عظات البابا … نبوية

 

الأب رفعـت بدر – عن موقع ابونا

أحب الاستماع الى عظات البابا بندكتس، وبعد ذلك أحب قراءتها والتأمل بها. واني لأعتقد جازماً بأنه هو من يحضرّها جميعها، لكن طبعاً مع مستشارين ومراجعين ويبهرني البابا في الربط بين إنجيل الأحد وبين المناسبات العديدة التي يترأسها. وهي تأتي على غير التوقعات بل مرتفعة أكثر من أفكارنا وتحليلاتنا. وأسوق على ذلك مثالين:

الأول: تشرّفت بحضور حفل توقيع الإرشاد الرسولي في كاتدرائية القديس بولس في حريصا – لبنان. كان ذلك اليوم عيد ارتفاع الصليب (14 أيلول). والإرشاد الرسولي خاص بالمسيحيين في الشرق. وقد كان التوقع أن يتحدث البابا عن "صليب الرب" وعن "صليب المسيحيين" في الشرق، الذين يتألمون، وأحياناً كثيرة يُقتلون، كما يحدث في بعض البلدان.

الا أن كلمة البابا قد أخذت من "تاريخ العيد" أي وجدان الصليب المقدس في حقبة الأم هيلانة والابن قسطنطين، وهذا الامبراطور الذي فتح بمرسوم ميلانو عام 313 الأبواب واسعة أمام الحرية الدينية للديانة الناشئة: أي المسيحية.

وقال البابا إننا في الشرق الأوسط ندعو إلى ذات الشيء، أي إلى أبواب واسعة من الحرية الدينية، وهي مرحلة متقدمة، يزخر بها الإرشاد الرسولي، وتتخطى ما هو موجود حالياً فيه من حرية العبادة وهي ليست حرية دينية، أو كذلك من التسامح الديني الذي ليس حرية دينية كذلك. يا للربط المدهش الذي جاء به زائر لبنان والشرق، بين فتح قسطنطين أبواب امبراطوريته للديانة المسيحية، وبين ما تدعو إليه الكنيسة اليوم في الشرق الأوسط.

أما المثال الثاني فهو قداس اختتام السينودس الخاص بالبشارة الجديدة. وكان إنجيل الأحد الثلاثين يتحدث عن شفاء الأعمى برطيماوس مع خروج السيد المسيح من أريحا. ولمّا كنا نظن بأنه سيعلق على الانجيل من كلمة السيد المسيح: "إيمانك خلصك"، ليتحدث عن سنة الإيمان… اقتبس البابا من القديس اغسطين بقوله: ان ذكر القديس مرقس ليس فقط لاسم الأعمى برتيماوس، بل وكذلك لاسم أبيه، طيماوس، يدل على أنه انزلق وتدحرج من حالة الثروة والجاه، إلى حالة من الذل والهوان وفقدان الكرامة، فهو لم يصبح أعمى فقط، بل صار شحاداً، لذلك صار يبحث عمن ينقذه من هذا الظلال.

وهكذا من فقدان الكرامة الإنسانية والكرامة المسيحية، تحدث البابا عن الجماعات المسيحية التي فقدت كرامتها المسيحية، وباتت بحاجة إلى من يعيد اليها البهاء والنقاء… إلى من يبشرّها من جديد، وهذا هو جوهر السينودس الجديد، أي اعادة نقل البشرى إلى من فقد البوصلة والكرامة المسيحية والرجاء. ما أجل هذا الربط وما أجزله بين إنجيل شفاء الاعمى، وسينودس البشارة الجديدة.

ومن ثم تحدث البابا عن المراحل الثلاثة، أو الميادين الثلاثة التي تحتاجها الكنيسة في عملها الارسالي الجديد نحو الفاترين بالإيمان: وهي أولاً التنشئة على أسرار التأسيس المسيحية. وثانياً واجب الكنيسة إعلان رسالتها إلى الأمم، وثالثاً الدعوة إلى الاهتمام بالمعمدين والبعيدين عن الكنيسة. وسنتحدث عن هذه الميادين الثلاثة بالتفصيل لاحقاً، إن شاء الله.

إن كلاً من المثالين الذين سُقتهما عن عظات البابا، تجعلنا نقول بأنها كلمات نبوية يبثها بندكتس السادس عشر لعالم اليوم: وهما يتحدثان عن الجرأة في أن يكون الإنسان مسيحياً اليوم وألا يخاف أبداً أو يخجل من المجاهرة بذلك، سواء في العالم العربي أو في العالم الواسع… حتى لو طغت عليه رياح العلمنة والعولمة… وغيرها من أعاصير هذا الزمان.