الصِراع… والشيطان

كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك

 بلوس أنجلـوس- كاليفورنيـا

 

  تــقــديــــم

 

كنيستنا اليوم تـشكر الرب وتفتخر أن تقدم كتابـاً جديداً لأحـد أبنائها الـمباركين وهو الشماس نبيل حليم يعقوب حيث يتناول فيه قصة الصراع بين الخير والشر، ويـبحث عن معنى الشر فى الحضارات المختلفة وفى عالـمنا الحاضر، لنعرف حقيقة وجوده، وطبيعتـه، وشخصيتـه وتاريخـه وأنشطته، ونظامـه، وما هو حقيقة دوره فـى حياتنا؟. وهـل نـستطيع الإنتصار عليـه؟.

والكتاب يجول بنا فى ملحمة الجهاد الروحي ويعطى إرشادات روحية ثمينة، يحتاج إليها كل مؤمـن لتقوية وثبات إلإيـمان، والنـمو والتقدم فـى الحيـاة الروحية، ونطلب من الرب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة فيأتـي بالثمار الـمرجوة ببـركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.

                                راعى الكنيسـة

   الأب بيشوى راغب

 

 مـقدمـة:

"الصِراع" هو كتاب حاولت فيـه أن أجمع بقدر الإمكان كل ما كُتب عن قصة الإنسان مع الشـر. فمنذ فجر الخليقة وهناك قوة خفيّة أطلقنـا عليهـا قوى الظلام، أو الشيطان كـما نسميـه الآن.هذا الشيطان يؤدى دوره بإتقـان، إنـه يتحرك كالصاعقة، وخصوصا فـى أكثـر طرق الطبيعة البشريـة ِقصراً..طرق الشر.

لا توجد نسمة أو عطر أو جدول رقراق إلا وسبح فيه ووسوس. أحال كل شيئ الى هباء، كل شيئ. القلوب، الأجساد، الأجناس، الصخور، وحتى الزمن نفسه.

أفسد الأفكار، لوّث النظرات، سمّم الكلمات، وجعل الحقيقة شيئا قبيحاً. انـه الروح الناكرة وجاحدة الإيـمان. وجوده صار مفروضـاً وأمـراً طبيعياً كوجود أي إنسان، الذى صارت لـه علاقات خاصـة معه، مـا دام يفكر أو يحلم أو يحس. وأصبح البعض يتخذه خادمـاً متخصصاً فـى الدجـل والأعمال العويصة التى تحتاج إلى مكر ودهاء. إنهم يتشفعون بالقديسين ويستحضرون الشيطان فى نفس الوقت، دون أن يخشوه عن قرب، وبـمجرد أن يحققوا مـا أرادوا، لا يهمهم ما إذا كانت النجدة قد لحقتهم من فوق أو من تحت.

لـم يعد الشيطان فـى صورة إنسان بقرنين، وملابس حمراء، وطرفين مجنّحين، ومخالب وذيل، أويظهر بـمظهره الـمفزع كحيوان مخيف أو غول أو اخطبوط أو تنيـن كما صوروه أيام دانتـي فى العصور الوسطى . ولـم يعد الشيطان يخيف كثيـراً..ولـم يـَعد الجحيم صورة مخيفة تظهـر فـى الفصل الأخيـر كعقاب.الشيطان حاضـر، وهذه حقيقة مهما حاولنا أن ننكرهـا أو ننساهـا..

ولكن دعونـا نقترب فـى هذه الدراسة منـه، ونبحث عنه فى الكتب وفى العالـم الحاضر، وفى داخلنـا، لنعرف حقيقة وجوده، وطبيعتـه وشخصيتـه، وتاريخـه، وأنشطته، ونظامـه.

دعونـا أيضا نتعرّف ما هو حقيقة دوره فـى حياتنا؟. وهـل نـستطيع إقصائـه عنـّا رغم إغراءاتـه اللذيذة وندائـاتـه الـمستمرة؟

مـا هـى قصة صراع الإنسان مع هذه الروح التى تـمردت وسقطت ووُجدت معه فى الأرض؟.

منذ فجـر الخليقـة وهـو هنـاك..هناك يتربص بالإنسان!

الشيطان، الوافـد الجديـد على حياتنـا، كيف نستأصـله ونقصّ جذوره

من أعماقنـا، ونتخلص من سِحره؟.ومـاذا نفعـل من أجـل أن نتقوى

بالإيـمان وننتصـر عليـه؟.

قـد يتساءل البعض قائلاً: ألا يكفينـا مـا نحن فيه من متاعب، فلماذا نبحث وندرس عن ما هو الشر والشرير فلندعه كـما هو؟.

فـى الحقيقة إن معرفتنـا به هوجزءُ أساسي من الإيـمان الـمسيحي، فالكتاب الـمقدس بدأ من كتاب التكوين إلـى كتاب الرؤيا، يعلّمـنا حقيقة وجود الشر ولهذا يدعونـا قائلاً: " أصحوا واسهـروا فإن ابليس خصمكم كالأسد الزائر" (1بط8:5-9).

للأسف نرى بعض الناس يجهلون طبيعة الشيطان ونظامـه، لذلك صاروا فريسة سهلة لـه، وتـمادى البعض، وبخلاف مـا تعّلمه الكنيسة، فـى تعليل كل مشكلة تواجهم بأنها من عـمل الشيطان بدلا من أن يتحملواّ نتيجة خطأهم، وهذا ما فعلته حواء عندما ألقت باللوم على الحيّة (تك13:3) وهناك من يتحدث عن الشيطان على إعتبـار إنـه شخصية خرافية غيـر موجودة، وانه لا وجود لـه فـى عالـمنا الحاضـر، وهناك من يعتبـره الـمسؤول عن وجود جهنم، وهو الذى يدفع الناس إليهـا، وآخرون يعتبـرونـه روح جني داخل قارورة.

دراسة علم الشيطان "SATANALOGY"، أوعلم الأرواح الشريرة “DEMONOLOGY" من العلوم التى يتم دراستها الآن لإمـكانيـة التعرف بدقـة علىعدو الإنسان، وكيفية التغلب عليه. إن أبسط قواعد الإستراتيجيـة العسكرية هـى التعرف على الخِصم وذلك بـمعرفـة قوتـة وتدريـباتـه وأسلحته وأنظمتـه وطرقـه فـى الهجوم حتى يمكن الحصول على النصر، وهناك مثل صيني يقول:لو عرفت نفسك وكذلك عرفت عدوك معرفة جيّدة فإنك بذلك تنتصر مائة مرة فى مائة معركــة.

انـه يعـمل أشياء كثيـرة، منهـا قد يعوقـك أو يمنعك حتى من قراءة هذا الكتيب الذى يلقى بعض الضوء على هذا العدو، الأسد، الوحش، والتنيـن.

ولكنك محتاج لأن تعرف من هـو عدوك أيهـا الإنسان؟..

ذاك الذى حَرمك من قبل من حضن الآب السماوي، ويعمـل جاهـداً لعدم وصولك للحياة الأبديـة.

هـذه الدراسة تنقسـم إلـى مـايلـي:

أولاً. حقيقة وجود الشيطان.

ثانياً.  الشيطان على مـر العصـور.

ثالثاً.ألقاب وتشبيهات.

رابعاً. شخصية الشيطان وصِفاتهـا.

خامساً. مـملكة الشيطان.

سادساً.  عـمل الشيطان فـى العـالـم

سابعـا. عـمل الشيطان ورسالة السيد الـمسيح

ثامـناً. علاقـة الشيطان بالخطـيئـة.

تـاسعـاً. هـل للشيطان سلطان على البشر؟

عاشـراً. هل قدرة الشيطان محدودة أم مطلقـة؟

إحدى عشر. عواقب العلاقة مع الشيطان.

إثنـى عشر. هل يقدم الناس عِـبادة للشيطان حتى اليوم؟.

ثالث عشر.  الحروب الروحيـة

رابع عشر. هـل حقـاً يستطيع الإنسان الإنتصار على الشر؟

  ——————-

 

أولاً: وجـود الشيطـان..

هـل الشيطان خليقة اللـه؟!

كان الشيطان ملاكاً ولكنه سقط نتيجة الكبـرياء والتعالـى، كـما يخبـرنـا الكتاب الـمقدس فـى نبؤة اشعيـا (12:14-15) و نبؤة حزقيال ( 14:28-16)، وفـى رسالة القديس بطرس الثانية: "ان اللـه لـم يشفق على الـملائكة الذين خطئوا بل أهبطهم الى أسافل الجحيم وأسلمهم الى سلاسل الظلمة ليحفظوا للقضاء" (2بط4:2)، وفـى رسالة يهوذا:"الـملائكة الذين لـم يحفظوا رئاستهم بل تركوا منـزلتهم أبقاهم لقضاء اليوم العظيم فى قيود أبدية تحت الظلمة" (يهوذا6)، وكـما يذكر لنا الوحي الإلهـي ان الله هو خالق جميع ما فـى السموات وما على الأرض كـما جاء فـى رسالة القديس بولس إلـى كولوسي: "به خلق جميع ما فـى السموات وعلى الأرض مايرى ومالايرى عروشا كان أو سيادات أو رئاسات أو سلاطين" (كولوسى 16:1).

وأظهرت كتابات آبـاء الكنيسة الأوائل عن الملائكة والشر ما كانت تؤمن به الكنيسة ومنهم إكليمندوس الرومانى (96م) وأغناطيوس الأنطاكي (35-107م)، ويوستينوس (100-160م)، إيريانوس (130-202م)، ترتليان (160-220م)، إكليمندس الأسكندري (150-215م)، والعلامة أوريجانوس (185-254م) وراعى هرماس.  وفـى وثائـق الـمجمع اللاترانـى الرابع (1215) تعلّـمنا الكنيسة بأن ابليس وسائر الشياطين خلقهم اللـه صالحين، ولكن نتيجة كبريائهم وعصيانهم صاروا أشراراً.

 

كيف سقط الشيطان؟!

صورتـه قبل السقوط:

فـى نبؤة حزقيال (12:28-15) نجد الآيات التاليـة:

"أنت كروب منبسط مظلل"، "أنت الجمال ممتلئ حكمة وكامل البهجة"، "مغطى بكل حجر كريم"، "كان فى جنة عدن جنة اللـه"، "أنا أقمتك وقد كنتَ فى جبل الله"، "كامل أنتَ فى طرقك من يوم خُلقتَ إلى أن وُجد فيك إثم"، "قد طمح قلبك لأجل بهجتك وأفسدت حكمتك ..فطرحتُك إلى الأرض". فخطيئة الشيطان كانت الكبـرياء والـتمرد.

كيف تم ذلك السقوط:

وفـى نبؤة اشعيا نجد وصفاً لهذا السقوط:"كيف سقط من السماء"، "قد قلتَ فى قلبك انـي أصعد إلـى السماء أرفع عرشي فوق كواكب اللـه وأجلس على جبل الجماعة فـى أقاصي الشمال أصعد فوق أعالـى السحاب وأكون شبيها بالعليّ" (اش 13:14-14). وسقوط الشيطان جعله يُعلن العصيان، ويتـمرّد ومعه الأرواح الشريـرة كما جاء فى كتاب الرؤيا "فجّر ذنبه كواكب السماء وألقاها على الأرض" (رؤ 4:12).

وكان عقاب خطيئة الشيطان إن طُرد من السماء إلـى الأرض، "أُهبِطتْ عظمتك وصوت عيدانك إلـى الجحيم" (اش 12:14). أما عقابـه النهائـى فسيكون عند مجئ السيد المسيح يوم الدينونة "وطرح ابليس الذى أضلّهم فى بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذّاب هناك يعذبون نهاراً وليلاً إلـى دهر الدهور" (رؤ 9:20-10).

ثانيـا: الشيطان على مـر العصور

الشيطان فـى اللغـة هو كل عاتِ متـمرد من الإنس والجن والحيوان. ولقد تردد الإعتقاد بوجوده فى كل العقائد القديـمة سواء فى الصين أو بابل أو مصر القديـمة أو فـى الديانات التى تلتهـا.

1.                       الشيطان عند البـوذييـن

ظهرت البوذية فى الهند فى القرن السادس قبل الـميلاد، وأسسها جوتاما الذى لقّب بإسم (بوذا) أي الحكيم. سـمـيّ الشيطان (مـارا) أي روح الشر وعدو الحقيقة، وكانت هناك دائـماً حرب بينه وبين بوذا كما تقول

الأساطيـر القديـمة، وانتصر بعدهـا بوذا، وفاز بالهُدى وقاوم ألاعيب

الشيطان.

2.                       الشيطان عند الكنفوشيون

الكنفوشيـة هـى الديانة السائدة فى الصين، وتنسب الى كنفوشيوس الذى ولد عام 551 قبل الـميلاد. وتعتقد الكنفوشية بأن الشيطان هو الأرواح الشريرة، التى تتمثل فى الـمظاهـر الطبيعية القاسية كالعواصف والرعد والبـرق.

