغيان والتعصّب والاستبداد أيًّا كان مصدره، بالفطنة والنزاهة، من فرد أمّ من حزب سياسيّ أتى. وليضحّوا في سبيل خير الجميع لا بالصدق والاستقامة فقط، بل بالحبّ والاقدام اللذين تقتضيهما الحياة السياسيّة" (فرح ورجاء، 75، 6).

"يا طبيب إشفِ نفسك" (لو 4: 23)، كتب لوقا، "الطبيب الحبيب " (كول 4: 14). علينا إذًا أن نشفي ذواتنا –نحن مسيحيّو أوروبا- بمساعدة الروح القدس لنستطيع أن نعكس نور المسيح الذي تلقّيناه من الشرق، وإعادة العطيّة التي حصلنا عليه عبر شهادتنا الشجاعة.

بهذا المعنى، أطلب بركة الله على السينودس الحاضر وعلى كلّ مسيحييّ الشرق الأوسط. يا "نجمة الشرق"، صلّي لأجلنا.

 

  – سيادة المطران جون أتشيرلي ديو، رئيس أساقفة ويلّينغتون، رئيس اتحاد مجالس الأساقفة الكاثوليكفي أوقيانيا السامي الاحترام (زيلندا الجديدة)

 جغرافيًّا، لا يمكن لأوقيانيا أن تكون أبعد من ذلك عن الشرق الأوسط ومع ذلك فإن صلات الترابط بين منطقتينا قوية.

أنا أُمثِّل اتحاد أساقفة أوقيانيا الكاثوليك: أستراليا (32 أبرشيّة)، بابوا غينيّا الجديدة (22)، نيوزلندا (6)، مجلس الأساقفة للمحيط الهادي الذي يتكوّن من 17 أبرشيّة ودائرة كنسيّة. أيّ جماعة مختلفة ومبعثرة تتكوّن من 6 ملايين كاثوليكيّ، "جزر صغيرة من البشر" (رادكليف) تمتد على مدى اتساع المحيط الهادي الذي يُغطي ثلث سطح العالم.

في تشرين الثاني/نوفمبر 1998، اجتمع هنا كلّ أساقفة أوقيانيا لأجل السينودس من أجل أوقيانيا. كان التحدّي بالنسبة لنا أن "نمشي في طريق يسوع المسيح، لنُعلن حقيقته ولنعيش حياته". إنّها شركة الإيمان والمحبّة التي تربطنا بكنائس الشرق الأوسط، وجئنا لنُعبِّر عن تقديرنا للتنوّع الغني الذي يجلبه  أعضاء تلك الكنائس لأوقيانيا. وفيما نحن نقرّ بهشاشة تلك الكنائس بسبب وجودها كاقلية ، الا أننا حريصون على أن نُقَدِّر ونفهم ونُعزِّز تقاليد الكنائس الشرقيّة وليتورجيّتها وأنظمتها ولاهوتها.

عدد قليل ولكن مؤثر من الخمسة ملايين كاثوليكيّ في أستراليا ممّن ينتمون إلى الكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة. إنّ أكبر كنيستين كاثوليكيّتين شرقيّتين في أستراليا هما المارونيّة والملكيّة، وكلٌّ منهما هي أبرشيّة ناشئة ،  ولها أسقف عضو في مجلس أساقفة أستراليا الكاثوليكيّ، والذي يحضر من وقتٍ لآخر اجتماعات مجلس نيوزلندا. فضلاً عن هذه الكنائس الشرقيّة، هناك أيضًا الكنائس الكاثوليكيّة الكلدانيّة، السريانيّة، السريانيّة-المالاباريّة و القبطيّة.

تمتد الأبرشيّات المارونيّة والملكيّة والكلدانيّة إلى نيوزلندا، وتقدّمً خدماتها الرعويّة والليتورجيّة لجماعاتها هناك أيضًا.

