المزمور الرابع والعشرون: افتحوا الأبواب ليدخل الرب إلى هيكل قدسه

همسات الروح : تأمل في سفر المزامير

الأب/ بولس جرس

خاص بالموقع –

أولاً: تقديم المزمور:

يُعتبر المزمور الرابع والعشرون مزمور الحجّاج يُنشدونه لحظة الوصول إلى أورشليم  في عيد المظال، وهم يطوفون حول الهيكل حاملين تابوت العهد، رمز حضور الرب وسط شعبه، حيث يسير الشعب أمام التابوت وهم يُرددون تلك الكلمات المؤثرة داعيين الجميع لفتح الطرق والقلوب أمام الرب محتفين بحضوره، بينما يهتف المرتلون بصوت عظيم "ارفعي أيتها الأبواب رؤوسكّ، ليدخل ملك المجد".

هكذا يمضي الموكب صعوداً إلى جبل الرب حتى يصل إلى الهيكل فيدخل الشعب، وهو ينشد حمداً للرب القدير خالق الأرض ومؤسّسها، أما شعبه المختار فيأتي إليه أفواجا يقف بين يديه ملتمساً حمايته.

يلي ذلك دخول تابوت العهد إلى الهيكل، حيث يبدأ حوارٌ ثان: ارفعن أيتها الأبواب رؤوسكن لأن الداخل فيك كبير جداً (1 ملوك 8: 27)، يجيب مَن في الداخل: مَن هذا ملك المجد؟ فيرد الشعب: هو الربّ الجبار…، يدخل إلى هيكله وجبل قدسه الذي خلقه منذ الأزل، (مزمور 48: 1)، وها هو يصعد إليه ظافراً (مزمور 68: 19). وأخيراً يستقر التابوت بموضعه داخل قدس الأقداس.

تتجمّع جماهير الشعب الحجيج بعدها أمام أبواب الهيكل حيث عرش ربّ الجنود (أشعياء 6) ملك شعبه (خروج 15: 18؛ عدد 23: 21)، قائده ورفيقه في حروبه (خروج 13: 21؛ 15: 3)، مَن ظهر بمجده في سيناء (خروج 24: 6) وتجلى داخل خيمة الاجتماع، نموذج الهيكل الأول (خروج 40: 34؛ عدد 14: 10). حيث ترتبط كلمة "مجد الله" و"إله الجنود" بتابوت الله الذي كان يُحمل إلى الحرب (2 صموئيل 11: 11؛ 15: 24) ليكون حاضراً مع شعبه فيشجّعه على القتال وينصره على الأعداء. فالتابوت يمثل الحضرة الإلهية الشخصية المباشرة ل"يهوه" المخلص، ملك المجد.

يعتقد بعض المفسرين أن هذا المزمور الملوكي أُنشد عند إصعاد تابوت العهد من بيت عوبيد آدوم إلى جبل صهيون (2 صموئيل 6: 12-17)، بينما كان الموكب يجتاز من مناطق الملك في الوادي صاعداً إلى مدينة الله المقدسة على قمم الجبال العالية. وكما يذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن سبعة جوقات من المرتلين والموسيقيين كانوا يتقدمون التابوت في مثل هذه المناسبة.

يرى آخرون أن داود نظم هذه التسبحة لتُرنم في مناسبة تكريس الهيكل الذي عرف بالروح أن سليمان ابنه سوف يقوم ببنائه عوضاً عنه. بينما يظن آخرون أن داود لم يضع هذا المزمور، إنما هو أصلاً أنشودة نصر يترنم بها الغالبون عند عودتهم من المعارك منتصرين كما كان الرومان يفعلون، حيث يُفترض صعودهم إلى الهيكل في العاصمة وهناك يمجدون تابوت العهد واهب النصر. ختاماً لا يهمنا مَن كتب المزمور فالروح القدس هو مصدره الأول ومحرك قلب كاتبه ومنشديه وهو الملهم والمحرك لقلب كل من يصليه على مدى الدهور.

1-         مزمور طقسي: كما سبق القول أن المزمور هو مزمور يردده الحجّاج عند بلوغ الهيكل حاملين تابوت العهد ضمن طقوس عيد المظال ، ويُنشدونه أثاء التطواف. ُيحتمل أن يكون ترتيب طقس الترنم أثناء الدخول إلى هيكل هكذا: يتقدم الشعب الموكب ليفتح الطريق أمام الرب ويحتفي به بينما يترنم الزائرون أو كورس الموكب المقطع الأول (عدد 1، 2)، تسبحة في طريق، حيث يحتفلون بعظمة الله الخالق.حتى الوصول إلى أبواب الهيكل (3-6)، وأخيراً يشير إلى صعود الرب واستقراره في مسكنه (7-10) فيدور الحوار المذكور بين الكهنة بالداخل والكورس من الخارج.

