الْمُقَابَلَةُ الْعَامَةُ لِقَدَاسَةِ الْبَابَا بِنِدِكْتُسْ السَّادِسَ عَشْرَ

  

حول سَنَةُ الْإِيْمَانِ

خاص بالموقع: 17/10/2012

الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ:

قِرَاءَةٌ مِنْ رِسَالَةِ الْقِدِّيسِ بُولُسَ الْأُولَى لِكَنِيسَةِ كُورُنْثُوسَ الْإِصْحَاحِ الْخَامِسَ عَشْرَ مِنِ الْأَيَةِ الثَّالِثَّةِ وَحَتَّى الْخَامِسَةِ (1 كور 15/ 3-5):

"سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ مَا تَسَلَمتُه أنا أيضاً، وَهْوَ أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا كَمَا جَاءَ فِي الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ وَقَامَ فِي الْيَوْمِ الثـَّالِثِ كَمَا جَاءَ فِي الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ تراءى لِبُطرُسَ ثُمَّ لِلرُّسُلِ الِاثْنَي عَشْرَ".

كلمةُ الربِّ

 

مُلَخَّصُ الْمُقَابَلَة الْعَامَة:

إِنَّ سَنَةَ الْإِيْمَانِ التي بَدَأَتْ مُنْذُ قَلِيلٍ، هي مَصحُوبةٌ برغبةِ الْكَنِيسَةِ الْأَكِيدَةِ بِأَنَ تُجَدِّدَ حَمَاسَ الْإِيْمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَتُنْعِشَ فَرَحَ السَّيْرِ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي رَسَمَهُ هُوَ لَنَا. وَلِذَلِكَ، يَنْبَغِي عَلَى الْمَسِيحِيِّينَ أَنْ يُعَزِّزُوا انْتِمَاءَهُمْ إلى الْكَنِيسَةِ، الَّتِي تَقُودُنَا إلى الِلقاءِ وإلى مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ، الْإِلَهِ الْحَقِّ وَالْإِنْسَانِ الْحَقِّ، بِوَاسِطَةِ إِعْلَانِ الْكَلِمَةِ، وَالِاحْتِفَالِ بِالْأَسْرَارِ الْمُقَدَّسَةِ وَعَمَلِ الْمَحَبَّةِ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ إِعَادَةَ اكْتِشَافِ الْإِيْمَانِ يَعْنِي اخْتِبَارَ اللِّقَاءِ مَعَ شَخْصٍ حَيٍّ يُغيرُونَا فِي الْعُمْقِ، ويَكشفُ لَنَا عَنْ هُوِيَّتِنَا الْحَقِيقِيَّةِ كَأَبْنَاءٍ للهِ.

إِنَّ الْكَنِيسَةَ هِيَ حَامِلَةُ الرَّجَاءِ الْجَدِيدِ وَالثَّابِتِ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، الْمَصْلُوبُ وَالْقَائِمُ مِنْ بَيْنِ الْأَمُوَاتِ، هُوَ مُخْلِّصُ الْعَالَمِ. إِنَّ صِيْغَةَ الْإِيْمَانِ الْأَسَاسِيَّةَ نَجِدُهَا فِي "قَانُونِ الْإِيْمَانِ"، الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ، وَيُفْهَمَ، وَيُحْبَّ وَيُصَلَّى، لِأَنَّ فِيهِ يَجِدُ الْمَسِيحِيُّ أَسَاسَهُ وَتَبْرِيرَهُ، ضِدَّ تَيَّاراتِ التعَلْمُّنِ.