إنّ الشرق الأوسط الأوسع هو حاضرٌ في أوقيانيا عن طريق المهاجرين واللاجئين الذين جعلوا من المنطقة وطنًا لهم: اليهود الأوروبيون منذ الأيام الأوائل لمستعمرة أستراليا ونيوزلندا، كما جاءت أعداد من اللاجئين من ألمانيا في الثلاثينات، والناجين من المحرقة (Shoah)؛ اللبنانيّين، الفلسطنيّين، المصريّين؛ العراقيّين، مسيحيّين ومسلمين؛ وفي السنوات الأخيرة، أكراد لاجئين من العراق، إيران وتركيا.

تميّزت روابطنا التاريخيّة بالحرب والسلام.

تدربت الجيوش الأستراليّة والنيوزيلنديّة في مصر خلال السنوات الأولى من الحرب الكُبرى (1914-1918)؛ للأسف عاد الجيل اللاحق إلى صحراء مصر عن جديد في أوائل الأربعينات من الحرب العالميّة الثانية.

خدمت قوات حفظ السلام من الجزر الفيجية مع الأمم المتحدة في لبنان وسيناء.

تعزَّزت هذه الروابط اليوم بحضور الكثير من الحُجاج من أوقيانيا الذين يزورون الأرض المُقدسة؛ عن طريق إعادة توطين اللاجئين؛ برامج التنميّة والمساعدة التي تقدّمها مؤسسة كاريتاس الدوليّة؛ حضور الرهبانيّات الدينيّة الدوليّة العاملة في الحقول التربوية  ، أو في دعم الأماكن المقدّسة.

الإجابات على ورقة العمل:

هناك موضوعان من "ورقة العمل" اللذان أود التعليق عليهما من خلال خبرات أوقيانيا.

1. الشركة والشهادة: لفتت "ورقة العمل" انتباهنا بطريقة جديدة إلى التحديات التي تواجه المسيحيّين في الشرق الأوسط: الصراعات السياسيّة المُعَقَدة، مسائل حرّية الدين والضمير، العيش في اتصال يوميّ كأقلّيّة في وسط أكثريّة هي جماعات مسلمة أو يهوديّة، والحركة المستمرة للشعب عن طريق الهجرة الداخليّة والخارجيّة. نحن بعيدون جدًّا، ولكننا نعي أننا مُرتبطون بجميع المسيحيّين في الشرق الأوسط من خلال سرّ المعموديّة المشترك، التقليد الكنسيّ، الإيمان بيسوع المسيح والالتزام برسالته. نوّد أن يعرف إخوتنا وأخواتنا المسيحيّون في الشرق الأوسط أننا نقدِّر هذه الشركة، حتى أننا نُلزم أنفسنا لنقف بتضامن حين يتألمون، وأننا سندعمهم بالصلاه والمعونة العمليّة في التحديات اليوميّة التي يواجهونها.

2. الإلتزام بالعلاقات بين الأديان : إنّ الكنائس في أوقيانيا هي مُبتدئة في هذا المجال، وعلينا أن نتعلّم الكثير من الالتزام المستمر لكنائس الشرق الأوسط بحوار الديانات الإبراهيميّة. نحن نعي مدى تعقيد البيئة التاريخية والثقافية التي  يتمّ فيها الحوار مع علامات الأمل في عمليّة السلام، كما مع عثرات سوء الفهم والاضطهاد والخيانة.

تتكلّم مقدمة "ورقة العمل" عن حاجة المسيحيّين للتعرُّف جيدًا على جيرانهم اليهود والمسلمين إن أريد لهم أن يتعاونوا معهم في مجالات الدين والتفاعل الاجتماعي والثقافة لخير المجتمع.

 

  – سيادة المطران رايموندو داماشينو أَسّيس، رئيس أساقفة أبّاراسيدا، رئيس مجلس أساقفة أمريكااللاتينيّة السامي الاحترام (البرازيل)

 بدءًا، أوّد أن أشكر الأب الأقدس بندكتوس السادس عشر على تعييني للمشاركة ، بصفتي رئيسًا لمجلس أساقفة أمريكا اللاتينيّة ومنطقة البحر الكاريـبي في هذا السينودس من أجل الكنائس الحاجّة في بلدان الشرق الأوسط. شكرًا جزيلاً، أيّها الأب الأقدس، على هذا التعيين الذي يشرّفني ويفرحني والذي يشكّل علامة إعتبار من قِبل قداستكم نحو الكنيسة في أمريكا اللاتينيّة.