2-         مزمور مسياني: يحوي هذا المزمور نبوءة خاصة عن الرب يسوع، فالصعود بالتابوت إلى بيت الله، رمزٌ لصعود السيد المسيح إلى السماء. وكلماته تشير إلى دخول الرب يسوع رئيس الكهنة الأعظم إلى بلاط أورشليم السمائية ومجد ملكوت أبيه، ويقدمه المرنّم كملك محارب، يدخل إلى السماء ظافراً منتصراً؛ لهذا يُدعى "ملك المجد"، "رب الصباؤوات" و "رب الجنود". وبحسب التقليد حُسب هذا المزمور منذ البدء نبوءة عن القيامة والصعود في العهد الجديد، فكان يُنشد في عيدَيْ القيامة والصعود. وحالياً في الكنيسة القبطية يُرنم في طقوس عيد القيامة عندما يدخل الكاهن والشمامسة في حوار مأخوذ نصا، إعلاناً عن مجد المسيح القائم، وانتصاره على الموت، وقدرته على رفعنا معه إلى مجده.

3-         علاقته بالمزمورين السابقين : هناك نوع من التكامل بين المزامير الثلاثة (22، 23، 24). فالأول  يعلن عن المسيا باعتباره المخلص المتألم. والثاني-الثالث والعشرون-  يتحدث عن الراعي الصالح الذي يدخل بالرعية إلى الفردوس  للتمتع بمياه الراحة، من خلال عمله الخلاصي، فتسكن معه كل الأيام. أما المزمور الرابع والعشرون فيتحدث عن ملك المجد الذي لا يقف عند السكن في وسط شعبه على الأرض، وإنما يقودهم منتصراً ليدخل بهم في موكب مقدس نحو أبواب السماء المفتوحة، ويصعدهم إلى أمجاده السماوية لينعموا بأحضان الآب الأبدية. بمعنى آخر فالمزمور الثاني والعشرون هو تسبحة الجلجثة، والثالث والعشرون هو تسبحة الكنيسة المفتداة براعيها الصالح، أما هذا المزمور فهو تسبحة السماء المفتوحة.

4-         علاقته بالمزمور الخامس عشر : أخيراً لابد للقارئ أن يلاحظ أيضاً التشابه الكبير بين هذا المزمور والمزمور الخامس عشر وإن اختلفت العبارات؛ فبينما يركز الأخير على الطهارة الفردية طهارة القلب والسلوك؛ يركز هذا المزمور لا على الفرد بل الشعب إنه مزمور الحب المجيد، بالحب خلق الله كل شيء لأجل الإنسان، وبه يقدسه لينضم إلى موكبه فيصعد معه إلى السماء ليحيا مع الله الخالق القدوس.

 

ثانياً: نص المزمور وتقسيمه:

 

يتكون المزمور من عشر آيات وينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: خالق الكل ( 1- 2):

1-                     مزمور لداود: للرب الأرض وما عليها، الدنيا والمقيمين بها.

2- على البحار أسسها وعلى المياه ثبت أركانها.

القسم الثاني: الله الكلى القداسة: ( 3- 6):

3 – من يصعد إلى جبل الرب ويقف في مقامه المقدس؟

4 – هو النقي اليدين الطاهر القلب، الذي لا يميل إلى السوء ولا يحلف يميناً كاذبة.

5- ينال بركة من عند الرب، وعدلاً من الله مخلصه.

6- هكذا يكون من يطلب الرب، من يلتمس وجهك يا إله يعقوب.

القسم الثالث: الله الكلى النصرة: (7-10):

7– ارفعي رؤوسك أيتها الأبواب، وارتفعي أيتها المداخل الأبدية. فيدخل ملك المجد.

8- من هذا ملك المجد؟ هو الرب العزيز الجبار الرب الجبار في القتال.

9- ارفعي رؤوسك أيتها الأبواب، وارتفعي أيتها المداخل الأبدية. فيدخل ملك المجد.

10- من هذا ملك المجد؟ الرب القدير هو ملك المجد.

 

ثالثاً: تفسير المزمور:

 

القسم الأول: اتكال كامل ( 1- 2):

1-                     للرب الأرض وما عليها، الدنيا والمقيمين بها:

نداء تمجيد، فالرب سيد حياة داود وشعبه، هو رب الأرض وسيد الدنيا وشعوبها، وفي هذا التمجيد إعلان وكشف ونبوءة عن سيادة الله واتساع عبادته في كل أرجاء الأرض حيث سينادي أبناءه البشر المقيمون في أرجاء المسكونة وليس فقط شعبه من أبناء يعقوب .

2- على البحار أسسها وعلى المياه ثبت أركانها:

البحار عالم يموج بالحياة والكائنات، فسلطان الرب ليس قاصراً على الأرض وحدها بل يمتد إلى السماوات ويشمل البحار التي أسسها وخلقها ووضع لها حداً كما في سفر التكوين وهو قادر على صنع العظائم حيث قام بتثبيت أركان الأرض كلها بما تحمل من حياة وكائنات على المياه !!