3.                       الشيطان عند البابليـيـن

حضارة بابل قديمة قدم الحضارة المصرية القديمة (2123-2081 ق.م.).كان حمورابـي من أشهر ملوك هذه الحضارة، وكان إعتقاد البابليين أن الخطيئة ليست حالة نفسية من حالات النفس الـمنحرفـة، وإنـما هى لون من ألوان الـمرض الذى يعتري الإنسان من جراء سيطرة الشيطان على جسمـه. كانوا يعتقدون ان الشياطيـن تضمر العداء للإنسان، وتقف له بالـمرصاد، وتتسلل الى البيوت وتفاجئ فريستها فى صورة مرض فتّاك أو لوثة عارمة، إذا ما وقع الإنسان فى خطيئة أغضبت الالهة وجعلتها تتخلى عن حمايته وإنقاذه من مخالبهـا. وُصف الشيطان بأنه إله رهيب اسمه "نرجـال"، وكان يحكم من قبل مملكة "كيجال" أى العالم الذى لا رجعة منه أو الجحيم.

4.                       الشيطان عند الأشوريين

كان الأشوريون يؤمنون بوجود جيوش الشياطين القادرة على إغتيال الإنسان، إبتداءاً من (لابارتـو) عدو الأطفال الى الشياطين السبعة الرئيسية. وُصف اله الشر عند الأشورييـن بأنه مشتطن، أي الـمتشيطن.

5.                       الشيطان عند الأفـريقـيين

يعّرف الأفريقيون الشيطان والأرواح الشريرة بأنهـا رمز الشر والرذيلة والكراهية والقسوة.كثيرا ما يكون الثعبان رمزاً للشر أو رمزاً للقوة والخلود. الشيطان فى عيون الأفارقة هـو مـخلوق غامض ومخيف ورهيب، ويقال انه الـمخلوق الذى عرّف الرجل والـمرأة أسرار الخليقة.

6.                        الشيطان عند الفـرس (ايران)

كان الفُرس يعتقدون بأن الإله هرمـز هو إله النور، أما الإلـه أهريـمان فهو إله الظلام، أي الخير هو النور والشر هو الظلام.

7.                       الشيطان عند الـمصرييـن القدمـاء

توضح لنـا أسطورة ايزيس وأوزوريس دور إلـه الشر "ِستْ"، الذى كان رمزاً للكراهية والـمكر والـموت وكيف إنـه قتل أخوه "أوزوريس".

8.                       الشيطان فـى الكتاب الـمقدس

العـهد القديـم

الشيطان له تاريخ طويل مع اليهود، فشيطان فى اللغة العبـرية تنطق "ساطان"، ومعناها خصم أو عدو أو مقاوم أو مُشتكى. عرف اليهود الإله "نرجال" الـموجود عند البابليين والأشوريين، وقد ورد ذلك فى كتاب الـملوك الثانـى: "وأهل كوت صنعوا نرجال" (2ملو 30:17).

نلاحظ أن الشيطان لـم يرد اسمه هكذا، ولا بإسم آخر فى توراة موسى. فقصة الخطيئـة الأولى، معصية آدم وحواء وطردهـما من الفردوس تكتفى بذكر دور الشيطان فى بث الشر:  "وكانت الحيّة أخبث حيوانات البريـّة" (تك1:3). أصبحت الحيّة بعد ذلك عند اليهود رمزا للشر والشيطان. وجـاء فـى كتاب أيوب دلالة واضحة عن دور الشيطان وحقيقة وجوده، وانه ضد الله وخصم لدود للناس، وذكر عنه بعد ذلك فى سبعة كتب من العهد القديم نذكرمنها كتاب الحكمة وطوبيا وكُتب الأنبياء، بانه كان من بين الـملائكة التى تـمرّدت فسقطت من أعالـي السماء إلـى أسافل الجحيم، ولكنه مع ذلك من بين مـخلوقات اللـه وما فى ذلك شك. وهناك أسم آخر "لوسيفـر، ابن الصبح" (اش 12:14).

العهـد الجديـد

ذكر العهد الجديد ألقاباً وتشبيهات كثيـرة للشيطان، منها ما جاء على لسان السيد الـمسيح أو الرسل. أستخدم إسم الشيطان 53 مرة فـى الكتاب الـمقدس بعهديه منها 47 مرة فـى العهد الجديد. الشيطان له اسم آخر هو ابليس، وهى كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية (ديابولوس)، ومعناها الـمفترى أو الواشي، وقد أستخدم هذا اللقب 35مرة.

ثالـثـا: الألقاب والتشبيهـات

1.                       الألقـاب

ذُكرت فـى الكتاب الـمقدس الألقـاب التاليـة عـن الشيطان:

ملاك الهاوية : "الذى اسمه بالعبرانية أبادُّونُ وباليونانية أبُلّيون أي مُهلك"(رؤ 11:9).

ملاك الـموت : "من كان له سلطان الـموت أعني إبليس"(عب14:2)

_ بعلزبوب : "إن فيه بعْل زَبوب وإنه برئيس الشياطين يٌخرج الشياطين"

 (مت 24:12).

بليعال:"أي إئتلاف للـمسيح مع بليعال"(2كو15:6).

التنين :"كانوا يقاتلون التنّين"(رؤ7:12).

الوحش :"ورأيت وحشاً طالعاً.." (رؤ1:13).

أبو الكذاب: " لأنه كذوب وأبو الكَذِب"(يو44:8).

– روح كذب: "فقال أخرج وأكون روح كذِب فـى أفواه أنبيائـه"

  (1ملو 22:22).

– الحيّة القديمة:"فطُرح التنيّن العظيم الحيّة القديمـة الـمّسمّى إبليس"

  (رؤ9:12).

– سلطان الظلمة:"وولاة هذا العالم عالم الظلمة والأرواح الشريرة"

  (اف 12:6).

رئيس هذا العالـم:"الآن يُلقى رئيس هذا العالم خارجاً"(يو31:12).

الروح الذى يعمل الآن فى أبناء الـمعصية:"ورئيس سلطان الهواء الروح الذى يعمل الآن فـى أبناء الـمعصيـة"(أف2:2).

الـمجرّب:"فدنـا اليه الـمُجرّب"(مت 3:4).

إله هذا الدهـر:"الذين فيهم إله هذا الدهـر" (2كو4:4).

الشريـر:"والزؤان هم بنو الشريـر" (مت 38:13).

الـُمشتكى:"لأن الـمُشتكي على الإخوة قد طُرح"(رؤ10:12).

2. التشبيهات: ذُكرت فـى الكتاب الـمقدس التشبيهات التالية عن الشيطان:

الصيـّاد " لينجيك من فخ الصياد ومن الوباء الخطر" (مز3:91)

زارع الزؤان "فمن اين له بالزؤان فقال لهم انسان عدو فعل هذا"

(مت 24:1325)

– الذئب " الذى ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب فيخطف الذئب الخراف ويـبددها"(يو 12:10).

الأسد الزائـر " اصحوا واسهروا لأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه " (1بط8:5).

رابعـا: شخصية الشيطان وصِفـاتـه

 يـمتلك الشيطان صِفات كثيـرة ومتنوعـة تساعده فـى أعـمالـه، نذكـر منهـا:

+ الإدعـاء :"ثم أخذه ابليس الى جبل عال وأراه ممالك العالم ومجدها وقال له اعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لـي" (مت 8:4).

+ الكبـريـاء: " وينبغى أن لا يكون حديث الإيـمان لئلا تستولى عليه الكبـرياء فيلقى العقاب الذى لقيه إبليس" (1تيمو 6:3).

+ الضـلال :" إن قومـاً يرتدّون عن الإيمان فـى الأزمنة الأخيرة ويصغون إلى أرواح الضّلال وإلـى تعاليم الشياطين" (1تيمو 1:4).

+ الـمكائـد: " مكايد ابليس" (أف 11:6).

+ الشراسة والقسوة : يعمل بكل قسوة وبلا رحمة، فمجنون كورة الجدريين يذكر عنه الكتاب المقدس إنـه "كان يُساق من الشيطان الى البراري" (لو26:8-29)

+ الحـِقد والغضب: " فغاضب التنين الـمرأة وذهب ليحارب نسلها" (رؤ17:12).

+ الفـخ : " فيفيقوا من فخ ابليس الذى اصطادهم لقضاء مشيئته"

(2تيمو26:2).

+ الشـكوى:

 فىكتاب الرؤيا نجد صورة الشيطان الشاكي: "الـمُشتكى على اخوتنا أمام الرب" (رؤ10:12)، وهذه الصورة نجدها واضحة فى كتاب أيوب

(أي 6:1-12)، (1:2-5) وكذلك فى نبؤة زكريا (1:3-10). فالشيطان يقف على يـمين الكاهن يشوع يشكومنه، لأن الشيطان يكره من لا يؤمن بأكاذيـبه.فهو يشكو الـمسيح وكل من يتبعـه. يشترك فـى هذه الخاصيّة كل من يتبع الشيطان، حيث يشككون فى حق الله ويقاومون الحقيقة.

+ الإمتلاك :

يذكر الكتاب الـمقدس العديد من الحوادث التى دخل الشيطان فيها قلب الإنسان أو ذلك الذى به روح نجس . لكن لابد من التمييز بين تـملّك الشيطان على الإنسان، وبين الـمرض العادي. فالسيد المسيح قد فرّق بين الأمراض العضوية العادية وبين تلك الأمراض الناتجة عن تدخل الأرواح الشريرة ولهذا يقول لتلاميذه: "أشفوا الـمرضى، طهروا البرص، أقيموا الـموتـى، أخرجوا الشياطين" (متى 8:10).

و نجد ان حوادث الذين كانت عليهم أرواح نجسة، كـما جاء ذكرهـا فى الأناجيل، كانت قبل موت وقيامة وصعود السيد الـمسيح. وفى كتاب أعمال الرسل نجد هذه الحوادث قليلة، فبطرس الرسول طرد شيطان فى أورشليم (أع 16:5)، وفيلبس صنع هذا فى السامرة (أع 7:8)، وبولس الرسول شفى امرأة من روح نجس فى فيليبي (فـي 16:16-18)، وفـى أفسس (أع 11:19-12). فـى كل الحالات التى تم فيها إخراج الروح النجس كانت على غيـر الـمؤمـن، ولهذا لا يوجد ذكر أو تعليمات بخصوص "تملك الشيطان على الإنسان" أو ما يُطلق عليه الآن "EXORCISM" أو طرد الشيطان فـى جميع رسائل العهد الجديد.

ومع تقدم العلوم النفسية والتربويـة فـى أيامنا الحاضرة، لا يـمكن إعتبار الـمرضى عقليا او نفسيـاً بأن عليهم شيطانـاً.

قوي :

فلقد وصفه القديس بطرس بانه "أسد زائر" (1بط8:5)، ويستطيع أن يمنح ضحاياه قوة خارقة "ولما خرج الى الأرض استقبله رجل من المدينة فيه شياطين منذ زمن طويل وكان لا يلبس ثوبا ولا يقيم فى بيت بل فى القبور…لأنه منذ زمان كثير كان يخطفه وقد رُبط بسلاسل وقيود محروساً وكان يقطع الربط" (لو27:8).

+ ذكـي وصاحب حيلـة :

 فلقد لقّب بأنه "الحيّة القديمة" (رؤ2:20)، وقال الكتاب عن الحيّة انها كانت "أحيل حيوانات البريـة" (تك 3:1). + كثيـر الإلحـاح : لم يهدأ فى حربـه مع السيد المسيح حتى بعد فشله فى التجربة الأولى والثانية والثالثة فلقد قال القديس لوقا الإنجيلي عن ذلك "ولما أكمل ابليس كل تجربة فارقـه الى حين" (لو13:4).

+ كثيـر الـمواهب : فالـمواهب التى منحت له وهو ملاك لم يسحبها الله منه، فهو يعرف جيداً الكتاب المقدس كأعظم لاهوتـي واستخدمه بطريقته الخاصة فى التجربة على الجبل (متى 6:4)، بل هو صاحب كل البِدع والهرطقات التى ظهرت فى المسيحية.. وهو يعرف الشعر بل ان كثيراً من الشعراء يتحدثون عن شيطان الشِعر. وهو يعرف الموسيقى والغِناء والنحت والرسم وغيرها من الفنون.

+ نهـّاز للفرص :

فلقد إستغل جوع السيد المسيح بعد صوم أربعين يوما فى البريـّة لكي يجربـه بتجربـة الخبـز.

+ يعرف الإيـمان بالله :

"انت تؤمن ان الله واحد. حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون"

(يع 19:4).

+ لـه درجات حتى فـى الشر:

فالروح النجس الذى خرج من الرجل يرجع..ويأخذ معه سبعة أرواح أشرّ منه"(متى 45:12).

 

+ يعرف نهايتـه :

"وإذ هما قد صرخـا قائلين ما لنا ولك يا يسوع إبن الله. أجئت الى هنا قبل الوقت لتعذبنـا" (متى 29:8).

+ لـه حريّـة الحركـة :

فـى قصة أيوب يذكر عنه الكتاب المقدس عندما سأله الرب من أين جئت "فأجاب الشيطان وقال للرب من الطواف فى الأرض والتردد فيها"

(أي2:2).

خامـسا: مـملكـة الشيطـان

يرأس الشيطان مملكة قويـة كبيـرة من الشر ولهذا يعرّفـه يسوع ببعلزبوب أميـر الشر (لو 14:11-23) و يصفه القديس بولس الرسول بأنه "رئيس هذا العالـم " (2كور 4:4)، وأمير الهواء (أف 2:2).

يذكـر لنا القديس بولس الرسول بأن الشيطان يـمتلك هيئة كبيـرة منظمة :"أن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماويات" (أف12:6)، ومن هنا نستخلص وجود رئاسات وسلاطين وولاة وجنود شريرة تعمل تحت قيادة ابليس العليا. فمملكة الشيطان هذه مؤسسة ضخمـة هائلة فيها رتب (رئاسات..سلاطين..ولاة..الخ)، ومن خلال هذا الجيش تُجمع الـمعلومات وتُنفذ مشيئة الشيطان.

يستطيع الشيطان أن يستخدم البشر لتحقيق أهدافـه لأنه لا يمكنه أن يتواجد فى نفس المكان، وفى نفس الزمن، فهو ذو قوة ومعرفة محدودة، ولكى يؤدى دوره عليه أن يعمل من خلال جنوده وأتباعه من البشر، أو من خلال نظامه، ولهذا دعا الإنجيل هذا النظام: "العالـم"، الذى حذرنـا منه الرسول يوحنا: "لا تحبوا العالم أو الأشياء التى فى العالم" (1يو15:2-17). هذا "العالـم" يعنى طريقة التفكيـر وطريقة الحياة نفسها. لهذا يستخدم الشيطان الطبيعة الـمائلة إلـى الفساد فى الإنسان والتى أوضحها الرسول بولس عن الإنسان قبل أن يؤمن بالرب يسوع : " وحين كنتم أمواتاً بزلاّتكم وخطاياكم التى سلكتم فيها حيناً على مقتضى دهر هذا العالم ورئيس سلطان الهواء الروح الذى يعمل الآن فـى أبناء الكُفر الذين بينهم تصرّفنا نحن كلّنا حيناً فى شهوات أجسادنا عاملين مشيئة الجسد والأفكار وكنّتم بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين (اف 1:2-3).

عندما يختار البشر الشر بكامل إرادتهم، يصبحون "أبناء الشر" كما جاء على لسان السيد الـمسيح فـى انجيل القديس يوحنا " أنتم من أب هو ابليس وشهوات أبيكم تبتغون أن تعملوها" (يو44:8).

هذا العدد الهائل من البشر الذى يفعل الشر بإرادته، أو بغير إرادته يساعد الشيطان فى أداء دوره كـإلـه للعالـم.

أعداد الشياطين لا تحصى (الوف ألوف وربوات ربوات والربوة هى عشرة ألاف)، ففى معجزة إخراج الشياطين من مجنون كورة الجرجسيين سأل السيد الـمسيح الشيطان ما اسمك؟ فأجاب الشيطان قائلا "اسمى لجيئون لأننا كثيـرون" (مر8:5) فكلمة لجيئون تعنى فرقة حربية قوامها الفين من الجنود.

الشـر يوحـد مـملكة الشيطان ويثبتهـا وكان هذا هو معنى كلام السيد الـمسيح عندما اتهمـه الفريسيون بأنه شفى الـمجنون الأعمى الأخرس بتحالفه مع الشيطان وقالوا عنه انـه:"ببعلزبول يُخرج الشياطين"

وأجابهم يسوع قائلاً: " ان كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب وكل بيت ينقسم على ذاته لا يثبت فإن كان الشيطان يُخرج شيطاناً فيكون قد انقسم على نفسه فكيف تثبت مـملكته " (مت 24:12-25).

والشيطان:

 لــه ثالوثـه الخاص: التنين(الشيطان) والوحش والنبي الكذّاب

(رؤ13:16).

ولـه كنيستـه الخاصـة: "مجمع الشيطان" (رؤ 9:2).

ولـه تعليمه اللاهوتـي الخاص بـه: "تعاليم شياطين" (1تى 1:4).

ولـه نظام ذبائح خاصة بـه: "أمـّا ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين" (1كو20:10).

ولـه عشاؤه الخاص به:"كأس شياطين ومائدة شياطين"(1كو20:10).

ولـه خدام يبشرون بإنجيل آخـر: "إنـي لـمتعجب كيف تنتقلون هكذا سريعاً عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر" (غلا7:1-8). لـه عرشه الخاص :"وقد أتـاه التنيـن قوتـه وكرسيه وسلطانا عظيماً"

(رؤ2:13).

لـه أتباع يسجدون لـه: "وسجدوا للتنين الذى آتى الوحش سلطاناً وسجدوا للوحش " (رؤ4:13).

ولـه أنبياء كذبة ومعلمين كذبـة: "وقد كان فى الشعب أنبياء كذبة كما انه سيكون فيكم معلمون كذبة يدسّون بِدع هلاك" (2بط1:2).

سادساً: عـمـل الشيطـان فـى العالـم

يذكر لنا الكتاب الـمقدس حقيقة عـمل الشيطان.

إن عـمل الشيطان فـى جملته هو تشويـه الحقيقة، وإبعاد أبناء اللـه عن أبيهـم السماوي. والشيطان غاضب لسببين، أولا لأن قوتـه محدودة، وثانيا لأنه يعرف جيداً انه متى انتهى العالم فإن قوته لخداع الجنس البشري ستنتهي بهذه النهايـة.

هـو مقاوم لعـمل اللـه:

" وأرانـي يشوع الكاهن العظيم قائما قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه" (زك 1:3). " لذلك أردنـا أن نأتـى اليكم أنا بولس مرة بل مرتين وإنـما عاقنا الشيطان" (1تس18:2).

هـو عـائـق للإنجيـل:

" كل من يسمع كلمة اللـه ولا يفهم فيأتى الشرير ويخطف ما قد زرع فى قلبه" (مت 19:13).

هـو قـتّـال:

"ذاك كان قتّالا للناس من البدء ولـم يثبت فى الحق لأنه ليس فيه حق"

(يو44:8).

هـو يُغري بالخداع وحب الـمال: كـما فى حادثة حنانيا وسفيرة اللذين إختلسا بعض الـمال من ثـمن بيع مِلكا لهما "فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك حتى تكذب على الروح القدس وتختلس من ثـمن الضيعة" (أع 1:5-11).

هـو يـغوي الإنسان للسقوط فـى الخطيئـة:

"فقال الرب الإله للـمرأة ما هذا الذى فعلتِ فقالت الـمرأة الحيّة أغوّتنـي فأكلت" (تك13:3). " ولكنى أخاف انها كـما أغوت الحيّة حواء بإحتيالها كذلك تُفسد بصائركم عن الخلاص الذى فى الـمسيح" (2كور3:11).

ان العناصر الأساسية فـى غواية الشيطان نجدها فى كتاب التكوين:

"هل حقا قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنة؟" (تك 1:3).

انه يريد أن يشكك حواء فـى أمـر اللـه، وأيضا يريد منها أن تخاف من الله ومن خطته نحوها، والتى ستتعارض مع رغبـاتـهـا الشخصية.

بعد ذلك أنكر الشيطان مصداقية تحذير الله: "فقالت الحيّة للـمرأة لن تـموتـا" (تك4:3)، بهذا زرع الشك فى عقل حواء، وأراد أن يجعلها تؤمن انه لا توجد عواقب ستنتج من عدم الطاعة، ثم استمر قائلا "ان الله عالم انكما يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتصيـران كآلهة عارفـى الخيـر والشر" (تك5:3)، وهنا ضرب على وتر الكبـرياء، فـأظهـر الشيطان ان الله ينكر على آدم وحواء شيئ واحد يجعلهما فى غاية السعادة أن يكونـا "كآلـهـة"، وهى ترجمة حقيقية لـما فى قلب الشيطان عندما سقط: "أن أكون شبيها بالعلي" (اش 14:14). عندما نفّذا آدم وحواء أمر الشيطان وأطاعـاه طبقـاً لكذبـه، أصبحـا مـتمردان. وحتـى يومـنـا هــذا لا تتغيـر هذه الأكذوبـة والتـى يحاول بهـا الشيطان أن يغوى الإنسان للسقوط فـى الخطيئـة.

هـو يـمزج بين الحق والباطل:

يخلط التعاليم كى تبدو معقولة ويقتبس من أقوال الكتاب المقدس "إنـه مكتوب.." ويحذف ويزيّف حسبما يتلائم وأهدافه.

هو يتبدل كشبه ملاك نور:

"لأن مثل هؤلاء رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم الى شبه رسل المسيح ولا عجب لأن الشيطان يغير شكله إلـى شبه ملاك نـور"

(2كور13:11).

هـو ينصب الشِراك لغير الحذرين:

"العدو يُظهر حلاوة من شفتيه وفى قلبه يأتـمر أن يُسقطك فى الحفرة" (يشوع بن سيراخ (15:12).

هـو يزرع الشوك والزؤان:

"فمن أين لـه بالزؤان فقال لهم انسان عدو فعل هذا" (مت25:13)، "وآخرون زُرعوا فى الشوك هؤلاء الذين يسمعون الكلمة وهموم الدهر وخِداع الغِنى وسائر الشهوات تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثـمرة" (مر18:4-19).

خِدعْ الشيطـان..

ان الشيطان من حيث طبيعته فى قدرته أن يصنع عجائب تدهش الناس .

قال السيد الـمسيح: "لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيـات عظيمة وعجائب حتى يضلّوا ولو أمكن الـمختارين أيضاً"

(مت 24:24). ويتحدث بولس الرسول عن إنسان الخطيّة "الذى مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وآيات وعجائب كاذبة" (2تس9:2) .ويعترف القديس يوحنا فى سفر الرؤيا عن الوحش قائلا": ويصنع آيات عظيمة حتى يجعل ناراً تنزل من السماء على الأرض قدام الناس. ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التى أعطى أن يصنعها" (رؤ13:13-14).

إذن هناك ضلالات وخداعات من الشيطان …

فكيف يمكن أن نفرق بين الـمعجزة والضلالـة؟

يجب دراسة الـمعجزة من ثلاث جوانب:

1.                        صانع الأعجوبـة : يجب ان تكون حياته مقدسة تقوية.

2. الوسيلة التى تـمت بها: فالسحر أو العرافة أو التعاويذ أو تحضير الأرواح، وما الى ذلك، ليس إلاّ وسائل شيطانية، ولا يـمكن أن تكون صادرة عن إرادة اللـه أو قوتـه.

3. هدف الأعجوبـة: لا يمكن أن يكون إبهار الناس، ولا شيئ غير ذلك، فهى لابد ان تكون من أجل تمجيد الله واسمه، أو لتشديد إيمان الناس، أو رفع معاناتهم.

فـى قصة سيمون الساحر، يقول عنه الكتاب المقدس :"كانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زمانا طويلاً بسحره" (أع 9:8-11).

لهذا حذّرنـا الوحي الإلهي من ان نتلقى من الأرواح تعليما أو معرفـة خارجة عن التعاليم التى جاءت فى الكتب المقدسة "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغيـر ما بشرناكم فليكن محرومـاً" (غلا8:1-9). "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل اختبروا الأرواح هل هى من الله لأن أنبياء كذبة كثيـرين قد خرجوا إلـى العالـم" (1يو1:4).

سـابعـاً: عـمل الشيطان ورسالة السيد الـمسيح

بعد سقوط آدم وحواء فـى الخطيئة، أعلن الرب الإله عن نبؤة توضح دور الشيطان وعـمله عندما قال للحيّة: "اجعل عداوة بينكِ وبين الـمرأة وبين نسلكِ ونسلها فهو يسحق رأسكِ وأنتِ ترصدين عقِبه"(تك15:3). هنا نجد نبؤة عن "عداوة" بين الشيطان ونسل الـمرأة، وأيضا أن من بين نسل الـمرأة "هو" أي الـمخلّص الذى سيسحق رأس الحيّة، بينـما الشيطان "يترصد" الـمخلّص.

هذا ما تحقق بعد ذلك، فعندما تجسد السيد الـمسيح على الأرض، حاول الشيطان أن يُثنـى يسوع الـمسيح عـن إتـمام الفداء والـموت عن خطايا العالـم. فـقام بتدبيـر قتل أطفال بيت لحم (مت 16:2)، والتجربة على الجبل (مت 1:4-10)، ومحاولة بطرس إثناءه عن الـموت

(مت 22:16-23)، وحتى خيانة يهوذا الإسخريوطي "وبعد اللقمة دخل فيه الشيطان" (يو27:13).

وعندما فشل الشيطان من منع الصليب والفداء، بدأ هجومـه على كنيسة السيد الـمسيح ليضل كثيرين ويقف عائقـا فـى طريـق خلاصهم.

ثـامـنـاً: عـلاقـة الشيطـان بالخطيئة

علاقة الشيطان بالخطيئة هى علاقة وثيقـة لأن الشيطان هو الخطيئة، هو الشر والدنس، وهو الـمقاوم لعمل اللـه.