إنّ كنائس الشرق الأوسط الأخوات شكّلت مهد كنيسة يسوع المسيح والمكان الأوّل لإنتشارها وأكثر من ذلك المكان المميّز لإظهار "ملء الأزمنة" في شخص الربّ يسوع.

 إذ أشارك في هذا السينودس من أجل الشرق الأوسط، أوّد أن أعترف مع الشكر بالغنى العظيم الذي تلقّيناه منكم. قبل أيّ شيء، الكتب المقدّسة التي تغذّي لقاءنا مع الربّ والتي تنوّرنا في كلّ القرارات التي علينا إتخاذها لحياتنا الراعويّة والكنسيّة. التقليد الحيّ والمجامع، إذ نقبلها قبولاً ديناميًّا، تسمح لكنائسنا بكنوزها الفريدة والمختلفة أن تجعل شعوبنا تشارك في حياة يسوع المسيح؛ ولا ننسى بنوماتولوجيّة الكنائس الشرقيّة.

إنّ تعدّديتكم الثقافيّة المؤسِّسة هي واقع منذ الإنتشار الكنسيّ الأوّل. عبر الزمن، تعرّضت بالتأكيد لتكيّفات عديدة، وضروب من الخلل العدديّ والإجتماعيّ-السياسيّ، وتصحيحات. واليوم أيضًا، في عالمنا المعولم والمتأثّر بتوتّرات عديدة، إنّها شيء نعيشه يومًا بعد يوم، وفي هذا السياق، نستطيع أن نتعلّم كثيرًا من تاريخ هذه الكنائس وصعوباتها الحاليّة.

إنّ مسألة علمنة الحكومات التي تقود شعوبنا قد أصبحت، في حالات عديدة، تمييزيّةً نسبةً إلى تصلّباتٍ إيديولوجيّة ونسبةً إلى فرضٍ تيوقراطيٍّ، "أسلمة" المجال العامّ، كما هي الحال للبعض منكم. إنّه تحدٍّ نتقاسمه معكم وهو يفرض أن نناضل من أجل حرّيّة دينيّة أصيلة داخل الميادين العامّة. علينا أن نأخذ هذا الأمر أيضًا بعين الإعتبار في التعليم المسيحيّ لتنشئة مسيحيّين ومواطنين يعون جيّدًا حقوقهم وواجباتهم. إستعاد الأب الأقدس بندكتوس السادس عشر، أثناء زيارته لفرنسا (2008)، المصطلح الثمين "للعلمنة الإيجابيّة".

من هذا الوضع ينبع تحدٍّ وعيناهُ مجدّدًا. يعني الأمر تنشئة علمانييّ كنائسنا. أثناء إنعقاد المجلس الأسقفيّ الأخير لأمريكا اللاتينيّة ومنطقة البحر الكاريـبي (في 2007)، في أباريسيداس في البرازيل، لوحِظ أن هذه التنشئة يجب أن تبدأ بلقاء شخصيّ عميق مع يسوع المسيح وهو يَسِمُ  الخبرة الدائمة لحياة كلٍّ مِنّا ويتواصل معها، وكذلك بتنشئة مناسِبة، مبنيّة على صخرة كلمة الله، بمواجهة الوضع الثقافيّ الجديد الذي نعيشه. يجب أن يسمح ذلك بحضور علمانيّين داخل الميادين الجديدة وفي رسالات الخدمة العامّة.

عند ذكر التلاميذ العلمانيّين، لا يسعنا أن ننسى الأهمّيّة العظيمة للعائلة للتنشئة على القيم الإنسانيّة والمسيحيّة. تعاني جميع العائلات حاليًّا من صراعٍ للأجيال تسبّبه السرعة التي يتغيّر فيها كلّ شيء اليوم. وعليه يجب ألا يكبح ذلك قوّتها التربويّة. في ما يتعلّق ببعض أوجه العائلة، يمكن أن نتوافق مع المؤمنين المسلمين، ولقد رأينا ذلك بمناسبة عمليّات تصويت في إطار التنظيمات الدوليّة. ولكن يوجد أوجه أخرى متعلّقة بالمصطلح الواقعيّ للعائلة تبعدنا عن المسلمين، مثلاً دور المرأة داخل العائلة والمجتمع.

