هجرة المسيحيّ هي تفريغ للذات العربّية، هويّة وثقافة وأصالة

محمد السماك: "الحضور المسيحيّ في الشرق، الفاعل في المسلمين، والمتفاعل مع المسلمين، هو ضرورة مسيحيّة بقدر ما هو ضرورة إسلاميّة"


بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الجمعة 15 أكتوبر 2010 (ZENIT.org).

تميزت الجمعية العامة السابعة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط بنكهة الحوار والصوت الآخر لمداخلة المدعوّ الخاصّ السيّد محمد السمّاك، المستشار السياسيّ لمُفتي الجمهوريّة اللبنانيّة والتي تلاها بحضور الآباء السينودسيين بعد ظهر الخميس 14 أكتوبر 2010.

تطرقت المداخلة إلى ظاهرة تمزيق نسيج الشرق العريق من خلال استهداف المسيحيين لدينهم، ونظر إلى نتائج هذه الظاهرة المستغربة والمستحدثة في الشرق الأوسط. ثم شدد على ضرورة الوجود المسيحي في الشرق كعنصر أساسي في هويته، وهوية مسلميه. وحض أخيرًا السينودس لكي لا يكون مجرد صرخة ألم مشروعة، بل أيضًا كي يكون أرضية خصبة للخروج بمبادرات تعايش وتعاون بين المسيحيين والمسلمين.

صرح السماك في مطلع مداخلته: "لو كان مسيحيّو الشرق بِخير، هل كانت هناك حاجة للدعوة إلى السينودس؟" وعبّر كمسلم عن تقديره "لاهتمام الفاتيكان بقضايا المسيحيّين عامّةً، واهتمامه خاصّةً بقضيّة مسيحيّيّ الشرق مهد المسيحيّة ومنطلقها الأوّل".

ظاهرة غريبة

عبّر السماك عن قلقه لظاهرة استهداف المسيحيّ بسبب دينه  لأنها ظاهرة "طارئة" و "غريبة عن الشرق"، وأغرب ما فيها أنّها "تتناقض مع ما تقول به ثقافاتنا الدينيّة ودساتيرنا الوطنيّة". وشرح أن هذا الإستهداف هو مؤشر لواقعين خطرين:

الأمر الأوّل: "محاولة تَمزيق نسيج مجتمعاتنا الوطنيّة، ومحاولة تفكيكها وسحب خيوط نسيجها المتشابك الذي عرفته وعُرفَت به منذ قرون عديدة".

الأمر الثاني: "محاولة تصوير الإسلام على غير حقيقته، وعلى عكس ما يقول به، وعلى نقيض ما يقوم عليه أساسًا من اعتبار الإختلاف بين الناس آية من آيات الله في الخلق، وتعبيرًا حيًّا عن إرادة الله، وبالتالي من قبول بقاعدة التعدّد ومن احترام لظاهرة التنوّع".

النتائج

هذان الواقعان الخطران لهما نتائج تنعكس على الصعيد الحياتي، وقد عدّد السماك منها اثنتين:

"سلبيّة عدم احترام حقوق المواطَنة في المساواة الكاملة أمام القانون في بعض الدول".

"وسلبيّة عدم فهم روح التعاليم الإسلاميّة الخاصّة بالعلاقة مع المسيحيّين الذين وصفهم القرآن الكريم بأنّهم "أقرب مودّة للذين آمنوا" والذي برّر هذه المودّة بقوله "ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهبانًا وإنّهم لا يستكبِرون"".

واعتبر السماك أن هاتين السلبيتين تحملان مضامين سياسية وفكرية ذات عواقب وخيمة ليس فقط على المسيحيين بل أيضًا على المسلمين. فهما "تسيئان إلينا جميعًا في حياتنا المشتركة وفي مصيرنا الواحد". فقناعة السماك هي أن "مسيحيي الشرق في محنة، ولكنّهم ليسوا وحدهم".

تسهيل الهجرة تهجير

وبالحديث عن ضرورة تقديم يد المساعدة للمسيحيين شرح السماك أن هذا لا يتم من خلال تسهيل هجرتهم لأن "تسهيل الهجرة تهجير".كما ولا يتم بالانغلاق على الذات، لأنه اختناق بطيء.

وشدد السماك أن "الحضور المسيحيّ في الشرق، الفاعل في المسلمين، والمتفاعل مع المسلمين، هو ضرورة مسيحيّة بقدر ما هو ضرورة إسلاميّة" وهو ضرورة ليس للشرق وحده، إنّما للعالَم كلّه.

وجود ضروري ودور رائد

وتابع بالقول: "أستطيع أن أعيشَ إسلاميّ مع أيّ مسلمٍ آخر من أيّ دولةٍ ومن أيّ عنصر، ولكنني كعربيّ مشرقيّ لا أستطيع أن أعيشَ عروبتي من دون المسيحيّ العربيّ المشرقيّ". ولذا فإن هجرة المسيحيّ هي تفريغ للذات العربّية، هويّة وثقافة وأصالة".

وردد مستشار مفتي الجمهورية اللبنانية قناعته التي سبق ورددها على منبر مكة وهي أنه يخاف على مستقبل مسلميّ الشرق من هجرة مسيحيّيّ الشرق وأن "المحافظة على الحضور المسيحيّ هو واجبٌ إسلاميّ عامّ بقدر ما هو واجبٌ مسيحيٌّ عامّ".

ثم ذكر السماك دور المسيحيين الثقافي والأدبي والسياسي، عندما وقفوا "في مقدّمة الصفوف الوطنيّة من أجل التَحرُّر واستعادة السيادة"، لافتًا إلى أنه من المهمّ جدًّا أن لا يكون هذا السينودس "مجرّد صرخة ألَم مسيحيّة تدوّي في وادي الآلام في شرقنا المعذّب"، متأملاً أن "يضع السينودس أسسًا عمليّة وعلميّة لإطلاق مبادرة تعاون إسلاميّ -مسيحيّ مشترك تدفع الأذى عن المسيحيّين وتصون العلاقات الإسلاميّة- المسيحيّة".