سينودس الشرق الأوسط.. وإشكالية المسيحيين العرب

 

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

من بين أهم الأحداث الدولية والفعاليات السياسية والدينية في آن والتي ستشهدها القارة الأوربية وتتصل مع منطقة الشرق الأوسط على نحو خاص، يأتي سينودس الشرق الأوسط، الذي سينعقد في دولة الفاتيكان في الفترة الممتدة من العاشر إلى الرابع والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين أول الجاري، والمخصص لمناقشة أوضاع المسيحيين العرب في الشرق الأوسط، ويجيء تحت عنوان "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط.. شركة وشهادة".

 

ورغم أن الدعوة لعقد هذا السينودس جاءت من الفاتيكان الذي يمثل الكنيسة الكاثوليكية إلا أنها تنسحب ولا شك على بقية مسيحي الشرق الأوسط، وان كانت غالبيتهم من الأرثوذكس والأكثرية بينهم توجد بين صفوف الأقباط في مصر الذين يبلغ عددهم عدة ملايين غير محددة حتى الساعة، وان الحضور الكاثوليكي العربي هو حضور نوعي أكثر منه عددي حيث عرفوا قبل قرون ثلاثة بانفتاحهم على أوربا فاكتسبوا كوسمولوجية الوعي الديني والإنساني، وحصلوا الكثير من حداثة العلم التجريبي والتطبيقي بجانب التنظير الأيديولوجي، وانعكس ذلك على مؤسساتهم العلمية من مدارس وجامعات، ناهيك عن جمعياتهم الأهلية المنتشرة في كافة الربوع من إيران إلى مصر.

في معنى السينودس وأنواعه
في الحاجة إلى سينودس الشرق الأوسط
عقبات في حياة المسيحيين العرب
المسيحيون العرب في صدر الإسلام
السينودس القادم والقضية الفلسطينية
من لبنان إلى العراق… آمال في السينودس

 

في معنى السينودس وأنواعه

 


يقتضي المجمع الكنسي العام حضور أساقفة الكنيسة الكاثوليكية من قارات الأرض الست ولذلك سمي المجمع "المسكوني"، وفي هذا مشقة كبيرة اليوم سيما مع تعقيدات الحياة المعاصرة، ولذلك اعتبرت فكرة السينودس التخصصي طرحا بديلا لمناقشة القضايا الآنية ويشارك فيها الأساقفة المعنيون جغرافيا أو فكريا بالقضية المطروحة.

كلمة سينودس Synod هي مزيج من اللاتينية واليونانية وأقرب معنى لها إلى اللغة العربية "السير معا"، والسينودس هو تجمع عام وشامل لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية لمناقشة إشكاليات إيمانية وعقائدية غالبا، وحياتية آنية إشكالية في مرات أخرى، وقد يتعلق السينودس بمنطقة جغرافية معينة من العالم، فعلى سبيل المثال شهدت حاضرة الفاتيكان سينودس خاص بأساقفة أوربا الشرقية للبحث في دور الكنيسة الكاثوليكية هناك بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وشهد كذلك سينودس خاصة بلبنان، وأخر يتعلق بإفريقيا.

 

والأصل في فكرة السينودس أنها تفرع عن حاضنة اكبر هي "المجمع"، وقد شهدت الكنيسة عبر تاريخها الطويل مجامع عقائدية مطولة مثل مجمع نيقية، ومجمع خلقيدونية، أما أحدث تلك المجامع فكان ذاك الذي شهدته حاضرة الفاتيكان في ستينات القرن المنصرم وعرف باسم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والذي دعا إلى انعقاده البابا يوحنا الثالث والعشرين واستمر من العام 1961 وحتى العام 1965، وتعد مقرراته بمثابة الدستور الذي تمضي على هديه الكنيسة الكاثوليكية في كثير من أمور الحياة الحداثية أو المستحدثة.

 

لكن المجمع العام يقتضي حضور أساقفة الكنيسة الكاثوليكية من قارات الأرض الست وهذه دلالة كلمة "المسكوني"، وفي هذا مشقة كبيرة اليوم سيما مع تعقيدات الحياة المعاصرة، ولذلك اعتبرت فكرة السينودس التخصصي -إن جاز التعبير- طرحا بديلا لمناقشة القضايا الآنية ويشارك فيها الأساقفة المعنيون جغرافيا أو فكريا بالقضية المطروحة.

