تعليم البابا بندكتس السادس عشر في المقابلة العامة بتاريخ 2 مايو 2012
روما، الخميس 3 مايو 2012 (ZENIT.org)
ننشر في ما يلي المقابلة العامة لقداسة البابا بندكتس السادس عشر مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس نهار الأربعاء 2 مايو 2012، والتي تكلم خلالها عن صلاة القديس اسطفانس في أعمال الرسل.
***
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
رأينا في التعاليم الأخيرة كيف تمكننا الصلاة الفردية أم الجماعية، والقراءة، والتأمل في الكتاب المقدس بأن ننفتح على سماع صوت الله وكيف تنفح فينا النور لنفهم الحاضر. أود أن أتكلم اليوم عن شهادة وصلاة إسطفانس أول شهيد للكنيسة، واحد من السبعة الذين اختيروا لخدمة المحبة تجاه المحتاجين. بحسب ما ورد في أعمال الرسل ففي لحظة استشهاده تظهر مرة أخرى العلاقة المثمرة ما بين كلمة الله والصلاة.
لقد اقتيد إسطفانس الى المحكمة ومثل أمام المجلس حيث اتُّهم بأنه قال أن "يسوع الناصري…سينقض هذا المكان (أي الهيكل)، ويبدل ما سلّم إلينا موسى من سنن" (أعمال 6، 14). خلال حياته العامة، كان يسوع قد أعلن تدمير هيكل القدس: " انقضوا هذا الهيكل أُقمه في ثلاثة أيام" (يوحنا 2، 19). ولكنه كما يذكر القديس يوحنا كان "يعني هيكل جسده. فلما قام من بين الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال ذلك، فآمنوا بالكتاب وبالكلمة التي قالها يسوع" (يوحنا 2، 21-22).
إن خطبة اسطفانس في المحكمة وهي الأطول في أعمال الرسل، تنطبق فعليًّا على نبوءة يسوع هذه، بأنه هو الهيكل الجديد، الذي يفتتح العبادة الجديدة ويستبدل التضحيات القديمة ببذل نفسه على الصليب. يريد إسطفانس أن يثبت أن اتهام يسوع بتبديل شريعة موسى لا أساس له، ويريد أن يظهر رؤيته لتاريخ الخلاص، وللعهد الذي أقامه الله مع الإنسان. هكذا أعاد قراءة نص التوراة الوارد في الكتاب المقدس، ليُظهر أنه يقود الى "المكان" الأكيد لوجود الله، الذي هو يسوع المسيح، وبخاصة آلامه، وموته، وقيامته. من هذا المنظور يفسر إسطفانس أيضًا هويته كتلميذ ليسوع، باتباعه حتى الشهادة. إن التأمل في الكتاب المقدس يخوّله أيضًا أن يفهم رسالته، وحياته، وحاضره. في هذا هو يسترشد بنور الروح القدس، وبعلاقته الحميمة مع الرب، الى حد أن أعضاء المجلس رأوا وجهه "كأنه وجه ملاك" (أعمال 6، 15). إن علامة الحضور الإلهي هذه تذكّر بوجه موسى المشعّ عندما نزل من جبل سيناء بعد لقائه مع الرب (راجع سفر الخروج 34، 29-35؛ الرسالة الثانية الى أهل قورنتس 3، 7-8).
