كــيـف يـــكــون هــــــذا؟

إعداد الأخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس – ديسمبر 2012

 

"كيف يكون هذا "؟

     سؤال سألته العذراء مريم، عندما قال لها الملاك جبرائيل بأنها ستحبل وتلد يسوع. " وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها. الرب معك مباركة أنت في النساء… لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع… فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله… لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله. فقالت مريم: هوّذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك. فمضى من عندها الملاك. فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا. ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها. وامتلأت أليصابات من الروح القدس. وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركةٌ أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك… فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب، فقالت مريم تعظّم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلّصي. لأنه نظر إلى اتضاع أمته " (لوقا 1 : 26 – 48).

سألت الملاك: كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلاً؟ وجاء جواب الملاك: الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله…  ، وكأن الملاك أراد أن يؤكد لمريم، بأن هذا العمل ليس منها، ليس لها دور عملي في تحقيقه، بل هو عمل الله، وأضاف قائلاً: لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله.

كيف يكون هذا ؟ 

 نحن كمؤمنين ، نعاني من مشاكل عديدة ومتنوعة ، وإن أختلفت بين شخص وآخر..  فهل السؤال الذي سألته مريم للملاك: كيف يكون هذا؟ لا نسأله نحن مراراً وتكراراً للرب أو لأنفسنا عندما نواجه المشاكل والصعوبات والقيود والخطايا المتكررة؟ أو عندما نواجه مواقف خطيرة أو أمور صعبة تهدد حياتنا؟ أو عندما نكون بحاجة لشفاء أو لتسديد احتياج مادي كبير؟ أو عندما نحاول مراراً كثيرة إصلاح أنفسنا؟ أو النجاح في خدمتنا أو بأية أمور أخرى؟
(قلق، خوف، أفكار مخيفة ونظرة متشائمة للحياة، حزن، فشل، إحباط، عدم قدرة على الفرح والتمتع بالحياة، عادات سيئة، غيرة، حسد، صغر نفس، شعور بالرفض…) ويستطيع كل منا أن يضيف ما يعاني منه بالتحديد على هذه القائمة … وقد نحاول كثيرا لكي  نتحكم في هذه الأمور الصعبة، لكن دون جدوى.. ونصرخ كيف أتخلّص من هذا القيد؟ أو كيف يكون هذا؟.

كيف يكون هذا ؟ 

 نجد الرد في كلمة الله: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله…  " غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " (لوقا 18 : 27). فقبل أن يصبح تحقيق هذه الأمور غير مستطاع عندنا،  لن تصبح مستطاعة عند الله..  أي عندما تتخلى عن كافة محاولاتك البشرية المعتمدة على ذراعك أو برّك الذاتي أو فهمك وحكمتك البشرية.. فأنت لن تُفسح المجال أمام الله لكي يتدخل.. لأن غير المستطاع فقط عندك.. يصبح مستطاعاً عند الله..

 

كيف يكون هذا ؟ 

نردد أحيانا: مستحيل لا يمكن تحقيق هذا الهدف، مستحيل تحقيق هذا الحلم ، شفائك مستحيل، توبتك مستحيلة، مستحيل أن نخرج من أزماتنا الحالية، وظروفنا السياسية والاقتصادية، والاجتماعية المعقدة، والتي نراها يوما بعد يوم تتجه نحو الأسوأ. ، مستحيل, مستحيل …. إلخ. كل هذه الكلمات قد نسمعها من الكثيرين بل والأكثر من ذلك فنحن نصدقها فى اغلب الأحيان! نصدق هذه الكلمات وننسى حقائق كثيرة ننسى تاريخ كامل حوى فى داخله حقائق تؤكد أن كلمة مستحيل ليس لها وجود فى قاموس البشرية. بل والأكثر من ذلك ما نحن عليه الآن كان فى فكر القدماء مستحيل تحقيقه بل مستحيل تخيله أيضاً.

 
      ولكن الكثيرين من الذين يؤمنون بوجود المستحيل ينظرون إلى الأمور بنظرة غير كاملة ينظرون إليها من منطلق عقولهم وقدرتهم فقط ونسوا ان هناك قدرة غير محدودة بدونها لا نستطيع أن نحيا و نتحرك ونوجد. وهذه القدرة الغير محدودة بإمكاننا ان نأخذ منها كل ما يلزمنا لتحقيق أي شئ مهما كانت ضخامته ومهما كان فى عقول الكثيرين مستحيل. وهذه القدرة الغير محدودة هى قدرة الله ضابط الكل ومدبر كل الأشياء ولذا يقول الكتاب (فى 4 : 13)، اننا نستطيع كل شئ في المسيح. فى المسيح ولو كان فوق طاقة كل البشر لأن أى شئ مهما كان كبره وضخامته لا يستطيع ان يقوى على قدرة يسوع.


     والسؤال الذى لابد أن يُسأل الآن هو كيف نستمد القدرة من السيد المسيح لتحقيق ما نريده؟ يسوع نفسه يعطينا الرد على ذلك بقوله:   "اسالوا تعطوا.اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم (لو 11 : 9)، فاسم يسوع هو المفتاح الذى به نستطيع أن نفتح كل الأبواب المغلقة، ونستطيع ان ننال به كل شئ نطلبه. ويوضح السيد المسيح أهمية الإيمان بالمستحيل بقوله: " الحق اقول لكم لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (مت 17 : 20 ).


     فإن طلبت شئ دون أن تؤمن بإمكانية تحقيقه ودون أن تؤمن بقدرة يسوع على تحقيقه فلن يتحقق،  فلابد أن تثق فى قدرة يسوع على تحقيق ما يسمى بالمستحيل. فالطلب باسم يسوع والإيمان بقدرته على تحقيق هذا الطلب، هو تحطيم للمستحيل. والآن عزيزي القارئ يمكنك، أن تقوم بتكملة هذا المقال، ليس بكلمات مكتوبة، بل ستكتبه بافعال، ستكتبه بكل مستحيل ستحققه فى حياتك، قم الآن وحدد مستحيل فى حياتك وضعه فى موضع صلواتك واطلب تحقيقه كل يوم باسم يسوع، وثق انه سيتحقق. وتذكر دائماً أن المستحيل هو وهم، يؤمن به كل من لا يعرف يسوع المسيح. وهناك الكثيرون ممن سبقونا عاشوا هذه الخبرة نذكر منهم:

إبراهيم وسارة

إن ما حدث معهما، يجعلنا نُدرك أنه ليس أمراً غير مستطاع عند الله. الاثنان معاً. وفي البداية ضحكا عندما سمعا وعد الله بأنه سيعطيهما ولداً وهما قد شاخا.. إبراهيم ابن مئة سنة، وقد مات جسده.. وسارة بنت تسعين سنة وقد انقطع أن يكون لها عادة النساء.. وفقاً للمنطق البشري.. مستحيل. لكن جواب الرب كان لهما، كجواب الملاك لمريم: هل يستحيل على الرب شيء؟ وحقق الرب وعده.. وولد اسحاق.. وتمم الرب قصده العظيم من خلاله. لقد تعمّد الروح القدس في ذكر كلمة "نفسها " بعد كلمة " سارة " لكي يقول لنا: سارة التي لم تكن تؤمن بوعد الله، وضحكت على ما قاله لها.. هي نفسها آمنت وأخذت قدرة على الإنجاب في شيخوختها ، إذ حسبت أن الله صادق وقادر على تتميم وعوده.. واليوم يمكنك أن تضع اسمك مكان اسم سارة، وتقول:

– أنا " فلان " نفسه الذي عاش لسنين طويلة يتخبط في الحزن واليأس.. آمن وأخذ قدرة على الفرح والتمتع بالحياة..

– أنا "سميرة"  نفسها التي عاشت لسنين طويلة في الخوف والقلق.. آمنت وأخذت قدرة على التمتع بالسلام والطمأنينة..

     هل تنقصك القوة؟ هل تنقصك المحبة؟ هل تنقصك الحكمة؟ لا بأس.. فاسمه روح القوة والمحبة والبصيرة: " لأنّ الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح " (2 تيموثاوس 1 : 7). هل ينقصك الإيمان؟ وتراه أمراً صعباً عليك، وتُدرك أن الحصول على كل ما تحتاجه يحتاج إلى إيمان، لكنك لا تجده بداخلك، وتُدرك أنّه دون إيمان لا يمكن إرضاء الله.. لا بأس.. فاسمه روح الإيمان: " فإذ لنا روح الإيمان عينه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت. نحن أيضا نؤمن ولذلك نتكلم أيضاً " ( 2 كور 4 : 13). أصرخ إلى الروح القدس في هذا اليوم، وقل له:  "… لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود " (زكريا 4 : 6).  أطلب منه أن يملأك بفيض جديد، بالإيمان.. بأنهار مياه حية، بمواهبه بثمره… وتواضع تحت يده وقل له كما قالت مريم للملاك: "هوّذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك". لا تستسلم.. حتى ولو حاولت مراراً كثيرة وفشلت استمر وتشجع إنه الطريق الوحيد والصحيح، استمر واتكل على الروح القدس وسوف يخرجك من كل ما تعاني منه.. وكما قالت عنها أليصابات "آمنت بأن يتم لها ما قيل من قبل الرب" (لو1: 45). آمنت بأنها ستلد وهى عذراء.  وتحقق لها ذلك. آمنت بأن "القدوس المولود هو ابن الله" (لو1: 35). على الرغم من ميلاده في مزود. وتحقق لها ما آمنت به.  عن طريق ما رأته من رؤى ومن ملائكة، ومن معجزات تمت على يديه. آمنت بكل هذا على الرغم من كل ما تعرض له من اضطهادات… في كل ما احتملته، لم تتذمر إطلاقًا.  وفي تهديد ابنها بالقتل من هيرودس، وفي الهروب إلى مصر، وفي ما لاقاه من اضطهاد اليهود، لم تقل وأين البشارة بأنه يجلس على كرسي داود أبيه، يملك.. ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 31، 33)! آمنت به وهو مصلوب.  فرأته بعد أن قام من الأموات.

