إعداد الأخت سامية صموئيل
من راهبات القلب المقدس – ديسمبر 2012
"ذات يوم طلب يسوع من التلاميذ أن يجتازوا بحر الجليل إلى العبر ، وحدث خلال الرحلة نوء عظيم فى البحر حتى غطت الأمواج السفينة. وَكَانَ هُوَ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» فَقَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «ٱسْكُتْ. اِبْكَمْ». فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هٰكَذَا؟ كَيْفَ لا إِيمَانَ لَكُمْ؟» فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّيحَ أَيْضاً وَٱلْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» (مرقس 4: 35-41).
مابالكم خائفين يا قليلى الإيمان؟
هذا السؤال طرحه الرب على التلاميذ، واليوم يوجهه لكل منا، ففي كثير من الأحيان؛ وسط الظروف الصعبة، ووسط الألم والضيق نتساءل: " أين أنت يا رب مما يحدث لنا " " ياسيد نجنا فإننا نهلك". لماذا تسمح بكل هذا الألم والضيق والصعوبات، والظلم الواقع على الإنسان؟! هذا ما حدث مع التلاميذ عندما شعروا بالخطر عند هياج البحر وشدة الأمواج. وفي ظل الظروف التي نعيشها هذه الإيام؛ نوء، عاصفة، خطر، غرق، ظلم، لامبالاة، فوضى، تخبط، صراعات، فمن الطبيعي أن تعلو الصرخات والصيحات وأن يكون هناك ضجيج وغوغاء في السفينة بين الركاب في محاولة منهم للسيطرة عليها، وإيجاد حلول لتثبيت السفينة لتتماشى مع إتجاه الريح. وبالرغم من كل هذا نجد أن الرب يسوع "نائم في مؤخرة السفينة"! فهل من المعقول، أن كل هذا الضجيج وهذا الصراخ لم يوقظه؟ هل إلى هذا الحد لم يسمع ما يحدث حتى ينتظر إلى أن يأتي التلاميذ إليه وينادونه طالبين العون منه "يا معلم ألا يهمك اننا نهلك!؟"، إن الرب نائماً، ليس بمعنى إنه لا يهتم بنا، لكنه موجود لنجدتنا، وتسكين العاصفة. إنه موجود في مؤخرة السفينة، ينتظرنا لطلب العون منه، والطلب بإيمان وثقة في إنه سوف يقود السفينة إلى بر الآمان. "قام الرب وانتهر الريح بكلمة منه وأسكت العاصفة!" إنه يقول لنا اليوم إيضاً: " مابالكم خائفين يا قليلى الإيمان؟، ها أنا معكم وإلى إنقضاء الدهر" بعد أن هدّأ الرب العاصفة، كان أول ما تكلّم به، كلمة عتاب، "أين ايمانكم"!؟ الله مُحب لم يعاتب وسط العاصفة ولكنه هدأ العاصفة ثم عاتبهم، فقد انزعج من نقص الإيمان. قد يبدو لنا أن الله نائم وغير مهتم بما نمّر به، لكنه مستيقظ دائمًا ليُنجّي ولينقذ وليُحيي. كانت العاصفة شديده وكانت الأمواج تضرب القارب وصار التلاميذ فى خطر، فوجود الرب فى السفينة لم يمنع التجارب، ولكن حضوره يعطينا الطمأنينة. إن يسوع لم يهدىء العاصفة إلاّ بعد أن حرّك الايمان عند تلاميذه القليليّ الايمان.
ان سر التعب الحقيقى لأى مؤمن ليس الرياح الخارجية أو العواصف الظاهرة وإنما رياح النفس والأمواج الداخلية بسبب عدم الإيمان فعندما نعرف من هو الله، فسوف ندرك انه يسيطر على عواصف الطبيعة او اى اضطرابات نتعرض لها وإنه قادر على تهدئتنا عندما نسأله او نلجأ اليه. هناك الكثير من العواصف التي تقابلنا كل يوم منها العواصف العاتية التي تواجه الأوطان مثل الحروب والفتن والصراعات على السلطة، والبحث عن الحرية المفقودة…. وهناك عواصف آخرى تواجهنا في الحياة اليومية أذكر منها:
1- الخوف: قد تكون حياتنا هادئة ، وفجأه نمر بمشكلة تقلب كل الموازين رأسًا على عقب، لو نفهم من هو يسوع وما هي رسالته، لمنع عنا إيماننا الخوف. عندها نلتجئ إلى الرب نشكو له همّنا، ونُعرّفه باحتياجاتنا ونسلمه زمام الأمور ليقود السفينة، ونصبح في آمان.
2- الغضب: من العواصف التي تنتابنا الغضب من شخص أساء إلينا، وتسبب في إيذائنا وآلامنا، فنثور في داخلنا، وربما نفقد الصواب أحياناً، وعندها يُهدئ الرب يسوع العاصفة بقوله "اغضبوا، ولكن لا تخطئوا، لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا إبليس مكانًا".
3- الشكٌ: وهذا ما حدث للتلاميذ ويحدث معنا نحن أيضًا وسط الظروف الصعبة؛ "أما يهمك؟!" وهو سؤال عتاب وشك بدافع المحبة، نوّجه شكوتنا إلى الخالق "الكلي القدرة". وهذا ما فعله التلاميذ: قصدوه لينقذهم من شيء هو فعله، هو صاحب الريح التي هبّت على الأمواج وهو القادر على تهدئتها.