 

في الحاجة إلى سينودس الشرق الأوسط

 


بات الاحتلال الإسرائيلي العامل الطارد الأول وشبه الوحيد لتفريغ بيت لحم والناصرة والقدس من مواطنيها المسيحيين كما المسلمين وبسط جناح التهويد عليها

ضمن إشكاليات كثيرة يواجهها العالم العربي باتت قضية الحضور المسيحي مطروحة وبقوة سيما في ضوء العديد من المعضلات التي بدأت تتقاطع معها.

 

وإذا كانت المسيحية قد ولدت مشرقية، فإن هناك من يرى أن هذا الوجود بات مهددا بالزوال سيما في فلسطين الأرض المقدسة مهد المسيحية، وبات الاحتلال الإسرائيلي العامل الطارد الأول وشبه الوحيد لتفريغ بيت لحم والناصرة والقدس من مواطنيها المسيحيين كما المسلمين وبسط جناح التهويد عليها.

 

أما في بقية الأقطار العربية فتختلف أوضاع المسيحيين العرب من دولة إلى أخرى حسب طبيعة النظام السياسي والنظام القضائي والمجتمع والحضارة بصفة عامة.

 

وعبر السنوات الماضية أبدى أساقفة الشرق الأوسط من الكاثوليك في فلسطين ومصر والأردن ولبنان وسوريا ودول الخليج، رغبتهم في مناقشة حاضر ومستقبل جماعتهم، وكان على البابا بندكتوس تلبية هذه الرغبة، ذلك أنه في منطقة يتعايش فيها قرون مؤمنون من الديانات التوحيدية الثلاث فإنه من المهم بالنسبة إلى المسيحيين أن يعرفوا جيدا إخوانهم المسلمين حتى يستطيعوا التعاون معهم في المجال الديني الاجتماعي والثقافي لخير المجتمع كله.

 

وفي وثيقة العمل النهائية للسينودس التي سيناقشها ألأساقفة في روما مع الحبر الأعظم نقرأ أن "الدين، بالأخص للذين يعبدون الله الأحد، يجب أن يصير دوما أكثر فأكثر عاملا للسلام والوفاق والالتزام المشترك في تنمية القيم الروحية والمادية للإنسان والجماعة؛ فهذه الشهادة كفيلة بأن تجذب التعاطف والرغبة في الانضمام إلى أعضاء جماعة المؤمنين والتي وغن كانت الآن تبكي وتنوح، فهي تحيي الرجاء بأن هذه الآلام ستتحول إلى فرح.. هل تعني هذه الكلمات الأخيرة توجها ما عند القائمين على أعمال هذا السينودس؟

عقبات في حياة المسيحيين العرب

 


يأتي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مقدمة المشاكل فهو يجعل الحياة اليومية صعبة، في حرية الحركة وفي المجال الاقتصادي، وفي الحياة الاجتماعية والدينية بالإضافة إلى ذلك تبرر الجماعات الأصولية المسيحية الظلم السياسي الواقع على الفلسطينيين استنادا إلى الكتاب المقدس مما يجعل وضع المسيحيين العرب أكثر حرجا

نعم وبدون شك، فهناك أكثر من معضلة يرى القائمون على السينودس أنها تشكل آلاما للجماعة المسيحية المشرقية وبعضها يمثل قطعا تحديا لوجودها الذي استمر على مدى ألفي عام.. ماذا عن ذلك؟

تجمل ورقة العمل الأولية للسينودس الأمر في خمس معضلات هي باختصار غير مخل:

 

1- الصراعات السياسية في المنطقة: في مقدمة المشاكل يأتي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي يجعل الحياة اليومية صعبة، في حرية الحركة وفي المجال الاقتصادي، وفي الحياة الاجتماعية والدينية بالإضافة إلى ذلك تبرر الجماعات الأصولية المسيحية الظلم السياسي الواقع على الفلسطينيين استنادا إلى الكتاب المقدس مما يجعل وضع المسيحيين العرب أكثر حرجا.

أما ففي العراق فقد كان المسيحيون من الضحايا الرئيسيين للعنف بعد الاحتلال الأمريكي، وفي لبنان: المسيحيون منقسمون على الصعيدين السياسي والطائفي، وفي مصر فإن تصاعد الإسلام السياسي من جهة وانعزال المسيحيين عن المجتمع المدني يعرض حياتهم لصعوبات خطيرة.

 

2- الحرية الدينية وحرية الضمير: وفي الشرق عادة ما تعني الحرية الدينية حرية العبادة، وبالتالي فهي لا تعني بعد حرية الضمير، أي حرية أن يؤمن الشخص أو لا يؤمن، أن يمارس ديانة سرا أو علنا بدون آية عقبة، وبالتالي حرية تغيير الديانة، إن الديانة في الشرق، عادة ما تكون اختيارا اجتماعيا بل قوميا، لا اختيارا فرديا، فتغيير الديانة يعتبر خيانة للمجتمع والثقافة والأمة المبنية أساسا على تقليد ديني.

 

3- المسيحيون وتطور الإسلام المعاصر: من القضايا التي ستشهد ناقشات حامية الوطيس ولا شك في أعمال السينودس، فكرة تصاعد الإسلام السياسي منذ العام 1970، وهو ظاهرة بارزة تؤثر على المنطقة، وعلى وضع المسيحيين في العالم العربي، ويشمل هذا الإسلام السياسي تيارات دينية مختلفة، تريد أن تفرض حياة إسلامية على المجتمعات العربية والتركية والإيرانية، وعلى كل الذين يعيشون فيها من مسلمين وغير مسلمين بحسب نص الوثيقة.

 

4- هجرة المسيحيين العرب إلى الخارج: تقر القراءة الأولى للسينودس أن هجرة المسيحيين العرب اليوم من أوطانهم تزايدت بسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم الاستقرار الذي أحدثه في المنطقة كلها، في حين أن الوضع الاجتماعي المهدد في العراق، وعدم الاستقرار السياسي في لبنان قد زادا من هذه الظاهرة. وفي السياسات الدولية غالبا ما تتجاهل محافلها الحضور المسيحي والضحية الأولى لذلك هم المسيحيون وهذا هو احد الأسباب الكبرى للهجرة.

 

5- الهجرة المسيحية الدولية الوافدة في الشرق الأوسط: وهذه الأخيرة بدورها ظاهرة جديدة وهامة تبرز في بلدان الشرق الأوسط، إذ تستقبل بلدانٌ مختلفة، مئاتِ الآلاف من الأفارقة والآسيويين كوافدين للعمل وفي أغلب الأحيان يتعلق الأمر بنساء تعملن كخادمات لتوفرن تربية لأبنائهن وحياة أكثر كرامة وغالبا ما يتعرض هؤلاء الأشخاص لمظالم اجتماعية من الدول التي تستضيفهم والاستغلال وتجاوزات جنسية، إن من الوكالات التي تستقدمهم أو من أرباب العمل، أضف إلى ذلك عدم احترام القوانين والاتفاقيات الدولية غالبا.

 

ولعل السؤال هل تلفت هذه التحديات أنظار الأنتلجسيا العربية إلى قضية أو قضايا المسيحيين العرب… بوصفها إحدى الجراح العربية التي تستنزف رصيد مضاف وفاعل ومشارك في التاريخ والحضارة العربية؟ ثم إذا كان الأولون قد حافظوا على التماسك الاجتماعي وحافظوا على التعاضد الإيماني عبر أربعة عشر قرنا منذ ظهور الإسلام وفتحة للدول العربية حتى الساعة فلماذا اهتزت الصورة مؤخرا؟

 

المسيحيون العرب في صدر الإسلام

 


عندما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية للمرة الثانية خالف السنة الإسلامية فوزع من بيت المال على الأقباط أموالا طائلة لتعوضهم عن العقوبات التي أنزلتها بهم الحكومة البيزنطية لمعاونتهم العرب في فتح مصر كما يقول: الفريد بتلر في كتابه فتح العرب لمصر

مع ظهور الدعوة وقيام الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية ثم الفتوحات التي جرت لاحقا كان ولا بد أن يبحث المسيحيون العرب عن حاضرهم بعد أن باتت الغلبة الفكرية والعددية في غير صالحهم، غير أن وقائع التاريخ تخبرنا بأن روحا إيمانية وعقائدية إسلامية قد بسطت أجنحتها على هؤلاء أينما وجدوا وحيثما حلو "من آذى ذميا فقد آذاني".

 

ولا شك أن المسيحيين العرب الأوائل وهم الذين عاصروا الفتح الإسلامي هم أكثر من لمس الأمر بوضوح إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطهدهم اضطهادا وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوربا بأنه لا يشبه حتى بأعمال البهائم وهي الدولة البيزنطية، إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم وكنائسهم وصلبانهم بعد طول تعرضها للهدم والحرق والمصادرة، كما خيرتهم بين اعتناق الإسلام والبقاء على دينهم بشرط الدخول في ذمة المسلمين أي بشرط الانضمام إلى دولة الإسلام ورفض القتال مع أعدائها.

