الأب الدكتور بيتر مدروس

 

من أعمال سينودس الأساقفة الكاثوليك من أجل الشرق الأوسط

من حاضرة الفاتيكان

 

ومن قاعة بولس السادس حيث يجتمع آباء السينودس المائة وخمسة وستّون من بطاركة وأساقفة ورؤساء عامّين مجتمعين حول قداسة البابا بندكتس السادس عشر. يسعد المرء من هذا المنبر الأغرّ أن يُطلع القرّاء الكرام على بعض مُجرَياته وتوصياته لا من باب الانتقاء بل لضيق المقام.

 

الهدف الأوّل

 

كان هدف السينودس الأوّل وما يزال تثبيت المسيحيين في أوطانهم في هذا الشرق الحبيب حيث وُلدت السيدة العذراء مريم والسيّد المسيح -منهما السلام- والرسل الأطهار والتلاميذ الأبرار والكنيسة الأولى وقد حلّت نهائياً محل شعب العهد القديم في الوعد والعهد.

 

وفي الشرق، وبالذات في المدينة المقدّسة "زهرة المدائن"، نشأت المسيحية وتفرّعت ولكن ظروفاً قاسية في الماضي والحاضر جعلت المسيحيين المحليين نفراً قليلاً حتى في أوطانهم، بحيث أنّ رعايا الكنائس الشرقيّة من كاثوليكية وأرثوذكسية ورعايا الكنيسة العربية في الشرق يشكّلون خمساً وعشرون في المائة فقط، بينما يعيش خمساً وسبعون في المائة في الشّتات.

 

الهدف الثاني

 

والهدف الثاني للسينودس كان تشديد روابط الوحدة والشركة بين الكنائس الكاثوليكية الشرقيّة من قبطية وكلدانية ومارونية وسريانية وبيزنطية ملكيّة وأرمينية مع الكرسي الرسولي وبجهد حثيث، للوصول إلى وحدة كاملة مع الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة.

 

بعض التوصيات

 

ومن توصيات السينودس ضرورة تقوية الانتماء عند المسيحيين الشرقيين وضرورة تغذية الإيمان بممارسة الأسرار المقدّسة وبتقديس يوم الرب أي الأحد وقراءة الكتاب المقدّس والإطلاع على التقليد الشريف ولاسيّما الشرقي في كتابات الآباء والمجامع المسكونيّة وتعاليم الباباوات.

 

وأشار عدد من الآباء إلى أنّ الوعظ والتعليم المسيحي والتنشئة المسيحية يجب أن تتطوّر لا بتغيير المضمون بل بمعالجة التحدّيات القديمة والحديثة التي يصادفها الإيمان المسيحي. وأوّلها الإلحاد والمادّية الدهريّة، وثانياً سوء الفهم أحياناً مع غير المسيحيين… ونشوء فئات دخيلة من الغرب ولاسيّما الولايات المتحدة التي مع أنها حديثة العهد ومُبهمَة الأصول، تتوهّم أو تزعم أنها هي المسيحية الحقيقية، مع أن لا مكان لها في المقدّسات لا في فلسطين ولا في الأردن ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في سواها. ومع أنّها لا جذور لها ولا أصالة وتتميّز بتفسير فردي للكتب المقدسّة وتجهل لغات الكتب المقدّسة وبيئتها الأصليّة… وهذا ما أدانه سلفاً أمير الرسل القديس بطرس في رسالته الثانية (1: 20) ثم (3: 15 إلى 17).

 

الكتاب المقدّس وبعض التأويلات السافرة

 

وفي شأن الكتاب المقدّس أهاب آباء السينودس بالكهنة كي يشدّدوا على كلمة الله المُـلهمة ويُتقنوا تفسيرها وربطها بالواقع والواجب. ولفت عدد من المشاركين النظر إلى تأويلات سافرة ومُهينة للكتاب المقدّس آتية من الشرق أو من الغرب. وعلى سبيل المثال رُوّج لسوء فهم لبعض الأمثال التي ضربها السيّد المسيح. ففي الإنجيل كما ألهم الله للقديس لوقا، يتكلّم السيّد المسيح عن ملك خيالي أو وهمي أمر قائلاً: "أمّا أعدائي فأحضروهم واذبحوهم كلّهم أمامي" هذا ليس موقف السيّد المسيح نفسه ولا كلامه ولا شريعته، بل يصف فيه السيّد المسيح من غير تأييد وضعاً قائماً بين زعماء العالم القديم في مَثَل هو عبارة عن رواية خيالية تُستَخلَص منها العِبَر.

 

ومَثَل العذارى الحكيمات والجاهلات وأيضاً رواية خياليّة ولا يجوز سوء إدراكها وتفسيرها بمعنى دخول العذارى الخمس الحكيمات مع العروسين كزوجات أخريات. والمقصود من المَثَل ضرورة الاستعداد والسّهر ومرافقة العذارى الحكيمات بسروجهنّ المُضاءة للعروسين أمام الملأ ولكن بعدها يدخل العروسان وحدهما الخِدر الزوجي.

 

الحق في المحبّة

 

ستصدر قريبا وثائق رسميّة عن السينودس الذي تطرّق أيضاً إلى العلاقات مع غير المسيحيين ولاسيّما المسلمين الذين هم الأكثريّة في بلاد الشرق أوسطيّة. ومعروف موقف الكنيسة الكاثوليكية من المسلمين خصوصاً في وثيقة (عصرنا الحاضر رقم 3): من احترام ومودّة ونسيان سلبيّات الماضي وعلاج مُشترك لمُعضلات الحاضر.

 

وأساس الحوار يجب أن يكون "الحق" كما قال السيّد المسيح: "تعرفون الحق والحق يحرّركم" (يوحنا 8: 32). وكتب رسول الأمم الإناء المختار بولس في رسالته إلى الكورنـثيين "المحبّة لا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق" (13: 6).