إنّ تنشئة علمانيّين لزماننا الحاضر لا تعفي، بل على العكس، تفرض أن يُنشأ أيضًا كهنة يدركون الضرورة الكبيرة "لإرتداد شخصيّ وراعويّ" ليجعلوا من رعاياهم ورسالتهم أمكنة وأسرار إحياءٍ رسوليّ على غرار الجماعات المسيحيّة الأولى. من الضروريّ التحوّل من راعويّة حفاظٍ إلى راعويّة يحييها الروح الرسوليّ. أثناء المجلس الأسقفيّ العامّ في أباريسيداس أكّد الأب الأقدس بأنّ كيان "تلاميذ يسوع المسيح ورسله" هما وجهان لحقيقة واحدة. ليس من تلميذ إلاّ وهو رسولٌ وليس من رسولٍ إلاّ وهو تلميذٌ.

هذا "الارتداد" الضروريّ سوف يكون له نتائج قوّيّة على راعويّة الدعوات. إنّ شاب اليوم يسعى إلى أن يقدّم نفسه بسخاء إلى إله الحياة ولكنه يتراجع عندما يُدرك جهود الحفاظ فقط ولا يكتشف تجديد الإنجيل المحوّل في تاريخه الخاصّ الحاضر. يجب على راعويّة الدعوات ان تساعد الشبّان على اكتشاف يسوع "الطريق، والحقّ، والحياة" وأن تحدّد لهم الطرق المختلفة لاتبّاع يسوع، واضعةً في المقدّمة الدعوة إلى سرّ الكهنوت والحياة المكرّسة. في بلداننا الأمريكيّة-اللاتينيّة وفي منطقة البحر الكاريـبيّ، عندنا وافدون عديدون آتون من الشرق الأوسط –من الجيل الأوّل والثاني- وهم في غالبيتهم مسيحيّون. دخل العديد منهم في الكنيسة اللاتينيّة وتبقى مجموعات صغيرة يتوفّر لها أبرشيّاتها الخاصّة. نتمنّى أن ننمو أكثر فأكثر في وعي إيماننا الكاثوليكيّ المشترك وأن نقترب أكثر فأكثر من عملٍ رسوليّ مشترك. في هذا الوقت، نحرّك في كلّ كنائسنا ما يُدعى "رسالة القارّة"، ثمرة المجلس الأسقفيّ العامّ في أباريسيداس. قد يكون التمكّن من الاتحاد في جهود التبشير بالإنجيل هذه، شهادة عظيمة. وأخيرًا، نريد أن نتقاسم معكم القلق بسبب النـزاع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ. في ذلك أيضًا، نحن في شركة مع الأب الأقدس عبر الجهود التي يبذلها من أجل إيجاد حلّ للنـزاع. ليعود السلام بين هذين الشعبين على أرض يسوع!

نسأل الربّ يسوع، بشفاعة العذراء مريم الكلّيّة القداسة، ملكة الرسل، أن يفيض على هذه الجمعيّة روحه الذي يجدّد كلّ شيء.

 

 المداخلات في القاعة (البداية)

 بعد ذلك قام بمداخلات الآباء التالية أسماؤهم:

  – سيادة المطران الياس شكّور، رئيس أساقفة عكّا، مار يوحنّا عكّا، للروم الملكيّين السامي الاحترام(إسرائيل)

 – سيادة المطران بطرس مراياتي، أسقف حلب للأرمن السامي الاحترام (سوريا)

 – سيادة المطران كيريلُّس وليم، أسقف أسيوط، ليكوبوليس للأقباط السامي الاحترام (مصر)

 – سيادة المطران بطرس فهيم عوض حنّا، أسقف ماريوتس شرفًا، أسقف كوريا الإسكندريّة للأقباط السامي الاحترام (مصر)

 – سيادة المطران يوهانّس زكريا، أسقف الأقصر، طيبا للأقباط السامي الاحترام (مصر)

سننشر في ما يلي ملخّص المداخلات

 – سيادة المطران الياس شكّور، رئيس أساقفة عكّا، مار يوحنّا عكّا، للروم الملكيّين السامي الاحترام(إسرائيل)

قرّروا البقاء والإستمرار برسالتهم الخاصّة، تابعين أوامر مواطنهم، الجليليّ، يسوع الناصريّ. مواطني، بطلي وشريكي في الرعيّة.

