ملخص لرسالة اليوبيل لنزلاء السجون

ومن ثمَّ فاليوبيل وثيق الصلة بخبرة الحياة داخل السجون لكون رسالة فرح وعزاء، يُمكنها أن تفتح آفاقاً إنسانيّة وروحية لأولئك المودعون داخل السجون، والذين ينظرون إلى الماضي نظرة ملؤها الأسى والحسرة، يتطلعون إلى الأيام التي خبروا فيها طعم الحرية، فإذ بلحظتهم الآنية عبئاً تمر كعليهم كأنها الدهر.
واليوبيل أيضاً في تذكير بأن الله هو سيد الزمان، فالزمن حتى وإن كان داخل السجن هو زمن الله. فالله عزا وجلا هو سيد الجميع، وهو الّذي يحب الجميع دون تفرقة،  وهو العادل الّذي يجازي كلّ واحد بحسب أعماله، يجازي المجازة التي تعالج وتطهر دون أن تزل أو تسحق، المجازة النابعة من محبته لجميع البشر؛ ندعوا الحكومات والمجتماعات إلى أعادة النظر في مفهوم العدالة، فنحن نريد عدالة بمقياس العدالة الإلهية، أي عدالة محبّة لا انتقام. وهذا يتطلب:
–  تقييم هادئ للأداء الوظيفي للمؤسسات المسئولة عن العقاب.
– فهم موضوعي للأهداف التي يحددها المجتمع لمواجهة الجريمة.
– تقييم جاد للوسائل المُتَبَعة لتحقيق الهدف من العقاب.
– أتاحة الفرصة للسجناء، بقدر الإمكان، للقيام بعمل يدفع عنهم الشعور بالمهانة الكامنة في البطالة.
– توفير برامج تدريبية لتأهيلهم لإعادة الاندماج في المجتمع بعد أن يؤدوا فترة عقوباتهم.
– تقديم الدعم النفسي الّذي يُمكن أن يساعدهم على التغلب على المشكلات الخاصة بشخصيات السجناء.
– إتاحة الفرصة للسجناء لتعميق علاقتهم بالله، عن طريق إشراكهم في مشروعات خيرية، وأعمال تضامنيّة، لأن ذلك سيساعد ويعجل بشفائهم الإجتماعي. ومن ثمَّ لا يصبح السجن مصدرا للإفساد، والرذيلة، والقعود عن العمل، وإنما مكاناً للإصلاح والتهذيب والتقويم.
ولا يعني التصحيح مجرد اعمال رحمة بطريقة شكلية بل بطريقة جذرية. وفي هذا السياق نشجع كلّ الدول والحكومات التي قامت بالفعل بإجراء مراجعة لنظام السجون(أو تلك التي لازالت في طور التخطيط لذلك) بحيث يفي في نهاية الأمر بالمتطلبات الإنسانيّة للسجناء، وتشمل هذه المراجعة الأخذ بعين الاعتبار إجاد عقوبات أخرى غير السجن.
في إطار هذه المقترحات أتطلع إلى المستقبل، وأنظر بعين الثقة إلى السلطات الحكومية طالباً إبداء الرأفة تجاه كلّ القابعين داخل السجون، عن طريق تخفيف مدة العقوبة، حتى ولو بقدر ضئيل، لأن ذلك سيكون بالنسبة للسجناء بمثابة علامة على إحساس الآخرين بهم، كما أنه سيُحدث في قلوبهم صدئ إيجابياً، وسيشجعهم على الندم لما اقترفوه، وسيقودهم إلى التوبة.
إن قبول الحكومات لهذه الاقتراحات لن يكون فقط بمثابة علامة تشجيع للسجناء، بل وأيضاً دلالة بليغة، في فجر ألفيّة ثالثة، على التأكد المتزايد على قيمة العدل على مستوى العالم، وهي قيمة تنبع أصالتها من انفتاحها على قوّة الحب المحررة.
لتفض بركات الرب على جميع المسئولين، وليغدق الرب على الجميع فيض من نوره ومحيته لنستطيع جميعاً أن نعي أن هؤلاء المودعون السجون هم أخوة وأخوات لنا في العائلة الإنسانيّة.
 
البابا يوجنا بولس الثاني
الفاتيكان 24 يونيو2000