القسم الثاني: الله الكلى القداسة: ( 3- 6):

ينتهي الشعب من الصعود إلى جبل الرب ويبدأ في الدخول إلى هيكله الرهيب وهو ينشد نشيد الحمد، للذي خلق الأرض وأسّسها على المياه، على أربعة عواميد فلا تتزعزع لأن قدرة الرب تثبّتها.  يبدأ الحوار بين الحجّاج والكهنة بسؤال صريح: من يحقّ له الصعود إلى جبل الرب والدخول إلى الهيكل؟ فيجيب الكهنة: النقيّ الكفين، والطاهر القلب، والمستقيم الشفتين. ليس فقط من تحلَّى بالطهارة الطقسيّة، بل من كان كلام فيه، وأعمال يديه، ورغبات قلبه بحسب وصيّة الرب. مثلُ هؤلاء يكونون ضيوف الرب، ويصعدون (أشعياء 2: 3) إلى جبل الرب (أشعياء 30: 29)، ويقفون في مكانه المقدّس (مزمور 132: 5)، ليحصلوا على بركاته وبرّه. مثلُ هؤلاء يأتون ملتمسين وجه إله يعقوب (مزمور 27: 8)، أي حماية الرب، هم شعبه الذي اختاره.

3 -من يصعد إلى جبل الرب ويقف في مقامه المقدس ؟

جبل الرب هو جبل صهيون، ومقامه لمقدس هو هيكل أورشليم المبني على هذا الجبل، والمقصود هنا أن الصعود إلى هذا العلو المقدس والوقوف أمام الله وفي حضرته، والدخول إلى الهيكل يتطلب نوعية خاصة من البشر، حيث لا يستطيع أي إنسان أن يقوم بهذا العمل الخطير إذ يجب أن تتوفر فيه شروط محددة قبل الوقوف بين يدي الرب :

4 – هو النقي اليدين الطاهر القلب، الذي لا يميل إلى السوء ولا يحلف يميناً كاذبة:

o               أولاً: نقاوة اليدين:

تعبير يتردد كثيراً في المزامير مرادفاً التطهير والطهارة والخلو من الآثم والخطيئة فاليدان تلمسان الأشياء ونتداول الكثير من الأمور، وهما نافذتنا إلى العالم المحسوس، فهما من يلمسان ويرتبان وهما أيضا من يضربا ويحملا السيف ويقتلا ويسفكا الدماء ويسرقان…وقد جرت العادة عند اليهود أن يغسلوا أيديهم قبل الصلاة وقبل الطعام علامة الطهارة والنقاء وتساءل الفريسيون مع تلاميذ يسوع كيف تأكلون بأيد نجسة …

o               ثانياً : طهارة القلب:

طهارة الجسم الخارجية ممكن الوصول إليها والحصول عليها بالاغتسال والوضوء وهي تتطلب مجهوداً خاصاً … لكن طهارة القلب  هي الأمر الأكثر عمقاً ويمس داخل الإنسان ، والقلب في المزامير هو الكيان الداخلي للإنسان ، فهو مركز الأحاسيس والمشاعر ، منه تنطلق الحب والبغض والحقد والغضب والرأفة والرحمة والتحنن والترفق وطول الأناة لذلك يفتش الله عن قلب الإنسان "يا أبني أعطني قلبك ولتتبع عيناك طرقي" والقلب الطاهر هو رغبة الله من الإنسان وسبب حبه له "فتشت قلب عبدي داود فوجدته كقلبي" لذلك أحبه وفضله وأختاره ومسحه ملكاً

o               ثالثاً: عدم الميل إلى الشر:

شرط ثالث واجب توافره في من يريد الاقتراب من الله فبعد الطهارة الخارجية والداخلية يحتاج إلى نوع ثالث من الطهارة طهارة النية، طهارة القصد، طهارة الميول والأهواء؛ فمن البشر من يميل إلى تحقيق شهواته وإشباع كل ما بداخله من رغبات ونزعات على حساب الآخرين وعلى حساب القيم والمبادئ والشرائع، فهدفه الوصول إلى مرماه مهما كانت الوسيلة ومهما تعالت صرخات الضحايا وارتفع عددهم . ومنهم من لا يميل إلى السوء بل يختار طريق الخير والقرب من الله ولو كلفه ذلك التضحية بالكثير من الملذات والأرباح فهو زاهد بها جميعاً يعتبر خيره الوحيد في الالتصاق بالله والاقتراب منه والعمل بشريعته والسير في طريقه والله من جهته يشترط للاقتراب منه أن يكون ميل قلب الإنسان نحوه وليس نحو الشر.

o               رابعاً: ولا يحلف يميناً كاذبة:

في هذا الشرط شرطان داخليان

· الصدق: في الكلام والعمل داخلياً وخارجياً…عكس الكذب والزيف.

· عدم القسم: في الوصية الثالثة يوصي الرب شعبه، لا تحلف باسم الله فهذه مخالفة جسيمة والأكثر جرماً هو القسم كذباً أو بالباطل… بمعنى تحاشى الوعود الكاذبة وتنفيذ ما أُقسم به  أمام الرب أو القريب. هذا الشرط يطلب الرب صدقاً داخلياً وخارجياً واجتماعياً.. ويطلب من أحباءه الذين يتكلفون مشقة الصعود إلى جبله المقدس والوقوف أمام هيكله المهيب، طهارة خارجية وداخلية وابتعاد عن كل ما يسوء أو يسيء إلى العلاقة به ويكلل كل هذا بالصدق الباطني والاجتماعي… مما يعني أن الوقوف بين يدي الله يحتاج عملية تغيير كياني شامل.

