اعداد الاب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان
مقدمة :
بدايةً نتقدم من الحاضرين جميعهم بالتهنئة القلبية الخالصة المفعمة بالمحبة باسم صاحب الغبطة ابينا البطريرك الكاردينال انطونيوس نجيب بطريرك الاسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك والآباء الاساقفة اعضاء السينودس المقدس لكنيستنا القبطية الكاثوليكية
نشكر صاحب السيادة المطران بولس مطر رئيس اساقفة بيروت للمورانة والمسؤول عن رعاية شؤون الاقباط الكاثوليك في لبنان
كما نشكر سعادة النائب نبيل دو فريج النائب في البرلمان اللبناني عن الاقليات
وسعادة السفير المصري حضرة الاستاذ احمد البديوي سفير جمهورية مصر العربية في لبنان ومجمل الحضور من شخصيات وفاعليات دينية وسياسية ومؤسسات ووسائل اعلامية ولاسيما تلفزيون تيلي لوميار ونور سات على مشاركته الدائمة لنا ودعمه المعنوي
في الاحتفال السابق بعيد الميلاد ومن بعد الانتهاء من القداس إمتدت يد الغدر والارهاب لتحصد أشخاصًا ابرياء لم يرتكبوا أي ذنب يؤدي بهم الى فقدان حياتهم وبعد أن تزودوا بالاسرار المقدسة وابتهجوا بفرحة العيد انطلقوا سريعاً الى حضن الآب السماوي ليتمتعوا بالمجد والفرح والتهليل الدائم حيث يوجد الملائكة والقديسين والشهداء الذين قدموا حياتهم في سبيل الحفاظ على الايمان وأعطونا المثال والقدوة بأن نسيرَ على نهجهم في طريق الحب " انظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثلوا بايمانهم" أعني بهؤلاء شهداء الميلاد في نجع حمادي. كذلك،عاد الإرهاب مجدّدًا مع دقات الساعة وفي الدقائق الأولى لبداية العام الميلادي الجديد 2011 ليطل علينا بشكل أكثر بشاعة وشناعة من المرات السابقة ليحصد شهداء ابرياء كانوا يودعون عام 2010 ويستقبلون العام الجديد2011 وعندما كانوا ينشدون تسبحة السيرافيم والشاروبيم "قدوس،قدوس، قدوس، رب الصباؤوت والسماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس ودعوا العام المنصرم بفرح مجد الله الذي يملأ الارض ليكون عامُهم الجديد هو المتابعةَ الحقيقيّةَ والتمتعَ الحقيقي بمجد الله في السماء حيث يجلس المسيح على العرش السماوي وتحيط به الطغمات السمائية كلّها،يسبحون وينشدون،ويرنمون. فصار لنا شهداء ابرار من رجال وشباب في عمر الربيع واطفال ونساء،انطلقوا من كنيسة القديسَيْن ليكونوا بجوار ربهم أحياء يرزقون ويقولوا لنا إن كنيستنا القبطية كنيسةُ أبطالٍ في الايمان،والقداسة،أبطالٍ في الشهادة منذ استشهاد القديس العظيم مار مرقس كاروز الديار المصرية وعلى مر العصور وحتى يومنا هذا.
فالشهادة يا اخوتي الاحباء
هي عملُ كل مُؤمِن دُعِيَ عليه اسم المسيح واصطبغ بماء المعمودية واستنار بالروح القدس فصار له النصيب الصالح في أن ينال نعمة فوق نعمةِ...إن كان الانسانُ قادراً على ممارسة الصلاة والسهر الدائم على خلاص نفسه والجهادِ المستمر واحتمال الالآمِ والامراض بشكرٍ وتسليم لمشيئة الله. ألم يقل لنا الرسول بولس إننا لأجلك نمات النهار كله؟
للشهادة والاستشهادِ مجالاتٌ كثيرة، نذكر منها القداسةَ المبنيّةَ على حياةِ المحبةِ الكامِلةِ أيّ حياةَ التضحيةِ وإنكارِ الذات وبذلٍها و حياةَ العفةِ والتكرسِ والتلمذةِ الحقيقيةِ كبُرهانٍ على استعدادِ النَّفْس للاستشهاد، فالذبح والعصر والقتل أو الرمي للوحوش أو أن يُعلق الانسانُ على خشبةٍ لم يكن هو الطريق الوحيد لوجود شهداء، فكلّ مكان ترفع فيه ذاتك لله بصدقٍ وأمانه هو شهادةٌ واستشهاد وعن ذلك قال القديس أنطونيوس الكبير "قدِّموا جسدكم هذا الذي تلبِسونهُ واجعلوا منه مذبحاً، اجتهدوا أن تُقدِّموا ذواَتكُم كذبيحة لله دائِما".
