علاقة المسيحي بالوطن

 

الأب د. لويس حزبون – بيرزيت

إن السماء هي الوطن الحقيقي السماء هي الوطن الأفضل والذي ننتظره وينتظرنا. نعم الأفضل لان هذه الحياة وهذا الوطن الذي نحيا فيه على الأرض هو فاضل، ولكن سيوجد ما هو أفضل. فالوطن السماوي لا يلغى وجود الوطن الارضي. والسعي نحوه لا يعني إنكار الوطن الأرضي. فالحب تجاه وطنه الأرضي لا يتعارض مع الاشتياق للوطن السماوي.

 

فالوطن الأرضي هو المكان الذي ينمو فيه المسيحي ويحيا رسالته كأبن لله، هو مكان الرسالة. اما الوطن السماوي هو مكان الاستقرار، هو البيت الأبدي الذي فيه سينال هذا الإنسان ما له، بنعمة البنوة. فخدمة الوطن الأرضي وساكنيه، ليست بواجب أخلاقي او فرض على المسيحي فقط، بل هذه الخدمة هي رسالة يظهر بها، وفي هذا الوطن، حب الله لمن يحيا معه.

 

إن كبت الروح الوطنية ومحاولة توجيه الإنسان نحو وطنه السماوي على حساب احتقاره للوطن الأرضي قصور في فهم النفس البشرية، وإضرار بنموها، والاصح أن نُنمى في الإنسان توفير الاثنين، بموجب روح الإنجيل.: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ". المسيح لم يقل اكتفوا بإعطاء قيصر ما له، ولا قال اكتفوا بعطاء الله، ولكنه جمع بين الاثنين لكي نعطي قيصر والله كلا منهما حقه في مجاله.

 

وعليه تنبع حرية المواطن المسيحي في التصرف وإبداء الرأي والاشتراك في كل ما يخص وطنه في كل الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على السواء.  وهذا يتم بدون أن توحي الكنيسة للمؤمنين بالتزام نظام معين او سياسة معينة.

 

المواطن المسيحي عليه "أن يدرك أنه مسئول أمام ضميره وأمام التاريخ عن أنظمة الحكم في الدولة. فأي فساد أو إفساد في أنظمة الحكم والنكوص بها إلى حالات الرجعية والعنصرية والحزبية وما ينشأ عن ذلك من فساد المجتمع كله وتدهور الاقتصاد والغلاء والبلاء، لابد وأن يقع أول ما يقع على المسيحي لأن طبيعته الروحية توحي إليه أن لا يتهرب من تحمل التبعيات حتى ولو لم يكن مشتركاً في تسبّبِها.

 

ومن هنا يظهر جسامة المسؤولية على المواطن المسيحي من حيث عليه ان يتفهم أنظمة الحكم ومتابعة تطورها متابعة واعية حتى يستطيع أن يزن كل موقف من المواقف ويحكم حكمه الخاص المبني على المعرفة الاجتماعية الحرة، وفهم الأوضاع السياسية والاقتصادية قياساً على ما مرت به بلادنا سابقاً وما تعانيه البلاد الأخرى في الحاضر حتى يخرج حكمه سليماً ناضجاً غير متحيز، دون أن يقحم الدين أو الكنيسة أو مصالحه الشخصية في حكمه.

 

والمواطن المسيحي لا يستطيع أن يعتمد على مسيحيته في التهرب من واجباته الوطنية لأن في ذلك إساءة لمسيحيته ، فالمسيحية وبالتالي الكنيسة ليس لها اتجاه خاص في أنظمة الحكم ولا تناصر وضعاً اجتماعياً أو سياسياً، ولا ترتبط بأي نظام إن كان حسنا ولا تقاومه إن كان رديئاً ولكنها تعمل ما هو أعظم من ذلك كله، فهي تهب أولادها حرية كاملة ليتصرف كل واحد منهم في أمور الدنيا حسب أصول الدنيا دون أن يجرح ضميره المسيحي، فيناصر الوضع الأفضل، اجتماعياً كان أو اقتصادياً أو سياسياً بكل ما أوتي من معرفة اجتماعية واقتصادية وسياسية.

 

فعلى الكنيسة أن تدع المواطن المسيحي يتحرك بحرية في كل الاتجاهات كما يشاء وكما تمليه عليه تربيته ونشأته وثقافته ويتحمل في كل تبعة تحركه. وتظل الكنيسة فوق كل هذه التحركات جميعاً تعمل في اختصاصها لخلاص نفسه وإهداء قدميه في طريق ملكوت الله.