 

تعليم البابا بندكتس السادس عشر في المقابلة العامة بتاريخ 17 أكتوبر 2012

لمشاهدة الفيديو :

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/audiences/2012/documents/hf_ben-xvi_aud_20121017_it.html

 

حاضرة الفاتيكان، الخميس 18 أكتوبر 2012 (ZENIT.org)

ننشر في ما يلي المقابلة العامة لقداسة البابا بندكتس السادس عشر مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس نهار الأربعاء 17 أكتوبر 2012، التي تكلم خلالها عن الإيمان، مفتتحًا بذلك سلسلة جديدة من التعاليم لسنة الإيمان.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

أود اليوم أن أقدم السلسلة الجديدة من التعاليم التي سترافقنا طوال سنة الإيمان التي دخلنا فيها منذ أيام قليلة والتي تقاطع، في هذه الفترة، السلسلة المخصصة لمدرسة الصلاة. لقد تحدثت عن هذه السنة المميزة في الرسالة الحبرية "باب الإيمان" لكيما تتمكن الكنيسة بشكل خاص من تجديد حماس إيمانها بيسوع المسيح، المخلص الوحيد للعالم، ولتحيي فرحها بالسير على الطريق الذي دلنا إليه، ولتشهد بطريقة ملموسة لقوة الإيمان المحولة.

إن ذكرى مضي خمسين عامًا على افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني، هي مناسبة مهمة للعودة الى الله، وللتعمق بالإيمان وعيشه بشجاعة، لتعزيز انتمائنا الى الكنيسة "معلمة البشرية"، التي، ومن خلال إعلان "الكلمة"، والاحتفال بالأسرار وأعمال المحبة، ترشدنا نحو اللقاء بالمسيح، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي. هو لقاء، ليس مع فكرة أو مشروع حي، بل مع شخص حي يغيرنا بعمق ويكشف لنا هويتنا الحقيقي كأبناء الله. يجدد اللقاء بالمسيح علاقاتنا الإنسانية موجها إياها، يومًا بعد يوم، نحو المزيد من التضامن والأخوة، في منطق المحبة. إن الإيمان بالرب ليس فعلا يهم عقلنا فحسب، أي مجال معرفتنا الفكرية، بل هو تغيير يشمل حياتنا وشخصنا: مشاعرنا، وقلبنا، وعقلنا، وإرادتنا، وجسدنا، وعواطفنا، وعلاقاتنا الإنسانية. فمع الإيمان، كل شيء يتغير بنا ولنا، ويرتسم بوضوح مصيرنا في المستقبل، حقيقة دعوتنا في التاريخ، ومعنى الحياة، معنى أن نكون حجاجًا في مسيرة نحو الوطن السماوي.

ولكن، فلنطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل الإيمان هو حقًّا القوة المحولة لحياتنا، لحياتي؟ أم هو فقط واحد من العناصر التي تشكل وجودنا، من دون أن يكون نقطة الفصل التي تشمله بالكامل؟ نحن نريد مع تعاليم سنة الإيمان هذه أن نتوجه لتقوية فرح الإيمان أو لإيجاده، فاهمين بأنه ليس بشيء غريب، بعيد عن الحياة الملموسة، بل هو الروح. إن الإيمان بإله واحد، إله محبة، والذي بتجسده جعل نفسه قريبًا من الإنسان وبذل نفسه على الصليب من أجل خلاصنا، وليفتح لنا أبواب السماء يؤكد بطريقة مشعة بأن ملء الإنسان لا يتواجد إلا في المحبة.

في الوقت الذي غالبًا ما تشير فيه التحولات الثقافية أشكال كثيرة من البربرية التي تسعى لأن تكون علامة "غزو الحضارة"، من الضروري اليوم أن نقول من جديد وبوضوح: يؤكد الإيمان أنه لا يوجد بشرية حقيقية، إلا في الأماكن، والأفعال، والأوقات، والأشكال، حيث تقود المحبة الصادرة عن الله الإنسان، بشكل عطية، تظهر في العلاقات الغنية بالمحبة، والمودة، والرعاية، وبذل الذات أمام الآخر. ولكن حيث السيطرة، والتملك، والإستغلال، وجعل الآخر كسلعة بسبب الأنانية، الغرور المنطوي على النفس، يصبح الإنسان فقيرًا، فاسدًا، مشوهًا. إن الإيمان المسيحي الناشط بالمحبة قوي بالرجاء، لا حدود له بل يحيي الحياة، ويعطيها ملء بشريتها.