كثيرةُ هي الحروب التي يخوضها المسيحي كل يوم، والواجب الخوض فيها هي تلك التي نعني بها الصراعَ ضد الشهوات الجسدية والرغبات، لذا يقول بولس الرسول أسلكوا بحسب الروح ولا تكملوا شهوة الجسد.
فالإنسان المسيحي شهيد كلَّ يومٍ واليومَ كلّه في حياته اليومية، شهيد يُمات النهار كلّه لكي تظهرَ حياةُ يسوعَ في جسده المائِت، شهيد في أخلاقياته، وسلوكه وتربيته ،وكيانه وهذا ما تحدث عنه القديس قبريانوس عندما ميزَّ بين شهادتين "شهادة حمراء" الدم، و"شهادة بيضاء" هي شهادِة المحبة المُضحية والبذل وحمل الصليب والنُسك والسلوك الحسن والاستقامة "مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ. حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 4: 8-10)
"اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ" ( يو15: 20)
"نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ" (1كورنثوس 4: 12)
"أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ" (2كورنثوس 12: 10)
الميلاد و سلام الشهداء
توجهّ صاحب الغبطة البطريرك الكاردينال انطونيوس نجيب برسالة الميلاد قائلاً : يأتي عيدُ ميلادِ يسوعَ المسيحِ حاملاً السلامَ الحقيقيَّ الإلهيَّ للبشرية، وتجسيداً حياً لمحبةِ الله للإنسان . أَعلنت ليلةُ الميلادِ رسالةَ السلام ، في أنشودة الملائكة التي أحاطت بطفل المِذود ، ولا زال صداها يتردد في فضاء كل عصر ومكان، كما يتردد في ضمير كل إنسان فميلادُ المسيحِ هو ميلادُ السلام سلامِ الشهداءِ الذي هو من سلامِ الله ويتابع غبطته القول: ميلادُ المسيح هو نقطةُ انطلاقٍ لتغييرٍ جذريٍّ في العلاقاتِ بين الناس . فلقد علّمنا بمِثاله وأقواله أن المحبة هى أساسُ التعاملِ الصحيح بين الناس ، لأن الإنسان هو أخو الإنسان . ولقد دعنا إلى أن ندعوَ الله اباً لنا جميعاً فقال: " الله أبوكم يعرف ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه وأدعوه أبانا الذي فى السماوات متى 6 " (: 9) . هنا تأكّد المبدأ الأساسي : كلنا أبناءٌ لله ، إخوةٌ فى البشرية ، مهما اختلف الدين أو الجنس أو اللون أو الثقافة أو الوطن . البشرُ جميعُهم أبناءٌ الله وكلّ واحدٍ منا مدعوٌّ للمصالحة مع ذاته، ومع الآخر ومع الله ولن تتمّ هذه المصالحة أو تتحقق إن لم نكن قادرين على نبذ العنف، والتعصُّبِ ، والتفرقة، وعلى أن نكونَ متسامحين نغفر لمن أساء الينا، ونصلي لأجل مبغضينا ونحبُّ أعداءَنا
المصالحةُ في الصفح عطيةٌ إلهية ، يهبها المسيح لمن يريد السلامَ الإلهي . وبذلك يلغي المسيحُ خوفَ الإنسان من أخيه الإنسان ، ويؤسّسُ سلاماً إلهياً لم تعرفه البشرية من قبل ، سلاما يشمل الجميع (سلامي أعطيكم سلامي أترك لكم لاكما يعطية العالم أعطيكم أنا"
ما الذي نحتاجه اليوم لتكون شهادتنا صادقة
نحتاج إلى عيشِ الشهادةِ الحيَّةِ أمام ضمائِرنا، نحتاج إلى مناخٍ نقيٍّ وصافٍ وطاهر، نحتاج، كأعضاءٍ وحجارةٍ حية في بنيان الكنيسة الى عيش القداسة وحياةِ الفرحِ والتهليلِ كشهادةٍ حيَّةٍ في الانتصارِ على العالمِ والظروفِ المُحيطةِ بنا، نحتاجُ إلى كلمةِ الحقِّ وموقفٍ شجاعٍ وثباتٍ على الصلاة لنكتسب الحبَّ والوداعةَ والعِفَّةَ والطاعةَ والتجرُّد. نحتاج الى أن نكون قلباً واحداً وفكراً واحداً وروحاً واحدة وروحانيةٍ واحدة للسير في طريقٍ ثابتٍ.