يبدأ اسطفانس خطبته من دعوة ابراهيم للحج نحو الأرض التي أشار اليها الله ولم يكن يملكها إلا من خلال الوعد؛ ثم ينتقل الى يوسف الذي باعوه اخوته ولكن الله ساعده وحرره، ليصل إلى موسى الذي أصبح أداة الله ليحرر شعبه، ولكنه يواجه لأكثر من مرة رفض شعبه. في كل هذه الأحداث التي يرويها لنا الكتاب المقدس، والتي أصغى اسطفانس لها، يظهر دائما الله الذي لا يكل من الخروج لملاقاة الإنسان على الرغم من المعارضة العنيدة لهذا الأخير. صحّ هذا في الماضي، ويصحّ في الحاضر، والمستقبل. إذًا يرى إسطفانس في العهد القديم كله التنبؤ بمأساة يسوع، ابن الله الذي صار جسدًا، وككل البطاركة يواجه العقبات، والرفض، والموت. يستند اسطفانس الى نصوص يشوع، وداود، وسليمان التي تتعلق ببناء هيكل أورشليم ويختم بكلمات النبي أشعيا (66، 1-2) : "السماء عرشي والأرض موطىء قدمي. أي بيت تبنون لي؟ (يقول الرب) أم أيا يكون مكان راحتي؟ أليست يدي قد صنعت هذه كلها؟" (أعمال 7، 49-50). عند التأمل بعمل الله في تاريخ الخلاص، وعند تسليط الضوء على التجربة المستمرة لنبذ الله وعمله، يؤكد أن يسوع هو "المنتظر" الذي أعلن عنه الأنبياء؛ تجلى فيه الرب بطريقة فريدة من نوعها ونهائية: يسوع هو "مكان" العبادة الصحيحة. لا ينفي إسطفانس أهمية الهيكل في وقت ما، ولكنه يشدد على أن "العلي لا يسكن في بيوت صنعتها الأيدي" (أعمال 7، 48). الهيكل الجديد والحقيقي الذي يسكن فيه الله هو ابنه، الذي تجسد، هذه أنسنة المسيح القائم من الموت الذي يجمع الشعوب ويوحدها في سر جسده ودمه. يرد أيضًا التعبير عن الهيكل "غير المصنوع بأيدي الإنسان" في لاهوت القديس بولس وفي الرسالة الى العبرانيين: إن جسد يسوع الذي قدمه كتضحية لمغفرة الخطايا، هو الهيكل الجديد لله، المكان الذي يوجد فيه الله الحي؛ فيه يتواصل الله مع الإنسان والعالم: يأخذ يسوع على عاتقه كل خطايا البشرية ليحملها بحب الله و"ليحرقها" في هذا الحب. إن التقرب من الصليب، والدخول في شراكة مع المسيح، يعني الدخول في هذا التحول، إذًا الدخول في التواصل مع الله، الدخول الى الهيكل الحقيقي.
فجأة تنقطع حياة اسطفانس وخطبته بالرجم ولكن استشهاده هو فعلًا اتمام لحياته ولرسالته: لقد توحد مع المسيح. بالتالي، فإن تأمله بعمل الله في التاريخ وبالكلمة الإلهية التي أُتمت بيسوع أصبح مشاركة في الصلاة حتى في صلاة الصليب، ففي الواقع، قبل أن يموت صاح: "ربِّ يسوع، تقبل روحي" (أعمال 7، 59)، مستعينًا بكلمات المزمور (31، 6) ومردّدًا تعبير يسوع على الجلجلة: "يا أبت، في يديك أجعل روحي!" (لوقا 23، 46)؛ وأخيرًا، مثل يسوع، يقول بصوت عال أمام أولئك الذين يرجموه : "يا رب لا تحسب عليهم هذه الخطيئة" (أعمال 7، 60). فلنلاحظ ولو أنه من ناحية ما يردد اسطفانس صلاة يسوع، فالمتلقي مختلف، لأنه يتضرع للرب، أي ليسوع الذي يعاينه، ممجدًا عن يمين أبيه: "ها إني أرى السموات متفتحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أعمال 7، 55).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، شهادة القديس إسطفانس تعطينا بعض التوجيهات لصلاتنا وحياتنا. يمكننا أن نسأل أنفسنا: من أين استقى هذا الشهيد المسيحي الأول القوة ليواجه مضطهديه وليصل الى بذل ذاته؟ الإجابة سهلة: من علاقته مع الله، وشراكته مع المسيح، والتأمل في تاريخ الخلاص، ومن رؤية عمل الله الذي بلغ ذروته في يسوع المسيح. يجب على صلاتنا أيضًا أن تتغذى من الإصغاء الى كلمة الله، في الشراكة مع يسوع المسيح وكنيسته.
هناك عنصر ثاني: يرى القديس اسطفانس وجه يسوع ورسالته المُعلن عنهما في التاريخ من خلال علاقة الحب بين الله والإنسان. يسوع ابن الله هو الهيكل: "غير المصنوع بأيدي الإنسان" فيه أصبح وجود الله الآب قريبًا الى حد أنه تجسد ليقودنا الى الله، وليفتح لنا أبواب السماء. يجب أن تكون صلاتنا عبارة عن التأمل بيسوع عن يمين الله، يسوع إله وجودنا، ووجودي اليومي. ففيه وبقيادة الروح القدس، يمكننا نحن أيضًا أن نتوجه الى الله، ونقيم إتصالا حقيقيًّا معه، في ثقة الأطفال واستسلامهم متوجهين الى أب يحبهم الى ما لا نهاية. شكرًا.
***
نقلته من الفرنسية الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية