الروح والنفس البشرية

 بقلم نيران اسكندر

 خلق الله الإنسان، ذكرًا وأنثى، وجعل له جسدًا من لحمٍ ودم بأعضاءٍ مختلفة (الجسم)، وجعل له أفكارًا متنوعة وأحاسيس مختلفة ليشعر بذاته وبالآخر وليعرف الله ويحبّه، وأَعطى لكل عضو من هذا الجسم ولكل فكرٍ وإحساس قوّة تتفاوت من إنسان لآخر ومن عضو لآخر حسب ذات الإنسان.

 بدأت الحياة في الإنسان من نسمة الحياة [المعونة الإلهية] التي نفخها الله بآدم، فبواسطتها فتح آدم عيناه وإستطاع أن يرى الله ويسمع كلمته وأصبح نفسًا حية على صورة الله إذ يحيا بنفس الله الحي ليكون على مِثاله قدّوس (تكوين 2: 7، قولسي 3: 10، أيوب 32: 8). ولقد أعطى الله الإنسان حرية الإختيار، فكان له أن يختار بين طاعة كلمة الله أو عدم طاعته. وحين أكل من شجرة معرفة الخير والشر أصبحت له المقدرة على التمييز بين صوت الله وصوت الشيطان فلم يعُد هناك مجال للوم أحد إن أخطأ الإنسان، وإن كان الشيطان هو المُحرِّض على الخطيئة، وخاصة بعد أن إستمرّ الله في إسماع كلمته للإنسان. وبسبب الخطيئة، حكم الله على الإنسان "النفس البشرية" أن يموت فيعود الجسد إلى تراب وتعود نسمة الحياة إلى الله. ومن محبة الله للإنسان الذي خلقه وأراد له أن يعيش معه على الدوام ومن أجل الإنسان الذي أحب الله بكلِّ كيانه، إتّخذت هذه النسمة صورة هذا الإنسان أمام الله كجسد نوراني لتعيش مع الله في ملكوته السماوي بعد أن عاشت معه بكل ذاتها وكيانها في ملكوته على الأرض المبني على أساس "المحبة" (1 قورنتس 15: 44-53). ولقد عُرِفت هذه النسمة بـ"روح الإنسان" (تكوين 25: 7-8، عدد 20: 3 و 28-29، مرقس 15: 37، طيموتاوس 4: 22) أو "النَفَس الأخير". وهذه الروح هي أيضًا "نفْس" بمعنى أن كل إنسان وُلد على الأرض هو نفسًا على الأرض كما سيكون بعد الممات نفسًا في السماء فيُقال على سبيل المِثال "الأنفس المطهرية". وكما الجسد، فإن النفْس [أي الكيان والذات] التي علِمت بوجود الله ولكنها لم تؤمن ولم تعمل بوصاياه ولم تندم على ذلك فإنها حين يموت الجسد تموت موتًا أبديًا، فروح الإنسان أبدية إما مع الله في مسكنه وتدعى روحًا حية، أو مع الشيطان في مسكنه وتُدعى روحًا ميتة. ولكون الله قدّوس ولا يستطيع أحد أن يقف أمامه والعيش معه دون أن يكون خالٍ من الخطيئة، فكانت محبة الله الآب ونعمة الله الإبن وشركة الروح القدس الكائنة منذ الأزل مع كلّ من آمن بمحبة الله له وبخلاص النفوس فخلص (2 مكابيين 7: 1-23). فالمسيح الذي تجسّد من أجل خلاص الإنسان قد مات ووطيء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور (متى 27: 50-54).