لو 24: 45-49؛ أع 1: 4-5 وخاصّةً مر 16: 15 "لا تخف أيّها القطيع الصغيرُ"، "إذهبوا في العالم كلّه، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين". منذ ذلك الحين بدأ أجدادي ينشرون حولهم وفي كلّ مكان الأخبار المشوّقة المتعلّقة بقبر فارغ ورجل قائم من الموت. ولم ننقطع قط عن إعلان هذه البشرى المشوّقة. لذلك ضُحيّ ببطرس وبولس وقُتلا هنا في روما.

خلال العشرين قرنًا الأخيرة، كان مسيحيّونا في الأرض المقدّسة أشبه بالمحكوم عليهم والمميّزين الذين عليهم إقتسام الضغوط والاضطهاد والألم مع المسيح. قام من الأموات لكن صليبه ما زال عاليًا في سمائنا. ومسيحيّتنا لا تزال متدليّةً من على هذا الصليب المرعب. لا يزالون يعيشون تحت التهديد اليوميّ للسلطات التي تستمرّ في حلمها بنقل أقليّتنا بعيدًا عن أراضيها، وبيوتها، ووطن أجدادها. لو لم يكن ذلك من أجله، لكان الصليب ملعونًا ومكروهًا.

مرّت عصورٌ، مثقلةً بآلامنا وإضطهاداتنا.

ولكن اليوم، أبونا الأقدس، البابا بندكتوس السادس عشر، دعا الكنيسة الكاثوليكيّة وجميع المسيحيّين ذوي الإرادة الحسنة إلى أن يحوّلوا نظرهم ويعودوا نحو بقيّة عائلة المسيح. جئنا إلى هنا لندعوكم جميعًا إلى إعادة النظر بأفضليّاتكم في ما يتعلّق بالأرض المقدّسة وسكّانها. من المؤكّد أنّ المعابد والأراضي المقدّسة هامّةٌ. كان الأخوة الفرنسيسكانيّون حماةً متحمسين وصادقين وحرّاسًا للأراضي المقدّسة.

بصفتي رئيس أساقفةٍ لأكبر كنيسة كاثوليكيّة في الأرض المقدّسة، الكنيسة الكاثوليكيّة الملكيّة، أدعوكم بإلحاح وأناشد الأب الأقدس أن يولي مزيدًا من الإنتباه إلى حجارة الأرض المقدّسة الحيّة. مرّة أخرى، يكرَّس الإنتباه على الرغم من عدم إستحقاقنا، وقد نستطيع أن نعيد بسمة الرجاء إلى وجوه أولادنا. منذ الآن نستطيع إمتلاك الأدوات والوسائل لصنع ذلك. نحن في الجليل منذ أزمنة سحيقة. والآن نحن في إسرائيل. نريد البقاء حيث نحن، نحن بحاجة إلى صداقتكم أكثر منها إلى مالكم.

 

 – سيادة المطران بطرس مراياتي، أسقف حلب للأرمن السامي الاحترام (سوريا)

 لا شكّ في أنّ الحركة المسكونيّة تعيش أزمةً حقيقيّة. وخيرُ دليل على ذلك الأوضاع المترديّة التي تعصف بمجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي بقي لسنوات طويلة واجهة العمل المسكوني في بلداننا. نأمل أن تكون هذه الأزمة مرحلةً عابرة من مراحل النموّ الطبيعي، كي نبدأ صفحةً جديدة يكون فيها العمل المسكوني بعيدًا عن النمطية المؤسّساتيّة والمشاريع التنموية والإدارة المالية، بل يسعى إلى تعزيز روح الإخوّة والحوار والشراكة بين الكنائس.

ما يشدّ الانتباه لدى دراسة "ورقة العمل" أنّها بكاملها تحمل طابَعًا مسكونيًّا، لأنّ كلَّ ما ذُكر فيها يهمّ كنائس الشرق الأوسط بأجمعها. لا بل هذه الجمعيّة الخاصّة لا تأخذ أبعادها المسيحيّة الكاثوليكيّة الحقيقيّة إلاّ إذا قرأناها في ضوء علاقاتنا مع الكنائس والجماعات الكنسية الشقيقة. "فإمّا أن نكون معًا أو لا نكون"، كما قيل.

1. أجد فراغًا بين الفقرتين (14) و(15). ألا تجدر الإشارة إلى أنّه في دمشق كان اهتداءُ بولس الرسول ومنها ذهب إلى بلاد العرب. ثمّ انطلق إلى الأمم. وقد احتفلنا، مسكونيًّا، بالسنة البولسيّة، كما أعلنها قداسة البابا بندكتُس السادس عشر. وفي أنطاكية دُعي تلامذةُ المسيح أوّلَ مرّة مسيحيين. وفي شمال حلب ازدهرت الحياةُ النسكية والرهبانية في القرن الرابع. من مار سمعان العمودي إلى مار مارون. وتشهد على ذلك الأوابد التاريخية التي لا تزال قائمة حتّى اليوم. هذه حقيقة مسكونيّة تُعيدنا إلى جذورنا المسيحيّة الواحدة. وعلينا أن نُحْييها ليس محلّيًا فحسب، وإنّما أيضًا عالميًا، لتكون دعمًا لحضورنا المسيحي المتأصّل في عمق التاريخ.

2. لقد جاء في الفقرة (25) من "ورقة العمل": "تختلف الأوضاع كثيرًا بين بلدان الشرق الأوسط". هذا واقع لا يمكن تجاهلُه. وإذا أردنا أن تعطي هذه الجمعيّة ثمارها أتمنّى أن يُعقد في كلّ بلد مؤتمرٌ خاصّ ذو طابَع مسكوني، تناقَش فيه الأمور وَفقَ الظروف المحلّية. لا شكّ في أنّ التحدّيات متشابهة، ولكنّ لكلّ بلد خصوصيَتَه.

3. إنّ التحدّيات المذكورة في "ورقة العمل"، وخاصّة موضوع الهجرة (الفقرات 43-48) تعنينا كما تعني سائر الكنائس والجماعات الكنسية المحلّية. فهذا "همّ مسكوني" إذا صحّ التعبير. ويحقّ لنا أن نتساءل: هل هناك مخطّط لتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين؟ منذ مائة عام ولا تزال عمليات الهجرة والتهجير القسري مستمرّة. ففي العام 1915 هُجِّر مئات الآلاف من الأرمن قسرًا من ديارهم، وارتُكبت بحقّهم أوّل إبادة جَماعية في القرن العشرين على يد الأتراك العثمانيين، وفي مقدّمتهم المطران الشهيد الطوباوي إغناطيوس مالويان. ثمّ جاء دَور السُريان والكَلدان… فأُفرغت مدنٌ وقُرىً بكاملها من الحضور المسيحي. ولم يتوقف مسلسلُ تفريغ المسيحيين من الشرق الأوسط. فكانت أحداثُ فلسطين، والحرب الأهلية في لبنان، والثورة في إيران، واجتياح العراق… المسيحيون يُستشهَدون، أو يُهجَّرون، أو يغادِرون "مسكونياً"! أي من دون تمييز بين كنيسة وأُخرى. هل يأتي يوم يشهد فيه العالم المتفرّج والكنائس الغربية اللامبالية "موت مسيحيي الشرق"؟

إننا بالرُغم من كلّ الأزمات والصعوبات التي تعترض حياتَنا المسيحية وعلاقاتِنا المسكونية لا نزال "نؤمن راجينَ على غير رجاء" (رومة 4/18)

 

– سيادة المطران كيريلُّس وليم، أسقف أسيوط، ليكوبوليس للأقباط السامي الاحترام (مصر)

 الليتورجيّا، من خلال ورقة العمل، هي مظهرٌ متجذّرٌ بعمقٍ في الثقافة الشرقيّة، لذلك لا يمكننا التقليل من قوّتِها لكي نحافظ اليوم على حيوّيّة الإيمان. إنّ التاريخ يؤكّد لنا أنّه في بلداننا في الشرق الأوسط، كانت الليتورجيّا دائمًا مدرسة لتربية الإيمان والأخلاق المسيحيّة لشعوبنا البسيطة والأُمّيّة في غالبيتها، بفضل العديد من قراءات الكتاب المقدّس

 (ستّة قراءات يوميّة في ليتورجيّتنا القبطيّة ويزيد عددها في فترة الأعياد وبعض الإحتفالات) وبفضل الصلوات المؤلّفة من إقتباسات متلاحقة من الكتاب المقدّس.

لذلك علينا أن نحافظ عليها باحترام من خلال نصّ الحقّ القانونيّ الشرقيّ (راجع قانون 39 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة).

في دستور "المجمع المقدّس"، المقطع الرابع، يؤكّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني على أن جميع الطّقوس متساوية بالحقوق والكرامة. في القرار المجمعيّ "في الكنائس الشرقيّة"، إنّ أباء المجمع يعربون عن تقديرهم الخاصّ لتراث الكنائس الشرقيّة ويسلّطون الضوء على الفوائد التي تقدّمها هذه الكنيسة الشرقيّة للكنيسة الجامعة، منوّهين بالرسالة الرسوليّة "كنائس شرقيّة" للبابا لاون الثالث عشر في 30/11/ 1894.

إنّ القرار المجمعيّ للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة يشجّع أيضًا الغربيّين الذين هم على اتصال مع هذه الكنائس، على أن ينكبّوا على التعرّفِ واحترام  الليتورجيّات الشرقيّة… ويرجع إلى "الإرادة الرسوليّة" "كاثوليك شرقيّون" للبابا بندكتوس الخامس عشر في 15/10/ 1917 والرسالة البابويّة ("الشؤون الشرقيّة")"Rerum Orientalium "  للبابا بيوٍس الحادي عشر في 8/9/1926.

إنّ القانون رقم 41 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة يؤكّد ذلك ويفرض التعرّف بدقّة على هذه الطقوس الدينيّة وممارستها.

نلاحظ أنّ الكثير من الرهبان اللاتين يقومون بترجمة الليتورجيّة اللاتينيّة إلى اللغة العربيّة ويحتفلون بها للمؤمنين الشرقيّين فيساعدونهم هكذا على الإنفصال عن كنائسهم وإضعاف إنتمائهم إليها.

في ما يخصّ اللغة الليتورجيّة ("ورقة العمل"، رقم 72)،لم ننتظر المجمع الفاتيكانيّ الثاني لترجمة النصوص الليتورجيّة بحسب اللغات التي يستعملها الشعب. فمنذ البدء، كان يُحتفل بليتورجيّتنا القبطيّة بلهجاتٍ متعدّدة في صعيد مصر، وفي المدن الكبرى باليونانيّة، لغة الثقافة والحياة اليوميّة.

إبتداءً من القرن العاشر، نجد كلّ شيء في اللغة العربيّة. هذا العامل الذي حافظ على الإيمان، وإذا قمنا بمقارنة مع بلدان أخرى مجاورة مثل شمال أفريقيا، نلاحظ أنّ المسيحيّة التي كانت مزدهرة في البدء، شرعت تختفي على مرّ العصور، لأنّه فُرِض عليها ليتورجيّة غريبة بلغة غير مألوفة.

لديّ شرح أطلبه وأمنية أقوم بها:

في بلدٍ مثل بلدنا، مصر، حيث الجميع (كاثوليك، غير كاثوليك وأيضًا غير مسيحيّين) هم أقباط، ماذا ينفع الإحتفال بالقدّاس اللاتينيّ باللغة العربيّة؟ إن كان هناك لاتين، لكان لهم الحقّ بأن يحتفلوا بالقدّاس اللاتينيّ، ولكن بلغة غير العربيّة، لأنّ ذلك يجذب مؤمنينا ويساعد على بعثرتهم.