إن الخطيّة هـى التعدى على اللـه كما جاء تعريفها فى كتابات القديس يوحنا: "فالخطيّة هـى التعدي، وكل من يفعل الخطيّة يفعل التعدي أيضا فمن يفعل الخطية فهو من ابليس لأن ابليس من البدء يخطئ" (1يو4:3) .

والشيطان يبحث دائـما ويكد أن يـبعدنـا نحن أولاد اللـه عن أبينـا السماوي.

والشيطان لا يقدم الخطيئة مكشوفة لئلا يرفضها الإنسان، بل يقدمها بإسم آخر وهى هى لافرق. فمثلا خطيئة التهكم على الناس والإستهزاء بهم يقدمها على إعتبار انه لطف ودعابة وخفة روح. وخطيّة القسوة والعنف مع الأبناء يقدمها بإسم التأديب والتربية. والتزيّن غير اللائق يقدمه على انه الأناقـة والموضة. وخطيّة القتل يقدمها على انها من أجل الغيرة المقدسة والوطنية والدفاع عن الدين. وخطية الكذِب يسميها بكذب أبيض أو دعابة. والصور العارية والماجنة يقدمها على أنـه نوع من الفن الرفيع!!.

أن الشيطان يحاول أن يجرنـا للتجربـة، ويزيّن لنـا الخطيئـة من أجل لذّة عابرة، وفـى التجربـة يتركنـا ويتلذذ بالنظر لصراعنـا فيهـا. إن كنـا أقويـاء صـمدنـا وعبـرنـا التجربـة، أو الحرب الروحيـة، وتغلبنا على الشرير كما فعل رب الـمجد فـى القديم عندمـا إنتصر على تجارب ابليس فـى الصحراء (مت4).

تـاسعـاً: هـل للشيطان سلطان على البشر؟

يعلّم الـمجمع الـمسكونـي التريدنتينى (1545-1563) بأن من بين عواقب خطيئة آدم الأسر تحت سلطان الشيطان، ولكن سيادة الشيطان هذه محدودة، و ستبطل تماما فـى الدينونة العامـة، ولن يقوم لها بعد ذلك قائمة. فهى إذن حريـة وسيادة جزئية ينعم بها الشيطان حتى تأتى نهاية الزمن (رؤ7:12-12).

ومثل السيد المسيح عن الحنطة والزؤان نجد "دعوهما ينميان كلاهما معا الى الحصاد. وفى وقت الحصاد أقول للحصادين إجمعوا أولا الزؤان واحزموه حزما ليحرق. وأما الحنطة فاجمعوها الى مخزنـى" (مت 20:3).

أراد الله أن يشترك الإنسان فى الإنتصار على تلك القوى الشريرة، فلقد احترم الله حرية الإنسان يوم خلقه ومنحه حرية الإختيار بين الخير والشر،

وأرشده الله لكى يـختار الخلاص والحياة الجديدة والبنوة لله، وهو تعالـى يعرض ولا يفرض خلاصه على البشر. على اللـه الـمبادرة، وعلى الإنسان الإستجابـة والإنتقال من عبودية الخطيئة إلى حرية أبناء الله، ومن الحياة بحسب الجسد إلـى الحياة بحسب الروح، واللـه لايترك الإنسان وحيداً، بل يعاونه ويعضده ويقويه " ونحن نعلم ان الذين يحبون الله كل شيئ يعاونهم للخيـر" (رو28:8).

+ سلطـان السيد الـمسيح على الشر والشيطان:

قال السيد الـمسيح عن إنتصاره على الشيطان: "رئيس هذا العالم يأتـى وليس لـه فـيّ شيئ" (يو13:14)، والقديس بولس يقول عن سحق السيد الـمسيح للقوات الشيطانية:" إذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان هذا لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إيـاه بالصليب. إذ جرّد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً ظافراً بـهم فيـه"

(كولوسى 14:2-15). وأيضا تقول الرسالة إلـى العبرانيين عن السيد الـمسيح: "أخذ الـمسيح طبيعة من لحم ودم لكي يبطل بموته من كان له سلطان الـموت أعنى ابليس" (عب14:2) .

لقد سقط الشيطان وانتهى فقد قيّد بالصليب، والدليل على ذلك هو كلام السيد الـمسيح نفسه: "الآن يطرح رئيس هذا العالـم خارجـا"

(يو31:12).

لذلك قال السيد الـمسيح "هـا أنـا أعطيكم سلطانا أن تدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوة العدو ولايضرّكم شيئ" (لو19:10)، وهذا ليس وعداً من الله بل تصريح من السيد المسيح وعلينا أن نصدقـه ونحيا بـه. وأيضا

" فقال لهم انـى رأيت الشيطان ساقطا من السماء كالبرق" (لو 18:10).

+ نـحن والشر والألـم والتجـربـة:

عندمـا يهاجمنا الشيطان فإن اللـه يعرف مسبقـا مقدار ما سوف نواجهه نتيجة مجابهتنا لقوى الشر. فسلطان الشيطان من الله وليس سلطانا ذاتيا كامناً فيه لذلك يقول الكتاب "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلاّ من الله والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله"(رو1:13) والشيطان ضمن هذه السلاطين، لذلك نراه فى تجربة أيوب لم يستطع تجاوز حدوده المسموح بها من الله. ونرى حتى فى التجربة ليس له مطلق الحريـّة وفى هذا يقول الكتاب "ولكن الله أمين الذى لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون" (1كو30:10).

ولا يجب إفتراض ان كل شر أو حادث أو ألـم هو هجوم من الشرير، فليس كل شيئ ضار يحدث لنا هو نتيجة حتمية لهجوم مباشر من الشيطان، بل ربما يكون نتيجة طبيعية لحياتنا فـى العالم ونظامـه الذى نحيا فيه. فمثلا إنسان أصيب بالسرطان، أو بـمرض عِضال فربـما يكون هذا نتيجة غير مباشرة طبيعية لتدخل الشيطان من خلال نظام التجارة العالـمي، وتشجيع تصنيع الـمبيدات و الإشعاعات، وإضافة الـمواد الحافظة، والإستخدام السيئ للهندسة الوراثية وغيرهـا.

كـما لا يجب إفتراض ان الألـم والـمعاناة هو نتيجة طبيعية لخطيئتنـا، كما جاء على لسان التلاميذ عن المولود أعـمى منذ مولده: "أهذا أخطأ أم أبواه حتى وُلد أعـمى" (يو2:9)، فأحيانـا يكون هذا الألـم تجربـة يسمح بهـا اللـه لـنمو حياتنـا الروحية، مثل تجربة أيوب الصديق

" فقال الرب للشيطان ها إن كل شيئ له فـى يدك ولكن إليه لا تـمد يدك" (أي 12:1)، وتجـربة آحـآب الـملك "فخرج روح ووقف بين يدي الرب وقال أنا أغويه.فقال له الرب بـماذا. فقال أخرج وأكون روح كذِب فى أفواه جميع أنبيائـه. فقال إنّك تُغوى وتقتدر فأخرج وتصنع هكذا" (1ملو22:22)، أو طوبيـا البار " وإنـما آذن الرب أن تعرض له هذه التجربـة لتكون لـمِن بعده قدوة صبـره كأيوب الصِديق"

(طو12:2)، أو بولس الرسول "ولئلا أستكبر لسمو الإيحاءات أُعطيتُ شوكة فـى الجسد ملاك الشيطان ليلطمنى" (2كور7:12)، وأيضا لبطرس الرسول عندما قال الرب " سمعان سمعان هوذا الشيطان سأل أن يغربلكم مثل الحنطة لكنى صلّيت من أجلك لئلا يفنى إيـمانك" (لو31:22).

لذلك يقول لنا الرسول بولس: "لقد نسيتم التعزيـة التى تخاطبكم كالبنين فتقول يابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبّخك فإن الذى يحبه الرب يؤدبه.. أما هو فلـمنفعتنا حتى نشترك فى قداسته" (عب4:12-12). ويقول يعقوب الرسول: "طـوبـى للرجل الذى يصبـر على التجربـة لأنه إذا زُكي ينال إكليل الحياة الذى وعد به الله الذين يحبونه" (يع12:1)، وأيضا قال يشوع ابن سيراخ: "إن الذهب يُمحص فـى النار والـمرضيين من الناس يُمحصون فـى آتون الإتضاع" (يشوع بن سيراخ 5:2).

لقد شفى الرب يسوع جميع الأمراض والعاهات والأسقام، ونرى أن بعضاً

من تلك الأمراض يرجع بالفعل إلـى تجارب شيطانية وخطايـا الإنسان

ذاته، لذلك قال السيد الـمسيح الـى مريض بركة بيت حسدا بعد شفاؤه: "هـا أنك عُوفيت فلا تخطأ بعد لئلا يصيبك أعظم" (يو14:5).

+ الفوائـد الروحيـة من التجارب او الحروب الروحية:

1.                       الإتضاع وعدم التكبـر ومعرفـة قـدر الذات.

2.         الصلاة والتمسك بالله وطلب معونته، فالإنسان وهو مستريح قد لا يطلب الـمعونة الإلهية ولكن إذا إشتدت عليه الحرب يصرخ الى الله

 هذا الذى قال: "أدعنى فى وقت الضيق أنقذك فتمجدني"(مز15:49).

3.         الشفقة على الـمخطئيـن، فالذى لم يُحارب قد يقسو على الـمخطئين ويدينهم فقد قيل عن الرب "لأنه فيما هو قد تألم مجربـا يقدر أن يعين المجربين"(عب18:2).

4.                       إكتساب خبرة روحية يتعرف فيها الإنسان على حيل وفنون العدو ويأخذ خبرة سواء من قيامه أو سقوطه.

5.         تعطى روح الإستعداد، فشعور الإنسان بأنه فى حرب يجعله بإستمرار مستعداً "لتكن أحقاؤكم مشدودة وسُرجكم موقدة" (لو35:15).

6.                       مدرسة للإيمان، يرى فيها الإنسان يد الله كيف تتدخل وكيف تعين وتنصر.

7.                       تعطى قوة وعدم خوف، فالإنسان إنما يخاف الحرب لأنه لم يدخلها ولم يقاتل.

8.         إكتساب بركة ننال بها الأكاليل، ففى جهاد الإنسان وإحتماله تظهر فى ذلك محبته للرب فينال على ذلك الأكاليل " كن أميناً حتى الموت فسأعطيك إكليل الحياة"(رؤ 10:2).

عـاشراً: هـل قدرة الشيطان محدودة أم مطلقة؟

لكن يـبقـى السؤال: إذا كان الشيطان قـد هُزم، فلمـاذا نرى أعماله فـى العالم؟ وهـل يـُلام الشيطان عن خطايـانـا؟

فـى الحقيقة قدرة الشيطان محدودة، ولكنه فـى الوقت الحاضر يقوم بدور الغواية والخداع، ويـمكن تشبيه دور الشيطان كالأسد الذى فـى قفصه الحديد بحديقة الحيوانات عندما يزأر يرتجف منه كل رهيف القلب، بالرغم من وجوده داخل القفص الحديدى. مثلـما يقول القديس بطرس الرسول: "لأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتـمسا من يبتلعه هو فقاوموه راسخين فى الإيـمان" (1بط8:5-9). فالأسد لا يزأر إلا إذا كان جائعـا، وهو يعبّـر عن جوعـه بالزئيـر، وهو لا يفترس أي فريسة إلاّ إذا شعر بالجوع.لو لـم تكن قدرة الشيطان محددة بأمر اللـه لألتهم فريسته على الفور، ولكنه محدوداً فيكتفى بزئيره حتى يرعب صغار النفوس والضعفاء وغيـر الثابتين، فتتهاوى هذه النفوس وتسقط من الخوف فـى الخطيّة.فـى كل مرّة نخطئ إنـما نحن فـى الحقيقة نستجيب لنداء هذا الشيطان ذا القدرة الـمحددة.

الشيطان كالأسد الـمأسور فـى قفص حديقة الحيوانات، إذا اقترب منه إنسان ومد يده الى داخل القفص، فإن الأسد لا يتوانـى عن الإنقضاض على هذه اليد الـممدودة اليه وسيفتك بها، وبالطبع ليس الذنب ذنب الأسد فى قفصه، بل الذنب هـو ذنب من تقدم اليه وأدخل يده فى القفص.

هكذا الشيطان الـمنهزم لن يستطيع أن يصل الى أي مؤمن يبتعد عنه، وعن منطقة الخطر التى تحيط بـه، ولكن إذا سولت للإنسان نفسه بأن يقتحم عرين الأسد ويتمرغ فى الخطية، فسرعان ما يفترسه هـذا الشيطان.

ولكن يتبقـى السؤال التالـى:

عندمـا يُخطئ إنسان مـا، على من تقع الـمسؤلية؟ هـل نلـوم الشيطان أم الإنسان؟

فـى كتاب التكوين نجد الإنسان يردد هذا العذر، عندمـا واجه اللـه بعد السقوط:

" فقال آدم: الـمرأة التى جعلتها معى هى أعطتنى من الشجرة فأكلت" (تك12:3)، "فقالت الـمرأة الحيّة اغوتنـى فأكلت" (تك 13:3). عذر آدم فيـه لوم على الله نفسه الذى أعطاه الـمرأة!!..وعذر حواء فيه لوم على الحيّة.إنـه نفس العذر الذى يردده الإنسان فـى كل مرّة يقع فـى الخطيئة، محاولاً بهذ اللـوم أن يُقصي الذنب عن نفسه، وأن يجد الـمبـرر لعـمله ويتجاهـل مسؤولية أخطائـه.