5-ينال بركة من عند الرب، وعدلاً من الله مخلصه:

حين يصلي مثل هذا الإنسان ذو فيه المواصفات التي وصّفها الرب لأبنائه، لا يكتفي الرب باستجابة صلاته وتلبية طلباته… بل ينال فوق ذلك بركة الله التي تعني كل شيء بالنسبة للمؤمن، فالبركة هي أساس السعادة في حياة المتقين للرب… وهي أعظم عطاياه لأحبائه؛ ويذكر الكتاب في حياة إبراهيم أبو الآباء أن الرب حين رأى أنه لم يبخل بابنه عنه،  أقسم بذاته ليعلن رضاه عنه "بالبركة أباركك" وكانت بركة الرب في العمل أو الحصاد أو الرعية شرطاً أساسياً بسببه تقدم البواكير والعشور وتوفى النذور. والبركة تعني الازدهار والنجاح والفرح والسلام والانتصار كما بارك ملكي صادق إبراهيم حين قدم له العشر وقدم عنه ذبيحة خبز وخمر.

«                    وعدلاً من الله مخلصه:

سيقيم الله العدل لأحبائه الذين يتقونه ويعملون مشيئته ولن يترك يد الظلم لتطولهم وتمس حقوقهم، فهو يطالب بحقوق الضعفاء واليتامى والأرامل والبائسين وهو ملجأ البائسين وناصر الصديقين ولن يسمح للأشرار أن يجوروا على نصيب الأبرار… فالله قادر أن يرد لهم كافة حقوقهم ويخلصهم من جميع شدائدهم وينجيهم من كل ما يقابلون.

6- هكذا يكون من يطلب الرب، من يلتمس وجهك يا إله يعقوب:

هكذا يكون مباركاً ومرضي عنه ومحمود وتحت حماية الرب فهو لا يخاف شراً لأنه لا يعتمد على ذراع بشر بل على قوة حضور الله في حياته ولاسيما إله يعقوب أبو الأسباط الذي أيده الرب في أصعب الظروف وقاده من نصر إلى نصر. وهذه الإشارة إلى إله يعقوب تعني كثيراً لكل بني "إسرائيل" الذي هو الاسم الذي وضعه الرب ليعقوب "لا يكون أسمك بل إسرائيل" ( تكوين 32 :24) ومن يلتمس أي يطلب العون من إله يعقوب هذا، يعرف أن من أجتاز به كل سني حياته الحافلة بالمشقة والصراع … سوف يعينه هو أيضاً على اجتياز جميع صعوبات حياته.

القسم الثالث: الله الكلى النصرة: (7-10):

يأتي دور دخول تابوت العهد، فيبدأ حوارٌ آخر: ارفعن أيتها الأبواب رؤوسكن ، لأن الداخل فيك كبير جداً (1 ملوك 8: 27). فيجيب الذين في الداخل: من هذا ملك المجد؟ فيقول الشعب: هو الربّ الجبار… ويُعاد الحوار مرة ثانية: ربّ الجنود هو ملك المجد، وهو يحضر إلى هيكله وإلى جبل قدسه. هذا الجبل خلقه الرب منذ الأزل (مزمور 48: 1)، وها هو يصعد إليه ظافراً (مزمور 68: 19). وهكذا تظهر العلاقة بين خلق الأرض وبناء الهيكل (78: 68- 69): بنى الله  بيته المقدّس كما بنى بيته في العلى، وثبّته كالأرض إلى الأبد.

 في هذا المزمور نفهم أن بناء أساسات الهيكل في التاريخ، هو امتداد لتكوين المسكونة، حيث يسكن الله، وما الهيكل سوى صورة مصّغرة عن المسكونة.

7 – ارفعي رؤوسك أيتها الأبواب، وارتفعي أيتها المداخل الأبدية. فيدخل ملك المجد:

أورشليم المبنية على جبل صهيون محاطة بأسوار حصينة تمنع دخول الأعداء والغرباء وفي هذه الأسوار أبواب يذكرها الكتاب المقدس بعهديه… وحين تكون أورشليم في موسم حج وأعياد وأفراح يُقبل إليها العديد من الشخصيات البارزة كانت تفتح هذه الأبواب بالتهليل والأفراح لاستقبال الوافد العظيم كما حدث في موكب الرب يسوع يوم أحد السعف حيث فتحت أبواب المدينة وارتجت المدينة كلها وأستقبله أهلها بأغصان الزيتون والسعف والخوص وفرشوا ثيابهم ليعبر عليها موكبه ( متى 21، يوحنا 12 الخ)…

8- من هذا ملك المجد؟ هو الرب العزيز الجبار الرب الجبار في القتال:

يتساءل المرنم بالروح، نعرف الملك، نعرف العديد من الملوك، نعرف المجد، تذوقتا العديد من أنواعه وعشنا مجد الرب مراراً كثيرة ، ملك هو الله ومجيد هو وحده ، إنهما صفتان من صفاته فكيف تجتمعان في شخص واحد آخر غيره؟ من يكون! من هذا ولماذا يطرق أبواب مدينتنا؟

«                    هو الرب العزيز الجبار :

يزيدنا النبي المرنم حيرة بدلاً من أن يجيب على تساؤلاتنا وتساؤل الأبواب الدهرية وجميع الشعوب. حيث يضيف صفتين جديدتين إلى صفات ذلك الملك الواقف على أبواب مدينة الله يطرق أبوابها الدهرية، إنه عزيز وهو من أسماء الله الحسنى، العزيز الجبار، وهذا قاصر على الله وحده صاحب القوة والعزّة والجبروت.

