مريم التي من بيت عنيا

أحد الشعانين

بقلم الأب سميح رعد

بروكسل، الجمعة 15 أبريل 2011 (Zenit.org).

في هذا الأحد المبارك، أحد الشعانين، لنتأمل مريم التي من بيت عنيا، مريم هذه التي أحبَّت السيد حبًّا عظيمًا، وطلب منَّا أن نتذكَّرها حيث يُكْرَزُ بالإنجيل وقد وصَّانا: "أنَّه حيث يُنَادَى بهذا الإنجيل في العالم أجمع، يُحدَّث أيضًا بما عملته هذه المرأة إحياءً لذكرها." (متى 26، 13).

        هذا اليومُ، هو اليوم السادس قبل الفصح (يو 12، 1)، وكان الجميع يتدافعون إلى بيت عنيا لمشاهدة قيامة لعازر من بين الأموات (يو 12، 9). الجميع كانوا فرحين…

        …ما عدا مريم، لأنها كانت تعرف في قلبها ما تفعله، كانت تطيِّب جسد السيد كمن يطيِّب جسدَ مَيْتٍ (يو 12، 7)، وكانت تعرف أن السيد سيبقى معها لوقت قصير "إنِّما تفعل ذلك ليوم دفني… أنا لست معكم في كل حين" (يو 12، 7 و8). ما أعظمك يا مريم!

        يوم انتقدتها أختها مرتا، لأنها كانت جالسة مولعة بكلام السيد (لو  10، 39) وقالت له: "قل لها لتقوم  وتساعدني" (لو 10، 40) دافع المسيح عنها وقال لمرتا: "مرتا مرتا، إنك مضطربة ومهتمة لأمور كثيرة، إنما الحاجة إلى واحد"،(لو 10، 40) و"مريم اختارت النصيب الصالح الذي لا ينزع منها." (لو 10، 42).

        كان بيتُ مرتا ومريم مرفأً عظيمًا للراحة والمحبة والخدمة. وخدمة مرتا كم هي مهمة… كم هو مهم  أن تعد مائدة طيبة وجميلة ولائقة للسيد…

        ولكن كم كانت مريم هادئة هانئة، وصلتها بالسيد منحتها هذا الإصغاء وهذا الصفاء في الاختيار. يا لَهَذا الانشغال الثمين!

        إنَّ اهتمام قلب مريم بكلمات الله كان أثمن من كل اهتمام في نظر يسوع…

        طوبى لك لأنك عرفتِ اختيار النصيبَ الصالح الذي لا يمكن لأحد أن ينزعه منك (لو 10، 42). كنت أول امرأة تعلّم الصلاة في المسيحية، أنت علمتنا جميعًا أن نجلس عند قدميه لنتعلم أن نستمد حبًّا من حبه، وكلمةً من كلماته.

        مريم التي تعرف محبة يسوع لها، كانت محطمة القلب، ومتحيرة، لأن السيد لم يسرع إلى نجدتها حينما أرسلت في طلبه لتخبره أن أخاها لعازر مريض(يو 11، 3)، وحزنت أكثر لأنه مات فيما بعد (يو 11، 14).

        لكن موت لعازر أظهر كم كان المسيح إنسانًا في بكائه عليه… وكانت مريمُ شاهدة على دموع السيد (يو 11، 35)… ما أعظم دموع يسوع  التي رأتها مريم. طوبى لك يا مريم لأنك رأيت المسيح إنسانًا كاملاً في بكائه وفي فرط محبته لأخيك!

        اليومَ، مريمُ حاضرةٌ بقلب عامر بالحبِّ… ساجدةً عند قدميه تدهنهما بطيب ثمين. لم يفهم أحدٌ ماذا تفعل، حتى التلاميذُ عجزوا. حكم الجميع على محبتها بقسوة، واغتاظوا، ودانوا تصرفاتها. وحده المسيح قال: "إنما فعلت ذلك لتكفيني." (متى 26، 12)

        طوبى لك، لأنك أول امرأة فَهِمَتْ وسَجَدَتْ… كم أنت  مخلصة في سجودك…

        مريم هذه المرأة الشجاعة المحبة، نموذج في الإيمان والرجاء.

        ما أعظم حبَّ هذه المرأة للسيد المسيح و اهتمامها به.

        اليوم، كما أمرنا السيد، نحيي ذكراك في هذا العيد المجيد، عيد الشعانين (متى 26، 13).

        عطور مريم كانت تمهيدًا لشعانين عظيمة، لمجد عظيم. هوشعنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب… الرب هو  الله وقد ظهر لنا.

        عيد الشعانين بأغصان الزيتون هو عيد السلام. بسعف النخيل هو عيد التمسك بالرجاء والمحبة. هو عيد ترحاب القلوب بقدوم السيد إلى أورشليم، قدس أقداسنا، هو ترحابنا بعيد قدومه اليوم إلى حياتنا.