"أنت بلا عذر أيهـا الإنسان" (رو1:2)، ولا تردد:" لا تقل هو أضلّني فإنه لا حاجـة له فـى الرجل الخاطئ" (بن سيراخ 11:16)، ولهذا قال الرب على لسان اشعيا النبي:"ذكّرنـي فنتحاكم معـاً وأين أنت لكى تُبـرّر نفسك" (اش 26:43)، وحقا ما قاله الوحـي على لسان يشوع ابن سيراخ "هو صنع الإنسان فـى البدء وتركـه فـى يد إختياره وأضاف إلى ذلك آوامره ووصاياه"، " الحياة والـموت أمام الإنسان فـما أعجبه يُعطى لـه" (إبن سيراخ 18:15).

إحدى عشر: عـواقب العلاقـة مـع الشيطان؟

1.                       الـموت

 وهذا ما أعلنه الوحي الإلهي على لسان سليمان الحكيم قائلاً:"بحسد ابليس دخل الـموت الـى العالـم" (حكمة 24:2)، وفـى رسالة القديس بولس الرسول أيضاً قائلاً: " لأن أجرة الخطيئة هـى الموت"(رو23:6)، "لأنكم إن عشتم بحسب الجسد تـموتون" (رو 13:8).

2.                       الضيقـات

هذا مـا نقرأه فـى كتاب أيوب من أن الشريـر "يتلّوى كل أيامـه وكل عدد السنين الـمعدودة للعاتـي" (أي20:15).

3.                       الألـم والـمرض

لقد شفى السيد الـمسيح العديد من الـمرضى وذوو الأسقام ومن كانت بهم الأرواح النجسة وأعطى هذا السلطان لرسله: "أنا قد أعطيتكم سلطاناً أن تدوسوا الحيّات والعقارب وقوة العدو كلّها" (لو19:10)، " وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة لكي يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف(مت1:10).والقديس بولس الرسول يُعلن هذا أيضاً قائلاً:"لذلك كثُـر فيكم الـمرضى والسِقام ورقد كثيـرون" (1كور 30:11).

4.                       الجهل أو عسر معرفـة الحقائـق

"مخافة الرب رأس الـمعرفة أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب"

(أمثال7:1).

5.                       ضعف قوة الإرادة

"السُكْر يهيّج غضب الجاهل ويقلل القوة ويُكثـر الجراح"

(ابن سيراخ 40:31).

6.                        الرغبة فى إشباع الحواس خلافا لحكم العقـل

" أنتم من أب هو ابليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو44:8).

7.                       الخوف

"إنـي سمعت صوتك فـى الجنّة فخشيتُ"(تك10:3).

إثـنا عشر: هـل يقدّم الناس عِبادة للشيطان حتى اليـوم؟!

منذ القِدم قُـدمت للشر القرابين إتقاءً لضرره وخوفـاً من غضبـه، وتوجد الآن عبادات خاصة لها فرائضها وطقوسها السريـة للشيطان وتنتشرمعابد الشر فـى أمريكا وبعض بلدان أوربـا، بالرغم من تحريم حكومات بعض الدول مثل هذه الـممارسات.

وهناك أيضا ًمن العِبادات الحديثة التى تنادى إمـا بعدم وجود الشياطين أو الإعتقاد بوجودهم وضرورة الإهتمام بوجودهم.

 

ومن تلك التى تنادى بعدم وجود الشيطان نجد ما يلى:

  الثيوصوفيـة: تنادى بعدم وجود الشيطان بالمفهوم الشخصي وإن ما نسميه مجازاً بالشيطان هو إنكار قصد الله.

  مدرسة الوحدة المسيحية: وتنادى بإنكار وجود شخصية اسمها الشيطان.

الروحانيـة: وتنادى بأنه لا وجود للشر والأرواح الشريرة وأن جميع الأرواح هى فى العالم الآخر ولا تعدوا إلاّ كونها نفوس أولئك الذين عاشوا هنا من قبل.

  مدرسة العِلم المسيحي: وتقول بأن الشيطان أكذوبة وليس من الصحة أن يُعتقد فى وجود أرواح صالحة وأخرى شريرة.

الأخوة المسيحية: وتنكر وجود الشيطان تماما وانـه إنما ذُكر كأسلوب مجازي كالذى يتحدث عن الحكمة كإمراءة أو الثروة بالمال.

لكن هناك عبادة أخرى للشيطان غيـر ظاهـرة، لا تقام داخـل معبد أو بطريقة معينة، ففـى الحقيقـة عندما يسلّم الإنسان ذاتـه للشيطان فهو يصيـر عبداً لـه.

قد يتهكّم البعض أو يثور ويتباهـى آخـر بأنـه من أخوة الرب، أوبأنـه "مسيحـي"، أو "متديـن يعرف ويؤمن باللـه"، أو "يحب اللـه من كل القلب".

مهلا قليلاً، أرجو أن تتسائل مع ذاتك، هـل فعلت ما نهى عنـه الرب؟، أو رددت يومـا مـا، أو شغلت فكرك واحدة من القضايـا التى تنكر وجود اللـه ومحبتـه أوعندمـا نحب ذواتنـا أكثـر من اللـه.

فهـل مـا زلنـا أيهـا الأحبـاء نعتقـد بأننا لـم نقدّم ذبيحـة واحدة للشيطان؟…

إن حوادث الفشل والإفلاس والسقوط تعطيناصورة واضحة عـما يصيب الإنسان الذى يهتم بالعالـم وليس للرب وذلك بتحصيل الأموال والأملاك والشهرة والسلطة والقوة والعائلة والـمركزوالأصدقاء والعلوم والفنون والإيـمان الظاهـري. كل ذلك هو الألهـة الكاذبـة التى يقدم لها ذاته وذبائحـه. أي آلهـة تلك، إذ كانت تعمل على تحطمينـا وتشريدنـا وعبوديتنـا، وزرع الخوف والقلق فيصبح الإنسان "عريانـاً "خائفاً" "مطروداً"، "تـائهـا فـى الأرض" و"عبداً".

 

 

لقد صدق قول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس:

"إنها ستأتـى فى الأيام الأخيرة أزمنة عسيرة حينئذ يكون الناس مُحبّين لأنفسهم وللـمال متكّبرين مُجدّفين عاقّين للوالدين كافرين للمعروف فُجّاراً لا ود لهم ولا عهد مُلقيّ فتنة داعرين شرسين مُبغضين للصلاح خوّانين مُقتحمين مُنتفخين مُغلبين حُب الذّات على حب الله لهم ظاهر التقوى لكنهم يُنكرون قوّتـهـا" (2تيمو1:3-5).

ثـالث عشر: الحروب الروحيـة

حياة كل إنسان مسيحي لا تخلو من الحروب، بعضهـا خارجـي والآخر يأتـى من الداخـل، ونحن نتعرض دائـماًلهجوم التجارب الـمختلفة. ولكي يبدأ الغزو من العدو يجب أن يكون لـه مداخـل يدخـل بهـا الينـا. وهناك أنواع كثيـرة من تلك الحروب:

أولا- الحروب الخارجية

هـى التى تأتـى من مصادر معروفـة، إمـا من الشيطان، أو من الناس، مثل الصُحبة والأصدقاء والبيئة التى نحيا فيهـا بكل ما فيها من عثرات.

1.حروب الشيطان

هذه الحروب قد تكون بطيئة، أو طويلة الـمدى، ولا يشعر بها أحـد، فالشيطان يُنقص من حرارة الإنسان الروحية شيئاً فشيئاً حتى تتغير حياته، مثلـما حارب سليمان الحكيم بالترف وكثرة النساء ومجاملتهن الى أن سقط (1مل1:11-8).

أو قد تكون حروب فجائية وعنيفة، وقد تشبه الأحلام الـمفزعة، أوالرؤى الكاذبـة، أو مثل التجارب التى أصابت أيوب الصديق (أي 1و2)، أو طوبيـا البـار (طو2).

وكما سبق وبينـا من قبل فالشيطان من حيث طبيعته يـمتلك القدرة على صنع عجائب لكى يظهر قوتـه، ولدينا مثل واضح من خلال السحرة الـمصريين الذين فعلوا بسحرهم مثلـما فعل موسى، فتحولت عصاهم الى ثعابين (خر 12:7)، وحوّلوا الـماء الى دم (خر22:7)، وأصعدوا الضفادع على أرض مصر (خر7:8).

ويذكر لنا السيد الـمسيح بأنـه :"سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبـة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن الـمختارين ايضاً" (مت 24:24).

هناك حروب أخرى للشيطان من خلال الأفكار الشريرة التى يطرحها فـى الفِكر وفى القلب.هذه الأفكار والشهوات ليست نابعة من قلب الإنسان وتظل بعيدة عنه حتى يفتح لها الإنسان بابـا لتدخل منه. يقدم الشيطان إقتراحاته الشريرة للإنسان ولكنه لا يُـرغمه على قبولهـا أو تنفيذهـا.

عندمـا تسمع من يقول لك:

– أيهـا الإنسان يـمكنك أن تكون مشابها للـه.

– أن اللـه بلا قوة ولا يـمكنه مساعدتك.

– انك محتاج لراحة من عناء الجهاد الروحـى.

– أن خدمتك قـد أثـمرت وكأنك وحدك قد صنعت تلك الثمار.

– أن اللـه لـم يحفظ وعده من قبل.

– لـماذا تتعب فانه لا يمكنك القيام او الثبات.

– فلتخطئ كـما تشاء فـمن يرى أو يعلـم ما تصنعه فـى الخفـاء.

– أن وجود الشر مجرد خيالات وأساطير موروثـة.

– أن اللـه لـه بعض الـمختاريـن الـمكتوبة أسماءهم فلِم التعب والجهـاد.

– أن الله محبة وهو يغفر لك ذنوبك مهما فعلت.

– أن الله خلق الإنسان حراً فله أن يفعل كيفمـا شاء.

– لابد لك من العمل من أجل لقمة العيش والله خلق الإنسان ليعمل، فالعمل أولا ثم تأتـى فروض ووصايا الله بعد ذلك.

– الكل يفعل ذلك ألا تجامل؟!

فـأعلـم انها كذبة مكشوفة، قضمة أخرى من الثـمرة الـمحرمـة، وفيهـا يخدم الشريـر نفسه وسلطانـه، ويقلل من قيمة وجود اللـه والخلق والفداء، ويحطم قوى الرجاء والحياة الروحية، ويسخرمن ذبيحة الـمسيح على الصليب ومن قوة قيامته، ويخفى نشاطه وأعماله الـمدمـرة لتحطيم الإيـمان وتعاليـم الكتب الـمقدسة.

2.                       حـروب تأتـى مـمن يحبوننـا ويعطفون علينا:

هذه الحروب يصعب محاربتها، فسقطة حـواء كانت من معاشرة رديّة بجلوسها مع الحيّة، وسقطة أخاب الـملك كانت بيد زوجته ايزابل. إختيار الصديق لـه أهـمية قصوىوكذلك يلزم حُسن إختيار شريك الحياة. ونتذكـر دائـما بأن:"الـمعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الحميدة"

(1كو33:15)، "أعداء الإنسان أهل بيته" (مت 36:10). عندما يـمنع الأباء والأمهات أولادهم من الصوم، ومن الصلاة، ومن ممارسة حياة الإيـمان والتردد على الكنيسة، فهذه تجارب وحروب شيطانية. وعندمـا يمنع الصديق صديقه، والزوج زوجته، أو الزوجة زوجها عن الواجبات الروحية، فهذه أيضاً تجارب وحروب شيطانية. القريب أو الصديق الحقيقي هو الذى يقرّب الإنسان الـى اللـة.

 

3.                       حروب العَـثـَرات:

العثـرة هى من العوامل الخارجية التى تتسبب فـى سقوط الإنسان، أو كل ما يجلب اليه فكراً خاطئـا أو شعوراً خاطئـاً أو شهوة خاطئة. قـد تأتـى من السمع أو النظر أو القراءة أو من باقـى الحواس. ربـما تفرض العثرات نفسهـا علينـا، وربـما نسعى نحن برغبتنـا إليهـا. لذلك كان السيد الـمسيح حازمـاً عندمـا طلب منا القضاء على أسباب العثـرات "إن كانت عينك اليـمنى تعثـرك فأقلعهـا وألقهـا عنك.." (مت29:5-30).

4.                       البيئـة:

هـى الـمجتمع والجو العـام الـمحيط بالإنسان، مثل أفكار الوسط الذى يعيش فيه وإتجاهات ونوعية الحياة، والـمبادئ السائدة فى الـمجتمع، وأسلوب التعامـل والـمفاهيم التى يعتنقها الكل أو الغالبيـة، ولهذا نصحنـا بولس الرسول: "لاتشاكلوا هذا الدهـر"

(رو2:12).

