قاعدة الباب المفتوح
إعداد الأخت سامية صموئيل
من راهبات القلب المقدس – نوفمبر 2012
"هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ" (سفر الرؤيا 3: 8).
عندما يشعر الإنسان بالتعب والضيق، وفقدان الأمل والرجاء، ويرى وكأن الدنيا مغلقة في وجهه، عليه أن يتذكر صوت الرب "هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ"، فالشعور بأن هناك باب مفتوح، يبعث الأمل والرجاء في النفس، وبالتالي يتذوق الفرح ويثق في كلمات الله.
فعندما تغلق الأبواب الأرضية يفتح الرب بابًا في السماء، وكلما تتعقد أمامك الأمور وتصل في ذلك إلى منتهاها، وتظن أنه لا خلاص، تذكر هذه الآية "نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ" (رؤيا 4: 1). الله لا يسمح أبدًا أن يفقد الناس الرجاء، فإن كانت الأبواب الأرضية كلها مغلقة، فهناك دائمًا بابًا مفتوحًا في السماء.
لنتحرك إلى الأمام ، ونطلب من الروح القدس أن يرشدنا في اختيارنا للأبواب، فمهما اقفلت الأبواب فلا تراجع امام الطريق الذي رسمه الله لنا . لنحافظ على قلوب مفتوحة امام الله ….فالله يرى ما هو لخيرنا. ولو تأملنا في أبواب الرب المفتوحة، نجد الكثير من الخبرات التي عاشها من سبقونا، اذكرمنها على سبيل المثال :
1- القديس بولس الرسول
في رحلته التبشيرية الثانية كان يريد زيارة الاخوة في كل المدن التي بشرفيها بكلمة الله. (أعمال 15: 36 )، ولكن الله اراد ان ياخذه بعيدا، اراده الرب لقيادة القارة الجديدة، واراد منه زرع كنائس جديدة، اراد الرب توسيع نطاق تاثير بولس.
لم يشكو بولس ولم يتصلب قلبه من تغير ما خطط له، ولا من الصعاب والتحديات التي كانت تنتظره ….لانه حافظ على قلب مفتوح امام الله حتى لو اغلقت الابواب ، تابع رحلته بقلب مفتوح وبايمان واعتقاد راسخ أن:
" كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله،
الذين هم مدعوون حسب قصده" (رومية 8:28) .
تأكد عزيزي القارئ ، ان الرؤية السماوية تؤكد الاتجاه ، فمن خلال الروح القدس الذي فينا وهو، يقودنا الى اماكن مختلفة ويفتح ابواب جديدة عند نهاية كل مطاف، هذا هو ماكتبه الرسول بولس : فلما راى الرؤيا ،" للوقت طلبنا ان نخرج الى مكدونية متحققين ان الرب قد دعانا لنبشرهم البشرى السارة " ( أعمال 10: 16). فلا داعي للقلق بشان مستقبلنا، نحن بحاجة الى ان نسال الله رؤية السماوية، لتعطينا الثقة في مهمتنا.
2- داود النبي
وهو فتى صغير كان الرب معه، حيث وقف أمام جليات الذي كان الجيش كله مرتعبًا أمامه، حتى الملك شاول ، وتقدم داود لمقابلة جليات وقال: "الْحَرْبَ لِلرَّبِّ" (1صموئيل 17: 47)، "أنت يا رب تفتح ولا أحد يغلق" واستطاع أن يقضي على جليات. أيضًا عندما وقع في يد "شاول الملك". وكان "شاول" ملكًا شريرًا أراد أن يقتل "داود" بشتى الطرق وأوصى عليه حتى أهل بيته. ولكن لأن الله كان فاتحًا بابًا لداود ليخرج من هذه الضيقة، لم يستطع أحد عليه. ففي وسط الضيقات يفتح الرب بابًا في السماء، فمتى وقعت في ضيقة تذكر أن هناك بابًا مفتوحًا في السماء وأن الله يفتح ولا يستطيع أحد أن يغلق.
