العـــــــائلـــــــة الــمــقـدســـــــة

الشماس نبيل حليم يعقوب

لوس انجلوس

فى يـوم عيد العـائلة الـمقدسة[1] والذى يقع فى يوم 28 ديسمبر،تضع الكنيسة لنا نـموذجـا لأسرة مكونة من عائل وأم وإبن من أب كُلّف من قِبل الله برسالة..هي رعاية الأسرة وحمايتها والعناية بها.

أب – يصفه الكتاب بأنه "بــار" (متى 19:1).

ومن أم –  أُختيرت منذ الأزل لتكون أمـاً لإبن عجيب. أم تقبل فى تسليم تام مشيئة الرب. أم كانت تحقظ الكلام كله فى قلبها وتتفكر به..أم يصفها الكتاب بأنها "الـممتلئة نعمة" و "الـمباركة بين النساء".أم تتمم الرسالة حتى بعد إنتقال عائلها وموت إبنها موت العار،فتعمل حتى يومنا هذا على تمجيد الله تعالـى.

ومن إبن – فى الـمفهوم البشري "كان يتقدم فى الحكمة والسن والنعمة أمام الله والناس".

مـن إبن "كان خاضعاً لأبواه".من إبن يحرص لأن يتمم مشيئة أبيه السماوي،محبـاً للأخرين وجالساً بين المعلمين يسمعهم ويسألهم.من إبن يصفه الكتاب بأنه "قدوس القديسين"،"الـمبارك"،و" إبن العلي".

أســرة مـتاحبة، مقدسة،منفذة للشريعة والوصايا والأحكام الإلهية، فتذهب لتقدمة الإبن البكر الى الله فى الهيكل وتذهب الى الهيكل كل سنة فريضة واجبة.

أســرة متـماسكة، فيهـا زوجة تحترم رجلها،طائعة لـه، قانعة، متواضعة، مُحبة، خـادمة، فإستحقت أن تُمدح أعمـالها على الأبواب كما يعلن سفر الأمثال وتطوبها جميع الأجيال.

أسـرة تُنشئ إبنها فى جو روحي جعل الناس بعدها يتعجبون من أين له هذه الحكمة.

أســرة يجمعها حب الله.

أب تحدثه السـماء فيلبي طائعـاً،مؤمناً،منفذاً أحكام الله.

أم تحـييها السـماء فتلبي دون تكبـّر نداء السماء وتعلن دائما أنها "آمة للرب".

وإبن خاضعا وباذلا ذاته ليخلص شعبه من خطاياهم،فإسمه يسوع،فتمجده السماء وتسبّح له المـلائكة ورؤساء الـملائكة وكل الطغمات السـماوية.

فلنتأمل بإرشاد الروح القدس فنعمـل مقارنة بسيطة للغاية بين تلك العائلة..العائلة الـمقدسة والـمكونة من يسوع ومريم ويوسف وبين عائلاتنا – تلك العائلة الـمَدعوة بأن تكون عائلة مسيحية.

الأســرة فى الـمفهوم الـمسيحي هي كنيسة صغيرة إذ يقول الرسول بولس "الى فليمون المحبوب..والى الكنيسة التى فى بيتك" (فليمون 2:1).

والأسرة فى الـمفهوم الـمدني هي الخلية الأولى التى تكون الـمجتمع، ومن مجموع الأسر ينشأ مجتمع صحي،إجتماعي،ديني يعمل على إسعاد أفراده.

الأســرة الـمـسيحية لـهـا صفات أسـاسية مـحددة،وسنركز فقط على أربع صفات منها:

1– يـجب أن تــكون مقدســة

القداسة فى اللغة العبرية "قدش" وفى اليونانية "أجيوس" وكلاهما تعني "مفرز من الله" أو "مخصص لله" تماما كالعشور "قدس للرب"، أو الأواني الـمستخدمة على الـمذبح فهى "مقدسة للخدمة" ، أو كاهن العهد القديم الذي كان يحمل علامة على عـمامته “قُدس للرب”.

القداسة..فيها يُفرز الإنسان نفسه عن الـمسيرة الطبيعية لأهل العالـم ويُخصص القلب للرب.

هذه القداسة بنعمة الرب وجهاد الإنسان معاً هي مطلب الرب "كونوا قديسين كـما أن أباكم هو قدوس"،وهي ميدان هام للشهادة للرب إذا يرى الناس ان هذه الأسرة الـمباركة مقدسة "فيمجدوا أبانا الذى فى السموات" (متى 16:5).