إن الإيمان هو قبول هذه الرسالة المحولة في حياتنا، هو قبول ظهور الله لنا، الذي يجعلنا ندرك أنه حاضر، وكيف يعمل، وما هي مشاريعه لنا. بطبيعة الحال، فإن سر الله دائما ما يتخطى مفاهيمنا وعقلنا، طقوسنا وصلواتنا. ومع ذلك، عندما يكشف الله نفسه، هو بنفسه يتواصل، ويخبر، ويجعلنا قادرين للوصول إليه. نصبح قادرين على الإصغاء لكلمته، وتلقي حقيقته. ها هو عجب الإيمان: الله، بمحبته، يخلق فينا – من خلال عمل الروح القدس- الشروط اللازمة لنتمكن من التعرف الى كلمته. الله نفسه، من خلال محبته لإظهار نفسه، وإنشاء تواصل معنا، وجعل نفسه حاضرا في تاريخنا، يجعلنا قادرين على الإصغاء اليه وقبوله. يعبر القديس بولس بفرح وامتنان عندما يقول: "لا ننفك نشكر الله على أنكم لما تلقيتم ما أسمعناكم من كلمة الله، لم تتقبلوه تقبلكم لكلمة بشر، بل لكلمة الله حقًّا" (1 تسالونيقي 2، 13).

أظهر الله نفسه بكلمات وأعمال في تاريخ طويل من الصداقة مع الإنسان، الذي بلغ ذروته في تجسد ابن الله، وفي سر موته وقيامته. لم يظهر الله في تاريخ شعب فحسب، ولم يتكلم الى الأنبياء فحسب، بل عبر أبواب السماء ليدخل الى أرض البشر، كإنسان، لكيما نستطيع أن نصغي اليه ونلتقي به.

انتشر إنجيل الخلاص من أورشليم الى أقاصي الأرض. أصبحت الكنيسة التي ولدت من جنب المسيح حاملة لرجاء جديد ومتين: يسوع الناصري المصلوب والقائم من الموت، مخلص العالم، الجالس عن يمين الآب وديان الأحياء والأموات. ها هو الإعلان اللامحدود والجوهري للإيمان. ولكن منذ البدء، تطرح مشكلة "قاعدة الإيمان"، أي أمانة المؤمنين لحقيقة الإنجيل، التي يجب عليهم أن يظلوا ثابتين بها، للحقيقة الخلاصية عن الله والإنسان التي يجب الحفاظ عليها ونقلها. يقول القديس بولس: "إذا حفظتموها (أي كلمة الإنجيل) كما بشرتكم بها، وإلا فقد آمنتم باطلا" (1 كور 15، 2).

ولكن أين نجد الصيغة الأساية للإيمان؟ أين نجد الحقائق التي نقلت بأمانة والتي تشكل ضوء حياتنا اليومية؟ الإجابة سهلة: في قانون الإيمان، أو رمز الإيمان، نرتبط بالعنصر الأساسي لشخص وتاريخ يسوع الناصري؛ يصبح ما كان قد قاله رسول الأمم لمسيحيي قورنتس ملموسًا: "سلمت إليكم قبل كل شيء ما تسلمته أنا أيضًا، وهو أن المسيح مات من أجل خطايانا كما ورد في الكتب، وأنه قبر وقام في اليوم الثالث" (1 كور 15، 3).

اليوم أيضًا نحن بحاجة لأن يكون قانون الإيمان معروفًا أكثر، مفهومًا، ومصلًّا. من المهم بشكل خاص، أن يكون قانون الإيمان، إذا جاز التعبير، "معترف به". المعرفة، في الواقع، يمكن أن تكون عملية فكرية محضة، بينما "أن نعترف" تعني ضرورة اكتشاف الرابط العميق بين الحقائق التي نعتنقها في قانون الإيمان وفي وجودنا اليومي، لكيما تكون هذه الحقائق، بشكل ملموس وحقيقي، كما كانت دائمًا، نورًا لخطواتنا في حياتنا، مياه تروي عطش مسيرتنا، حياة تتفوق على صحراء الحياة المعاصرة.

إن الحياة الأخلاقية للمسيحي تطعم بقانون الإيمان وتجد فيه أساسها وتبريرها.