نحتاج الى تدبير ومشورة وعملٍ هادِفٍ وبَنّاء ليكون كل إنسان مّنا كامِلاً في المسيح يسوع.
نحتاج الى الاعتدال والتعقُّل والحِشمة واليقظة و الحكمة، لنشهد شهادة حقٍ لمسيحنا
هذه هي كنيستنا القبطية على مر التاريخ كنيسةُ ايمانٍ وشهادةٍ مبنيةٍ على تعليم وحياة الرسل والاباء والشهداء الذين رووا أرض مصر بدمائهم التي أنتبت الكثير والكثير من القديسين.
إننا ولهذه المناسبة وفي غمرة الاحتفال بميلاد المسيح إلهاً عجيباً مشيراً أباً ابدياً رئيس السلام نناشد كل ذوي الارادة الصالحة والحرة والمستقمية مد يد العون للمواطنين جميعهم للخروج من الازمات واجواء التوتر والعنف الديني والعنف الذي يتّخذ من الدين ستارًا له، من أي جهة كانت حتى يحصل الجميع على حقه في عيش حياةٍ هانئة وممارسة عبادته بحرية تامة من دون قيد أو شرط الاهتمام بالتنمية الشاملة للمناطق والمدن والقرى والعزب والنجوع كلّها. وتغذية الشعور بالانتماء الوطني. والتربية على حبّ الوطن
نشر الخدمات المتنوعة والمتكاملة في التجمعات السكانية كلّها والارتقاء– فالدولة للجميع والكل يشترك في بنائها. الاحترام المتبادل وحفظ الكرامة الإنسانيّة.
وصيتي للشباب المصري
أيّها الشباب المصريّ العامل خارج مصر الوطن الأمّ وبعيدًا عن عائلاتكم. السعي وراء لقمة العيش أمرٌ حسنٌ إنّما ضمن حدوده الطبيعيّة، فلا ندعنّ مغرياتِ العالمِ تنزعُ من قلوبنا وعلى غفلةٍ منّا محبّةَ الربِّ والكنيسة ولا نسمحنّ لها أن تنسيَنا ما هو ضروريٌّ لحياتنا الروحيّة فنحن بحاجةٍ إلى النعمة لعمل الخير وتجنّب الشرّ كما أنّنا بحاجةٍ إلى مراحم الربّ وغفرانه لتفادي السقوط في الخطيّة والسلوك في طريق عبادة صحيحة لله بأن نؤمن به ونحبّه ونرجوه ولنعلم أنّ المجد بعيدًا عن الربّ هوانٌ والتقدّمَ خارجًا عنه تدهورٌ والحريّةَ استعبادٌ والغنى فقرٌ وجوع والاستقلالَ استغلالٌ وامتلاك والعلمَ جهل.
نصلي في هذا المساء المبارك ، متّحدين مع قداسة البابا والآباء البطاركة والأساقفة . ملتمسين من الله تعالى أن يحفظ لنا حياة القائمين على شؤون الوطن جميعهم رئيسُنا المحبوب محمد حسني مبارك وفخامة الرئيس العماد ميشال سليمان ومعاونيهم الكرام، ويباركَ خطواتِهم من أجل تحقيق سلامة الوطن ، وتعزيزِ القيمِ الروحية والاجتماعيةِ السامية. وكما نصلي من أجل القائمين بأمانة على مسؤولية الوطن، على المستويات كافةً السياسيةِ والشعبيةِ والأمنية من وزراء ونواب وجنود. من أجل أن يشرقَ فجرُ نهارٍ جديدٍ و مستقبلٌ واعدٌ بالمحبة والسلام ،على ابناء الوطن كلِّهم. وليحفظْ اللهُ لبنانَ ومصرَ وبلدانَ الشرق والعالمِ كافةً ودائماً في خيرٍ وأمنٍ واستقرار، وفي أخوّةٍ وحبٍّ وسلام .