3- يعقوب
كان "يعقوب" خائفًا من أخيه "عيسو" بل كان مرعوبًا منه، حتى أن رفقة أمه قالت له اهرب إلى أن يهدأ غضب أخيك،: "فَالآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ لِقَوْلِي، وَقُمِ اهْرُبْ إِلَى أَخِي لاَبَانَ إِلَى حَارَانَ، وَأَقِمْ عِنْدَهُ أَيَّامًا قَلِيلَةً حَتَّى يَرْتَدَّ سُخْطَ أَخِيكَ. حَتَّى يَرْتَدَّ غَضَبُ أَخِيكَ عَنْكَ" (تكوين 27: 45). وفيما هو في الضيقة وجد بابًا مفتوحًا في السماء, وجد سلمًا واصلا بين السماء والأرض حتى أنه قال: "مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ" (تكوين 28: 17). والرب كلمه وقال له:
"وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ"
( تكوين 28: 15).
هذا هو الباب الذي يُفتح في الضيقة. وحدث أنه وهو راجع قابله أخوه عيسو ولم يفعل به أي سوء.
4- يوسف الصديق
والباب المفتوح قد يكون النعمة التي يعطيها لك الله والتي تجدها في أعين الآخرين ومثالاً لذلك يوسف الذي باعه أخوته كعبد إلى فوطيفار، وأعطاه الرب نعمة في أعين فوطيفار، فأبقاه في بيته وسلمه كل شيء، وكان الله معه يُنجح طريقه، وهذا أيضًا جزء من الباب المفتوح. أيضًا بعدما سجن يوسف ثم ذهب ليقابل فرعون لكي يفسر له الأحلام، فقال له فرعون: "لا نجد واحد مثلك فيه روح الآلهة، نسلمك مصر وكل واحد يسجد لك وأعطاه خاتمه ليضعه في أصبعه، ووجد نعمة في أعين الملك وصار الثاني في المملكة لأن الله جعل له بابًا مفتوحًا في قصر فرعون".
الباب المفتوح وحياتنا
في حياتنا هناك الكثير من الأبواب المفتوحة التي علينا اكتشافها، فقد يفتح الله لك باباً عندما تذهب لأجراء مقابلة Interview لشأن مهم جداً في حياتك، ويعطيك الله نعمة في أعين من يقابلونك، وتخرج سعيداً، لقد فتح الله لك بابًا ووجدت نعمة في أعين الآخرين. وقد يكون الباب الذي يفتحه لك الرب هو باب الرزق أي باب عمل. قد يكون هذا الباب هو أن الله يوسع في رزقك أكثر من الماضي، يوسع في حجم أعمالك التي تدر عليك ربح، أو يساعدك على الدخول في مشروع تنجح فيه، وقد يكون هذا الباب وظيفة جديدة تنجح فيها، فالرب هو الذي يفتح هذه الأبواب كلها.
قد يكون هذا الباب مفتوحاً للخدمة، فنرى في سفر الأعمال، أرسل الرب ملاك ليرشد فيلبس ، لعربة الخصي الحبشي، قال له: "تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هذِهِ الْمَرْكَبَةَ" ( أعمال 8: 29)، ففتح الرب له بذلك بابًا للخدمة. وهكذا عمد أول إنسان إثيوبي حبشي في تاريخ الكنيسة المسيحية.. قد يكون الباب المفتوح بدء حياة زوجية سعيدة، أو قد يكون باب الصلح بين الزوجين، عن طريق الصلاة ، والعتاب ، والمناقشة، والكلمة الطيبة.
ولكن هناك قاعدة مهمة في هذا الموضوع وهي:
أن نفتح نحن قلوبنا لله، فيفتح الرب باباً في السماء،,
لا نمكث علي الارض في كسل وتراخ وإهمال, ناظرين أن يفتح لنا أبواب السماء، بل نعمل كل ما نستطيعه، وأن نكون مستعدين لعمله معنا ولعمله فينا. نلاحظ أن الباب المفتوح في السماء , هو مفتوح بطبيعته حتى دون أن نطلب. أن الله يفتح أمامنا بابا في السماء بسبب محبته لنا وبسبب حنوه علينا وبسبب نعمته, وذلك لأنه يعرف مدي ضعفنا واحتياجنا وأننا بدونه لا نستطيع شيئا، وإذا فتح الله بابه إمامنا, لا يستطيع أحد في الدنيا أن يغلقه.