«                    الرب الجبار في القتال :

لا تفسير لهذه الآية على مستوى الأحداث التاريخية… إنها نشيد فرح وتهليل، إنها رجاء شعب وأمنية نبي، إنها رجاء الدنيا والبشرية كلها، أن يدخل رب المجد إلى حياة البشر وينير ظلماتها.

 يتجلى جبروت الله في قدرته على الانتصار على جميع أعدائه فعندما صرخ الملاك ميخائيل ومعنى اسمه "من مثل الله" في الشيطان صعقه جبرائيل "الله الجبروت" وهزمه ودحره إلى الجحيم، فالله هو وحده الجبار صاحب كل  جبروت، فكيف ومتى سيدخل إلى أبواب أورشليم ؟

9 – ارفعي رؤوسك أيتها الأبواب، وارتفعي أيتها المداخل الأبدية. فيدخل ملك المجد:

يكرر الشعب وراء النبي هذا النشيد الجميل، نشيد الفرح والرجاء، نشيد السماوات المفتوحة وتحقيق الملكوت، فدخول الرب إلى مدينته يعني إحلال ملكوت الله على الأرض، وهذه صلاة كل مؤمن "ليأت ملكوتك".

10 –من هذا ملك المجد؟ الرب القدير هو ملك المجد:

يردّ الكاهن المنشد المرنم على سؤال شعبه ببشارة الفرح  أن الرب، رب القوات بنفسه هو الذي سيملك عليهم وينير مدينتهم … ما عليهم سوى أن يفتحوا أبواب قلوبهم ، وهكذا يبرز حوار روحي بين  قائد المجموعة وحارس الباب:

يتساءل قائد المجموعة عن السَّمات اللازمة فيمن يريد أن  يصعد إلى بيت الرب، ويجيب حارس الباب على السؤال مقدماً السمات الروحية التي تليق بمن يرغب في التمتع ببركة الشركة مع الله في بيته المقدس. ويمجد القائد من يتمتع ببركات الرب ونعمة الخلاص. وترد الجوقة بتسبيح قبل الدخول إلى الهيكل أنهم جاءوا كموكب ملوكي معلنين الله ملكاً لهم ، وأن تركيزهم  ينصب على الله وحده، وهم يمجدونه بحياتهم وسلوكهم الخفي والظاهر… إنهم يطلبون فتح الأبواب الدهرية، لا من أجلهم إذ هم موكبه وإنما من أجل ملك المجد،. رب القوات هذا هو ملك المجد.

 

رابعاً: تطبيق المزمور:

 

o                        كيف عاش الرب يسوع هذا المزمور؟

يمكن أن ينطبق المزمور على مراحل حياة الرب:

فلعل الآيات الأخيرة التي تتردد بين الشعب والكهنة، لا تنطبق على أحد في تاريخ الخلاص: لا ملاك، ولا رئيس ملائكة ولا نبياً بل على المسيح وحده: ليس الآب الذي لا يرى ولا الروح الذي لا ينظر بل الابن المنظور عمانوئيل "الكلمة" المتجسد الذي رأيناه وسمعناه ولمسته أيدينا، الذي عاش بيننا وجاء إلى خاصته فلم يقبلوه، وبدلاً من أن يفتحوا الأبواب لقبول ملكهم صاحوا "ليس لنا ملك غير قيصر" وصلبوا يسوع الناصري ملك اليهود، ولو عرفوا أنهم حين رفعوه على صليب العار، رفعه الله للمجد وحطم بصموده أبواب الجحيم الأبدية وكسر شوكة الموت، فصار هو بالحق والحقيقة ملك المجد، الرب القدير، الذي له تجثو كل ركبة في السماء وفوق الأرض وما تحت الأرض. يمكن تطبيق كل ما يقوله هذا المزمور عن الله على يسوع المسيح:

فيسوع المسيح هو الذي له المسكونة وما فيها، المخلوقات المنظورة والغير المنظورة: لأنه به كوّن كلّ شيء (كولوسي 1: 15). وهو ملك المجد (1 كورنثوس 2: 8)، وملك الملوك وربّ الأرباب (رؤيا 19: 16). جاء مرّة أولى بالجسد، وسيأتي ثانية بمجد عظيم ليدخل العالم، وسيكون العالم سعيداً باستقباله.

صعود المسيح: يُعتبر سفر المزامير الموضع الكتابي الرئيسي الذي يحدّثنا عن الصعود، حيث يعبّر الصعود عن السرّ الفصحي في نظرة مسيانية.