 ويمكننا القول: خلق الله النفس البشرية الحيّة من جسدٍ وروح مكمّلان لبعضهما البعض وبهيئتين ينفصلان عن بعض بالموت الجسدي (مرقس 15: 37، لوقا 24: 36-39)، فتنطلق الروح الحية إلى خالقها لتكون في القيامة كالملائكة في السماء (متى 22: 30-32) ويعود الجسد إلى التراب (تكوين 3: 19) إلا إن شاء الله أن يرفع الجسد [الجثة] والروح معًا إليه بعد موت الجسد أو بدون موت الجسد (تكوين 5: 24، 2 ملوك 2: 11، يهوذا 9). لكلا الهيئتين إحتياجات ورغبات وأفكار وحواس وسلوك إما متضاربة أو متّحدة تعكسها أفعال الجسد وحسب قوة أحدهما على الآخر في حالة كونهما متضاربتان. ولقد أعطى الله لكلٍ منهما لباسًا وغذاءًا للنمو وقواعدًا للبقاء على قيد الحياة ومنع المرض إذا كان ذلك ممكنًا، إذ كلا الهيئتان معرّضتان لكي تُصاب بالمرض وأحيانًا بالغيبوبة وهناك وسيلة للشفاء واليقظة. من خلال كلمة الله، غذّى الله أرواحنا، ووضع بذرة الحب في قلوبنا لمعرفة إحتياجات أنفسنا والآخرين الجسدية والروحية (متى 5: 3-11، 25: 35-36) لمساعدة بعضنا البعض عمليًا وبالمشورة الصالحة النابعة من كلمة الله للبقاء على قيد الحياة والعيش إلى الأبد. وتعتبر الروح وعاءً لعدة أرواح منها ما هو روح من الله: روح حكمة، روح معرفة، روح تواضع، روح محبة … [مواهب وخصائص الروح القدس]، ومنها ما هي أرواح شريرة من الشيطان: روح كذب وخداع، روح كراهية، روح تكبّر … إلخ، أو كالتي أخرجها الرب يسوع من بعض الناس. ونحن نُصبح أبناءًا لله حين تخضع روحنا لِقِيَادَةِ رُوحِ اللهِ (يوحنا 3: 4-8، رومة 8: 9-14)، عِلمًا بأن النسمة الأولى التي تُعطي الحياة لهذه البنوة [إي العيش بروح المسيح] هي أيضًا من الله: الروح القدس (لوقا 1: 35). هذا، ويعمل الروح القدس في قلوبنا/فكرنا فيُبكِّت الإنسان على الخطيئة لعدم الإيمان بالسيد يسوع المسيح [أي طاعة كلامه] (يوحنا 8:16)، ويُحرِّضنا على الندم والتوبة ويُذكِّرنا بكلمة الله.

  إن الإنسان الذي لا يعرف الله لا يؤمن بوجود الروح بداخله، أما للإنسان المؤمن فإن الروح وإن كانت لا تُرى بالعين المُجرّدة فهي تُمثَّل بالأمور المعنية بالله التي يحملها فِكره طالما كانت هناك نسمة حياة في الجسد. ونستطيع القول بأن "القلب بكلِّ أحاسيسه وحواسه" هو دالة للروح أو باطن النفس البشرية التي تولد عند مولد الجسد وتبدأ بالنمو السليم حين يُدرك الإنسان وجود الله ويعمل على طاعته. ولأن الله "محبة" فبالفطرة تعمل البشرية بروابط المحبة وإن لم تُدرك الله.

  من خلال الكتاب المُقدّس، أعطى الله مصطلح "الروح" للأفكار التي بداخل الإنسان والتي تُكوِّن شخصيّته وذاته ورمز لها بـ"القلب" لما لها من أهمية للنفس البشرية فهي كالقلب للجسد، ووظيفة هذا "القلب" كوظيفة العقل بالجسم: يستقبل المعلومات ويُخزِّنها ويُحلّلها ويُصدر الإشارات لباقي أعضاء الجسم. وهذا هو "القلب" الذي يودُّ الله أن يكون مستقيمًا فيُخلِّصه ويكون سنده (مزمور 7: 11)، وبعمل روحه القدّوس يخلق الله فينا قلبًا نقيًّا طاهرًا وروحًا مستقيمة ثابتة (مزمور 51: 12-13، حزقيال 11: 17-20).

