وحدها الدولة المدنية تستطيع أن تنقذ مسيحيي الشرق

 

مقابلة مع اليسوعي المختص بالإسلام، الأب سمير خليل

حاوره روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس 21 أكتوبر 2010 (ZENIT.org).

المسيحيون في الشرق ليسوا ضحية لاضطهاد منظم، ولكن حياتهم وحقوقهم تتعرض لنوع من تمييز يشبه موتًا رحيمًا بطيئًا يُطفئ حضورهم الألفي رويدًا رويدًا، دون ضجيج ودون جذب أنظار الصحافة أو تحريك مشاعر الرأي العام.

هذه الحالة تضع على عاتق سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط مسؤولية ساحقة لكي يسعى لوقف ما أسماه المطران لويس ساكو، رئيس أساقفة كركوك، "نزيف مسيحيي الشرق".

في هذه المقابلة يقدم لنا الأب سمير خليل، الخبير في الإسلام والضليع بشؤون الشرق الأوسط، الإطار التاريخي الديني لحالة منطقة الشرق الأوسط، محللاً التحديات التي يعيشها المسيحيون ومقدمًا بعض الحلول الممكنة.

* * *

 

رغم أنه ليس الموضوع الوحيد الذي طرحه الآباء السينودسيون، إلا أننا نلاحظ أن حيزًا كبيرًا من المداخلات ركزت على البعد الجيوسياسي لوجود المسيحيين في الشرق. هل هذا حقًا العنصر المقرر لوجودهم في الشرق؟

سمير خليل: المسيحيون هم أقلية في الشرق الأوسط، فعددهم لا يزيد على الـ 10 % من السكان، في مقابل أغلبية مسلمة. هذا الأمر بالذات يجعل إمكانية وجودهم وبقائهم رهن رضى المسلمين وحسن العلاقات معهم، خصوصًا وأن المسلمون يربطون بشكل وثيق بين الدين والدولة. وبما أن معظم دول الشرق الأوسط قد تبنت في العقود الثلاثة الماضية مقاربة إسلامية للحكم، حيث يقرر الدين تفاصيل الحياة اليومية، اجتماعية كانت أو سياسية، فمن الطبيعي، والحالة هذه، أن يكون لموضوع التعايش والعلاقة مع الإسلام الحيز الكبير الذي احتله في المناقشات السينودسية.

أنتم من أصل مصري، ولكنكم تعيشون في لبنان، وبما أنكم أستاذ خبير بالإسلام، لا بد أنكم تلتقون بتواتر بمؤمنين من الدين الإسلامي. هلا أشركتمونا بخبرتكم؟

سمير خليل: أود أن أنطلق من تمييز واجب بين المسلمين كأفراد وبين التيارات السياسية الإسلامية، وذلك بكل بساطة لأنه مع المسلمين كأفراد من الممكن توطيد أواصر صداقات متينة وحوار منفتح غني ومغنٍ إن على الصعيد الديني أو على الصعيد الاجتماعي-الثقافي.

اسمح لي أن أسرد حدثًا جرى لي البارحة: مساء أمس تلقيت مكالمة من خلال الانترنت من قبل رجل سني مسلم من لبنان، تعرفت إليه صدفة خلال إحدى رحلاتي الشهر الماضي. تمحور حوارنا على الثالوث الأقدس وعلى الحياة الروحية والصلاة. وفي معرض حديثنا، قال لي: "اسمح لي أن أُعرّفك على عقيلتي". في تقليدنا الشرق، هذه البادرة تعني أن الآخر قد قبلك كفرد من عائلته. وعليه، يمكننا أن نقول أننا كمسيحيين شرقيين أقرب إلى المسلمين منه إلى الغربيين. فمع المسلم الشرقي نتقاسم ذلك الحس الديني الذي فُقد في الغرب.

ولكن إذا ما تحدثنا عن الحركات السياسية الإسلامية، فالخبرة تختلف. فهذه الحركات هي حركات سياسية تتوسل الدين. نحن كمسيحيين، ليس لدينا متطلبات خاصة أو خارقة، جل ما نريده هو أن نعيش في الشرق شأننا شأن المواطنين الآخرين، متمتعين بالحقوق عينها التي يتمتع بها الآخرون. ولكن، في معظم الدول المشرقية تبنى الدساتير على الشرع الإسلامي. وحتى في الدول ذات الدساتير العلمانية، باستثناء لبنان، نجد أن هناك أفضلية معطاة للمواطن المسلم: فالأمر كذلك في سوريا، تونس، وتركيا.

