سـيـدة الـعـنـصـرة

للمتنيح مثلث الرحمات الأنبا أغناطيوس يعقوب

 

خاص بالموقع-

جاء اليوم العاشر بعد الصعود..اليوم الخـمسون بعد قيامة الـمسيح. فنحو الساعة التاسعة صباحا "حدث بغتة صوت من السماء ريح شديدة تعصف وملأ كل البيت الذى كانوا جالسين فيه، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار فإستقرت على كل واحد منهم فإمتلأوا من الروح القدس وطفقوا يتكلمون بلغات أخرى كـما أتاهم الروح أن ينطقوا "(أع 1:2-4). هؤلاء الجليليون الأنانيون الجبناء الأرضيون تغيروا فجأة وأصبحوا رجالاً آخرين يبشرون بالكلمة بكل جرأة ويأتون للـمسيح بأنصار وأتباع (أع 1:2).

حـلول الروح القدس على مـريم:

وحل الروح القدس على مريم أيضاً، لا لكي تتكلم بلغات أخرى أو لتقوم بعمل التبشير كسائر الرسل، بل لتظهر رسالتها الخاصة. فإذا كانت نعمة الروح القدس على قياس الإستعدادات الشخصية، فإن إستعدادات مريم كانت تفوق كل ما وجد فى الرسل من حسن إستعداد. ففى الحبل بها بلا وصمة الخطيئة الأصلية، حل الروح عليها ليهيئها لأمومتها الإلهية. وفى يوم البشارة، حل عليها بفيض أغزر ليجعلها أم يسوع وأمنا فى يسوع. وفى يوم العنصرة أتـى إليها ليجعلها أم الكنيسة التى هى إمتداد يسوع.

مـريم نــمو الكنيسة:

وكانت الكنيسة فى ذاك اليوم نفسه تنمو بنوع عجائبي، فقد إنضم فيه ثلاثة آلاف شخص من اليهود. وهذا يجري فى أورشليم، التى سمعت أجواءها منذ سبعة أسابيع صرخات البعض الضارية "ارفعه، أصلبه". ثلاثة آلاف تلميذ لإبنها، وثلاثة آلاف إبن جديد لها. وهؤلاء ليسوا فقط من اليهودية، بل من العالـم كله، لأنهم أتوا من جميع شعوب الأرض، ورجعوا يحملون لجميع الأمم بشرى الخلاص وإسم يسوع وشعلة محبته التى لا تدانيها محبة.

إن الفرح الذى خالج فؤادها الكبير..وأم الولد الوحيد تصبح أم جمـاهير لا يحصرها عد.

السنوات الأخيرة:

إن ذكر مريم فى العلية الصهيونية كان الخبر الأخير الـمباشر الذى ينقله الكتاب الـمقدس عنها. فإنه يرينا الرسل (فى الفصول الأولى من سفر أعمال الرسل) مـنكـبين على العمل والتبشير وتوزيع العماد وقبول ألوف اليهود والوثنيين فى حضن الكنيسة وإجتراح العجائب، ومناقشة الـمسائل العقائدية والتنظيمية..وفى كل هذا لا كلمة عن مريم. وذلك لأنها قُدمت للكنيسة لا لتكون مسئولة تقوم بـمبادرات وحركات يسجلها التاريخ، بل لتكون أماً تكون برفق نفس التلاميذ الأولين، حتى يكون فيهم "من الأفكار والأقوال ما هو فى الـمسيح يسوع" (فيليبي 5:2).

نـمو الكنيسة فى ظل مـريم:

وكان التلميذ يوحنا قد أخذ مريم الى بيته. وكل شيئ يحمل على الظن انها جعلت محل سكناها الإعتيادي فى أورشليم، وذلك فى الآونة التى عقبت موت الـمسيح. عاشت إذن فى تلك الـمدينة التى شاهدته يُعلـم ويتألـم ويموت ويقوم من القبر منتصراً فى اليوم الثالث. وكانت ترى أيضاً فى تلك الـمدينة الرسل الأخرين الـمقيمين والـمتنقلين. وإنضم الى هؤلاء منذ العنصرة عدة آلاف من اليهود، وعدد الـمؤمنين كان آخذا فى الإرتفاع بلا توقف. بالأمس شهدت مريم ما كان يسمـيه أعداء يسوع إنهيار عمله الكامل. والآن ترى هذا العـمل بالذات فى قوة ولـمعان عظيمين. فكان الرسل يكرزون، ومريم تصلي، والكنيسة تزداد نـمواً.

وكانت قدرة إبنها تتفجر فى كل مكان..

وجرت آيات كثيرة على أيدي الرسل بإسم يسوع الـمسيح "فكان الـمرضى يُحملون الى الشوارع ويوضعون على فرش وأسرة ليقع ولو ظل بطرس عند إجتيازه على بعض منهم فيبرأوا من كل علة بهم" (أع 12:5) . " " واجتمع أيضا الى اورشليم جمهور الـمدن التى حولها وهم يحملون الـمرضى ومن عذبتهم الأرواح النجسة فكانوا يشفون جميعهم" (أع 16:5).