 

ومن ضمن المرويات التاريخية نقرأ كيف أن "إكليروس" أي رجال دين الكنيسة المصرية القبطية كله أو جله كان متخفيا في الصحاري هربا من المذابح البيزنطية، فلما جاء الفتح العربي عادت الكيسة المصرية إلى حريتها الكاملة علنا. بل إن عمرو بن العاص عندما فتح الإسكندرية للمرة الثانية خالف السنة الإسلامية فوزع من بيت المال على الأقباط أموالا طائلة لتعوضهم عن العقوبات التي أنزلتها بهم الحكومة البيزنطية لمعاونتهم العرب في فتح مصر والعهدة هنا على الراوي "الفريد بتلر" في كتابه فتح العرب لمصر.

 

وعلامة الاستفهام في هذا المقام: هل كانت العلاقات الإسلامية المسيحية طوال تاريخها سخاء رخاء صفاء زلالا؟ يجافي الحقيقة العلمية والموضوعية من يقول بذلك، لكن في الحساب الإجمالي لتلك العلاقات نجد أنها ايجابية بمطلقيه غير محدودة حال مقارنتها بالعلاقات المسيحية اليهودية في أوربا طوال قرون طويلة أو بالمسيحية الإسلامية في الأندلس عبر نحو خمسمائة عام.

 

السينودس القادم والقضية الفلسطينية

 


في ضوء التعنت الإسرائيلي الواضح والفاضح الممعن في الاستمرار في أعمال سياسة الاستيطان تبدو إسرائيل ذاهبة في طريق غير الذي يتطلع إليه البابا "طريق الدولة الفلسطينية المستقلة"، هذا الأمر الذي يدفع وسيدفع المسيحيون الفلسطينيون الثمنَ بوصفهم أقلية الأقلية في المدن الفلسطينية ذات العبق المسيحي المقدس كالقدس والناصرة وبيت لحم

في تقدير كاتب هذه السطور إن أحد أهم التحديات الإيمانية والأخلاقية، بل ونقول الاختبارات الموضوعية التي سيتعرض لها السينودس هي تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية والسلام وحقوق الشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه.

 

في هذا السياق يضيق بنا المقام عن الحديث حول علاقة الفاتيكان التاريخية بدولة إسرائيل منذ زمن البابا بندكتوس الخامس عشر الذي رفض دعوة تيودور هيرتسل لإقامة وطن لليهود في فلسطين حتى مواقف بندكتوس السادس عشر التي تجلت في تصريحاته أثناء زيارته في مايو/ أيار 2009 إلى إسرائيل.

 

ففي بيت لحم وبتاريخ 13 مايو/ أيار 2009 قال البابا "إن الكرسي الرسولي يؤيد حق الشعب الفلسطيني في وطن فلسطيني ذي سيادة على ارض أجداده، وطن آمن وفي سلام مع جيرانه، داخل حدود معترف بها دوليا".

 

وفي خطابه السابق في مطار بن غوريون بتاريخ 11 مايو/ أيار أعرب بابا الفاتيكان عن أمنيته "أن يستطيع الشعبان أن يعيشا في سلام كل في وطنه، داخل حدود آمنة ومعترف بها دوليا".

 

وفي ضوء التعنت الإسرائيلي الواضح والفاضح الممعن في الاستمرار في أعمال سياسة الاستيطان تبدو إسرائيل ذاهبة في طريق غير الذي يتطلع إليه البابا "طريق الدولة الفلسطينية المستقلة"، هذا الأمر الذي يدفع وسيدفع المسيحيون الفلسطينيون الثمنَ بوصفهم اليوم أقلية الأقلية في المدن الفلسطينية ذات العبق المسيحي المقدس والتي ترتبط بأسرار الإيمان المسيحي وفي مقدمتها القدس والناصرة وبيت لحم.

 

وفي هذا السياق يدرك المرء أبعاد الرسالة التي بعثها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى البابا بندكتوس بمناسبة أعمال هذا السينودس وقدم فيها عرضا مفصلا حول أسباب هجرة المسيحيين العرب القسرية من وطنهم فلسطين، عازيا إياها للتضييق الخانق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على سبل العيش الكريمة وتعطيله عجلة السلام في المنطقة، عبر انتهاجه سياسة الاستيلاء على أراضي وتقطيع أوصالها وعزلها عن محيطها العربي المسيحي والإسلامي، وهو ما دفع المواطنين إلى البحث عن السلام والاستقرار في بقاع أخرى بعيدة عن المشرق الملتهب جراء الممارسات الإسرائيلية.. هل الأمر قاصر على الأراضي المقدسة فقط؟

 

من لبنان إلى العراق… آمال في السينودس

 

الشاهد أن اقتراب موعد انعقاد السينودس كان قد حرك الكثير من المياه الراكدة في غالبية دول الشرق الأوسط بشان الحضور المسيحي العربي، وتفاعلات المسيحيين العرب مع الأكثرية من المسلمين، ففي لبنان على سبيل المثال واستباقا لأعمال السينودس وجه النائب اللبناني والرمز الماروني الشهير الجنرال ميشيل عون رسالة إلى حاضرة الفاتيكان أكد فيها على انه من الخطأ " مقاربة الواقع المشرقي الحالي من منطلق أقليات وأكثريات لان هذه البلاد ثمرة تراكم معرفي ثقافي لشعوب كثيرة وديانات شتى،، تراكم جمعته الأقليات والأكثريات معا في مزيج عز نظيره، وتقلبات غير التوجهات السياسية وأبقت على التنوع المجتمعي والثقافي داخل الجغرافيا.

 

ما الذي يطالب به المسيحيون المشرقيون متمثلين في رسالة الجنرال عون؟

 

هناك روح طيبة نلمسها في كلماته إذ يشدد على أن "المسيحيين المشرقيين ينتظرون من الفاتيكان بما يمثله من سلطة روحية لدى الكاثوليك، ومعنوية بالنسبة لدى العالم العمل لدى حكومات وإدارات العالم الغربي لوقف محاولة "أبلسة" الدين الإسلامي الذي يؤمن به أكثر من مليار إنسان في تقاليده وعاداته "كما طالب بأن تتم الدعوة إلى النظرة في جوهره ونصه الديني الأصلي فقط، لا من خلال أفعال مجموعات تكفيرية إرهابية، يرى المسلمون أنفسهم أنهم ضحاياها مثل بقية العالم، وأنها لا تمت إلى دينهم بصلة".

 

غير أن تصريحات أخرى لرئيس أساقفة كركوك للكلدان الكاثوليك في العراق يمكن أن تثير لغطا فكريا في قادمات الأيام إذ يرى أن المجمع يرمي إلى إحداث تغيير دستوري في البلدان التي تتضمن أقليات مسيحية كخطوة أولى وأساسية لضمان حقوقنا".

 

ويضيف "نحن نكن لإخواننا من الديانات الأخرى كل الاحترام وعليهم من جانبهم أن يبادلونا الأمر" وعلى الحكومات أخذ هذا بنظر الاعتبار وتعديل دساتيرها وفقا له فليست هناك ديانة أولية وأخرى ثانوية، كل الديانات متساوية أمام الخالق"، على حد قوله.

 

وربما يتفهم القارئ هذا التصريح في ضوء الآلام التي يعانها العراق بكافة، ودفع المسيحيون هناك ثمنها على شكل خاص، لكن التصريح في حد ذاته قفز إلى فوق ما هو مرسوم لأعمال السينودس من مطالبات، وهي مطالب كذلك لا بد وأن تثير مشاعر الأغلبية المسلمة وبخاصة في الدول العربية التي يشار في دساتيرها إلى أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول للتشريع فيما خص القوانين الوضعية.

 

خاتمة

 

يألم المرء كثيرا أن تجيء هذه الدعوات الإحيائية إن جاز القول، من الآخر وليس منا، وفي هذا يرى المفكر العروبي الكبير والمسيحي المشرقي الدكتور أنور عبد الملك، أبو علم الاستشراق الحديث أنه من الغريب والمستغرب أن يتم طرح القضايا الوطنية والحضارية والقومية التي هي منا ولنا وملكنا بدءا من رؤية الغير، ويبدي دهشة بالغة من أن نستعمل المفاهيم والعبارات والمقابلات والشعارات نفسها التي للآخر، وكأنه مكتوب علينا أن نظل في مقام رد الفعل دون الفعل السيادي.

 

وفي هذا المقام نتساءل: "ألم يكن التنادي عربيا لبحث هذه القضية أفضل وأكرم لسيرة ومسيرة التعايش الإسلامي المسيحي العربي الخلاق عبر رابع عشر قرنا؟

 

هذا التساؤل لا ينتقص بلا شك من دعوة حاضرة الفاتيكان، ولها التقدير والإجلال على طرحها القضية للنقاش في سياق من النوايا الإنسانية، سيما إذ تنص خاتمة وثيقة العمل على أن السينودس: "دعوة مفتوحة للتعاون مع ذوي الإرادة الصالحة في سيبل الخير العام لمجتمعات العالم العربي والتي تجمع المسلمين والمسيحيين سويا.

 

وفي انتظار فعاليات وحوارات ونقاشات السينودس التي تمتد لنحو أسبوعين ( 10- 24 أكتوبر) يبقى الحديث متصلا.
_______________
كاتب مصري