فهــل نجد فى أسرنــا،أسرة مسيحية يـمكن أن تعلن عن الله بأعمالهـا وتقواهـا وخدماتها؟

الأسرة الـمسيحية ليست بالـجاه ولا بالـمال ولا بكثرة البنون ولا بكثرة الـمناصب فيها، بل بكون الأسرة "أنـموذجا"،"وسيلة إيضاح" لعـمل الله وكأيقونة تشرح فعل الروح القدس. أسرة أمام الناس وأمام الله تعلن دائما بأعمال أفرادها عن إيمانهم وعن فعل الرب فيتمجد الله دائما وللأبد.

فى رسالة القديس بولس الرسول نجد توضيح عن العلاقة ما بين الرجل والـمرأة داخل الأسرة الـمسيحية ، وإبتدأ بالزوجة وشرح واجباتها وتلاها بواجبات الرجل ثم الأبناء.

شبه الرسول الزوجة بالكنيسة والرجل هو الـمسيح فى البيت، وطالب الرجل والـمرأة بـمسؤليات محددة كـما صنع الرب يسوع الى كنيسته،فالـمسيح أحب الكنيسة وبذل نفسه من أجلها.

"فقدسها مطهراً إياها بغسل الـماء وكلمة الحياة ليهديها لنفسه كنيسة مجيدة لا كلف فيها ولا غضن ولا شيئ مثل ذلك بل تكون مقدسة منزهة عن كل عيب" (أفسس 36:5-37) .

فالرجل يعمل على تقديس كنيسته،أي إمرأته وبيته باذلا كل نفيس من أجلها

وتعمل الـمرأة على تقديس كنيستها،زوجها وبيتها باذلة نفسها وخاضعة بإيـمان.

فإذا كان فى البيت فيه دنس،فهل نقدر أن نقول أن الأسرة مقدسة،أعني مسيحية؟

فإذا كان فى البيت فيه عدم محبة،فهل نقدر أن نقول أن الأسرة مقدسة؟

فإذا كان فى البيت عدم مخافة للرب،فهل نقدر أن نقول أن الأسرة مقدسة؟

فإذا كان فى البيت عدم طاعة للوصايا،فهل نقدر أن نقول أن الأسرة مقدسة؟

فإذا كان فى البيت عدم إحترام وشتيمة وسب ما بين الأفراد،فهل نقدر أن نقول أن الأسرة مقدسة؟

هـل نقدر أن نقول على أسرة لا تحضر الى الكنيسة ولا تقوم بالخدمة ولا تعطي العشور من الوقت والـمال والجهد، ولا تصلي ولا تحب الأخرين ولا تجتهد فى الروحيات من صلوات وأصوام ومذبح عائلي ومن إتكال كلي على الرب، انها أســرة مقدسة؟

نحن الـمغتربون الذين تربينا فى مصر ووجدنا أباء وأمهات حريصين على الذهاب الى الكنيسة والخدمة فيها ومساعدة الفقراء والصلاة فى كل الأوقات،كان لا يمكن لجيلنا هذا الذى حضر الى أرض الغربة أن يحرص على أن تكون له كنيسة،بيت للصلاة يسبّح فيه الرب لو لم نكن قد نشأنا فى أسر مسيحية مقدسة.

هل نحرص حقا على أن نكون أسرة مقدسة،مـسيحية؟

العائلة الـمقدسة التى فيها يسوع أولا فيقدسها.

العائلة المقدسة والتى فيها ثانيا رجلها بــاراً وخادمــاً للرب ولكنيسته

وثالثا،العائلة المقدسة لأن إمرأتها قديسة ومطيعة.

فهــل يسوع فــى بيتك؟

وهــل تشهد أسرتك بأن يسوع حي فيها ويعمل فيهــــا؟

2– يجب أن تكون مـــتـــحــابـــــة

صفات الـمحبة الكنسية موصوفة فى الإنجيل فى أشهر إصحاح -الإصحاح الثالث عشر من رسالة القديس بولس الرسول الى كورنثوس الأول،والتى فيها "المحبة تتأنى..وترفق.." وملخصها:

الـمحبة تـحتـمل كل شيئ

        تصدق كل شيئ

        تــرجــو كل شيئ

      وتصـــبر على كل شيئ…

والعائلة المقدسة- احتملت سيف الإتهام والإغتراب والفقر والحياة فى قرية قيل

عنها "لايخرج منها شيئ صالح"،وسيف الإضطهاد والهزء وحتى موت العار.

والعائلة الـمقدسة-صدقّت كل شيئ ففي أربع ظهورات سمائية واحدة لمريم فصدقتها وأعلنت انها آمة للرب ،وثلاثة ليوسف فصدقها وتمم ما أراده الرب.

والعائلة الـمقدسة- ترجّت كل شيئ فقد كان رجاؤها ان يعمل يسوع إرادة الأب السماوي،" وقالت أمه للخدام مهما قال لكم فإفعلوه".