5. توجد حروب أخرى تأتـى فى صورة يريد فيهـا الإنسان أن يظهر بأنه أكثـر براعة من غيره فى إرتكاب الشر والـمعاصى. ولقد ذكر القديس أغسطينوس فـى إعترافاتـه هذا الإختبار: "كنت بين نظرائي لا أريد أن أكون أقل منهم فجوراً، فكنت عندما أسمعهم يفتخرون بشرورهم، أريد أن أكون أسوأ منهم لأستمتع لا بلذة الشر نفسه فحسب، بل بلذة الإفتخار به كذلك جعلت نفسي أسوأ مما كنت لكى لا أكون أقل من غيري، وإذا كنت لم أرتكب شراً معينا كنت أقول اننى ارتكبته لكى لا يحتقرنـى رفقائـي".

ثانيـا-الحروب الداخليـة:

هـى الحروب التى تنشأ من شهوة القلب، وعدم التحكم فى أفكار العقل ومن حركات أميال الجسد، وهـى أصعب من الحرب الخارجيـة، لأن الإنسان يكون فيهـا عدواً لنفسه. الحرب الداخلية قد تأتـى خفيفة أو عنيفة، حتى إن بدأت خفيفة فكلـما تراخـى لها الإنسان تسيطر عليه.

هـذه الحروب ربـما يكون من بين أسبابها ما يلـي:

    ترسيب خطايا الماضي فـى قلب الإنسان وفكره.

    حالـة الفتور، أو الطبيعة الضعيفة التى بسهولة تستسلم للخطأ.

     إهـمال الإنسان فـى مـمارسة الوسائط الروحية فيضعف القلب من الداخل وتنهار الإرادة الصالحة.

     التـراخـى فـى ضبط الحواس، فالحواس هى الأبواب التى يدخل منها الفِكر الشريـر.

ونـرى من بين الحروب الداخليـة مـا يلـي:

1.                        الحروب التى تأتـى من داخلنـا، أي من نقاط الضعف الـموجودة فينـا

    حرب الأفكار مثل فكرة الـتمرد على اللـه كإنعكاس لعدم الـمحبة الحقيقية.

  حرب الشهوات وهـى كثيرة منهـا: شهوة الجسد، الرغبة فى الإنتقام والسيطرة، الطمع وحب الـمال والإمتلاك، الطموح الى العظمة والرئاسة والسلطة. "إن الجسد يشتهـى ما هو ضد الروح والروح يشتهى ما هو ضد الجسد، كلاهـما يقاوم الآخر حتى انكم لا تصنعون ما تريدون" (غلا17:5).

لهذا صرخ يشوع ابن سيراخ للرب "لاتـملّكنى شهوة البطن ولا الزنى ولا تسلمنى الى نفس وقحة"(6:23).

لقد وصف القديس يوحنـا الإنجيلي هذه الشهوات قائلاً: "كل ما فـى العالـم هو شهوة الجسد وشهوة العين وفخر الحيـاة" (1يو16:2).

أ. شهـوة الجسـد:هـى الحب الغيـر الـمنظم للـملذات الحسيّة. ليست اللذة رديئة فـى حد ذاتهـا، فقد أباحهـا الله ونظّمهـا لغاية سامية، مثلـما علّق بعض اللذة فـى الأطعمة ليـرغبنا فى دعم قوى الجسم، غيـر أن التشويش هو فـى تحويل إرادة اللذة بعيداً عن الغاية الإلهية، أو أن يعمل الإنسان من أجل اللذة فقط، "ورأت الـمرأة أن الشجرة طيـّبة للمأكل" (تك6:3).

ب. شهوة العينين: تتضمن الفضول الغير الـمحبوب، والنظر بحسد لإشتهاء ما للغيـر "ورأت الـمرأة أن الشجرة..شهيّة للعيون ومُنية للعقل" (تك6:3).

ج. فخـر الحيـاة: تتضمن الكبرياء التى تدفع الإنسان لكى يعمل لأجل ذاته، وينسب نجاح كل عمل نتيجة لذكائه، كـما فيها إحتقار للغيـر، مثلـما كان يفعل الفريسيون.

     حرب الذات: مجد الذات، الـمنافسة الغير شريفة، حب الـمظاهـر.

     الفـراغ : فراغ الوقت، فراغ الفكر، الفراغ الروحى، فراغ الشخصية، الفراغ العاطفـي.

   الشك : الإرتياب فـى الدين والله والعقيدة والناس والأصدقاء والنفس والفضائل وإمكانية التوبة و قبولها، وايضاً فى الخدمة والطريق للحياة الأبديـة. والشك هو حالة من عدم الإيـمان، ومن عدم الثبات، ولذلك قال الرب لبطرس: "ياقليل الإيـمان، لـماذا شككت؟"

 (مت 31:14).

   الخوف وهو إما خوف من الـمجهول، أو من الـموت، أو من الناس، أو من الشيطان، أو ربـما خوف بلا سبب.لذلك حسناً قال القديس اوغسطينوس:"جلست على قمة العالم حينما أحسست فى نفسي أنى لا أخاف شيئا ولا أشتهى شيئاً". وجاء فـى رسالة يوحنا الرسول : " لأن الـمخافة لها عذاب فالخائف غير كامل فـى الـمحبة" (1يو18:4).

   خطايـا اللسان: التعظـم، الكذب، الشتيمة والسب واللعن وإدانة الآخرين، عدم العفة بالكلام الجارح أو الفاضح، نشر الشائعات والنميمة والدسيسة والتشهيـر، نشر الشكوك فى الدين والعقائد، ونشر البِدع واستخدام اسم اللـه باطلاً، أو نشر الخرافات، الرياء والـتملق، وكثرة الشكوى والتذمـر، وعبارات الخوف واليأس. لهذا يشرح القديس يعقوب الرسول خطورة اللسان قائلاً: " اللسان عضو صغيـر ويأتـى بعظائم"، ويقول القديس بولس الرسول: " إن كان أحد لا يعثر فـى الكلام، فذاك رجل كامل، قادر أن يلجم كل الجسد أيضاً"(يع3:3)،

 "لا تخرج من أفواهكم كلمة فاسدة بل ما يصلح منها ويفيد البنيان ليزيد

 السامعين نعمة" (أف29:5).

   قساوة القلب: لها إتجاهان قسوة نحو اللـه، وقسوة نحو الناس، لذلك تحذرنا الرسالة إلـى العبرانييـن من هذه القسوة:"إن سـمعتم صوته، فلا تقسو قلوبكم" (عب7:4).

     الفتـور الروحـي: الإنشغال، الروتين، الإكتفاء وعدم الـنمو، البعد عن الوسائط الروحية، الظن بأن الروحيات هى مجرد ممارسات، وجود خطية أو شهوة تشغل القلب، الكبريـاء، الكسل والتهاون. لهذا كان قول اللـه لـملاك كنيسة لادوكية: "هكذا لأنك فاتر، ولست بارداً ولا حاراً، أنا مزمع أن أتقيأك من فمى" (رؤ16:3).

   محبة الـمديح والكرامـة: يفرح به الإنسان ويشتهيه، يكره من لايمدحه، يـمتدح نفسه ويـبالغ فيه، ولا يقبل مدح الآخرين معه. لهذا يقول الحكيم " لا تكن حكيـما فى عينى نفسك (أم 7:3)، وقال ايضاً السيد الـمسيح: " مجداً من الناس لست أقبل" (يو41:5).

     العنف والغضب: الإيذاء بكل درجاته، تحطيم الـمعنويات، عنف الإهانـة، العنف السلبي مثل الكآبة أو البكاء الـمستمر، عنف الشهوات. لهذا ينصحنا بولس الرسول قائلاً: " لينـزع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب" (أف31:4).

 

2.                        الحروب التـى تأتـى من نقاط القـوة التى فينـا

 عندمـا يعتقد الإنسان أنـه قـد وصـل إلـى درجـة الكمال الروحـي وينتابه الغرور والتكبـر. فلقد قيل عن الخطايـا التـى تنشأ عن الكبرياء انها :"طرحت كثيرين جرحـى، وكل قتلاها أقوياء" (أم26:7).

رابع عشر: هـل حقـا يستطيع الإنسان الإنتصار على الشر؟

تقول التفاسيـر الحديثة عن مشكلة الشر فـى العالـم أن الشر علـى نوعيـن: شر طبيعـي وشر أدبـي، والإنسان معّرض لكل من الشرّين، فهو بطبيعته خاضع للـمرض والكوارث الطبيعية والـموت، وبطبيعته معّرض للخطيئة، حيث أنه ليس إلهـاً بل خليقـة، وهو ليس كاملاً بل ناقصاً.

الشّر الطبيعي ينـتج من كون الإنسان خليقة محدودة، والشّر الأدبـي ينـتج من كونـه خليقة حرّة، فـى إستطاعتـه السقوط فـى الخطيئة، وأيضا فـى قدرتـه السعي نحو الكمال والقداسة.

يـمكننا على ضوء حياة وموت وقيامة السيد الـمسيح أن نرى بأن الشر والـموت لـم يعدا ذلك اللغـز الذى حيّر الإنسان منذ القدم، مع السيد الـمسيح سُحقت شوكة الـموت، وتحررنا من عبودية الخطيّة لإن "كل من يعـمل الخطيئة هو عبد للخطيئة" (يو34:8)، و لكن جاء الـمسيح ليحررنا من تلك العبودية، :

"فإن حرركم الإبن كنـتم فى الحقيقة أحراراً" (يو36:8)، "أين غلبتك أيها الـموت؟وأين شوكتك أيها الـموت؟.فشكراً لله الذى منحنـا الغلبـة بربنا يسوع الـمسيح" (1كور54:15-57).

" إذن إذ قد إشترك الأبناء فـى الدم واللحم إشترك هو كذلك لكى يُبطل بـموته من كان له سلطان الـموت أعنـى ابليس ويُعتق الذين كانوا مدة حياتهم خاضعين للعبودية مخافة من الـموت" (عب14:2-15). "فـإنـّا نعلم ان إنسانـنا العتيق قد صُلب معه لكى يتلف جسد الخطيئة حتى لا نعود نُستعبد للخطيئة"(رو6:6).

نـحن بسري العماد والـميرون حصلنـا على التطهير من حالة الطبيعة البشرية الخاطئة والـموروثـة، وبهذا تستطيع النعمة الإلهية أن تعمل فينا بدون عائق.

إن الله قد سـُر ان يعطينا سر الملكوت (لو 32:12) ويتبقى على الإنسان الإستجـابـة على هذه الدعوة.

فبالـمعموديــة تـمت عملية الولادة الثانية، مثلـما يقول القديس بولس الرسول: " فلما تجلّى لطف الله مخلصنا ومحبته للناس خلّصنا هو لا إعتباراً لأعمال بر عملناها بل لرحمته بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس " (تيطس4:3-5)، وكـما يقول القديس بطرس: " وبه وُهبت الـمواعيد الـثمينة لكي تصيروا بها شركاء فـى الطبيعة الإلهية"

( 2بط 4:1).

لقد إنتصر السيد الـمسيح على الشر والخطيئة دون أن يقضي على حريّة الإنسان، ولكنه جدّد قوى الإنسان من الداخل، وقّوم طبيعته البشرية الـمحدودة، مظهراً وجه اللـه الحقيقى، ومبيناً للإنسان الطريق الوحيد الذى لا بد للإنسان أن يسلكه إذا أراد الحياة الأبديـة.

كيف يـمكن التغلب على الشيطان ؟

لقد كان للسيد المسيح ثلاث مواجهات علنية مع الشيطان، فى البريّة وفى بستان الزيتون ثم فى الجلجثة. ففى البرية إستخدم السيد المسيح سيف الروح أي كلمة الله. والمواجهة الثانية كانت عنيفة حتى ان الكتاب يذكر أن "عرقه كان يتصبب كقطرات دم نازلة على الأرض"(لو44:22) وفيها إنتصر بتسليم المشيئة للآب السماوي "فلتكن مشيئتك" (مت 42:26)، وفى الجلجثة يقول الكتاب المقدس "فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكى يبيد ذاك الذىله سلطان الـموت أي ابليس" (عب 14:2)، وفيهـا إنتصـر على ابليس بأنـه قد أكمل خطـة الخلاص الإلهيـة "قال قـد تـم وأمال رأسه وأسلم الروح"(يو30:19) وهكذا " بتقدمـة واحدة جعل الـمقدسـين كاملين إلـى الأبـد" (عب14:10).

للتغلب على الشريـر يـمكننا أن نتبع الوسائل الآتيـة، والتى مجملهـا أن نكون دائماً مع اللـه:

1.                       الوقـايـة:

فالوقايـة خيـر من العلاج، والرب قادر أن يعطيهـا لنـا: "أنتم الذين بقوة اللـه محروسون بإيـمان لخلاص مستعد أن يعلن فـى الزمان الأخيـر" (1بط5:1)، واللـه هـو الذى يحفظنـا من الشريـر: "أمين هو الرب الذى سيثبتكم ويحفظكم من الشريـر" (1تس3:3).