ليس من قبيل الصدفة أن الطوباوي يوحنا بولس الثاني أراد أن يكون التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، القاعدة الأكيدة للإيمان مصدر بعض التعاليم المجددة، على قانون الإيمان: أي تأكيد وتثبيت نواة حقيقة الإيمان هذه، واضعينها في لغة أكثر وضوحًا للبشر في عصرنا، أي لأنفسنا. من واجب الكنيسة نقل الإيمان، وإيصال الإنجيل، لكيما تكون الحقائق المسيحية نورًا في التحولات الثقافية الجديدة، وليقدر المسيحيون أن يعطوا دليلا لما هم عليه من الرجاء (1 بط 3، 15). نعيش اليوم في مجتمع تغير تغيّرًا عميقًا حتى بالمقارنة مع الماضي القريب، وبحركة مستمرة. إن عملية العلمنة والعقلية العدمية المنتشرة، التي فيها كل شيء نسبي، أثرتا بشكل شديد على الذهنية المشتركة. وهكذا، غالبًا ما تعاش الحياة بشكل سطحي، من دون مثل أو رجاء متينين، في قلب العلاقات الإجتماعية والعائلية غير المتناسقة، والمؤقتة. وبخاصة، لم يتم تثقيف الأجيال الجديدة للبحث عن الحقيقة، وعن المعني العميق للوجود الذي يتخطى المشروط، الى شروط الإستقرار والإيمان. على عكس ذلك، تشجب النسبية نقاط مرجعية ثابتة، فالشك والتقلب يسببان انقطاعات في العلاقات البشرية، بينما تخاض الحياة بالتجارب التي تدوم قليلا، غير المسؤولة. إذا كانت الفردية والنسبية تهيمنان على عقول الكثير من معاصرينا، لا يمكننا الجزم بأن المؤمنين في منحى عن هذه الأخطار كلها، التي نواجهها في نقل الإيمان. إن العمل الذي بدأ في جميع القارات للاحتفال بسينودس الأساقفة حول التبشير الجديد سلط الضوء على بعض الأشياء: إيمان سلبي، يعاش بطريقة خاصة، ورفض ثقافة الإيمان، والفجوة بين الحياة والإيمان.

في كثير من الأحيان، لا يعرف المسيحي نواة إيمانه الكاثوليكي، نواة قانون الإيمان، بحيث يترك مكانًا لبعض التوفيق والنسبية الدينية، من دون فكرة واضحة حول الحقائق التي يجب الإيمان بها، والخلاص المسيحي الفريد. نحن لسنا بعيدين، إذا جاز التعبير، عن إنشاء دين "انتقائي". على العكس، علينا أن نتوجه نحو الله، إله يسوع المسيح، علينا أن نكتشف من جديد رسالة الإنجيل، ونجعله يدخل بعمق أكثر في وعينا وحياتنا اليومية.

أود في التعاليم العامة لسنة الإيمان هذه أن أقدم مساعدة لإتمام هذه المسيرة، لنشر وتعميق الحقائق الجوهرية للإيمان حول الله، والإنسان، والكنيسة، حول كل الحقيقة الإجتماعية والكونية، من خلال التأمل والتفكير في تصريحات قانون الإيمان. أود أن يصبح واضحًا بأن مضمون أو حقائق الإيمان ترتبط بشكل مباشر بحياتنا؛ هو يتطلب تغيرًا بوجودنا، يعطي حياة لطريقة جديدة للإيمان بالله. معرفة الله، الإلتقاء به، معاينة وجهه، هذا كله يغير حياتنا، لأن الله يدخل في الديناميات العميقة للإنسان.

فلتساعدنا المسيرة التي سننجزها هذه السنة على أن نكبر في الإيمان، وفي محبة المسيح، لكي نتعلم أن نحيا في خياراتنا وأعمالنا اليومية، الحياة الطيبة والجميلة للإنجيل. شكرًا.

***

نقلته من الفرنسية الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية

يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الْمُوَافِقَ 17 مِنْ أُكْتُوبْرِ 2012