نهضة الإسلام السياسي هي واقع معقد وله أسباب كثيرة: من بينها الإصلاح الوهابي، فكر سيد قطب، مؤسس الإخوان المسلمين، الأحكام المسبقة التي تربط خطأً المسيحية بالغرب، الحروب والغزوات الأميركية الهوجاء والتي يتم ربطها خطأً بالسياسة المسيحية (غير الموجودة!)، وميل الغرب إلى دعم إسرائيل في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ما هو بنظركم العنصر الحكم في هذه النهضة والذي ولّد التطرف الإسلامي؟

سمير خليل: من ناحية كانت هناك نهضة إسلامية في سبعينيات القرن العشرين. ففي عام 1973، ارتفع سعر النفط بأربعة أضعاف في بضعة أشهر، فوجدت البلدان العربية نفسها بين ليلة وضحاها مع ثروة مالية-بترولية ضخمة. وقد استعملت السعودية هذه الأموال لبناء الجوامع ولتأسيس المدارس الإسلامية. وبهذا الشكل مولت المملكة السعوية الإخوان المسلمين في مصر والذين هدفهم واضح: أسلمة المجتمع المصري كونه ليس مسلمًا بما فيه الكفاية. وجرى أمر مماثل في سوريا، وقد رأى الرئيس حافظ الأسد في نمو الإخوان المسلمين خطرًا وأخضعهم بالقوة.

أعطي مثل إندونيسيا التي كانت في العقود السابقة مثالاً للدولة ذات الأغلبية المسلمة الحرة. فقد كان الكثير من الكهنة في ذلك الزمان من المرتدين عن الإسلام. هذا الأمر بات مستحيلاً الآن.

أوروبا، حيث يشكل المسلمون الآن نحو 5 % من سكانها، تشعر بأنها مهددة. وقد صرحت المستشارة الألمانية أنجلا مركل الأسبوع الماضي أن نموذج الانخراط الحالي قد فشل، وذلك بإشارة واضحة إلى الأتراك والعرب. ولماذا فشل الانخراط؟ لأنه من البديهي ألا يكون ممكنًا لبرنامجين متضاربين أن يتعايشا في دولة واحدة. فالدول الأوروبية لها برنامج اجتماعي، سياسي علماني بمعزل عن الله. الحركات الإسلامية لديها برنامج تيوقراطي مبني على الدين.

والحالة المعقدة هذه، ماذا فعل سينودس الأساقفة وماذا يجب أن يفعل؟

سمير خليل: كمسحيين شرقيين، نحن نعيش في وسط هذه الظاهرة الطارئة. وقد كرس السينودس اهتمامًا خاصًا للعلاقة بالإسلام. يتساءل السينودس عن الأسباب التي تدفع المسيحيين لترك أراضيهم. ففي الشرق، إذا ما نظرنا مليًا، ليس هناك اضطهاد حقيقي للمسيحيين (باستثناء العراق)، ولكن هناك تمييز. فالمسيحيون لا يُعاملون بالشكل عينه كما يعامل المسلمون. فالقوانين تبنى انطلاقًا من المواطن المسلم، وعليه يبقى المسيحي مواطنًا من الدرجة الثانية. كما ويناقش المجمع مسألة حرية الضمير غير الموجودة في الشرق. هناك تحمل لوجود المسيحي ولعيشه لدينه بشكل محدد جدًا. كل هذه المسائل هي موضع اهتمام الآباء المجمعيين.

 

هذه التصويبات هي صحيحة، ولكن السؤال الذي يطرحه الكثير من المسيحيين في الشرق هو: هل من مخرج من هذه الحالة، أم أن رؤى السينودس ومقرراته هي مجرد طوباوية وأمانٍ ستبقى دفينة في قلب شرقيين مسيحيين يتغربون؟

سمير خليل: هناك مخرج واحد، وهو أن نهدف إلى اللقاء على مفاهيم مشتركة تتناسب مع حس كل منا. من بين هذه المبادئ والمفاهيم هناك "المواطنة" و "الانتماء العربي"، وهما مبدآن يقدّرهما ويقبل بهما المسلمون. إن الحركات التي عززت هذه المبادئ في مطلع القرن العشرين كان لها نجاح كبير لأنها حملت نفحة جديدة إلى العالم العربي ساعدته على الخروج من الفكر والمنطق القبلي؛ ولكن مؤخرًا تم تهميش هذه النظرة لتحل مكانها فكرة "الأمة الإسلامية".

خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ووصولا إلى منتصف السبعينيات، كان الفكرة السائدة فكرة "الأمة العربية"، بعد منتصف السبعينيات حلت مكانها فكرة الأمة الإسلامية، التي لا تترك مجالاً لغير المسلمين. السبيل للوصول إلى حل هو أن نعرض على المسيحيين والمسلمين مفهوم دولة مدنية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضًا على الصعيد الثقافي.

 

الاقتراح عملي وملموس، ولكنه يبدو غير قابل للتحقيق في الإطار الثقافي-السياسي الشرق أوسطي. كيف السبيل لجعل ما يُمكن فعله فعليًا حقًا؟

سمير خليل: في هذا الموضع بالتحديد يدخل سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط: فنحن لسنا بصدد مشروع مسيحي، ولا حتى بصدد مشروع للمسيحيين أو من أجل المسيحيين. المسيحيون لا يسعون إلى الدفاع عن ذواتهم. ما نقوله يعكس أيضًا رأي الكثير من المسلمين الذين يرون مثلنا أن الدول العربية تمر في حالة صعبة، لأنها تعيش نوعًا من فشل في الديمقراطية، في توزيع الغنى والموارد، في تطبيق العدالة الاجتماعية، في إصلاح النُظم الصحية. الإسلام حساس جدًا على المسائل الاجتماعية، وهناك نهضة في الخدمات الملموسة. ولكنها عادة موجهة إلى المسلمين فقط. وهناك مسائل أخرى، مثل حرية المعتقد والضمير. فالكثيرون يتمنون حرية الضمير، وذلك ليس لأنهم يرغبون بهجر الإسلام أو تركه. جل ما يريدونه هو أن يعيشوا إسلامهم كما يشعرون ضميريًا أنه من واجبهم أن يعيشوه. يوجد في العالم الإسلامي حس للحداثة والحرية ولكنه لا يجرؤ أن يظهر علنًا. على سبيل المثال، يستطيع أي مسيحي أن يكتب معلقًا ومنتقدًا تصرفات أو كلمات بطريرك أو أسقف. هذا الأمر غير ممكن في الإسلام، لا لأن هناك من يمنعه، ولكن لأن هناك ثقافة وعرفًا لا يسمح بانتقاد الأئمة الذين هم في الوقت نفسه العلماء العالمين.

وأشدد أن حرية الضمير ليست مرادفًا لكي لا يعود المسلم مسلمًا أو المسيحي مسيحيًا. حرية الضمير هي حرية وواجب شخصنة فعل الإيمان. فالإيمان فعل شخصي رغم أن له بعده الاجتماعي (فالكنيسة جماعة)، ويحق لكل شخص أن يقيم علاقته بالله انطلاقًا من ضميره، لا من الأعراف.

إن اقتراح "العلمانية الإيجابية" الذي لاقى بعض الحظ والقبول في الغرب، هو غير مقبول في المحيط الإسلامي لأن العلمانية تلمح إلى اختيار العالم على حساب تهميش الله. هل تظنون أن المفهوم الآخر الذي طُرح في السينودس، أي مفهوم "الدولة المدنية"، سيكون له حظ أوفر، أو هل سيختار الشرق، وقد خيبه فشل الغرب الأخلاقي والديني عرضَ الحركات السياسية الإسلامية التي تصرح بأن "الإسلام هو الحل"؟

سمير خليل: إن الغرب قد ذهب بعيدًا جدًا في مواقفه وخبراته وقد أذاب هويته بالذات. فلنذكر محاضرة البابا في جامعة ريغنزبورغ في عام 2006، والتي كانت – لا انتقادًا للإسلام، كما حاول البعض استخدامها لخلق الفتنة – بل انتقادًا للثقافة الغربية التي ذهبت أبعد من عصر الأنوار وصولاً إلى الانصهار في المادية.

إن سؤالك يشير إلى منبع قوة المتطرفين في الإسلام، فلسان حالهم يقول: "الغرب يقدم مشروع حضارة فاسد مبني على الشواذ والانفلات الجنسي، على الزنى، على انحلال العائلة، على الإجهاض… إنه مشروع لا يقبله الحس الإسلامي لأنه فاسد وبعيد عن الله. الحداثة التي يبشر بها الغرب هي مرادف للإلحاد وانعدام الأخلاق. ولهذا فالمسيحية، التي هي بالنسبة لهم مرادف للغرب، قد فشلت. بالشكل عينه فشلت الماركسية والاشتراكية. الحل بالنسبة لهم هو الإسلام، والبرهان على ذلك هو أنه عندما عاش المسلمون الإسلام بحذافيره في الماضي تمكنوا من اجتياح المتوسط".

