كلنا في مسيرة واعدة نحو سينودس الشرق الأوسطي – 1

 المونسنيور بيوس قاشا – العراق

 

بعد حوالي ثلاثين عاما من انعقاد المجمع الفاتيكاني الأول (1869) ورغم الظروف القاسية السياسية والأمنية آنذاك، لم يغفل البابا لاون الثالث عشر عن ما كان يشغل بال الكنيسة ألا وهي وحدة المسيحيين، وما يتصل بها من أحوال المسيحيين الشرقيين ولاسيما منهم الذين كانوا قد انضموا إلى الكنيسة الكاثوليكية في ما بين المجمعين المسكونين التريدنتيني والفاتيكاني الأول.. فكانت رسالة البابا لاون الثالث عشر سنة 1894 "كرامة الشرقيين" تتويجا لمجمع بطاركة الشرق الكاثوليك وكرادلة للتداول في ما آلت إليه الحركة المسكونية وكما أرادها قداسته أيضا حينها دفاعا عما تعنيه التقاليد والطقوس الشرقية للكنيسة كلها كما جاءت اهتماما منه بتعزيز الكنائس الشرقية والتماس الوسائل الائلة إلى إعلاء شانها وضم الكنائس المنفصلة عنها الى وحدة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة.

يمكن القول إن هذه الرسالة "كرامة الشرقيين" قد مهّدت الطريق امام وثائق لاحقة برزت نتائجها في المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) وما بعده كما أظهره على سبيل المثال: القرار المجمعي "في الكنائس الشرقية" والقرار المجمعي "في الحركة المسكونية" ودليل تطبيق مبادئ الحركة المسكونية وقواعدها الصادر عام 1993 عن المجلس الحبري لتعزيز الوحدة بين المسيحيين وسواها من المبادرات.

نعم جاءت رسالة البابا لاون الثالث عشر "كرامة الشرقيين" تعبيرا عن اهتمام البابا بالكنائس الشرقية، وتقديرا لتقاليدها المتنوعة، وهذا الكلام لم يتوقف عند الكلام بل رافقه مبادرات عملية تجسدت في إنشاء مؤسسات ثقافية وخيرية ومسكونية كان لها الاثر الكبير في إنماء هذه الكنائس.

ولما كان البابا يوحنا بولس الثاني (1987-2005) الذي لم يرد أن يتوقف على أحكام قانونية كما فعل سلفه البابا لاون الثالث عشر بل أراد أن يكون أكثر قربا جاءت رسالته "نور الشرق" والتي كان لا بد منها من اجل تنظيم العلاقات مع كنائس شرقية حديثة العهد بالاتحاد مع روما وأراد قداسته بنوع خاص أن يقف في نهاية الألف الثاني للميلاد كما يقف المسافر على قمة الجبل ليلقي نظرة شاملة يتلمس فيها معاني الطريق التي قطعتها الكنيسة منذ ألفي سنة ويستشرف آفاقا جديدة لمتابعة المسيرة نحو الألف الثالث كيف لا وهو الرسول -خليفة بطرس- الذي يقود سفينة المسيح الكنيسة المقدسة بشطريها الغربي والشرقي.. وأجمل ما قاله في الرسالة "أود أن أمتع الطرف في طبيعة المسيحية بالشرق من على قمة خاصة تسمح في أن نميز منه خطوطاً عديدة.. كما أراد قداسته في رسالته هذه أن يتأمل التراث الشرقي مستجليا عناصره القيمة التي من شانها أن تساعد على فهم الاختبار المسيحي الأصيل وعلى إعطاء الجواب الأوفى لتطلعات رجال ونساء اليوم.   

فالكنائس الشرقية يقول قداسته في رسالته إلى جانب كونها تمثل الرافد الأساسي في الاختبار المسيحي فإنها تقدم بالأخص حسا مرهفا للديمومة في زمن بات الإنسان المعاصر يشعر انه "سجين الحاضر" فنور الشرق رسالة تعّرف الكاثوليك تراثهم الشرقي كونه الكنز الجليل والعريق في القدم ويشكل جزءا جوهريا في تراث كنيسة المسيح كما إنها مدعوة لإعلان الإنجيل لا بالكلام بل بالعمل وبالتطلع نحو تحقيق التقارب مع تناسي الماضي والتطلع معا نحو تحقيق التقارب والوفاق. كما هي شمولية الطابع في تعدد التقاليد والثقافات فهي تناسق لا انصهار أو إلغاء لأحد. وبعد إن يتطرق قداسته في رسالته إلى أن الشرقي يعيش مواجهة خطر الاعتداد بالذات وخطر الاستسلام للتشاؤم والحزن يلفت البابا إلى أن التقليد ليس أبدا محض تشوق لأشياء ونماذج عفا عليها الدهر وليس تحسرا على امتيازات فقدت بل انه الذاكرة الحية للعروس التي يُجدد شبابها الحب الساكن فيها..

