سينودس الشرق الأوسط يعتمد العربية لغة رسمية في أعماله

 

إميل أمين، كاتب مصري

جريدة الشرق الأوسط

 

إنه الحدث الأول من نوعه في تاريخ علاقة حاضرة الفاتيكان بالعالم العربي وبمسيحييه، وسينودس الشرق الأوسط الذي انطلق بحضور 185 بطريركاً وأسقفاً كاثوليكياً من دول المشرق العربي أمر مهم للغاية، لا على صعيد الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فحسب، بل إنه يمتد كذلك في الأهمية إلى جهة العالم العربي والإسلامي، إذ يحاول أن يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات ربما تتشابه مع تلك التي لحقت بانعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في أوائل الستينات من القرن الماضي.

 

على أن علامة الاستفهام التي يطرحها القارئ والمتابع عن بعد لهذا الحدث -وله الحق في ذلك- هي هل نحن إزاء حدث ديني غربي الملمح يحاول أن يعمق من حالة الاصطفاف الديني والأيديولوجي في المنطقة كعلامة افتراق جديدة أم إننا بمواجهة فعاليات لمجمع سينودس له صبغة توافقية مختلفة ويكفيه أنه لأول مرة تعتمد اللغة العربية كلغة رسمية في أعماله بعد قرون طويلة من انفراد اللغة اللاتينية بهذه الأحداث الجسام؟

 

في مداخلته بدار الصحافة الكاثوليكية يوم الجمعة الثامن من تشرين الأول الحالي وقبل الأحد، موعد افتتاح أعمال السينودس، أكد المطران نيكولا إتروفيتش، الأمين العام للمجمع، أن الغاية الأولى والأخيرة من الجمعية الخاصة لأجل الشرق الأوسط هي رعوية، كما أنها تبقى كنسية قبل كل شيء، من دون إغفال الإطار الاجتماعي والسياسي للمنطقة. هذا المفهوم أكده البابا بندكتس السادس عشر في عظته لافتتاح السينودس في كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان، عندما أشار إلى أن هدف جمعية السينودس هو رعائي بامتياز، مضيفاً "ولئن كان من المستحيل تجاهل الوضع الاجتماعي والسياسي الحساس والمأساوي في بعض البلدان"، في إشارة لا تخطئها العين إلى العراق وفلسطين على نحو خاص.

 

والثابت أنه وفقاً لورقة العمل الأولية التي على أساسها تدور المناقشات في أعمال اللقاء طوال أسبوعين، هناك خمسة تحديات يرى الفاتيكان في شراكته مع الكنائس الكاثوليكية الشرقية أنها أضحت عاملا مؤثرا في سيرة ومسيرة المسيحيين المشرقيين وهي بحسب الترتيب كالتالي:

 

1- الصراعات السياسية التي تواجه المسيحيين.

2- الحرية الدينية وحرية الضمير.

3- المسيحيون وتطور الإسلام المعاصر.

4- الهجرة.

5- الهجرة المسيحية الدولية الوافدة في الشرق الأوسط.

 

والمؤكد أن هذه الأبعاد الخمسة هي التي ستحظى بالتغطية الإعلامية الأوسع، في حين أنها لا تشكل إلا قسماً واحداً من عدة أقسام يتناولها السينودس عن أوضاع كاثوليك المشرق وعلاقة كنائسهم وبعضها البعض، ثم علاقاتهم مع الكنائس الأخرى غير الكاثوليكية، كالأرثوذكسية والبروتستانتية وكذلك ستتطرق النقاشات إلى الحوار والعلاقات مع اليهود والصعوبات التي تعترض هذا الحوار.

 

غير أن ما يهمنا في هذا السياق هو الحديث عن التقاطعات والتجاذبات مع العالم الإسلامي على نحو خاص وفي هذا المنعطف التاريخي المهم جدا وكما يتبدى من أحداثه.

 

في عظته الافتتاحية، أكد البابا أن "هذه المناسبة هي أيضاً ملائمة لمواصلة الحوار بطريقة بناءة مع اليهود كما مع المسلمين أيضاً". وفي إشارته إلى تقاطع الصراعات السياسية وحياة المسيحيين العرب، لاسيما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان تأكيد الحبر الأعظم على "وجوب تعزيز شروط السلام والعدالة التي لا غنى عنها من أجل إنماء متناغم لجميع سكان المنطقة وأن الجميع إذن مدعوون إلى تقديم مساهمتهم الخاصة: الجماعة الدولية داعمة المسيرة الموثوقة والنزيهة والبناءة نحو السلام، الديانات الموجودة بأكثرية في المنطقة، في إشارة واضحة إلى الإسلام، واصفا تلك الديانة بأنها «معززة القيم الروحية والثقافية التي توحد البشر وتستبعد كل تعبير عن العنف".