وبهذا تمت الكلمات التى قالها يسوع لتلاميذه قبل صعوده الى السماء " يخرجون الشياطين بإسمي ويتكلمون بألسنة جديدة ويحملون الحيات وإن شربوا شيئا مميتاً فلا يضرهم ويضعون أيديهم على الـمرضى فيتعافون" (مر 17:16-18).

مـريم وحرارة التقوى فى أولادهـا..

وما كان أشد حرارة التقوى فى أولادها الذين من اليهودية. فإن مشهدهم على هذه الحال كان يثير فى قلبها الفرح والغبطة. فتحت كنف مريم وبقربها كان التلاميذ الأولون يؤلفون أسرة واحدة "بقلب واحد ونفس واحدة" (أع 32:4) . " ولم يكن أحد يقول عن شيئ يملكه انه خاص به، بل كان لهم كل شيئ مشتركاً" (أع 32:4). "وكانوا يلازمون الهيكل كل يوم بنفس واحدة" (أع 42:2-47) ويصغون الى تعاليم الرسل. ولـم تحظ كنيسة أورشليم بهذه الإمتيازات الروحية إلا لأن مريم كانت فى وسطها تنشطها وتغذيها وتذكي النار فيها. ومـا كان يعزي قلبها بنوع خاص هو ممـارسة "كسر الخبز" (القداس الإلهي) التى كان يقيمها التلاميذ فى أورشليم كل يوم مساءً "ويلازمون الهيكل كل يوم بنفس واحدة ويكسرون الخبز فى البيوت ويتناولون الطعام بإبتهاج ونقاوة قلب" (أع 26:2). ومـا كان أعذب هذا الإجتماع مساءً على قلب مريم ففيه كانت تجدد تذكاراتها القديمة ..التجسد الإلهي وفداء البشر..وكـم كانت تشعر بالغبطة حين كانت تضم يسوع إلى صدرها فى الإفخارستيا، فكان هذا التعانق السري ينسيها نوعاً مـا لوعة الفراق وكربة الـمتفى.

 مـريم الـشفيعة الـعـامـة:

وكانت مريم فى غرفة بيتها الوضيع، بتوسلاتها غير الـمنقطعة، تتهيأ لتلك الـمهمة الخطيرة التى سوف تتولاها وهى على عرش مـجدها، ألا وهى مـهمة الوسيطة العامـة. فإن صلاتها تشمل الجميع، إذ أن الجميع هم أولادها. و الجميع ينظرون اليها نظرة تقدير وإحترام.

واليوم مع مريم سيدة الرسل، لا يمكن أن نقف أمام صعوبات الحياة وأمام أعدائنا خجلين وبلا قوة، لا يمكن أن نكون مهزومين لأننا نختبر فى أنفسنا فعل قوة الروح القدس ومحبته الذى ملأنا بـمواهبه فى يوم العنصرة. فلـنـمتلئ مع مريم طـعاماً مقدساً فى يوم الخمسين.

هــل يـعـوزكــم آمــان وســلام؟

تـعـالوا الى مريم شفيعتكم عند الروح القدس لتحصلوا على الإطمئنان والفرح والسرور وهكذا تكون الدنيا مـبتسمـة لكم.فلا يهمكم عواصف وزوابع العالم الشرير..لأن من كان الله أباه فهو فى سلام وأمان وسعادة.

هــل تـعـوزكــم الـغـلــبـة عـلى الـخطية؟

تعالوا الى مريم شفيعتكم التى تسأل روح الله القدوس نعمة الإنتصار على الخطيئة، فهو الترياق الوحيد الذى يشفى من سلطان الجسد وتعظم الـمعيشة، فتنطفئ كل الأفكار الشريرة وكل التجارب، فإن الخطيئة لا تقدر أن تقف أمام حضور الروح القدس، كـما إن الظلمة لا تقدر أن تقاوم فعل شمعة نور الصباح.

هــل تـعـوزكــم ثـمـار القداسة؟

تعالوا الى مريم شفيعتكم واسألوها نعمة القداسة بواسطة روح الله القدوس الذى يـملأكم براً وقداسة فتصبح وجوهكم منيرة من جذور الله داخلكم فتجذبون الناس الـى الـمسيح بصفاتـكم الـمسيحية وتكونون بحق أغصان مـثـمرة وليس أغصاناً يابسة جرداء كالتى أكلها الجراد، فأنتم أغصان الكنيسة الحية الذين شربتم من عصير الروح القدس الـمحيي ولذلك تخضر فروعكم وتحمل ثـماراً عظيمة.

هــل تعوزكم قوة للـخدمة؟

تعالوا الـى مريم شفيعتكم وامكثوا معها فى علية صهيون..فى الكنيسة الـمقدسة "لأنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" وهكذا تنطلقون للخدمة فى حقل الرب وتشهدون بكم صنع بكم الرب. إن الكنيسة الأولـى لـم تقدر أن تشهد بشجاعة وقوة عن قيامة الـمسيح إلا بعد أن نالت موعد الروح القدس بوفرة وقوة. آمنول إذن بوعد الله وكلامه لأن الله صادق وهكذا تـمتلئون من الروح القدس وتبتدئ ثـمار الروح أن تظهر فى حياتكم بشفاعة مريم سيدة العنصرة آمين.