النظام الديمقراطي و التعليم الاجتماعي للكنيسة

 

للأب هاني باخوم

روما، الخميس 23 يونيو 2011 (Zenit.org)

التعليم الاجتماعي للكنيسة (406 – 416) يتناول العلاقة بين الديمقراطية وكل من القيم والمؤسسات وأيضا الصفات الأخلاقية للممثلين السياسيين ووسائل المشاركة السياسية.

لقد تم الحديث عن النظام الديمقراطي باستفاضة ووضوح في الرسالة البابوية (السنة المئة): حيث تؤكد أن الكنيسة تقدر النظام الديمقراطي، من حيث انه يضمن مشاركة المواطنين في الاختيارات السياسية ويضمن لهم حق اختيار حكامهم  ومراقبتهم. ولكن لا يجب أن ننسى انه ليس من الممكن تحقيق ديمقراطية أصيلة إلا عندما يكون المجتمع قائما على نظرة سليمة وصحيحة للإنسان. ففي هذا النظام يتم  تشجيع التقدم من خلال التربية على القيم والمثل العليا للأشخاص وللمؤسسات.

القيم والديمقراطية:

الديمقراطية الأصيلة والسليمة تنبع من قبول مقتنع للقيم الإنسانية التي هي مصدر أصلي للديمقراطية وليس فقط من الخضوع للقوانين والقواعد. هذه القيم تتمثل في: احترام كرامة كل شخص؛ احترام حقوق الإنسان؛ اعتناق الخير العام والمصلحة العامة كهدف ومقياس لكل الأعمال السياسية في المجتمع.

فالخطر الحقيقي الذي يواجه اليوم العديد من الأنظمة الديمقراطية هو النسبية الأخلاقية. بمعنى انه لم يعد هناك مقياس واضح وصريح للحكم على شيء ما إذا كان أخلاقيا صحيحا أم لا. بل أصبح نسبيا حسب الظروف وحالة الأشخاص والاحتياجات والعقلية والمكان. هذه النسبية الأخلاقية تنبع من نظرة مزيفة وخاطئة لطبيعة الإنسان وقدراته ودعوته السامية.

فالنسبية الأخلاقية تنبع من نظرة إنسانية تجعل من الإنسان مجرد كائن مدعو لإشباع احتياجاته ورغباته والهروب من كل ما يؤلمه بأي طريقة ممكنة. فالهدف أن لا يتألم. لكن الإنسان لم يخلق كي لا يتألم، كما لم يخلق كي يتألم، فليست هذه هي النقطة. الإنسان خلق كي يعرف الرب ويشاركه في مشروعه الإلهي ويتلقى البنوة الإلهية، فيحيا كابن، فيسعد. هذا هو الهدف والطريق والحقيقة، أن يكون ابناً في الابن.

فنزع القيم أو جعلها نسبية حتى بموافقة الأغلبية لم يعد عملا ديمقراطيا من الأصل، لأنه يتناقض مع المفهوم الأصلي للديمقراطية. فالديمقراطية ليست فقط وببساطة موافقة الأغلبية، لكنها هذا النظام الذي يشجع القيم الإنسانية ويحترمها ويسعى لتطبيقها دائما.

المؤسسات (الهيئات) والديمقراطية:

التعليم الاجتماعي للكنيسة يعترف بأهمية مبدأ توزيع السلطات وعدم تراكمها عند شخص معين، لكن بين المؤسسات والهيئات المحكومة حسب قوانين معينة. هذه الهيئات يجب أن تكون خاضعة لإمكانية المراقبة من الشعب وممن له السلطة للقيام بذلك. وهذا لا يمنع ولا يحرم هذه المؤسسات من التصرف بحرية فيما تراه لأجل تحقيق الهدف الأسمى وهو الخير العام ومصلحة الشعب. فهذه المؤسسات ليست ببساطة ممثل سلبي للشعب، لكن لها حق القرار فيما يخص اختصاصها، وهذا لا يمنع أيضا حق الشعب في المراقبة.

الصفات الأخلاقية للممثلين السياسيين:

الناحية الأخلاقية للمثليين السياسيين هي أساسية وتنبع من المبدأ الأصلي للديمقراطية وهو احترام القيم الإنسانية واعتناقها والعمل من اجلها. فعليهم تمثيل شعبهم بروح الخدمة والذي يتميز ب: الصبر؛ الاعتدال؛ المحبة؛ المشاركة؛ وغيرها من الفضائل…).

فالفساد السياسي هو خطر كبير ليس فقط على النظام الديمقراطي، بل على الدولة بأكملها لأنه يخلق عدم ثقة متزايدة بين الشعب والحكام. مما يقود في النهاية لخلق جو غير عادل صفته الظلم والفساد والأغراض الخاصة، وبالتالي القمع والتمييز بين الأشخاص، فالظلم والرغبة في الانتقام وفي بعض الحالات السماح للنفس بكل ما تراه عادلا وفقدان الهدف الأسمى الذي من اجله قام النظام وهو الخير العام.

فالصفات الأخلاقية للممثلين السياسيين ليست شيئا إضافيا بل أساسيا في الاختيار وفي استمرارية إعطاء الثقة.

وسائل المشاركة في الحياة السياسية:

الأحزاب السياسية هي الطريقة الأمثل التي تسمح للعديد من المشاركة في الحياة السياسية. فدور الأحزاب هو رؤية المجتمع وتفسير ما يمر به وعرض حلول ونظريات سياسية متعددة على الشعب من اجل الخير العام.

وسيلة أخرى للمشاركة هي "التصويت" وفيها تتم المشاركة بالرأي بطريقة مباشرة لاتخاذ قرار معين.

الاعلام والديمقراطية:

وسائل الاعلام المختلفة هي من اهم الوسائل للمشاركة في الديمقراطية. فمن خلالها يتم اعلام الشعب بالواقع الحقيقي للمجتمع والمشاكل والصعوبات التي يمر بها وبالحلول التي بدأت الحكومة بالفعل في تنفيذها. فعلى الاعلام المحافظة على الشفافية لخدمة الشعب. ولكي يستطيع ذلك يجب التأكد من فصل التمويل المادي للاعلام عن المؤسسات الحكومية بقدر الامكان.

فالاعلام له دور في خدمة الجماعة البشرية في العديد من المجالات: السياسية، الاجتماعية، الدينية والتعليمية. لذا يجب ان يتحرر من أي نوع من الايدولجيات، او الاغراض السياسية، او الدينية، كي يكون اعلاما حرا قادرا ان يكوّن الانسان ويمده بالمعلومات الواقعية.

فالاعلام ليس دوره خدمة نظام او فكرة او جماعة معينة. دورالاعلام هو خدمة خير الفرد والمجتمع بكامله. مع العلم بان خير الفرد لا يجب ان يتعارض مع الخير العام.