 

وفي الأوراق التحضيرية للسينودس لم يخف المؤتمرون مخاوفهم من إشكالية تطور الإسلام المعاصر، ذلك أن تصاعد الإسلام السياسي اعتبارا من عام 1970 هو ظاهرة بارزة تؤثر على المنطقة -بحسب نص ورقة العمل- وعلى وضع المسيحيين في العالم العربي.

 

وفي تقدير القائمين على أمر المؤتمر، فإن هذا الإسلام السياسي يشمل تيارات دينية مختلفة تريد أن تفرض أسلوب حياة إسلامياً على المجتمعات العربية والتركية والإيرانية وعلى كل الذين يعيشون فيها من مسلمين وغير مسلمين.

 

وتعتبر هذه التيارات أن سبب كافة الشرور هو الابتعاد عن الإسلام. فالحل إذن هو العودة إلى إسلام الأصول ومن هنا ظهر شعار الإسلام هو الحل.

 

ويخلص هذا الفكر إلى القول إنه في سبيل هذا الهدف لا يتورع البعض عن استخدام العنف الموجه أولا إلى المجتمعات الإسلامية، غير أن له نتائج على الحضور المسيحي في المشرق، وبالتالي تشكل هذه التيارات المتطرفة تهديدا للجميع المسيحيين واليهود والمسلمين وينبغي علينا أن نواجهها معاً.

 

وإذا كانت الأوراق التحضيرية تبدي هذه المخاوف من حركات الاحتجاج بالعنف، فإنها تفتح وتشرع الأبواب واسعة لحالة الحوار التي تدعوها "الحق في المحبة" بين المسيحيين والمسلمين في العالم العربي، انطلاقاً من أن هذا الحوار لا يقوم في تبني دين الآخر، بل في محاولة الفهم المتبادل لوجهة نظر الآخر، مع معرفة أن عقائدنا مختلفة اختلافا عميقا. ويقود حوار الحق في المحبة هذا إلى معرفة متبادلة ويخلق مساحة من الحرية والاحترام، ونفس هذا الحوار في الحق يحثنا على تقدير كل ما هو إيجابي في ديانة وأخلاقيات الإسلام وبنوع خاص الإيمان الراسخ بالله وإلى احترام قناعاته.

 

من هذا المنظور كانت رؤية بطاركة وأساقفة الكنائس الكاثوليكية الشرقية في البلدان العربية تخلص إلى قيم توافقية بامتياز، وعندهم أنه "على المسلمين والمسيحيين أن يشتركوا في مسيرة واحدة" ويؤكدون على "أننا ننتمي إلى الشرق الأوسط ومعه تتوحد هويتنا. إننا أحد مكوناته الأساسية وكمواطنين نشترك في مسؤولية البناء والإصلاح، وبالإضافة إلى ذلك فنحن كمسيحيين وهذا واجب علينا، ومن هنا الواجب مزدوج بأن نحارب شرور مجتمعاتنا، سواء كانت سياسية أو قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقية وأن نسهم في بناء مجتمع أكثر عدلا وتضمنا وإنسانية".

 

وحتى لا يكون حديثنا مجرد تنظير فقط نتساءل: كيف سارت جلسات السينودس في أسبوعها الأول، وما هي أهم القضايا التي بسطت هيمنتها عليها؟

 

يمكن الإشارة في هذا السياق إلى قضيتين مهمتين كل الأهمية ومتصلتين ببعضهما البعض، وهما إشكالية الحرية الدينية ومعضلة الدولة المدنية… ماذا عن ذلك؟

 

"الحرية الدينية ليست مشكلة في البلدان العربية. المشكلة هي اختيار الدين"، هكذا صرح البطريرك القبطي الكاثوليكي الأنبا أنطونيوس نجيب، المقرر العام للسينودس، مضيفاً "السؤال حول الحرية الدينية لم يغب عن بال الآباء السينودسيين، ويجري الحديث مع السلطات عادة عن هذه المشكلة، فالسلطة المدنية والسياسية لا تقبل حرية تغيير الدين بسبب المبدأ الإسلامي الذي يربط وثيقا بين الدين والدنيا". ويضف أنه "لا يمكننا الحديث عن عمل اضطهاد بكل ما في الكلمة، فالاضطهاد يتضمن عملا سياسيا منظما بحق الأقليات، وهذا الأمر غير موجود في البلاد العربية، ولكن عدم وجود الاضطهاد لا ينفي وجود المصاعب".