والعائلة الـمقدسة – قد صبرت على كل شيئ فقد صبرت على فقرها ولم تتذمر ولم تجد من يكرّمها طوال تواجدهم على الأرض.

فهل نجد فى أسرنا تلك الـمحبة التى تحتمل وتصدق وترجو وتصبر على كل شيئ؟

الزوجة وعدم الصبر فى حالة الـمرض او قلة الـمورد أو لا تحتمل عدم محبة بعض الأقارب.

الزوج وعدم التقدير لـمتاعب ومسؤليات الزوجة.

الأبناء وتدليلهم الزائد عن الحد وطلباتهم التى لا تحترم الحالة المادية للوالدين او عدم إكتراثهم.

أســرة متـحــابـة لها رجــاء واحد،هو تتميم إرادة الرب فى الزواج من تنشئة جيل مقدس.

أم أن هناك غرض أخر خاص لكل فرد فيها،من غنى وشهرة ومـجد عالمي؟

لـماذا نجد الطلاق فى أيامنا هذه يزداد؟.لـماذا يـبحث كل طرف عن مشكلة او يختلق من الأسباب لكي يفرقوا الجسد الواحد الذى جمّعه الله؟

لــماذا تـخلينا عن محبتنا الأولى؟.لـماذا سمحنا للشيطان أن يفرّق أسرنا؟.ألا يكفى تلك الحية القديمة انها فرّقت ما بين آدم وإمرأته والله؟.

جعلنا العدو يعبث بنا وباتت الأسرة مفككة وحزينة.

أي مشكلة تواجه الأب او الأم يذهبوا سريعا الى المحاكم الـمدنية وطلب الطلاق أسوة بأخوتنا المسلمين الذى أعطتهم شريعتهم هذا الطريق،ونسوا أو تناسوا انهما لا يخضعان لشريعة أخرى سوى شريعة الحب.

تلك الأسرة التى يتبادر على الفور فكرة الطلاق عند أفرادها، لا يمكن أن تكون أسرة مسيحية لأن يسوع ليس ساكناً فيها،فالـمسيح يسوع علّـمنا انه ما جاء "ليُخدم بل ليخِدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين” (متى 28:20) فالـمسيح يجب أن يكون أولاده فى غاية من إتساع القلب ونشر الحب وتقديم الخدمة بروح إيجابية.

يقول أحد الأباء ان دخول الكراهية قلب إنسان معناه خروج الله من هذا القلب لأن الله محبة.

نسي الرجل هذا القول " المرأة..هى عظم من عظامي ولحم من لحمي صنعها

الرب الإله لتكون معينا نظيراً لأدم" (تكوين 18:2-21)!

لهذا فالرسول بولس يحث الرجال "أن يحبوا نساءهم كأجسادهم،من أحب امرأته أحب نفسه فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يغذيه ويربيه كما يعامل الرب الكنيسة"(أفسس 28:5)، ويطالب الرسول بولس النساء أن "ايها النساء إخضعن لرجالكن كـما ينبغي فى الرب" (كولوسي 3) ، ويطلب من الأبناء "ايها البنون أطيعوا والديكم فى كل شيئ فإن هذا هو الـمرضي فى الرب” (كولوسي 18:3-21).

فهل نجد فى أسرنا تلك الـمحبة؟

3– يعمل أفرادها على إحترام بعضهم البعض       

فى حادثة فقد الطفل يسوع فى الهيكل نجد مريم تقول لإبنها عندما وجدته:

" هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك" (لوقا 49:2)،مقدّمة ذكر الأب.انه إحترام لـمكانة الأب فى الأسرة فالأبوة عطية سماوية (أفسس 14:3). وأما عن يسوع فيقول الكتاب انه "كان خاضعاُ لهما"..انه إحترام لـمكانة الأب والأم فى الأسرة.

إحترام متبادل مبني على أساس المحبة،وليس مبنيا على أساس مال او لأن الزوج دكتور ولديه الـمال أو لأن الزوجة ذات حسب او ذات جمال.

إحترام مبني على الـمحبة والثقة فى فعل الروح القدس فى سر الزيجة.

عدم الإحترام عندما نتبادل الشتائم ونتصور ان أولادنا سوف يحترموننا.

عدم الإحترام أمام الرب فى الكنيسة ونتصور أن الأولاد سوف يحترموننا.

عدم الإحترام فى ملابسنا ونتصور أن الأولاد سوف يحترموننا.

عدم الإحترام فى معاملاتنا مع الكبار وخاصة الأباء او الأمهات ونتصور ان أولادنا سوف يحترموننا.

عدم الإحترام فى معاملاتنا مع الغير ونتصور ان أولادنا يحترموننا.