فهو عيد دخول المسيح الملك إلى مجده كما تنشده طقوس المزامير الملكية بوضوح، بالأخص في ثلاثة مزامير (24، 68، 110). ونقرأ في يوستينوس: "انظروا كيف وجب أن يصعد إلى السماء حسب النبوءات. قيل: ارتفعن يا أبواب السماء لتنفتح وليدخل ملك المجد". "تزاحم الملائكة فيما بينهم لتتم كلمة الكتاب: افتحوا أبوابكم أيها الرؤساء". والرؤساء هم الملائكة حرّاس السماء حيث يُدخِل كلمةُ الله بصعوده، كل أبناء البشريّةَ التي اتّحد بها."ويفسّر ايريناوس المزمور في هذا المعنى: "إنه رُفع إلى السماء، فكما نزل الكلمة ولم تره الخلائق ولم تعرفه في نزوله، كذلك جُعل خفياً في تجسّده ورُفع إلى السماء. فحين رآه الملائكة الأدنون صرخوا للذين هم أعلى منهم: إفتحوا أبوابكم. إرتفعن أيتها الأبواب، لأن ملك المجد يدخل. وإذ قال ملائكة العلاء منذهلين: من هو هذا؟ من جديد هتف الذين رأوه: هو الربّ القويّ القدير، هو ملك المجد".

كذلك تنطبق آيات المزمور على شخصه الأقدس فهو وحده:

o                        النقي اليدين: فطالما يداه امتدتا للشفاء الروحي والبدني ولطالما ارتفعا للصلاة والتسبيح الليل كله.

o                        الطاهر القلب: و هو وحده طاهر القلب الذي غفر للخطاة وحتى لصالبيه وهو بعد مثخناً بالجراح، مثقوب اليدين والقدمين معلقاً على الصليب، يرى ويسمع سخرية ظالميه.

o                        الذي لم يصنع الشر: وهو خلاف جميع الرسل والأنبياء قبله وبعده لا يستطيع أعداءه أن يمسكوا عليه خطيئة بل على العكس جال يصنع خيراً ويشفي كل سقيم.

o                        الذي لم يحلف أبداً: بل القائل قيل لكم لا تحلف، أما أنا فأقول لكم "ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وما ذاد عن ذلك فمن الشيطان.

o                        لذلك فهو الوحيد الذي يحق له أن يصعد إلى المدينة المقدسة ويقف أمام الرب، وأن يصعد إلى أعلى مرتبة في "السماوات" جالساً عن يمين عرش العظمة آخذاً أعظم بركة وتكريم. وصائراً ديّاناً للعالم، ومخلصاً لكل من يلوذ به.

إرفعي أيتها الأبواب…:  إنه نشيد القيامة، نشيد الصعود، نشيد المجد، نشيد المحبة: وتقرأ هذه الآيات من المزمور في قراءات أحد الشعانين وأيضاً في طقوس ليلة عيد القيامة في الكنيسة القبطية وهي تعتبر نبؤة عن المسيح الذي دخل أبواب المدينة الدهرية فارتفعت مغاليق أبوابها التي طالما استعصيت على قوة الأعداء لكنها ارتفعت لتستقبل رب هذه المدينة، ملك المجد، نبؤة عن قيامة المسيح من بين الأموات حيث كسر شوكة الموت ونزل إلى الجحيم وخلص نفوس الأبرار الراقدين في الظلمة وظلال الموت.

وارتفاع أبواب أورشليم مدينة الله أمام ملك المجد رمز لهبوط أبواب الجحيم مدينة الشيطان وانهيارها أمام مجد قيامته فما أروع هذه الآيات العذبة لقد حطم رب المجد بقيامته المداخل الأبدية المغلقة وفتح الطريق أمام البشر ليدخلوا معه في موكبه المنتصر إلى حضرة الله، إلى أورشليم السمائية …

كذلك يحمل الحوار الرائع كشفاً عن شوق المتحدين مع المسيح الغالب نحو الصعود خلال الأبواب الدهرية، ودهشة السماء عينها أمام عمل رب المجد الخلاصي الذي وهب البشرية أموراً لا يُنطق بها!

§ فمن ذا الذي ُرفع على الصليب ورفعنا معه إلى الآب؟              إنه الرب يسوع

§ وأمام من تدحرجت صخرة القبر؟                                      فقط أمام قوة قيامته

§ ومن قهر الموت وقام منتصراً كاسراً شوكته؟                        إنه الرب يسوع

§ ولمن انفتحت الأبواب الدهرية فنزل إلى الجحيم وسبى سبياً       إنه الرب يسوع

§ ومن أرتفع إلى السماء وأخذته سحابة عن العيون؟                            إنه الرب يسوع

§ ومن سما في المجد وجلس عن يمين عرش العظمة في السماء؟   إنه الرب يسوع

§ ولمن انفتحت أبواب أورشليم فدخل وديعاً متواضعاً؟                للرب يسوع

§ ولمن أعطيت مفاتيح أورشليم السمائية يفتح فلا يغلق أحد ويغلق فلا يفتح أحد؟     للرب يسوع

هو وحده ارتفع وتمجد، هو وحده الألف والياء، هو وحده البداية والنهاية، معه وحده المفاتيح يفتح فلا يغلق أحد ويغلق فلا يفتح أحد. ولم يفعل ذلك بحثا عن مجد أو فخار ولا سعيا لمكانة أو سلطان فهو وحده الكلي المجد والقوة والسلطان كما ترنم له كنيستنا القبطية طوال أيام البصخة بل اجتاز كل هذه الألأم ليمهد لنا الطريق ويفتح لنا تلك الأبواب الدهرية التي طالما ظلت مغلقة في طريق وحدتنا مع الله، تلك التي تشتاق إليها نفوسنا كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه.