2.                       الإتكال علـى الرب:

فالرب هو الـمُنـتصر على قوى الشر:" الرب ملجأي وحصني إلهي فإتكل عليه لأنه ينجيك من فخ الصيّاد ومن الوباء الخطر بريشـه الناعـم يظللك وتحت أجنحته تحتمـى" (مز2:91).

"ويعينهم الرب وينّجيهم، ينقذهم من الأشرار ويخلّصهم لأنهم اهتموا بـه"(مز40:37).

ودائـمـا نردد "أستطيع كل شيئ فـى الـمسيح الذى يقوينـي" (فيليبى 13:4). فبـمعونـة الرب نستطيع الإنتصـار "لأن أسلحة حربنـا ليست بجـسديـة بل هى قـادرة باللـه على هدم الحصون"

(2كو4:10)، ويجب أن نثق بأن الذى فينـا هو أعظـم من العالـم "أنتـم من اللـه أيها الأبناء وقد غلبتم أولئك لأن الذى فيكم أعظم من الذى فـى العالـم" (1يو4:4).

إنـه الرب الذى يحارب فى معركتنـا مع الشيطان، وليس نحن، وهو الذى يقول لنـا: "لاتخف فإنـى معك" (اش10:41)، وأيضـا يقول:"لكن ثِقوا فإنّي قد غلبتُ العالـم" (يو33:16). وهو يدعونـا للغَلبـة كـما إنتصـرهو "من غلبَ فإنيّ أُؤتيه أن يجلس معي على عرشي كـما غلبتُ أنا وجلستُ مع أبي على عرشه" (رؤ21:3).

أنّه رب الأرباب وملك الـملوك الذى يحارب ولهـذا فالذين معه هم "مدعُوون ومُختارون ومُؤمنون" (رؤ 14:17) وهـو الذى يعينـهـم

" إنّ الذين يحبون الله كل شيئ يُعاونهم للخيـر" (رومية38:8).

فلست أنت الذى يحارب الشيطان، بل الله هو الذى يحاربه فيك ومعك .

فإن كان الشيطان كأسد يزأر فإن الله يرسل ملاكه ليسد أفواه الأسود

(دا22:6 )، فملائكة الرب هم جنوده "أليسوا جميعهم أرواحاً خادمـة تُرسل للخدمـة من أجل الذين سيرثون الخلاص"(عب13:1). فمنذ الخليقة ومن خلال تاريخ الخلاص نجد ملائكة الله قد قاموا بتنفيذ الـمخطط الإلهي، فهم الذين خلّصوا لوط وأسرته من الخطر"فأمسك الرجلان بيده وبيد إمرأته وابنتيه لشفقة الرب وأخرجاه وصيّراه خارج الـمدينة"(تك16:19)، وأعانوا هاجر وإبنها اسمعيل(تك 17:21)، وأعانوا العبرانيين فى الخروج من أرض مصر (خر12)، وساروا مع موسى كقول الرب "هوذا ملاكي يسير أمامك" (خر34:32)، ونقلوا العديد من الرسائل السماوية لقادة الشعب وساعدوا الأنبياء (3ملو6:19-8)، وبشّروا بالـمواليد وأخيرا أعلن الـملاك جبرائيل ميلاد السيد المسيح (لو26:1) وعند ميلاده سبّحوه قائلين"الـمجد لله فى العُلى وعلى الأرض السلام"

(لو14:2)، ومنذ التجسد وحتى القيامة والصعود نجد الملائكة تحيط بكلمة الله الـمتجسد وتخدمه "وحين يدخل البِكر إلى المسكونة ثانية يقول ولتسجد له جميع ملائكة الله"(عب6:1).

ومنذ بدء تاريخ كنيسة السيد المسيح نجد قوة ومساندة ملائكة الله عظيمة وظاهرة "ففتح ملاك الرب أبواب السجن للرسل"(أع19:5)، وقاد فيلبس للخصي الحبشي (أع 26:8-29)، ودعوة كرنيليوس (أع3:10-8)، وإنقاذ بطرس من السجن (أع7:12-10)، وإنقاذ بولس (أع 23:27-25). وسيظل دور ملائكة الله تعمل وتعين أبناء العهد الجديد حتى يأتـى السيد فى مجده "يرسل ملائكته ببوق وصوت عظيم فيجمعون مختاريه من الرياح الأربع من أقاسي السماوات إلى أقاصيها"(مت31:24) و "ومتى جاء ابن البشر فى مجده وجميع الـملائكة معه فحينئذ يجلس على عرش مـجـده"

(مت31:25).

حقـاً ان الحرب للرب (1صمو47:17) " وهو يحارب عنكم وأنتم صامتون"(خر14:14)، وكما يقول الـمرّنم "لا يصيبك شر ولا تدنو ضربة من خِبائك.لأنه يوصي ملائكته بك ليحفظوك فى جميع طرقك"

(مز10:90-11)، "يحلّ ملاك الرب حول متقيّه ويُنجيهم"(مز8:33)

3.                       الإيـمان:

يقول القديس بولس فـى رسالتـه للعبرانييـن عن أولئك "الذين بالإيـمان قهروا الـممالك وعـملوا البِـر ونالوا الـمواعـد وسدّوا أفواه الأسود وأطفأوا حِدة النـار ونجـوا من حـدّ السيف وتقّـووا من ضعف وصاروا أشدّاء فـى القتـال"(عب33:11)" وفيهـا نجد أن قوة الإيـمان هـى التـى بـهـا يـمكننـا أن نغلب العالـم

"والغلَبـة التـى يُغلب بهـا العالـم هـى إيـماننا(1يو4:5)، ولهذا يقول لنـا القديس يوحنـا: " من ذا الذى يغلب العالـم إلاّ الذى يؤمن أنّ يسوع هو إبن الله"(1يو5:5).

4.                       الـمثابـرة:

الـمثابـرة والإجتهـاد ضروريـان فـى التغلب على الشر كـما يوصينـا الرسول بولس: "غيـر متكاسلين فـى الإجتهاد حارّين فـى الروح.عابدين الرب. فرحين فـى الرجاء. صابرين فـى الضيق. مواظبين على الصلاة" (رو11:12).

5.                       الـمقاومـة:

للتغلب على الشر والشرير يوصينـا القديس بطرس قائلا:"فقاومـوه راسخين فـى الإيـمان"(1بط9:5)، وأيضـا يوصينـا القديس يعقوب الرسول قائلا:"قاوموا ابليس فيهرب منكم" (يع7:4)، والقديس بولس الرسول يطالبنـا قائلا:"البسوا سلاح اللـه الكامل لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية فى السماويات، حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذى بـه تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الـملتهبة، وخذوا خوذة الخلاص، وسيف الروح الذى هو كلمة اللـه مصلّين بكل صلوة وطلبة كل وقت فـى الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة" (اف 11:6-18). وهنا نجد ان مقاومة الشيطان يجب أن يسبقها الخضوع لله فلا نصرة لمن يقاوم متكلاً على ذاته. لا تفاهم مع الشيطان أو أن أعطيه أي فرصة فلا نقاش ولا جدال، فحواء أعطت الفرصة للخطيئـة بالحديث مع الحيّة.

6.                       الثـبـات:

الثبـات فـى الجهـاد ضرورى للإنتصـار كـما يوصينـا القديس بولس قائلا: "فأثبتوا إذا أيها الأخوة وتـمسكوا بالتعاليم التى تعلمتموهـا سواء كان بالكلام أم برسالتنا" (2تس15:2).

7.                        الإجتهـاد:

الإجتهـاد فـى حفظ النفس والقلب، وفـى نـمو الفضائـل الـمسيحية، وفـى إتباع كل عـمل صالح، وفـى الإحتراس من النجاسة، فالخطية تزداد بإهمال الواجبات.

إجتهـد أن تـملأ فِكرك دائـما بشيئ روحـي من خلال التأملات والصلوات والتسابيح والـمزاميـر والتراتيل الروحية (أف 19:5)، وكن متيقظاً لأي فكر ردئ أرضي حتى لا تتمادىفيـه.

 

8.                       الإبتعاد عـن الخطيـّة:

يعلن الوحـى الإلهـى على لسان يشوع بن سيراخ ضرورة الهروب والإبتعـاد عن كل سبب خطيئـة: "إهرب من الخطيئة هربك من الحيّة فإنها إن دنوت منها لدغتك" (بن سيراخ 2:21). ولهـذا يطالبنـا بولس الرسول قائلا: "فأميتوا أعضاءكم التى على الأرض الزنا النجاسة الهَوى الشهوة الرديّة الطمع الذى هو عبادة الأوثان تلك الأمور التى من أجلها يأتـى غضب اللـه على أبناء الـمعصية"(كو5:3-6). ولنتذكـر قول السيد الـمسيح لبطرس عندمـا أراد أن يثنيـه عن الفداء والصليب قائلا لـه: "اذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لـى لأنك لا تهتم بـما للـه لكن بـما للناس" (مت 23:16).

9. إجتناب رفقـة الأشرار:

ان رفقـاء السوء هـم أول من يقودنـا إلـى السقوط فـى الخطيئـة ولهذا يقول الـمرّنـم: "طوبـى للرجـل الذى لـم يسلك فـى مشورة الأشرار وفـى طريق الخطاة لـم يقف وفـى مجلس الـمستهزئين لـم يجلس"(مز1:1).

9.                       الصـوم والصلاة:

للإنتصار والغلبـة على الشريـر فلنتذكـر قول السيد الـمسيح:"أمـا هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت21:17).

لا تجعل الصوم والصلاة مجرد مـمارسات شكلية وروتينية، ولكن اجعلهمـا الطريق الحقيقـي للإنتصار على الشر فيجب أن تؤدى بفهم وعاطفة وتركيز وروح وحب، و تذّكر قول الرب الصريح: "يا ابنى أعطنى قلبك" (أم26:23). يجب أن تكون الصلاة بثقـة، فالرب يريد مساعدتنـا ونصرتنـا.

وفـى صلاتنـا يحسن أن نستدعـى لـمعونتنـا العذراء مريـم، أمنـا سلطانة السموات والأرض، لكي نـتشفع بهـا، لأن إبنهـا هـو الذى هزم الشيطان وأسقطـه وسحق رأسه (تك15:3).

 10. عِش حياة الشكر:

تدرّب على حياة الشكر، فـى كل حال وعلى كل حال، ولهذا يقول لنا بولس الرسول: "شاكرين فـى كل حين، على كل شيئ"(أف20:5).

 

11. عِش حيـاة الفرح:

لا ننسى قول السيد الرب: "أراكم فتفرح قلوبكم. ولا ينـزع أحد فرحكم منكم" (يو22:16)، فالفرح يطرد الكآبـة واليأس والفِكر الردئ، ولايكون لهـما مكان فـى قلب الإنسان، الذى يفرح بالرب كل حين.

12. تذّكـر غربتك على الأرض ولا تنسى ضعفك:

كان داود النبي يتأمل بإستمرار قائلا: "غريب أنا على الأرض، فلاتخف عنى وصاياك" (مز119)، وكان يقول: "عرّفنى يارب نهايتى، ومقدار أيامى كم هى، فأعلم كيف أنا زائـل" (مز4:39). وحينما يتذكر الإنسان أنه "تراب ورماد" فلا يغتـر ولا يتكبـر، لهذا يدعونا القديس بطرس قائلاً: "اسلكوا بالـمخافـة مدى غربتكم"(1بط17:1).

13. الإعتـراف والتـوبـة:

الإعتراف والتوبـة الحقيقيـة هـى بدايـة الخطوات العـملية فـى طريـق جهادنــا الروحـى للإنتصار على الشر"فإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو9:1)، "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقّر بـها وتركها يُرحم" (اش7:55).

التوبـة هـى ضرورية لـمغفرة الخطايـا، "فتوبوا وارجعوا لتُمحى

خطاياكم لكى تأتى أوقات الفرج من وجه الرب" (أع19:3)، والإعتراف

هو فعل إتضاع يطرد الشيطان.

14. معرفـة كلمة الله:

تقول الرسالة إلـى العبرانييـن: "فإن كلمة الله هى حيـّة وفعّالـة و أمضى من كل سيف ذى حدّين نافذة حتى مفترق النفس والروح والأوصال والمِخاخ ومـميزة لأفكار القلب ونيّاتـه" (عب12:4)، فلا يـمكن لنـا الإنتصار لو لـم تكن معرفتنـا بكلـمة اللـه قويـة، فالسيد الــمسيح أجاب بـما هو مكتوب من كلام الله فـى كل مرة حاول فيهـا الـمجرّب أن يجربـه "مكتوب.."(مت 4:4-9).

15. حيـاة التقـوى :

حياة التقوى هـى حياة الخضوع لله ولهذا أوصـى القديس بولس تلميذه تيموثاوس قائلا: "روّض نفسك على التقوى" (1تيمو7:4)، والقديس بطرس يدعونـا بالهروب من الفساد قائلا:"هاربين من الفساد الذى هو فى العالم من الشهوة" (2بط4:1)، وأيضا ينصحنـا قائلا: "زيدوا على إيـمانكم الفضيلة وعلى الفضيلة التعقّل وعلى التعقّل العفاف وعلى العفاف الصبر وعلى الصبر التقوى وعلى التقوى الـموّدة الأخوية وعلى الـموّدة الأخوية المحبة فإن هذه إذا كانت فيكم وكثُرت لا تدعكم غير عاملين ولا غير مثمرين فى معرفة ربنا يسوع المسيح"(2بط5:1-10)، والقديس بولس يدعونـا بأن نحيـا بالروح أى حياة التقوى والخشوع قائلا:"اسلكوا بحسب الروح ولا تقضوا شهوة الجسد" (غلا 16:5).