     الإيمان هو أن يسلم الإنسان كل أفكاره ومشاعره وإرادته لله، فيقول مع العذراء “ليكن لي كقولك”. ليكن لي كقولك يا رب فيما يخص حياتي وأولادي وأسرتي وعملي وأحلامي ومستقبلي. أنت تظللني بروحك القدوس. أنت تقودني حيث تشاء، وأنا كإبراهيم أنظر أرض الموعد من بعيد وأسير معك بالإيمان. الإنسان المؤمن يدرك أن “ليس شيء غير ممكن لدى الله”. الله قادر على تحويل الصحراء جنة، العاقر أماً لأولاد، الحزن إلى فرح، المستحيل إلى مستطاع. لماذا؟ لأنه يدرك أن الله هو العامل فيه، والله قادر أن يفعل ما يشاء لخير الإنسان.

     هل لك إيمان العذراء مريم؟  إسأل نفسك اليوم “ما هو نوع إيماني؟” أتؤمن فقط بالعقائد المسيحية؟ أتؤمن بالعقل فقط؟ أم بالقلب أيضاً؟ أم بالعقل والقلب والإرادة؟ الإيمان الحقيقي هو الرغبة بأن تتبع المسيح وتفعل ما يقوله لك المسيح. أن يكون لك فكر وقلب المسيح. ليكن لنا إيمان العذراء مريم. إيمانا واثقا بالله، معتمدا على الله، مترجيا الله في كل شيء. إيمانا عاملا بالمحبة. علينا الإقتداء بمريم فيما قامت به.. ودوّنته لنا كلمة الله:

– الاقتناع التام أن العمل هو لله، والتخلي عن الاتكال على ذراعك البشرية لتحقيق الأمور وإيجاد الحلول، وإعلان حاجتك الملحّة للروح القدس، لشركة جديدة وحقيقية معه، للامتلاء من ثمره ومواهبه، وتسليمه كل أمورك. والتواضع تحت يد الله. الإيمان البسيط. ونجد ذلك واضحا في:

1-   الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله… لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله.

2- فقالت مريم: هوّذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك.

3- فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب.

 

كيف يكون هذا ؟ 

وأخيرًا، في ظل ما يحدث من حولنا، نتساءل كيف يكون هذا؟ كيف يكون الخلاص من الكابوس الذي نعيشه اليوم؟ كيف نستقبل ميلاد يسوع ونفرح به وسط  أحداث لا تبشر بالخير؟ التاريخ نفسه يعطينا الجواب على هذه التساؤلات، فلو تأملنا في الظروف التي ولد فيها يسوع الطفل نجدها ليس أفضل مما نعيشه الآن . فلا نيأس لان يسوع جاء إلينا ليشاركنا عمل التحرر، ورسالته هى رسالة تحدي لكل ما يعوق الحياة كما ارادها لنا، فعلى الرغم من وجود الأمبراطورية الرومانية وعلى رأسها القيصر بعظمته وغروره وقمعه للناس، يعلن الله السلام والوئام بين البشر جميعاً، وعلى الرغم من الأحتلال الروماني تم التجسد الألهي، وجاء يوسف ومريم إلى بيت لحم، وولد يسوع، وغمر الفرح والمحبة العائلة المقدسة. وفي غمرة الصعوبات الاقتصادية، جاء الرعاة ليزوروا عائلة وضيعة واكتشفوا الفرح والسلام فيها، وحضر المجوس ليقدموا هداياهم للطفل يسوع.

إن روح الميلاد يبعث فينا روح التحدي، نتحدى فاعلي الشر، لأننا نؤمن بقدرتهم على عمل الصلاح والخير. نتحدى الكراهية، لأننا نؤمن بقوة المحبة والغفران. نتحدى اليأس، لأننا نؤمن بالأمل والرجاء، نتحدى العنف والأرهاب، لأننا نؤمن بقوة السلام واللاعنف. نتحدى اللذين يحتقرون ويذلون الآخرين، لأننا نؤمن بكرامة كل إنسان. عندما صار الكلمة بشرُا وحل بيننا، حدث هذا تحت الأحتلال الروماني، وكما كان بالأمس، هكذا نحتفل اليوم وسط الصعوبات والمآسي بمولد المسيح – عمانوئيل – الله معنا. فهو الذي يعطينا الفرح والسلام والمحبة، الفرح الذي لا يمكن لأحد أن ينتزعه منا. وبهذه المناسبة لنرتل مع الملائكة:

" المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"