هذا هو التفكير الذي عرضه أيضًا معمّر القذافي في زيارته إلى إيطاليا مؤخرًا حيث قال: "في عام 2050 أوروبا ستضحي ذات أكثرية مسلمة. إن توقعه سيضحي واقعًا إذا لم يغيّر المسيحيون موقفهم.

يضيق المقيمون في الشرق ذرعًا بتسمية وجودهم فيه "رسالة". فغالبًا ما يُسبغ عليهم المسيحيون الآخرون من بعيد هذا اللقب دون أن يلمسوا بأصبعهم صعوبة واقع عيشهم. يخبرنا كتاب أعمال الرسل في الفصل الثامن أن المسيحيين فروا من أورشليم (باستثناء الرسل) وفرارهم كان فرصة لتبشير مدن أخرى. ألا يمكن أن يكون هذا مصير مسيحيي الشرق المعاصر؟

سمير خليل: الكثير من الأشخاص في الشرق الأوسط يقولون لي: "البقاء هنا يضحي أصعب يومًا بعد يوم. إذا تسنى لنا نحن أن نستمر في العيش، لا نعتقد أن ذلك سيكون ممكنًا لأبنائنا". على هذا القول أجيب في ثلاث نقاط:

في المقام الأول، لا يحق لأحد أن يرغم أحد آخر على البقاء. فكل عائلة لها حقها بتقرير مصيرها ومستقبلها. لا يحق لنا ككهنة أن نعلم الآخرين ماذا يجب عليهم أن يفعلوا.

ولكني أضيف نقطة أخرى: إن كان أفضل لك على صعيد شخصي أن تهجر، فليس الأمر كذلك على صعيد كنسي وعام: فلو فعل الجميع مثلك، لفرغ الشرق عاجلاً من مسيحييه؛ فلا يعود هناك تلاميذ للمسيح في الأرض عينها التي وُلد فيها يسوع. ولذلك يترتب علينا دعوة ومهمة خاصة.

النقطة الثالثة أتساءل فيها: إذا كنا جميعنا في الغربة، هل سنحافظ على هويتنا الشرقية؟ من الصعب الحفاظ على التقليد الشرقي في الغرب أكثر من جيلين أو ثلاثة على الأكثر. وهذا بالطبع ليس مشكلة شخصية، هو مشكلة على صعيد الكنيسة الجامعة. فإذا زال تقليد كنسي شرقي، الكنيسة الجامعة هي الخاسرة. كان البابا يوحنا بولس الثاني يقول: للكنيسة رئتين، واحدة شرقية وأخرى غربية. إذا زالت إحدى هاتين الرئتين سيضيق النفس الكنسي.

وعليه أقول إلى المسيحيين: إذا هاجرتم أو بقيتم، فليست هذه المسألة الأهم. المهم هو أن تحافظوا على إيمانكم. اعرضوا إيمانكم على أولادكم؛ وإذا رأيتم مسيحيين قد فقدوا الإيمان فساعدوهم على إيجاده.

هذا وإن ما تقوله في سؤالك منطلقًا من أعمال الرسل هو صحيح، فرسالة المسيحيين انطلقت من واقع صعب وطارئ، وقد أضحى هذا الواقع فرصة سانحة لنشر المسيحية خارج اليهودية. ولكن هذا الأمر قد تم بوجود شرط أساسي: كانوا متقدين بالإيمان. أما نحن، فإذا كانت قلوبنا متقدة بشغف المال والرفاهية، فهجرتنا لن تحمل أي ثمر. الأمر الجوهري هو أن نحافظ على وديعة الإيمان، وعلى حبنا للإنجيل. فإن بقيت في لبنان، أو سوريا أو مصر، سيكون هناك مسلم بحاجة للإنجيل. وإن هاجرت نحو أمريكا أو دول أخرى، فسيكون هناك غربي بحاجة للإنجيل.

هل يكفي أن نقدم نصائح وتوجيهات رعوية وروحية لمسيحيي الشرق لكي لا يهجروه؟ ألا تعتقدون أنهم بالحري بحاجة إلى دعم اقتصادي وسياسي؟

سمير خليل: أعتقد أن المشكلة في الشرق الأوسط ليست اقتصادية. فلنأخذ مثل لبنان. في معظم أحياء لبنان هناك أثرياء، وهناك أيضًا العديد من الأعمال الخيرية على الأرض اللبنانية. المساعدات التي تأتي لطوائف أخرى في لبنان مثل الشيعة السنة تأتي من دول دينية. ولكن الكنيسة ليست دولة، وهي لا تستطيع أن تقوم بالعمل الدعائي نفسه. نعرف بالتأكيد أن المهاجرين يستطيعون أن يساعدوا، وهم يفعلون ذلك مساهمين في إعالة أهلهم. من الممكن تحسين هذا الوضع، ولكنه لا يكفي لحل مشكلة الهجرة في الشرق. مشكلة الشرق هي مشكلة تنظيم وتصميم، بحيث لا يتم هدر الأموال أو سرقتها من قبل من يستعطي على حساب الشرقيين. للأسف، الإكليروس عندنا لا يقدم شهادة صالحة دومًا، ولذا لا يحوز على الثقة المناسبة لكي يكون وسيلة أمينة لنقل المساعدات وقيادة مشاريع التنمية. ولهذا تتردد علينا كلمات الإنجيل الداعية إلى الارتداد والتوبة وتغيير أسلوب العيش.

ما هو تعليقكم على الغياب شبه الكامل للتغطية لعمل السينودس من قبل الصحف الإيطالية والعربية. علمًا بأن حضور الصحفيين الناطقين بالعربية لا يزيدون على عشرة؟ وهل يعود هذا الغياب إلى حكم مسبق نحو الأساقفة بأنهم لن يتوصلوا إلى حل، أو إلى خيبة مسبقة من تصرفات الكنيسة، أو من عدم اهتمام الغرب بالشرق الأوسط بشكل عام وبمسيحية بشكل خاص؟

سمير خليل: أتساءل إذا لم يكن هذا النقص عائدًا ببساطة لعدم تواجد صحفيين عرب في روما. ولكن ربما قد تساءلت الصحف: ماذا يستطيع الأساقفة فعله لحل الوضع في العراق، فلسطين أو لبنان؟ وجوابهم كان: لا شيء. ولذا أهملوا السينودس. علمًا بأن الكاثوليك هم أقليات في معظم دول الشرق الأوسط. ولذا وحده لبنان يستطيع أن يفعل شيئًا.

أما في ما يتعلق بالصحف الغربية فأعتقد أن ما يقود خياراتها هو الربح والاستهلاك. فبما أن أنباء السينودس لا تبيع كما يريد المحررون، فهم لا يتابعونها ويفضلون تكريس صفحاتهم للأخبار التافهة، للشكوك وللفضائح الجنسية.

أحيانًا، أعتقد أن عدم تغطية أخبارنا يعود إلى سوء إعلامنا. أحمد الله أن القطاع الإعلامي في لبنان ناجح، فبفضل مؤسسات مثل زينيت، تيلي لوميار والمؤسسة اللبنانية للإرسال يستطيع الكثير من المؤمنين الشرقيين أن يتعرفوا بعمق على أخبار وخبرات الكنيسة.

ختامًا، ما هي بنظركم المواقف التي يجب أن نأخذها إكليروسًا ومؤمنين لكي يأتي السينودس بثمار جمة؟

سمير خليل: أعتقد أن الموقف الأساسي الذي يجب أن يلتزمه الآباء المشاركون في السينودس هو الصدق والحس النقدي لكي يحددوا بوضوح ما هو صالح وما هو طالح في الشرق، وما يجب تحسينه.

أما بالنسبة للموقف الذي يجب على المسيحيين تبنيه، فأنا أعتقد أنه يجب عليهم أن ينظروا نظرة إيجابية إلى السينودس. فبالعمق، السينودس هو كم هائل من العمل الإيجابي: آلاف الساعات من العمل والتعب لعدد كبير من الأشخاص. ولذا الموقف الملائم هو الجدية: فنحن أمام مستقبلنا، لا مستقبل الأساقفة، بل مستقبل كل مسيحيي الشرق، ومستقبل كل الشرقيين.

في مداخلته، تحدث السيد محمد السماك عن الدور الذي لعبه المسيحيون في صوغ هوية الشرق الأوسط، وصرح أنه من دونهم لما كان الشرق ما هو عليه. لقد لعب المسيحيون دورًا كبيرًا في الماضي البعيد والقريب، وأغنوا الهوية العربية حضاريًا، ثقافيًا، سياسيًا وروحيًا. لكي لا يضحي هذا الدور مجرد ذكرى غابرة بل لكي يبقى واقعًا حيًا، لا بد للمسيحيين أن ينفتحوا على "الشركة" في ما بينهم ومع مواطنيهم المسلمين. وعليهم أن يعيشوا "الشهادة" التي ليست مرادفًا للاقتناص الرخيص. الشهادة هي أن يعيشوا ويحملوا إلى الآخرين جوهر الإنجيل، الذي هو خبر سار، بشرى سارة للجميع، وعلى المسيحيين أن يحملوها بتواضع.