 

تلفت الورقة الأولية في هذا السياق إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يجعل الحياة اليومية صعبة في حرية الحركة وفي المجال الاقتصادي وفي الحياة الاجتماعية والدينية، فالبلوغ إلى الأماكن المقدسة مرتهن بموافقات عسكرية تمنح للبعض وتمنع عن غيرهم لدواع أمنية.

 

ويلفت الانتباه هنا رفض الكنيسة الكاثوليكية لكثير من الأفكار المخترقة إيمانيا، مثل أفكار المسيحية المدعاة صهيونية وإن كان المسمى خطأ شكلا وموضوعا، إذ المسيحية في جوهرها الأصل تنافي وتجافي وضد مطلق للصهيونية، هذه المفاهيم التي يتخذ منها البعض منصة أيديولوجية للانطلاق والإغارة على أرض فلسطين المقدسة وسكانها من المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

 

وقد وضح ذلك في النص الرافض لتبرير بعض الجماعات الأصولية المسيحية الظلم السياسي الواقع على الفلسطينيين، استنادا إلى الكتاب المقدس، مما يجعل وضع المسيحيين العرب أكثر حرجا، وخاصة أن هناك ربطا تلقائيا بين المسيحية الغربية ودعم دولة إسرائيل.

 

أما عن القضية الفلسطينية وموقعها من مناقشات السينودس فواضحة وضوح الشمس "إن الكرسي الرسولي يؤيد حق شعبكم في وطن فلسطين ذي سيادة على أرض أجداده وطن آمن وفي سلام مع جيرانه داخل حدود معترف بها دولياً".

 

ويبقى السؤال: ما هو المتوقع من هذا السينودس؟

 

المؤكد أن الجميع في الشرق الأوسط، مسلمين ومسيحيين، ينظرون إلى هذا الحدث غير المسبوق والأول من نوعه نظرة هي في واقع الحال مليئة بالتوجس تارة، والقلق والحيرة تارة أخرى، فالفاتيكان وإن كان لا يمتلك فرقا عسكرية لدعم فصيل من البشر هنا أو هناك، إلا أنه يملك ما هو أوقع وأفعل، يملك حضوراً روحيا ومعنويا مهما للغاية في قارات الأرض الست وعبر مؤمنين يتجاوزون المليار ومائتي مليون كاثوليكي.

 

وعليه، فإن كان الوضع مبكرا على قراءة النتائج التي ستأخذ هي والتوصيات النهائية عاما على الأقل، بحسب بروتوكول مجامع الفاتيكان، للخروج إلى العامة فإن السينودس حتما وبحسب تصريحات المطران الراعي سيحرك الكثير من المياه الراكدة وسيثير جدالات ونقاشات جديدة حول مسؤوليات السياسيين ومسؤولية المجتمع الدولي، وعمل الكرسي الرسولي وذوي الإرادة الصالحة، بغية تأمين الحياة والسلام والتفاهم والازدهار في الشرق الأوسط، لكي يستطيع المسيحيون أن يبقوا فيه.

 

هل سيحمل لهذا السينودس تجليات إيجابية على طريق تعميق حقائق الحوار والمصالحة والتعايش الإسلامي المسيحي المشرق المعهود منذ زمان وزمانين؟

 

يجيب رئيس الرهبنة المارونية المريمية الآباتي سمعان أبو عبدو على هامش فعاليات السينودس، أنه بالنظر بشكل خاص للإسلام، لا بد أن نأخذ في الاعتبار عناصر مشتركة منها:

 

– العائلة التي تحمل القيم وتدافع عنها كونها خلية المجتمع الأولى.

– تكريم العذراء مريم التي يتحدث عنها الكتاب المقدس والقرآن الكريم.

– القيم الإنسانية، والوطنية والدينية التي هي ركيزة الحوار والاعتراف بالآخر.