 

 – سيادة المطران بطرس فهيم عوض حنّا، أسقف ماريوتس شرفًا، أسقف كوريا الإسكندريّة للأقباط السامي الاحترام (مصر)

باختيار خاصّ من الله، وُلِدَ الكتاب المقدّس في أرضنا في الشرق، حاملاً في ذاته خصائص ثقافتنا، وباختيار مشابه تجسّدت "الكلمة" الإلهيّة [يسوع المسيح] وشاركت في واقعنا، في الشرق. سلّم نفسه للموت على الصليب لأجل خلاص الجميع.

من الشرق انطلق أوّل إعلانٍ للإنجيل. تستمرّ كنائسنا بأمانتها لشهادة الإنجيل، بمساعدة الله والكنيسة الكاثوليكيّة بكاملها وجميع البشر ذوي النوايا الحسنة، واهبة العالم والكنيسة شهداء أمينين لإيمانهم، للكلمة، للعدالة والمحبّة الأخويّة. ستكون هكذا كلمة الله دائمًا الدليل لالتزامنا الرسوليّ.

لقد غذّت كلمة الله دائمًا شعوب الشرق وهكذا أنتجوا تقاليد بيبليّة، ليتورجيّة، لاهوتيّة وروحيّة غنيّة.

ما يزال نبع كلمة الله مُتدفّقًا، ولكن العطش لها ما زال كبيرًا في أراضينا. ولهذا نحن بحاجة إلى خبراء آخرين، مراكز، جماعات راعويّة لدراسة، لتأمّل، لعيش الحياة ولنشر الثقافة البيبليّة في واقعنا، لكي تكون "الكلمة" أساس كلّ تربية وتعليم وحوار لبناء ثقافة الإنجيل والمحبّة لخير الجميع.

 

 – سيادة المطران يوهانّس زكريا، أسقف الأقصر، طيبا للأقباط السامي الاحترام (مصر)

 يتركّز تقريري على تجديد النشاطات الرسوليّة للكنائس الشرقيّة نظرًا لأنّ ورقة العمل لم تعالج هذا الموضوع بطريقة وافية.

منذ بدء تاريخ الكنيسة، إتّصف مؤمنو الشرق بغيرتهم الرسوليّة والإندفاع الذي يبدونه في تحقيق وصيّة الربّ الذي يطلب التبشير بالإنجيل في العالم أجمع.

إنّ ضعف الأمبراطوريّة الرومانيّة وانقسامها، وعنف النـزاعات الوطنيّة، وشدّة المناقشات العقائديّة بين المسيحيّين، وانقسامات الكنيسة، وبالتالي السيطرتين العربيّة والإسلاميّة على الشرق الأوسط قد أضعفت الكنائس الشرقيّة ووضعت شروطًا لوجودها في الشرق. سبّب كلّ هذا، نهاية الحماس الرسوليّ وقلّل من الإندفاع الإنجيليّ كما يلاحظ ذلك العدد 20 من ورقة العمل.

على الرغم من أنّ الكنيسة في الشرق الأوسط تشكّل حاليًّا أقليّة تعيش في وسط أكثريّة غير مسيحيّة وعلى الرغم من أنّها تكافح ضدّ خطر زوالها ومن أنّها تناضل للحفاظ على الإيمان المسيحيّ في قلوب مؤمنيها، يجب الاّ تخاف هذه الكنيسة ولا تستحي، وألاّ تتردّد في تلبية وصيّة الربّ الذي يطلب الاستمرار بالتبشير بالإنجيل.

إنطلاقًا من هذا السينودس، أطلب من كنائسنا الشرقيّة أن تجدّد إندفاعها الرسوليّ ونشاطها التبشيريّ. إلى ذلك،  يجب عليها تعزيز تنشئة جميع أولادها ليُعيدوا إكتشاف دعوتهم الرسوليّة فيتشجّعون على تكريس حياتهم بإندفاعٍ لإعلان الإنجيل، ويتشاركون هكذا مع أبناء الكنيسة الجامعة لا سيّما أبناء الكنيسة الغربيّة في خدمة التبشير بكلمة الله في العالم أجمع.

* * *

حقوق الطبع والنشر محفوظة لدار النشر الفاتيكانية