  وعلى غِرار "النفس" والتي تعني "حياة" (تكوين 9: 5)، أُعطى أيضًا مُصطلح "النفس" [باللغة العربية] للمبدأ الذي يتّخذه الإنسان لأسلوب حياته أي "مَن أنا"، وبالنسبة للروح فهذه النفس هي ليست مجرّد قوانين جامدة بل هي مشاعر حية تسري في داخل الإنسان الحي. ورمز الله للنفس بـ"الدم" لما لها من أهمية فهي كالدم للجسد، إذ قال الله بأن "الدم هو النفس" (تثنية الإشتراع 23:12)، فالجسد بلا دم هو إنسان ميت لا حياة فيه. وأعطى الله للدم أهمية بعلاقته مع الإنسان: فدم ذبيحتيْ الخطيئة والإثم يُرش على المذبح للتكفير عن الخطيئة وللتقديس (الأحبار 6: 17-23، 7: 1-6)؛ وكذلك بالدم يُبرم/يُوثّق العهد بين الله والإنسان (خروج 24: 6-8، عبرانيين 9: 15-28). والمفهوم العلمي لدينا بأن الدم يجري في عروقنا ناقلاً أساس الحياة من أوكسجين ومضادات حيوية وغذاء إلى كافة أنحاء الجسم ونازعًا منه السموم. وإن تكلّم الله عن النفس كدم الروح، فهي الوسيلة التي تنقل الحياة لروح الإنسان وتعالج أمراضها. وللتوضيح: نحن نقول للحبيب: "أنّك في قلبي ومحبّتك تجري في عروقي"، ومن هنا، فإن الدم الذي نود أن يجري في عروق روحنا لنكون أحياء هو "محبة الله" أي نفس المسيح واهب الحياة الذي يحمل معه مواهب الروح القدس إلى كافة أعضاء روحنا فنُثمر ثمارًا تُسعد الله لأن الله في قلوبنا؛ وبمعنى آخر: من دون محبة الله نحن أموات روحيًا؛ فحين يتوقّف القلب عن الخفقان مما يؤدي إلى عدم سريان الدم إلى أعضاء الجسم فإن ذلك يؤدي إلى الوفاة. إن إيصال أساسيات الحياة من الأوكسجين والغذاء والمضادات الحيوية إلى أعضاء الجسد يؤدي إلى النمو والقوة الذي يُقاوم به الضعف والأمراض، وعلى غرار ذلك فإن إيصال نعم الله للروح يؤدي إلى السمو والسلام. ولعل كلٌ منا، نحن المسيحيين، علينا أن تكون فينا روح القديس يوحنا المعمدان فنُردد ما قاله "لا بُدّ له من أن يكبر. ولا بُدّ لي من أن أصغر" (يوحنا 3: 30)، فنقول لذاتنا التي تسري في عروقنا "أنّ عليكِ أن تصغري، وأنْ تكبر نفس المسيح فيَّ ويتملّك عليَّ"، وحينها نردد ما قاله القديس بولس الرسول: "فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيحُ يحيا فيَّ" (غلاطية 2: 20)، ونفهم ما عناه الرب يسوع بكلامه مع فيلبّس بأن الآب المُقيم فيه هو الذي يعمل أعماله (يوحنا 14: 8-31) وكيف نعمل نحن أعماله بوجوده ووجود محبته فينا (يوحنا 17: 26). وكما أن هناك أمراض بالدم كالتسمم والخثرة ونقص كريات الدم الحمراء أو تكسّر كريات الدم البيضاء … إلخ، كذلك نفهم بأن أنفسنا مُعرّضة للمرض وقد تفقد الحياة وتهلك وتموت؛ وتأتي أمراض النفس حين نتّخذ من غير الله إلهًا فنعبد الأصنام أو المال أو الذات، ومن هنا كانت "طاعة الحق" أي طاعة كلمة الله تُطهِّر النفوس (1 بطرس 1: 22)، فالنفس الطاهرة هي النفس التي تعمل بوصايا الله: محبة الله فوق كلّ شيء ومحبة الآخرين كمحبة الذات. والنفس السليمة من الأمراض تساعد الروح على طرد الأرواح الشريرة منها كما يطرد الدم السموم الغازية والسائلة والصلبة من الجسم. ولقد أخبر السيد يسوع المسيح بأن "مبدأ الحياة الشخصي" للإنسان والعمل به هو المهم لدى الله وهذا المبدأ عليه أن يكون مطابقًا لما في قلب الله ليكون حيًّا وإلا أُعتُبِر ميّتًا، إذ أوصانا قائلاً: "لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس" (متى 10: 28). ولعلي أسأل نفسي: ماذا يجري في عروقي، أحُبُّ الله أم شيئًا آخر؟ هل أُحبُّ الله بأمانة؟ أحزينةٌ أنتِ يا نفسي لأنني أريد أن أعمل مشيئتي لا مشيئة أبي السماوي؟ أم عظّمْتِ ومجّدْتِ الله بطاعة كلمته! أأكون من دون محبة فأُصبح نحاسًا يطنُّ وصنجًا يرنُّ كما قال القديس بولس الرسول! (1 كورنثوس 13: 1-8).

  روح الإنسان الحيّة تولَد [بمعنى أن تبدأ بمعرفة الله ومحبته حسبما خبّر إبنه الحبيب] من الروح القدس بسرِّ المعموذية، ومن ثم تتغذّى وتبدأ بالنمو وتكبر بكلمة الله بنوعيها: اللامرئي أي فكر الله الذي أوحى به الروح القدس لكاتبي الكتاب المُقدّس، والمرئي أي الكلمة المتجسدة بالرب يسوع وفي سرّ الأفخارستيا المُقدّس؛ كما أن الجسد يتغذّى بنوعين: اللامرئي أي الهواء، والمرئي أي المأكل والمشرب. كلمة الله هي التي تضع الفاصل بين أعمال النفس وخبايا الروح عند الله الذي لا يخفى عليه شيء فيعرف الحب الذي بلا رياء من عكسه، كما قال القديس يولس الرسول: "أَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ" (عبرانيين 4: 12). ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا صلّى القديس بولس الرسول إلى الله من أجل أهل تسالونيقي قائلاً: "قدَّسكم إله السلام نفسه تقديسًا تامًّا وحفظكم سالمين روحًا ونفسًا وجسدًا" (1 تسالونيقي 5: 23). ولعلنا نفهم بأن بدون الله وبقاءه معنا وبقائنا معه فلن تكون لنا حياة؛ وبأن طاعة كلمة الله والعمل بمشيئته هو طعامنا اليومي لتسامي أرواحنا (لوقا 2: 46-51 و يوحنا 4: 31-34).

  كمسيحيين، نحن نعلم بأن هناك أمورًا لا تُرضي الله؛ والإنسان الذي يعمل بهذه الأمور يُسمّى إنسان جسدي ويعمل بحسب الجسد، أما الإنسان الروحي فهو يعمل بحسب الروح [أي روح الله]. وعليه، فالإنسان يحصد ما يزرعه:

1.                      هناك نوعين من الحصاد حين نزرع للروح: (1) ثمر الروح وهي أعمال أو صفات يتمتع بها من سلك بالروح وليس حسب مشيئة شهوات الجسد، وبها يعيش الإنسان الحياة الأبدية وهو على الأرض لأنه عرف الله (غلاطية 5: 22)، ومن هذه الثمار يُعرفون أبناء الله، و(2) الحياة الأبدية مع الله بعد الموت الجسدي.

2.                      هناك نوعين من الحصاد حين نزرع للجسد: (1) نعيش بالزنا، نعبد الأوثان (ومنها عبادة المال)، نؤمن بالسحر، نحسد ونُخاصم … إلخ (غلاطية 5: 19-21)، و(2) لا نصبح أبناء الله بعد الممات.

