حوار عبر الزمن مع يونان النبي

للأخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس

 

س : من أنت ؟ عرفنا بنفسك ؟

أنا يونان ابن أمتاي، إسرائيلي الجنسية ، ولدت في القرن الثامن قبل الميلاد، وعشت فى جت الناصرة، وأسمى معناه حمامة. عشت في عصر الملك يربعام الثاني وقد كان عصرا مزدهرا ولكنه في نفس الوقت عصرا شريرا ؟ وعاصرت عاموس النبى.

س : ماذا كان عملك ؟

  كانت وظيفتى، نبى لشعبى إسرائيل (مملكة الشمال ) ، بمعنى أنى أنبئ الناس برسالة الله، خاصة ما يتعلق بالأحداث المستقبلية. وقد كنت نبيا معروفا في مملكة إسرائيل الشمالية. وقد أنبت بالانتصار العسكري العظيم الذي حققه الملك يربعام الثاني ضد الآراميين (السوريين) (2 ملوك 25:14).

س: ما هي الرسالة التي كلفك الله بها يا يونان ؟

 تلقّيت أمرًا من الله بأن أنادي بالتوبة في نينوى عاصمة المملكة الاشورية ، وقال لي الرب " قم إذهب الي نينوي المدينة العظيمة وناد عليها لانه قد صعد شرهم أمامي " . فرفضت دعوة الله ، وأردت الهروب منه ألي ترشيش ، فنزلت الي يافا ووجدت سفينة ذاهبة إلي ترشيش فدفعت أجرتها ونزلت فيها لأذهب معهم إلي ترشيش . وبهذا أخذت الإتجاه العكسى لنينوى، وظننت أننـى بـهذا هربت من المسئولية ومن الله نفسه والموضوع إنتهى..

س: لماذا رفضت دعوة الله لك ؟

بالحقيقة أنا كنت فى منتهى الحيرة والقلق، كيف أكون من شعب الله، وأذهب إلى شعب أممى وثنى وأدعوهم بالتوبة والخلاص من شرورهم، كيف أخبر شعبى أن الله يحب الأمم أيضاً، وأنه يريد خلاصهم.. أين روحى الوطنية ، كيف أذهب لأعدائنا وليس أى أعداء.. بل إلى مملكة اشور، وهى المملكة التى حطمت ودمرت مملكتنا من قبل وكان ذلك سنة (722 ق م ).

س : هل نجحت خطتك في الهروب من وجه الرب ؟

  لا لم تنجح فقد حصل شئ عجيب غير متوقع، وأنا نائم فى السفينة وإذ بالبحارة الأممين يوقظونى للصلاة إلى إلهى، لكى تهـدأ الرياح حيث كانت شديدة وكادت السفينة تتكسر، ولكن بعد سلسلة أحداث، عرفوا أنى السبب فى هيجان البحر، لأنى هارب من إلهى وأن هذا نتيجة خطئى، فطرحـونى فى البحر فأبتلعنى حوت، وبعد ثلاثة أيـام لفظـنى عند شاطئ البحر.

  وأخيرا أذعنت لأمر الرب ، فأنطلقت إلى نينوى، لأبشرأهلها بالخلاص، وكانت المفاجئة التى أزعجتنى وآثارت غضبى، هى اقبال الناس على التوبة فقلت للرب: " فالآن خذ نفسى منى لان موتى خير من حياتى" بعدها لقنّى الرب درس عملى مستخدما النبتة، التى لم أتعـب فيـها كيف اشفقت عليها، وأوضح لى كيف لا يشفق هو عـلى نينوى العظيمة المملؤة بآلاف الناس.

  ووضحت لي الحقيقة وهي أن الله يريد خلاص كل الجنس البشرى، سواء كانوا من بنى إسرائيل أو من الأمم، لم يكن بوسعي أن أخُلص الحب لشعب أشور، غير أن الله لم يشأ لهم سوى كل خير وخلاص، لـذلك أرسـلني لهم لأناديهم بالتوبة فيحيون.

س: " أنت النبي الوحيد الذي خصصت له الكنيسة القبطية صوما خاص به " قل لنا لماذا ذلك ؟

  خصصت الكنيسة القبطية ثلاثة آيام للصوم الخاص بي وهو الصوم المعروف بـ‏ (‏صوم يونان‏) ، وهو يسبق عادة الصوم الكبير بخمسة عشر يوم وبهذا يدخل المؤمنين الصوم الكبير وهم فى حياة التوبة ، ويعرف‏ (‏فطر‏)‏ صوم يونان بـ‏ (‏فصح يونان‏) ‏وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضا‏ (‏عيد الفصح‏) ‏مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصتي علي أنها رمز لقصة المسيح مخلصنا‏.‏

 

" لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال " ( إنجيل متى 12).

