قد تم تحديث هذا المقال ليتوافق مع نص الشرع الخاص الأخير- 15 مارس 2008
يتساءل الكثيرون عن كيفية الصوم بحسب طقس كنيسة الأقباط الكاثوليك ولهذا رأيت أن أقوم بنشر نص المادة 94 من الشرع الخاص والتي تشرح بطريقة واضحة معنى الصوم، وكيفيته، وهل هناك فرق بين الصوم والانقطاع، وما هي أزمنة الصوم وفتراته. وهذه المادة تعود إلى نص القانون رقم 882 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية.
وهنا يجب التوضيح بأن الصوم هو تشريع الإلهي ولكن كيفية الصوم هو تشريع كنسي ويحق فقط للكنيسة، كأم ومعلمة، أن تحدد الطريقة التي ترى أن الأنسب لأولادها لكي يحيوا زمن الاستعداد بروحانية وبطريقة تليق بإيمانهم المسيحي القويم. ويبقى الصوم تعبير عن الإيمان وعن العمق الروحي، لأن المسيحية لا تقوم على التظاهر بل أن السيد المسيح نفسه يأمر المؤمنين بأن يدهنوا رأسهم بالزيت لكي لا يظهروا للناس أنهم صائمون بل لأبيهم السماوي الذي يرى في الخفاء ويجازي علانية، فالمهم ليس ما يدخل الفم بل ما يخرج منه، فصوم بلا إيمان وبلا توبة حقيقة لن يفيد صاحبه. وبالتالي فالكنيسة تقدم لأبنائه نظاما معتدلا تاركة لمن يريد المزيد أن يفعله دون احتقار للآخرين ودون إدانة.
المادة 94 (ق.882): يجب على المؤمنين في أيام التوبة أن يحفظوا الصوم بالطريقة التالية:
الفقرة 1: الصوم
الصوم هو الامتناع عن أكل اللحوم وعن البياض (الألبان ومنتجاتها والبيض) وإنما يجوز أكل السمك. والصوم واجب في الأيام الآتية:
1- كل أيام الجمة على مدار السنة – إلا في فترة الخمسين، وفي أيام الجمع التي تقع فيها أحاد الأعياد الآتية: الميلاد، الغطاس – الرسولين بطرس وبولس – انتقال السيدة العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء.
2- صوم الميلاد ومدته خمسة عشر يوماً.
3- صوم الرسل، ومدته أسبوع.
4- صوم السيدة العذراء ومدته خمسة عشر يوماً.
الفقرة 2: الانقطاع
الصوم الانقطاعي: هو الامتناع عن الأكل والشرب، من منتصف الليل إلى الظهر، إلى جانب الامتناع عن أكل اللحوم، وعن البياض (الألبان ومنتجاتها والبيض) وهو واجب في الأيام التالية:
1- برامون الميلاد وبرمون عيد الغطاس.
2- صوم بينوى، ومدته ثلاثة أيام.
3- الصوم الكبير ومدته أربعين يوماً.
4- أسبوع الآلام بأكمله بما فيه سبت النور.
الفقرة 3:
الإعفاء من الانقطاع والصوم: عند وجود عذر، يمنع أحد المؤمنين من الالتزام بواجب الصوم أو الصوم الانقطاعي، عليه أن يرجع إلى الراعي أو أب الاعتراف، للاسترشاد برأيه والعمل بتوجهاته.
الفقرة 4:
الصوم السابق للتناول: بناء على نظام الكنيسة القبطية الكاثوليكية العامّ الحالي، بخصوص التناول المقدس، يجب أن يكون المتناول صائما عن الأكل والشرب، على الأقل ساعة واحدة قبل التقدم للمناولة. أما شرب الماء فلا يمنع التناول.
توجيهات رعوية:
1- يطلب السينودس المقدس من الكهنة أن يحثوا المؤمنين على مراعاة هذا النظام بأمانة وتقو. وأن يغرسوا في النفوس روح الزهد والتقشف والتجرد من خيرات الدنيا وملذاتها. وليشرح الكهنة للمؤمنين، أن الكنيسة المقدسة قبلت وصية الصوم من السيد المسيح (متى6/ 16- 17، 9/ 15)، ومن الرسل الأطهار (أعمال 13/ 2- 3، 14/ 2- 3، 2كورنثوس 6/ 11، 5/27)، ولكن الكنيسة هي التي تحدّد الكيفيّة التي نمارس بها هذه الوصية، بما يتفق مع ظروف كل زمان ومكان.
2- ما تُحدّده الكنيسة هو ما يجب على المؤمنين أن يمارسوه، بطاعة وتقوى، متذكرين أنه ينبغي عليهم أن "يعملوا لا للقوت الفاني، بل للقوت الباقي للحياة الأبدية" (يوحنا 6/ 27) وأن "يطلبوا أوّلاً ملكوت الله ومشيئته" (متى 6/ 2). ومن يريد أن يصنع أكثر مما تفرضه الكنيسة، فليصنعه بفرح وتواضع، ودون أن يدين غيره، وبقدر ما تسمح به صحته، ووجباته الشخصية والعائلية والعملية.
3- لينبّه الكهنة المؤمنين إلى أن أزمنة الانقطاع والصوم، هي قبل كل شيء أزمنة توبة ومصالحة وتجدد قلبي، للنموّ في محبة الله وجميع الأخوة. فتقديس هذه الأزمنة المباركة، ليكن قبل كل شيء بالصلاة الفردية والعائلية والكنسية، وبالتقدم للأسرار المقدسة، ولاسيما سر التوبة والمصالحة وسر القربان المقدّس، وبالصدقة وأعمال الخير.
4- أفضل ذبيحة ترضي الله وتقدس النفس هي ذبيحة الذات، بأن يتمّم الفرد واجباته بأمانة كاملة، وأن يحارب ما فيه من نقائص، وأن يطهر قلبه وحياته من الخطايا، ليتفتح لعمل الروح القدس فيه، ويصير رسول مصالحة وسلام ومحبة: "أجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيّة مقدسة مرضيّة عند الله، فهذه هي عبادتكم الروحية" (رومية 12/ 1).
وبهذا تنتهي المادة 94 من الشرح الخاص، وهنا يجب التأكيد أنه بما أن هذا هو التعليم الرسمي لكنيستنا القبطية الكاثوليك فهو تعليم يلزم جميع الأقباط الكاثوليك وليس سواهم. وهو شرح عميق ومبسط لمعنى الصوم الحقيقي وكيفيته ومدته. وهو يغلق الباب أمام كثير من التساؤلات والتي غالبا ما تصدر عن رغبة حقيقة في عيش صوم مقبول من الله، عن غيرة رسولية وأحيانا عن مقارنة بكنائس وجماعات أخرى. ولهذا نؤكد أن الله يأمرنا بالصوم تاركا للكنيسة كيفيته وتاركا لكل مؤمن حرية عيشه وممارسته بطريقة تعبر عن توبة حقيقية وايمان صادق.
وختاما نرفع للرب صلواتنا لكي يجعل من هذه الأيام المباركة ومن زمن الصوم وقتا للتوبة الحقيقة والانفتاح على الله وعلى الآخرين وتركا لكل المشاعر السلبية كالغيرة، والدينونة، والإهمال في الواجبات الإيمانية والعائلية والروحية والمهنية، والتذمر. وزمناً لإنماء المشاعر الإيجابية كالتسامح وحب الخدمة والغيرة الرسولية والعطاء والصلاة.
وكل عام وأنتم بخير
الأب د. يوأنس لحظي جيد