  كمسيحيين، يمكننا أن نعيش حياتنا من دون إدراك بأننا لا نفعل ما طلبه الله منّا، وهذا سلوكًا غير صحيح، فعلى سبيل المثال:

· يمكننا أن نُمتِّع أنفسنا دون الأخذ بعين الإعتبار رعاية الفقراء، علمًا بأن الأكثر فقرًا من جميع الفقراء هو الذي يقف على أبوابنا في إنتظارنا أن نفتح له، أي السيد المسيح الذي قال بأنه عطشان وبحاجة منا إلى تزويده بآذاننا اليقظة وقلوبنا؛

· يمكننا أن نعمل جاهدين لتزويد أسرتنا بما يكفي من المال لجعلها تعيش في معايير جيدة، ومع ذلك يمكننا أن ننسى أن نأخذها إلى الكنيسة أو قراءة الكتاب المقدس؛

· يمكننا أن نتشاجر ونتخاصم مع شريك حياتنا أو مع الأهل أو الأقرباء حول أي موضوع ونُنهي علاقتنا مع بعض دون أن نتذكّر تعاليم الرب يسوع عن الصفح؛

· يمكننا أن نجعل \’المال\’ كدافع لحياتنا؛

· يمكننا أن نكون بسهولة حجر عثرة في طريق الإيمان لمن حولنا بما نقوم به من أعمال وننطق به من أقوال؛

· يمكننا أن ننسى واجباتنا تجاه الله وتجاه الناس المحيطة بنا بسهولة (الأباء والأمهات وشريك الحياة، الأطفال… إلخ)؛

· يمكننا بسهولة أن نُعمي أعيننا عن رؤية أخطاءنا؛

كمسيحيين، نحن نفهم بأن العيش بجسدٍ مُدنّس سيُسفر عن روحٍ خاطئة؛ ويمكن أن يكون لمعظمنا جسدٌ غير مُدنّس وروحٌ خاطئة وذلك لأن حبّنا لله هو حبٌ فاتر يعكسه عدم محبّتنا للآخرين وعدم الإهتمام بمعرفة كلمة الله (سفر الرؤيا 3: 14-22) [أعضاء كنيسة اللاذقية]. وبالإمكان أن نسأل هذه الإسئلة ونُجيب:

· ما هي الأشياء التي تُدنس الجسد وبالتالي روح الإنسان؟

"شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغِنى" — وهذه الشهوات إن كانت شهوات دنيوية فإنها يمكن أن تؤدي إلى محبة الثروات الدنيوية أكثر من الله وعدم الإتكال عليه، وبالتالي عصيان كلمة الله، والكذب، والسرقة، والزنا، وإشتهاء متلكات أشخاص آخرين، والقتل (1 يوحنا 2: 15-17، رومة 8: 12).

وبالتالي فإن \’غسل الأمور التي تلوّث الجسد\’ هي: تحويل الرغبة في القلب والعين نحو السماء، وإستثمار النعم التي أعطانا إياها الله بحكمة وبروحٍ متواضعة: المال، الذكاء، والشجاعة، الخ؛ وفي هذه الحالة سيتم تلقائيًا تقديس الروح حتى لو سُمّينا بـ\’الوكيل الخائن\’ من قِبل سيد هذا العالم (لوقا 16: 1-13).

· ما هي الأشياء التي تلوث روح الإنسان دون تدنيس الجسد؟

الإنصياع للوصايا العشر ولكن دون القيام بأعمال المحبة والرحمة أو أعمال خيرية أي إعلان محبة الله وتوفير المأوى والمأكل والمشرب والكساء والمال للفقراء جسديًا وروحيًا [أي محبة الجار/الآخرين كما محبة الذات]. بعبارة أخرى: أن يكون الإنسان غير مثمر روحيًا.

وبالتالي فإن \’غسل الأمور التي تلوّث الروح\’ هي عملية تغيير القلب نحو معرفة الله فشكره والتّشبه به من حيث الرحمة والوداعة والتواضع كما قلب يسوع المسيح (متى 5: 1-48)، أي أن نولد من الروح فتمتليء قلوبنا بمحبة الله بقوة الروح القدس ونعمل بحسب كلمته، وهذا سوف يُقدِّس روح الإنسان بالإضافة إلى الجسد.

 أراد الله أن يطبع شريعته بقلوبنا ويُرغِّبُنا بعمل الخير، ولعل ما كتبه القديس بولس برسالته لأهل رومة الإصحاح السابع من الآية الرابعة عشر إلى الآية الخامسة والعشرين (رومة 7: 14-25) تجعلنا نقف لحظة لنُفكّر بين روحنا/الأفكار التي يُناجيها الروح القدس لتعمل الصلاح وبين جسد الموت أي الأعضاء التي تعمل بناموس الخطيئة المتمثّلة بالضمير الميت الذي يُحارب الشريعة التي بالعقل أي الشريعة الروحية، ونستطيع أن نُجري على سبيل المثال هذه المحاورة بين روحنا وضميرنا:

حوار بين الروح والضمير

الروح     : (طق طق)

الضمير   : من هناك؟

الروح     : أنا، روحك.

الضمير   : ماذا تريد؟

الروح     : أني جائع، أني عطشان، أني مريض، أني عريان أحس بالبرد، وهنا ظلامٌ شديد.

الضمير   : حسناً، أني لا أشعر بشيء. أنا بحالة جيدة، ولديَّ الكثير من المأكل والمشرب. لديَّ كل ما أحتاج إليه ليجعلني أحس بالدفء، والأمر عائدٌ لي لأُضيء النور هنا أو أُطْفِأه.

الروح : وماذا عني؟ هل نسيتني؟

الضمير   : آه، لربما … لربما. أني مشغولٌ جدًا مع آخرين، ولا أعتقدُ بأني أسيءُ إليك.

الروح     : أني أشعر بحزنٍ شديد لأنك لا تفعل شيئًا من أجلي ولا تعتني بي.

الضمير   : حسناً، إذا إعتنيت بجسدي فإني أعتني بك.

الروح     : أنت مخطأ. جسدُك سوف يموت ويعودُ إلى التراب، ولكني أنا من سيعيش إلى الأبد مع الله. أنا أحتاج للغذاء للبقاء حيًا، وأحتاج إلى دواء لأشفى. كما أحتاج للضوء ليُنير لي الطريق للحياة الأبدية.

الضمير   : لا أفهم. لقد سمعتُ هذه الكلمات من قبل، إما من أهلي أو في الكنيسة. ولقد مضى وقتًا طويلاً منذ أن ذكّرني أحدٌ بك.

الروح     : لقد أهملتني. لا تلوم أحد. أني أشعرُ بالضعف، ساعدني، أني أموت!

الضمير   : أعِدُك بأني سأطلب المعونة، وفي هذه المرة سأعمل جاهدًا لأُعيد لك الحياة. سأفتحُ قلبي لتقبّل كلّ النصائح.

الروح     : أشكرك. وتذكّر: لو كنتُ حيًا فسأضع الحياة في روح أبنائك.

الضمير   : واو. يا لها من مسؤولية كبيرة تقع على عاتقي. لابد من إخبار أصدقائي.

 

لنُصلِّ (دعوة إلى الروح القدس):

 ربي وإلهي … يا مَن بمواهب روحك القدوس تُرشد المؤمنين إلى كمال النور والحق، هبنا أن نتذوق بروحك القدوس طعم الحكمة الحقيقية ونتمتع دائمًا وأبدًا بمعونتك الإلهية بربنا يسوع المسيح لأن بك ومعك نجِدُ سعادتنا.

 ربي وإلهي … إن نفسي هي قلبي وما بباطني أقدِّمها لك فإجعلها مُلكًا لك. آمين.