 

كيف نعيش نحن المسيحيين هذا المزمور

 

إنه مزمور فرح نعيشه نحن المسيحيون كل يوم لاسيما في أيام الفرح ونترنم به في أوقات السعادة ونستخدمه في طقوس الأعياد الكبرى .

نعترف في كل أوان وفي كل الصلاة للرب العظيم خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى، ونمجده في كل الخلائق بل إن فرنسيس الأسيزي جعل كل الخليقة تسبح له وتباركه : تباركت يا سيدي من أجل أختنا المياه …الخ.

نستخدمه في الطقوس الكنسية ونتعلم منه في حياتنا أساليب الاقتراب إلى الله ونعرف كم هو عظيم الوقوع في يدي الرب.

فلنطهر أنفسنا: هكذا يفعل المؤمن قبل دخول الكنيسة حيث يذهب نظيفاً طاهراً من أدناس وأقذار العالم، مرتدياً أفضل ثيابه معترفاً بخطاياه ..

هكذا يفعل الكاهن في بداية القداس إذ يغسل يديه: انضح علىّ بزوفاك فأطهر، أغسلني فأبيض أكثر من الثلج، أغسل يدي بالنقاوة وأطوف بمذبحك يا رب لأخبر بصوت تسبيحك أيها الرب إله القوات.

البعد عن الشر: يعيش المسيحي في العالم سائراً في نور الرب ومخافته … يكره الشر والخطيئة لأنهما يفصلانه عن حب الرب الإله ويفعل الخير ويسعى للسلام ويبتعد عن كل سوء لأن السير في طريق الأشرار يسيء إلى محبته لأبيه الذي أحبه وخلصه.

ولا يحلف: طبعاً تجاوز مرحلة القسم "لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً" وعبر إلى "لا تحلفوا صادقون كنتم أم كاذبون" لا تحلف بالسماء لأنها عرش الله ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه ولا برأسك لأنك لا تقدر أن …" (متى 5) وصار عفيف اللسان "كلمة شريرة لا تخرج من أفواههم وبصبركم تقتنون نفوسكم" (متى 5) حرص أن يكون كلامه "نعم نعم ولا لا" لأنه يعرف أن ما ذاد عن ذلك هو من الشيطان..

ولا يكذب: وحيث يحرص أن يعيش في نور الله فأنه لا يكذب على الإطلاق ولا يستخدم اليمين والقسم لإثبات أكاذيبه.

الطاهر القلب: وهو عنصر جوهري في الحياة المسيحية، حيث يعرف كل مسيحي أن طهارة اليدين والجسم كله والمظهر الخارجي يمكن أن تخدع البشر لكنها لا تخدع الله أبداً، لذلك فهو حريص على أن يطهّر قلبه من كل دنس سواء بالقول أو الفعل أو الفكر أو الإهمال وهو يعرف أن سيده فاحص القلوب والكلى "من نظر امرأة وأشتهها فقد زنى بها" وهكذا بالعماد المقدس وبممارسة سر المصالحة والاعتراف بخطاياه يسعى الإنسان المسيحي باستمرار للحفاظ على نفسه طاهراً .

ينال بركة: طبعاً ثمرة البر والعفاف والطهارة والصدق بركه في اتجاهين

1- إنها جميعاً ترضي الرب وتحقق شريعته في الحياة فيبارك المؤمنين به.

2 – إنها جميعاً تحقق في حياة الإنسان كل طموحاته الشخصية وتفيض ببركتها وخيراتها على بيته ومن حوله، فيصير بركة لجميع من يقترب منه ويعيش الفرح والسلام والاطمئنان …

هذه البركة يقدمها الرب لأبنائه وقد أوصى بها كنيسته وتلاميذه، ومنحها لكل من يتقونه ويحفظون طرقه في قلوبهم…

كذا ترتفع الأبواب الدهرية: في وجه المسيحي مرحبة مهللة إذا أتم كل ما سبق من برّ ونال كل ما يستحق من بركات، لا يهبط إلى الهاوية بل يصعد إلى السماء… ويفتح الرب الفادي بنفسه أمامه الأبواب الدهرية، ويسمع ذلك الصوت العذب تعال إلىّ يا من نلت "البركة" من أبي، رث الملكوت المعد لك منذ إنشاء العالم لأني كنت جوعاناً ، عطشاناً ، عرياناً ، غريباً ، سجيناً … فيدخل معه إلى المجد أورشليم السمائية التي تفتح أبوابها الدهرية ليدخل ويحيا فيها المؤمنون بالرب الإله إلى الأبد ، حيث لا عطش ولا جوع ولا تنهد ولا دموع…

حين يدخل ملك المجد إلى مقدسة: فذلك رمز لصعودنا نحن فيه كأعضاء في جسده. فقد نزل الملك إلى عالمنا وخلصنا بالصليب، وهو يقدس حياتنا واهباً إيانا استحقاق الدخول إلى موضع قدسه، وبصعوده رفعنا إلى سماواته، وفتح أبواب السماء للبشر.