عدم الإحترام فى معاملاتنا مع الله فنكذب ونخاصم ثم نتقدم للـمائدة الـمقدسة بغير إستحقاق ولا ندفع العشور ولا نخدم الرب ونتصور ان أولادنا سوف يحترموننا.

4– الأسرة الـمسيحية تعمل على تنمية الحياة الروحية لكل فرد فيها

كل فرد يعمل على تنمية حياته الروحية الشخصية والعمل مع الأخرين على مساعدتهم فى الجهاد الروحي،كالتوبة والإعتراف والإستفادة من وسائط النعمة الـمتنوعة التى تقدمها الكنيسة كالإفخارستيا والصلاة وقراءة الكتاب الـمقدس وحضور الإجتماعات الروحية وقراءة الكتب الروحية والصوم ويعبر عن كل هذا بأعمال مقدسة حيث أن الأعمال هي ثـمرة الإيمان الـمقدس.

فيكون شعار الزوج الـمسيحي والزوجة الـمسيحية “أما أنا وأهل بيتي

فنعبد الرب" (يشوع 24)

وهدف الأسرة النهائي ان يقفوا جميعا فى السماء مرنمين الى أبد الأبدين "هانذا والأولاد الذى أعطانيهم الله" (عبرانيين 13:2)

الزوج-مسؤول أمام الله،مسؤول كالـمسيح الذى قال:"العمل الذى أعطيتني إياه قد أتممته"(يو 17). الزوج مسؤول كمسيح داخل الأسرة وقيادة بيته روحياونفسيا وجسديا،والكتاب المقدس يذخر بالوصايا للأب فى تربية الأبناء (يشوع بن سيراخ 30).

الزوجـة-مسؤولة عن البيت وجعله كنيسة وتعمل على تربية الأبناء فى المسيح،تتشاور مع زوجها فى كل الأمور.امرأة خاضعة لزوجها،ترعى مصلحة بيتها،متزينة بزينة لائقة،بسيطة،صالحة،فاضلة،وكما يعلن سفر الأمثال:"ان ثـمنها يفوق اللآلئ"(أمثال 10:37-21) .

من الذى حافظ على المسيحية فى روسيا ايام الشيوعية،هم الجدات والأمهات وبعد إنحصار الشيوعية فوجئ العالم بأن الكنبسة الروسية عامرة وذلك بفضل ما غرسته فى السر تلك الأمهات.

ومن الذى حافظ على المسيحية فى مصر سواء فى أيام الإضطهادات قديما أو حديثـاً،هم تلك الأمهات الـمؤمنات.

والأولاد-يلزم ان يطيعوا والديهم فى الرب وان يكرموا الأباء والأمهات حسب قول الكتاب الـمقدس: "فإن من أكرم أباه فإنه يكفر خطاياه ويمتنع عنها ويستجاب له فى صلاة كل يوم ومن إحترم امه فهو كـمدخر الكنوز" (يشوع بن سيراخ 1:3-5)، و"فإن بركة الأب توطد بيوت البنين ولعنة الأم تقلع أسسها"(يشوع بن سيراخ 11:3). ولا يجب أن ننسى ان إكرام الأب والأم هى الوصية الرابعة والتى جاءت بعد الثلاث وصايا التى تتعلق بالرب.

والى أبنائي وبناتي-لي نصيحة لهم ففى الإنجيل نقرأ ان يسوع كان يجلس بين الـمعلمين يسمعهم ويسألهم (لوقا46:2).لاحظوا هنا، من الذى يسمع ويسأل؟.انه يسوع الرب الذى منه الـمعرفة والحكمة،فلم يقل يسوع "أنا عارف"،بل جاء الى الهيكل يسأل الـمعلمين ويسمع لهم ليعلّمنا ان نأتي للكنيسة والتى تقوم بخدمة أبنائها فى فصول التربية الكنسية او فى إجتماعات النشئ والشبيبة والكبار،فتعالوا واسمعوا وإسألوا حتى يمكنكم أن تعملوا مشيئة الرب،فالكتاب الـمقدس يعلن: الإبن الجاهل كرب لأبيه ومرارة للتى ولدته" (أمثال 25:17).

والآن بعد أن عرفنا ما هى العائلة الـمقدسة،وما هى صفات الأسرة الـمسيحية،هـل لنا أن نعيد الـمفهوم الصحيح للأسرة الـمسيحية،الـمقدسة،الـمتحابـة,التى تحترم أفرادها وتعمل على التربية الروحية الأمينة لكل أفرادها،وليس فقط التربية الجسدية أو الذهنية أو الإجتماعية؟

فتزداد بهجة الرب بتلك الأسرة الـمباركة التى تـممت إرادة السماء،فيدعوها الرب لتحصل على إكليل المجد الذي لا يذوي الى دهر الدهور أمين.

__________________



[1] من كتاب "الزواج المسيحي" للمؤلف=2004