وإذ مـا عشنـا بالروح فإن قوة الروح القدس الساكن والعامـل فينـا وبتجاوبنـا معـه، عندئـذ نستطيع الإنتصار على الشر "إن الله هو الذى يعمل فيكم"(فيليبي 13:2).

16. ردد هذه الآيـة "اذهب عني يا شيطان"

إن هذه العِبارة التى انتهر بها الرب الشيطان (مت 10:4) لم تكن للتجربة على الجبل فقط، إنـما أيضا لكل حروب الشياطين مع البشر.

17. الحِكمة والإفراز

افحص أي فكر يقال أو يقرأ، وهكذا تفعل مع الرؤى والأحلام ومع نصائح الآخرين ولهذا ينبهنا الرسول بقوله "لا تصدقوا كل روح..بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله"(1يو1:4).

18. إستخدام الأسلحة الروحيـة

وهذه نجدها فى هذه الآية:"وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الـموت" (رؤ11:12). فدم الحَمل الذى أريق على الصليب به سحق رأس الحيّة، وكلمة الشهادة تعنى كلمة الله الحيّة الفعالـة. أي بـمعـنى آخـر فبالـمشاركـة الفـعّالـة فـى ذبيحـة القداس الإلهـى وبكلـمة اللـه فـى الكتاب الـمقدس تكون لنـا بـمثابـة أسلحـة روحيـة للغَلبـة والإنتصـار.

19. إستخدام إسم يسوع

فالسيد المسيح هو القائل: "يخرجون الشياطين بإسمي"(مر17:16)، "إن سألتم شيئا بإسمي فأني أفعله" (يو14:14)، لذلك فعندما نستخدم إسم يسوع المسيح فنحن نعترف انه هو الرب القادر والـمُعيـن والـمستجيب لنا.

20. عدم الخوف

أكثر شيئ يحبه الشيطان أن يجد الإنسان يخاف منه، لأنه متى خاف الإنسان يقف أمام الشيطان مرتجفاً مسلّماً كل أسلحته. ولكن السيد الـمسيح نصحنا ألاّ نخاف مطلقاً فهو القـائـل:"أنا هو لا تخافوا. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع"(مت 27:14). فلِم الخوف، ان قوة الله العاملة فينـا هى أعظم بـما لايقاس من قوة الشر. ألـم يقل الوحـى الإلهـى على لسان الـمرّنـم: "الرب نوري وخلاصي فممن أخاف.الرب عاضد حياتي ممن أرتعب"(مز1:26)، ولنتذكر بإستمرار سير القديسين الذين هزموا الشيطان بإسـم الـمسيح وبدون خوف.

 

خـاتـمــة:

هـا قـد عـرفنـا الآن مـا الـمقصود بروح الشر، عدو اللـه والبشر.

عرفنـاه منذ القِدم، وفـى جميع الحضارات التى سادت الأرض، حيث إختبـر وعرف الإنسان الشيطان.

إن الشيطان مازال يعمل ويسهر، ولا يـيأس ولا ينام من أجل تحطيم عـمل الله وسقوط الإنسان. لذلك لا يجب التقليل من شأن قوة الشيطان، أو إنكار وجوده، ووجود مـملكـة الشـر.

إنـه الشيطان، ذاك الأسد الزائر الذى يجول ملتمساً من يبتلعه(1بط 8:5).

إنـه العالـم، هذا النظام من البشر والحكومات التى تفعل الشر وتقاوم عمل الله "إن العالم يُبغضكم لأنكم لستم من العالـم" (يو19:15).

إنـه الخطيئة الكامنة فى الجسد وما يتبعها من قوة معّطلة كـما يعلن لنـا القديس بولس:" لأن ما أريده من الخير لا أعمله بل ما أكرهه من الشر إياه أعمل" (رومية 15:7).

إنـه سلطان الظلمة (كولوسي 13:1)، إله هذا الدهر الذى أعمى البصائر حتى لا يُضيئ مـجد الـمسيح (2كور3:4-4).

الصراع إذن متعدد الجبهـات والجـهات، فهو ليس مع لحم ودم، بل مع أعداء يتربّصون يستخدمون كل الأسلحة الـمتاحـة، مثل غرائزنـا، حيث يضعون العراقيل فـى مسارهـا، فترتبك وتعـمل ضد ما أراده الله للإنسان. إن صِراع الإنسان الـمسيحي هو من أجل العودة بالغرائز لتتوافق مع كلمة الله بتهذيـبهـا بالتدريب، مع العِلـم إن هذا الصراع يقويـه ويرشده روح الله الساكن فـى داخل الإنسان، لهذا يدعونـا الرسول بولس قائـلاً: "لا تطفئوا الروح"(1تس19:5).

كل القديسين عبـروا مرارة هذا الصِراع وأعطونـا مثالاً قويـاً، وتركوا العدو مقهـوراً، وكأنهـا علامـة أبديـة على ضعفه، إزاء من يصرخ ويستغيث الليل والنهـار طالبـا معونـة الله.

 الآن وقـد عرفـنـا ذاك العدو، الأسد الذى يزأر من خلف القضبان، الكذاب..الكذِب..أبو الكذِب، فـلا تسمع ياأخـى ويا أختـى همساتـه؟

لكن تذكّـر أيهـا الإنسان وعود اللـه العظمى والثمينة(2بط4:1)، فاللـه صادق لأنه"ليس إنسان فيكذب ولا ابن إنسان فيندم"(عدد19:23) فكل مواعيده صادقة، "لأنه لـم تسقط كلمة واحدة من كل كلامه الصالح" (1مل56:8).

إن عنايـة اللـة بالإنسان تفوق الوصف فهو القائل:

"لا أهملك ولا أتركك" (يشوع 5:1)، حتى اننا نقول واثقين: "الرب معين

لـى فلا أخاف ماذا يصنع بى إنسان" (عب5:13-6).

لقد قال الـملاك روفائيل لطوبيا: " إن الرب قد أرسلنى لأشفيك وأُخلّص سارة كنّتك من الشيطان" (طو14:12).

يكفـى أن نتذكـر كلمات الرب يسوع لنيقوديـموس "لأنه هكذا أحب اللـه العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3)، "أنتم من الله أيها الأبناء وقد غلبتم أولئك لأن الذى فيكم أعظم من الذى فـى العالم" (1يو4:4).

إن محبة اللـه للإنسان نلمسها فى الحقائق التالية:

فـى الخِلقة: "انـما خلق الإنسان على صورته ومثاله"(تك26:1).

فـى التجسد والفداء لأجل خلاصنـا: "من اجل خلاصنـا نزل من السماء" – من قانون الإيـمان

فـى عنايته بالإنسان: "أما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة فلا تخافوا" (مت 26:6-30).

فـى محبتـه للخطـأة: "لم آت لأدعو أبـراراً بل خطاة إلى التوبـة"

(مت13:9).

نلمسهـا أيضـاً فـى اننـا أصبحنا ورثـة للملكوت: "وإن كنا أولاداً فإننا ورثة ايضاً. ورثة اللـه ووارثون مع الـمسيح" (رو17:8).

لقد أوضح وأنـار الرب يسوع من أجل الإنسان صراع الروح مع الجسد، صراع القداسة مع النجاسة، صراع البـِر مع الإثـم، صراع الحب واللطف والبذل ضد الحسد والحقد والكراهية، أو بالأحرى صراع عوامل الحياة الأبدية فـى الإنسان وطبيعته، ضد عوامل الفساد والهلاك والـموت. لقد غلب لنـا الله العالم فـى جسد ابنـه الحبيب يسوع الـمسيح، وصار كل من يؤمن بالإبـن "خليقة جديدة" قادرة على الغلبـة والإنتصـار.

لذلك إجتهد وأعـمل وأطلب بكل تواضع من اللـه، الذى يحبك، أن يـمنحك اولا القوة لكى تضع محبة اللـه فـى قلبك، وأن يهبك روحـه القدوس فتنال القوة والحرارة والنور لتحيـا متممـاً مشيئـتة وإرادتـه القدوسة: "وتشددوا فـى الرب وفـى قدرة قـوتـه" عب 10:6).

فـى الصلاة التـى علّـمنـا إيـاهـا الرب يسوع جاءت هذه الطلِـبة: "نجنـا من الشريـر" (مت 13:6)، وأيضاً كان هذا الطلب فـى صلاة يسوع الأخيـرة :" أنـا لست أسأل أن ترفعهم من العالـم بل أن تحفظهم من الشريـر" (يو15:17)، "وهـذه هـى الثقـة التى لنا بـه"(1يو 14:5)

"نعلـم أنـّا نحن من اللـه، ونعلـم أنّ ابن اللـه قد أتـى وأتـانـا بصيـرة لنعرف الإله الحقيقي" (1يو15:5)، فلنردد مع ميخا النبي: " لا تشمتي بـي يا عدوّتـي فإنـى إذا سقطت أقوم وإذا جلستُ فـى الظلـمة يكون الرب نوراً لـي" (ميخا 8:7) " .

هيـّا نتجنـّد للرب كما فعل شاول الطرسوسي عندمـا دعاه الروح القدس أن يذهب لكي يـبشر الأمم: " لتفتح عيونهم فيرجعوا من الظلـمة الى النور ومن سلطان الشيطان الى اللـه حتى ينالوا مغفرة الخطايـا وحظـاً بين الـمقدسين بالإيـمان" (أع18:26).

ونتذكـر قول بولس الرسول: "فإشتـرك أنت فـى إحتمال الـمشقات كجندي صالح ليسوع الـمسيح. ليس أحد وهو يتجنّد يرتبك بأعمال الحياة لكي يُرضي من جنـّده وأيضا إن كان أحد يجاهد لا يُكللّ إن لـم يجاهـد قانونـا" (2تيموثاوس 3:2).

فلا نـملّ ولا نيأس من الصراع فكل أهوالـه لا تُقاس بسعادة الإحساس بالنُصرة والغَلبـة ولنتذكـر ما جاء فى كتاب الرؤيـا :

"من يغلب فسأعطيـه، أن يأكل من الـمنْ الخفي، وأن يأكل من شجرة الحياة..وأن يجلس معي فـى عرشي، وأن يلبس ثيابـا بيضاء ولن أمحو إسمـه من سِفر الحياةوأن أعترف بـه أمام أبـي " (رؤ7:2و11و17و26، 5:3و12و21).

الرب وحده قـادر أن يحفظنـا من الشريـر، ولا يدخلنـا فـى تجربـة، لأن لـه وحده القدرة والـمُلك والقوة والـمجد إلـى الآبد آميـن.

   الشماس نبيل حليم يعقوب

   لوس أنجلوس- كاليفورنيـا

   نوفمبـر 2000  

 

 

الـمراجع

1. الأب فاضل اليسوعي، "مدخل إلى رسائل القديس بولس"(يونيو 1989)

2.الـمطران كيرلس بسترس، "اللاهوت الـمسيحي والإنسان المعاصر"

 (1993)

3.البابا شنودة الثالث، "الحروب الروحية"، (القاهرة – يوليو 1992)

4.المرحوم الشماس جرجس صموئيل عازر، "ملخص او قانون العقائد الأرثوذكسية" (1977)

5. مثلث الرحمات نيافة الأنبا يؤانس، "بستان الروح"(1996)

6. مؤلفات متنوعة للمرحوم عباس محمود العقاد ود. مصطفى محمود

7. الأب متى الـمسكين، "رسائل روحيـة" 1984

8.البابا شنودة الثالث، "حروب الشياطين" (أكتوبر 1984)

9.القمص إشعيا ميخائيل، "الملائكة فى حياتنا" (أغسطس 1998)

10.القس جون أزوالد ساندرز-ترجمة القس وجيه وديع "الشيطان ليس

 أسطورة" (1995).

11.دياكون دكتور سمير هندى، "ثنائية الخير والشر فى فكر الآباء"،

 (1977)

12.القمص تادرس يعقوب ملطي " عبادة الشيطان فى العصر الحديث"

 (1997)

13.                 مثلث الرحمات نيافة الأنبا يؤانس، "السماء" (مارس 1991)

14.          “Satan’s Whispers” – Robert Don Hughes, (1996)

15.           Catechism of the Catholic Church, Liguori Publication (1989)

16.          Billy Graham, Angels God’s Secret Agents”, (1986)

17.           Book of Bible Lists- H.L. Willmington (1987)

18.           “Satanology: Our Invisible Adversary, the Devil’, J. Hampton

  III(1984)

[ أعدت وألقيت هذه الدراسة من قبل فـى إجتماعات الشباب بمطرانية الأقباط الكاثوليك بالمنيا فـى عام 1982، ثـم أعيد كتابتهـا مع الكثيـر من الإضافات]