إن الإيمان بالباب المفتوح بالسماء يبث فينا باستمرار الرجاء والتفاؤل والامل ولا نصل مطلقا إلي اليأس. فاليأس هو من عمل الشيطان لكي يلقي النفس البشرية في القلق والأرق والحزن والضيق، بل قد يصل بها أحيانا إلى الانهيار! أما الرجاء في معونة الله فيعطي النفس قوة. ويفتح أمامها طاقة من النور مهما كانت الدنيا مظلمة. والله في محبته يقول للإنسان المؤمن:
" لا تخف إني لا أهملك ولا أتركك أنا معك باستمرار لأنقذك"
لذلك فالإنسان المؤمن لا يمكن ان يعترف بالفشل لأنه يثق بأنه في يد الله الحانية والمعينة وما أكثر وعود الله للمؤمنين به. وكما أن باب الله مفتوح لكل من هو محتاج إلى معونة، كذلك بابه مفتوح أيضا لمن يريد حياة التوبة. بابه مفتوح لكل خاطئ سيطرت الخطية عليه, وحاول أن يتخلص منها مرارا ولم يستطع، فهناك باب مفتوح ، حيث ينتظرالأب ابنه الضال، فاتحاً ذراعيه لأستقباله، والاحتفال به، فيا أخي تعال وأدخل وأرجع لأبيك السماوي الذي يعرفك ويحبك بكل ما فيك، ويقبلك كما انت دون شروط.
عزيزي القارئ: إذا رأيت جميع الأبواب منغلقة أمامك علي الارض, ارفع نظرك إلى فوق, فتجد بابا مفتوحا في السماء. فمهما ضاقت الدنيا أمامك, ومهما تعقدت السبل وأغلق الناس قلوبهم وأحشاءهم, ودعوت وليس من مجيب وبحثت وليس من صديق حينئذ عليك أن تنظر إلي فوق الباب المفتوح في السماء. وكذلك في الوقت الذي لا تجد فيه علي الارض حباً، ولا عدلاً، ولا تجد من البشر معونة ولا سنداً.. حينما يبدو أن كل إنسان قد تخلي عنك أو عجز عن معونتك وقد تركوك إلى مشاكلك وأهملوك ولم يهتموا بك. في هذا الوقت الذي أغلقت فيه أبواب الارض ، لا يبقي أمامك إلا الباب المفتوح في السماء .
إن هذا الباب السماوي مفتوح باستمرار ولكن عيبنا أن لنا عيونا لا تبصر باب الله المفتوح، لأن مشكلتنا في كل ضيقاتنا , أننا نتجه فقط إلى المعونة الأرضية! أو نعتمد فقط علي ذكائنا وحيلتنا وعلي الذراع البشرية في مساعدة الناس لنا. نتجه فقط إلى الظروف والإمكانيات, وبسبب هذا كله نقع في الحيرة والقلق والاضطراب ولا نفكر إطلاقاً أن ننظر إلى الباب المفتوح في السماء لكي نطمئن.
فلا تنظر إلى الأبواب المغلقة, إنما انظر دائما إلي المفتاح الذي في يد الله، ثق تماما بأن حياتك هي في يد الله وليست في أيدي الناس.. وثق أيضا أن الله يفتح ولا يستطيع أحد أن يغلق، عليك أن تؤمن من كل قلبك أن الله قادر علي كل شيء, وأن كل شيء مستطاع إذا آمنت بمعونة الله الفائقة الوصف الذي يستطيع أن يغير كل شيء إلى الأفضل، وأن تثق بأن الله يحبك ويحب لك الخير، وهو قادر علي ذلك ومعونته تفوق الحدود. إذن لتكن أنظارنا باستمرار متجهة إلى فوق حيث توجد معونة الله غير المحدودة، وليس إلى الارض حيث كل معونة منها محدودة أو قاصرة. لذلك يا أخي ان قام ضدك أعداء كثيرون ثق بأن الله هو أقوي من الكل، ثق بأن الله قادر علي ان ينقذك. ان كان الله معنا فمن علينا
انظر إلى الباب المفتوح في السماء في كل المشاكل التي تحيط بك، وفي كل الضيقات التي تحل بك وحينئذ ستسمع في قلبك صوتا من السماء يقول:
"تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ"
(متى 11 : 28 ) .
فلنشكر الرب علي كل محبته، وعلي بابه المفتوح في السماء، الذي بمعونته يفتح أمامنا كل أبواب الارض. لنصلي كل صباح من عمق قلبنا
" اجعل يا رب بابك مفتوحا أمامنا في كل حين"