ويخلص قداسته إلى أن عالمنا المعاصر بحاجة إلى آباء ومرشدين والى مرجعية روحية "عالم اليوم يصعب عليه أن يجد معلمين جددا وهو يتألم في الخوف والقلق بدون مُثُل ولا نقاط مرجعية. العالم بحاجة إلى رجال خدمة ومحبة وصمت. وهي قيم أساسية يقدمها التراث الشرقي المسيحي إلى عالم اليوم ويدعو البطاركة في ختام رسالته إلى تلبية صراخ البشرية الرازحة تحت تهديدات خطيرة والمتطلعة إلى معرفة نور الشرق.. فإذا كان رجال الشرق ونساؤه علامات لنا من الرب الذي سيأتي فكم جسيمة هي المسؤولية.

كانت هذه مقدمة لأسمى موضوع وإن عديدة الكلمات -أرجو الاعتذار- ألا وهو سينودس الشرق الأوسط الذي أوصى به قداسة البابا بندكتس السادس عشر لأظهر الاهتمام الكبير الذي توليه الكنيسة عبر الباباوات بالكنيسة الشرقية وبإمكاني أن أقولها بالكنيسة الكاثوليكية الشرقية  العربية فما اقصد بالشرقية ما هو إلا الطقوس العديدة التي تمتاز بـها الكنائس وما اقصد بالعربية فلأن معظم الكنائس الشرقية والتي أبناؤها اغلبهم ينطقون بالعربية رغم اختلاف لغة الصلاة يسكنون الشرق الأوسط وحينما نقول الشرق الأوسط نعني بذلك الأمم العربية.

فان أجمل ما قيل في المقدمة هو ما جاء في رسالة خادم الله ونبي الرجاء يوحنا بولس الثاني الذي دعا أبناء الشرق أن يكونوا علامات من الرب وكم هي جسيمة المسؤولية التي وضعت على عاتق رؤسائها وأبنائها وكم نحن بحاجة هذه الأيام وخاصة بعد الحروب الخليجية واحتلال العراق وما حصل في المنطقة عامة إلى أن نفتح الأذان لنسمع صراخ الناس الرازحين تحت تهديدات خطيرة ونرى ثقل الحياة الذي تقاسيه شعوب المنطقة ونذيع ونعلّم أن لا خوف في الحياة ولا قلق من الأتي مهما تعددت طرق مواجهة خطر الاستسلام للتشاؤم والحزن.

وها هو قداسة البابا بندكتس السادس عشر والكنيسة معه يواصل الأمانة كسلفيه مدركا هذه المخاطر التي تحيق وستحيق بعالم كنيستنا الشرق أوسطية والتي من خلالها ستفقد الكنيسة ثبات وجودها وعمق هويتها وأصالة إيمانها ونزوح أولادها وفقر مؤمنيها إذا كنا غير مهتمين فكان أن أعلن في اجتماع قداسته إلى بطاركة الشرق الكاثوليك في القصر الرسولي بكاستل غاندولفو 19-9-2009 عن دعوته لانعقاد سينودس خاص بكنائس الشرق الأوسط من أكتوبر تشرين الأول 10-14 وقد أصاب قداسته المعضلة في عقر دارها وقوة مركزها وأدرك وأكيدا بقوة الروح القدس أن الكنيسة في الشرق الأوسط ما هي إلا شركة وشهادة مع الكنيسة الكاثوليكية الأم.. وكذلك مع الكنائس الأخرى على قول بولس الرسول إذا تألم عضو … (1كور 26:12).

فماذا يريد قداسة البابا من أبناء الكنيسة، الشرق أوسطية، وكيف يجب أن نستعد للسينودس، هذا ما سنسطّره إن شاء الله في القسم الثاني الآتي. وشكراً

عن موقع ابونا