أن الرب لا يريدنا أن نطلبه عبر"الشفاه" فقط، إنما يريدنا أن نطلبه "من القلب" دلالة على صدق طلبتنا ومشاعرنا تجاه خالقنا. وهذا ما فعله التلاميذ؛ ذهبوا إليه ورَبتوا على كتفه لإيقاذه، وهذا دليل على صدق طلبتهم ورجائهم بالمعلم وبشخصه. عزيزي القارئ: لا تضع الرب في مؤخرة حياتك لئلا ينتهز الشيطان الفرصة ويقوم عليك بالعواصف. فعدم وجود الرب في مقدمة حياتنا، يعرضنا للتجارب وللعواصف. عش بالمسيح. اصرخ له وهو يستجيب ولا تتأخر في طلبته.
فوجود الرب في مقدمة حياتنا، يعطينا الآمان والطمأنينة مهما كانت قوة العاصفة، ومهما كان البحر هائجاً، لنتمسك بوعده وبكلمته ولنقل معًا: "الله في وسطها فلن تتزعزع، يُعينها الله عند إقبال الصبح" (مز 5:46).
لنتوقف قليلاً عند السؤال: من ترى هذا حتى تطيعه الرياح والبحر؟ من هو هذا الرجل؟
ما قام به يسوع جعلهم يتساءلون، لأنهم خرجوا من العاديّ، فهم يحتاجون إلى من يشرح لهم عن "هويّة" هذا الشخص الخفيّة التي لا يقابلها شيء. هذا ما فعله التلاميذ: " من هو هذا الرجل"؟ هل نحن نتساءل مثل التلاميذ عن هوية يسوع بالنسبة لنا؟ أم نرى عمله شئ طبيعي في حياتنا؟ هل يدهشنا ما يعمله يسوع فينا ومن خلالنا؟ أم نرى ذلك ثمرة مجهوداتنا الشخصية؟ هل نكتشف المسيح حقيقة بعد تهدئة أي عاصفة تمر بنا، أم نرجع ذلك إلى قوتنا الذاتية؟ وبأختصار هل ترى عمل الله في حياتك؟
معجزة تسكين العاصفة جدّد إيمان التلاميذ بالربّ يسوع. فثباتهم وأمانتهم وسط "الضيقات" أعطتهم قوة لمواجهتها لأنهم تلاميذ المسيح. ولو بدا لهم أن الرب "ينام"، فهم يستطيعون أن يتكّلوا على قدرته إن صرخوا إليه بإيمان . ونحن سواء كنا أفراداً أو جماعات، نكون تلاميذ يسوع، نمشي وراءه، نُبحر معه، كل هذا ليس بوضع مريح. ففي يوم من الأيام سنواجه العواصف الهوجاء حيث يهرب منا كل سند بشريّ ويطلّ الموت في الأفق. ولكن، حتى وإن تعرّضنا للخوف وللخطر، نبقى ثابتين في السلام والإيمان. وهذا الإيمان يجعلنا في حضرة الربّ يسوع وبين يديه: فهو الذي غلب العالم (يو 16: 33). وهو الذي يقود تاريخ الكون والبشر إلى نهايته. فالعواصف مهما كانت هائجة، والرياح مهما هدّدت، ستكون نداء إلينا لكي نجدّد ذواتنا في الإيمان بيسوع ربّ الكون والتاريخ. "فالغلبة التي بها نغلب العالم هي إيماننا" (1 يو5: 4). فهل نكون قليلي الإيمان؟
لنكن على يقين بكلمات الرب لنا، إنه:
رغم هياج البحر: "تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْهَبُوا وُجُوهَهُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ سَائِرٌ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ" (سفر التثنية 31: 6)
رغم هياج البحر: "أنا الرب الهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك"
رغم هياج البحر: "الله امين , الذى لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون, بل سيجعل مع التجرية أيضا المنفذ لكى تستطيعوا ان تحتملوا.
رغم هياج البحر: " الق على الرب همك فهو يعولك لا يدع الصديق يتزعزع الى الابد".
رغم هياج البحر: "اذا اجتزت في المياه فانا معك وفي الانهار فلا تغمرك.اذا مشيت في النار فلا تلدع واللهيب لا يحرقك".
رغم هياج البحر: "غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله" (مت 26:19).
رغم هياج البحر: "أنتظر الرب وليتشدد وليتشجع قلبك" (مز 14:27).
رغم هياج البحر: "استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني".
وأخيراً أختم كلامي بثلاث عبارات لقداسة البابا شنودة الثالث هي:
ربنا موجود، وكله للخير، ومسيرها تنتهي
أن كل مشكلة تأخذ شكلا هرميًا حيث ترتفع حتى تصل إلى قمتها ثم تهبط إلى أسفل وتؤول إلى النهاية. لأن الله لا يسمح أبدًا أن المشاكل تستمر بلا نهاية. فنحن ننظر إلى التجربة أو إلى المشكلة كمشكلة، ولكن لا ننظر إلى إنها ستنتهي، ولا بد أن الله سيتدخل ويعمل على تبديل الأوضاع السيئة بأوضاع جديدة.
أن المشكلة قد تأخذ وقت ومسيرها تنتهي، لكن من واجبنا أن نثق في الرب وننتظره وقت العاصفة، وننتظره بإيمان. وكيف ستنتهي؟ يقول لنا في سفر الرؤيا: "ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ." ( رؤ 21: 1).
"انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ"
(مز 27: 14).