وهو حاضر في كنيسته يساعدها في الجهاد: كنيسته ترافقه كما في يوم الشعانين، فتهتف بحياته، وتدخل وراءه إلى الهيكل لتملك معه كما ملك هو، لا بسلاح البطش والقوّة، بل بسلاح صليبه وموته.

 

خامساً : خاتمة المزمور

 

يتطلع المؤمن في هذا المزمور إلى الله خالق المسكونة وكل ما فيها من أجله، ويرنو بعيني قلبه إلى موكب ملك المجد الصاعد إلى مقدسه السماوي، فتذوب نفسه حباً ويلتهب قلبه بنار علوية، مشتاقاً أن ينضم إلى هذا الموكب الفريد لكي يعبر مع مخلصه خلال أبواب السماء المفتوحة إلى حضن الآب.

وما هذا الحوار الرائع في المزمور سوى ليكشف للبشرية جمعاء أنه لا يستطيع أحد أن يعبر تلك الأبواب الدهرية، وأن يدخل إلى الأقداس السماوية، إلا الرب القوي الجبار، رب الجنود والقوات، ملك المجد؛ فله وحده تُفتح الأبواب الدهرية للمدينة السماوية، أبواب هيكل لم تصنعه أيٍد بشر. " لا يستطيع أحد الدخول إلى الآب إلا بي"، إنه يهوه المخلص، القدير، رب الأرباب وملك الملوك (رؤيا 1: 8؛ 19: 16)، رئيس الخلاص الذي لا يُقهر.

إنه مزمور الحب المجيد، بالحب خلق الله كل شيء لأجل الإنسان، وبالحب نفسه يهب مؤمنيه الشريعة والتقديس لينضموا إلى موكبه القدوس، وبالحب أيضاً يصعد بالإنسان إلى السماء المفتوحة بغلبة الصليب! بمعنى آخر يرى المسيحي الحق متعته وتهليل نفسه بالمسيح في الله الخالق القدوس واهب الغلبة.

في هذا المزمور يرى المؤمن الله كخالق الكون وكل ما فيه ويتطلع إلى موكبه الملكي المجيد الصاعد إلى مقره السماوي؛ فتذوب نفسه حباً ويلتهب قلبه شوقاً للانضمام إلى هذا الموكب الفريد ليعبُر خلال أبواب السماء المفتوحة إلى حضن الآب. خلال تأملنا إياه ندرك أن بناء الهيكل حيث يسكن الله في التاريخ، ما هو إلا امتداد لخلق الله للعالم، فما الهيكل سوى صورة مصّغرة عن المسكونة كما يجب أن تكون، وما شعب الله سوى صورة لما يجب أن تكون عليه كل الشعوب. هكذا تظهر العلاقة بين خلق الأرض وبناء الهيكل (مزمور 78: 68- 69) لقد بنى الرب بيته المقدّس كما سبق وخلق الأرض، صورة لبيته في العلى، وما أورشليم الأرضية سوى صورة لأورشليم السماوية. فمن يدخل إلى هيكل الله، يتذكّر ذلك ليعرف أن الله الذي بنى الكون هو ذاته الحاضر في هيكله، وأن على المؤمنين أن تكون حياتهم مقدّسة في الهيكل كما في الكون، لأنَّ الله حاضر في الهيكل كما في الكون.وهذا ما ينطبق على حياتنا المسية في أوج وأعمق معانيه.

 

صلاة

إرفعي أيتها الأبواب رؤوسك

إلهي، يا من تفتح أبواب السماء أمامي،

افتح أبواب قلبي لتدخل وتملك،

أيها القدوس وحدك، قدسني بروحك،

فأتأهل للسكنى في جبلك المقدس،

أيها الصاعد إلى سماواتك،

 أرفع قلبي إلى عرش نعمتك

واقبلني في موكب نصرتك،

فأعبر معك وبك الأبواب الدهرية!

ربي، رطب أحجار قلبي الصخرية

واهدم تحصينات نفسي الوهمية

يا رب الصباؤوت، يا ملك المجد،

اسكن في قلبي واسكنني في قلبك

 اسكب بهاءك على نفسي،

إجعلني شمعة تنير الطريق إليك

وملحا يصلح فساد العالم حولي

اجعلني بابا مفتوحا يدخل من خلاله الآخرون إليك، لنصل سوياً معك وبك وفيك للدخول إلى أورشليم السماوية حيث أنت جالس عن يمين عرش أبيك، آمـــــين

 

 الفهرس

دخول الرب إلى هيكله

 

أولاً: تقديم المزمور

ثانياً: نص المزمور وتقسيمه

ثالثاً: تفسير المزمور

القسم الأول:  اتكال كامل (1-2)

القسم الثاني: الله الكلي القداسة ( 3- 6)

القسمالثالث: الله الكلي النصرة (7-10)

رابعاً: تطبيق المزمور

كيف عاش الرب يسوع هذا المزمور

كيف نعيش نحن المسيحيين هذا المزمور

خامساً: خاتمة المزمور

صلاة

الفهرس