 

وعبر رب المجد بفمه الطاهرعن أهمية قصتي بقوله :

 " إن هذا الجيل شرير، يطلب آية فلا يعطي إلا آية يونان النبي‏.‏ لإنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل‏… ‏وأهل نينوي سيقومون في يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا عندما أنذرهم يونان‏. ‏وهوذا أعظم من يونان هنا " ‏(‏لوقا‏11:19-32), (‏متي‏12:38-41).‏

 

 ويعد هذا الصوم من الاصوام القصيرة والمحبوبة جداً لدي الشعب القبطي، وهو من أصوام الدرجة الأولى التى يكون فيها درجة النسك والتقشف عالية وكذلك تكون فيه ساعات الانقطاع عن الأكل طويلة . تقام فيه القداسات يومياً وتنتهى فى وقت متأخر من اليوم " بعد الساعة الثالثة بعد الظهرغالباً " ويعامل هذا الصوم فى النسك والطقس مثل الصوم الكبير. هذا الصوم هو صوم التوبة الذى به تاب أهل نينوى وخلصوا من غضب الله عليهم ، ونصومه لكى نستعطف قلب الله الرحوم أن يرحمنا ويسامحنا ويعطينا حياة التوبة ونقاوة القلب ويعطينا غفران خطايانا. هذا الصوم المقدس يهيئ أنفسنا وأذهاننا إلى رحلة الصوم الكبير لذلك نهتم جداً بهذا الصوم المقدس بما فيه من معانى روحية عظيمة ومفيدة لخلاص أنفسنا.، ويهيئ أذهاننا إلى رحلة التوبة والموت والقيامة مع المسيح .

 

س: ماذا تعني كلمة فصح التي تقصدها هنا ؟

  الفصح كلمة عبرانية معناها‏ (‏العبور‏) ‏أطلقت في العهد القديم علي عيد الفصح اليهودي تخليدا لعبور بني إسرائيل البحر الأحمر‏ (‏الخروج ‏14: 15)‏ إلي برية سيناء فأرض الموعد‏. ‏ولقد كان ذلك العبور القديم رمزا إلي الحقيقة الأعظم ، وهي ‏(‏العبور‏)‏ بجميع بني آدم من عبودية الجحيم إلي حرية مجد أولاد الله في المسيح، وقد تم هذا العبور بصلب المسيح وبقيامته المجيدة، إذ عبر هو له المجد بالنيابة عنا، بموته بديلا عنا وفادي، فصار عبوره هو عبورا لنا نحن، وقد عبرنا نحن فيه، ولما كانت قيامة المسيح بسلطان لاهوته هي برهان نجاح عملية العبور، لذلك كان عيد القيامة هو عيد‏ (‏الفصح‏) ‏الجديد، إذ هو عيد ‏(‏العبور‏) ‏إلي الفردوس والمنشود الذي فتحه المسيح له المجد‏.‏ بقيامته المجيدة‏.‏

 

س: ماذا تريد أن تقول لنا اليوم ؟

لا أريد أن أروي لكم تاريخا ، بل أن أقدّم تعليما هو شمولية الخلاص. هناك العجائب الكثيرة في كتابي الصغير وطابعها المجاني (العاصفة، من هم في السفينة ، القرعة، أنأ في البحر، الحوت الخاص الذي ارسله الله، خروجى من بطن الحوت الذي لم يؤذني ، طرحي على الشاطئ، النبتة التي تنمو في ليلة وتيبس). أن الخلاص لا ينحصر في الشعب اليهودي. إنه يشمل البشر كلهم حتى أكثرهم خطيئة.. الله هو ابو البشر، لأنه الخالق. الله يريد خلاص جميع البشر لانه الرحيم. أنا فقط أداة في خدمة كلمة الله التي تتجاوزني. رغم استعداداتي السيّئة أستخدمني الله لتوصيل رسالته . وذكر يسوع المسيح آيتي (آية يونان ). " وأتخذها رمزا له .

 وخلاصة كلامي أن الرب يحب كل أنسان كشخص فريد ، ويريد أن الجميع يرجعون اليه ويخلصون، محبته شاملة لكل البشر لانهم ابنائه المخلوقين على صورته . ربنا رحيم استحالة يهلك المدينة، فأنا أعرفه جيداً، عاشرته وأختبرته، " علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطئ الغضب، وكثير الرحمة ". أن الله يريد خلاص كل الجنس البشرى، سواء كانوا من بنى إسرائيل أو من الأمم. من المسيحيين أو غير المسيحيين . ألم يقل لكم " ها أنا واقف على الباب أقرع " " ومن يأتي الئً لا أطرحه خارجا "

  لا تترددوا عندما يطلب منكم الرب رسالة معينة ، لا تخافوا أن تذهبوا إلى حيث يريدكم حتي ولو رأيتم هذا الطلب غير منطقي، فبالرغم من ضعفكم فسوف يساعدكم لأكمال رسالته .