بين مشيئة الله و حرية الإنسان

أولاً : مشيئــــــــة الله
ان مشيئة الله الآب هي مشيئة خير الإنسان ، فمشيئته مشيئة محبــة ، إذ قدم ابنه الوحيــد و خلصنا به ، و ارسل روحه القدوس ليرشدنا و ينير طريقنا . و مشيئة الله توجّه الإنسان نحو الاعمال الصالحة للملكوت و المجد .
1. مشيئة الله مشيئة أزلية – قبل انشاء العالم – و لم تبطل خطيئة الانسان قصد الله الازلي بل جعلته يقدم ابنه الوحيد لخلاص الانسان لتتم مشيئته الازلية كاملة . و التي لا تلغي حرية الانسان بل تستدعيها ، فالله ينتظر تجاوب الانسان مع مشيئته ليحثه على الوصول الى القداسة ، فيثمر ثمار الاعمال الصالحة ، فينال هكذا الملكوت و المجد . عندما نتحدث عن مشيئة الله نتحدث عن مقاصد الله لسمو الانسان نحو الافضل .. نحو القداسة و المجد . { تغيروا ….. لتختبروا ما هي مشيئة الله . رو 12 : 2 } .
يمكن التعبير عن مشيئة الله من خلال :
1. الخلاص :
ان معرفة مشيئة الله هي جزء من بناء حياة الإيمان المسيحي ، لاننا ابناء الله ، و العلاقة بين الآب و أبناءه تعتمد أساساً على معرفة الأبناء لمشيئة ابيهم . و ارادة الله الآب هي خلاص البشر . و لهذا فقد ارسل الله ابنه يسوع المسيح ليُخلصنا جميعاً من الخطيئة { الذي بذل نفسه لاجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر حسب مشيئة الله ابينا . غلا 1 : 4 } .
2. القداسة :
لا تقف مشيئة الله عند الإنقاذ من الخطيئة بل تمتد ال تقديس الانسان . فمشيئة الله هي خلاصنا و قداستنا . { كونوا قديسين لانني قدوس . ا بط 1 : 14-16 } .
3. الاعمال الصالحة :
الاعمال الصالحة في حياة الانسان هي الطريق الى الخلاص و القداسة بنعمة مجانية من الله و هو مصدر الخلاص .
4. الملكوت :
تقود الأعمال الصالحة الى ملكوت السموات ، { تعالوا يا من باركهم ابي ، رثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم . مت 25 : 34 } .
5. المجد :
الملكوت يجعل البشر في حالة مجد ، المجد السماوي الذي سيتمتعون به في الملكوت .

ثانيـــاً : حريـــة الانســـان
الحرية ليست اختياراً بل هي توجيه الإمكانيات نحو الخير العام .
مظاهرها : تختلف مظاهر الحرية باختلاف الناس و لكن هناك حريات اساسية مشتركة بين جميع الناس مثل ” حرية الدين ، المسكن ، الاسم …….. ”
خصائصها : لا تنمو الحرية الا بممارستها و لا تنضج الا بالتجربة ( الابن الضال ) . بالممارسة تضع لنفسها القيود و توظفها لبناء الحرية الشخصية .
حدودها : حرية الانسان حرية مخلوقة ، و نسبية ، لذا فهي مرتبطة و محدودة بــــ ( الظروف الشخصية ، الاحداث اليومية ، الحالة الصحية ، الثقافة ، التقاليد ، القوانين ، طريقة التربية و الاسرة ) و هذا لا يعنى انني مُقيد بل انني حرّ في ( ضميري ، معتقداتي ، ايماني ، فكري ، سلوكي ، قراراتي المصيرية مثل الوظيفة و الزواج و التكريس ……. الخ ) .
انواعها : حرية الضمير – حرية العبادة – حرية الرأي – حرية اختيار الطريق ” زواج – كهنوت ” .
الحرية من وجهة النظر المسيحية :
في الكتاب المقدس الله هو الإله المحرر فيقول الله في الحدث الذي هو قلب الكتاب المقدس ” خروج بني اسرائي ” { انا حررتك ، انا أخرجتك من عبودية مصر } لذلك فالحرية في المسيحية تتلخص في الاتي :
· الحرية أصلاً ميزة داخلية في الانسان .
· الحرية نعمة من الله و كل نعمة تحمل في طبيعتها واجب الاحترام .
· الحرية تزداد بانفتاح الانسان على كلمة الله المقدسة .
· تقبل الحرية ان تكون محدودة و خاضعة لعدد كبير من الالتزامات الفردية و الجماعية .
· يبني الانسان حريته من خلال خيارات شخصية و ليس حسب الظروف و الفرص .
· الحرية لا تكون خياراً مكتسباً ثابتاً ، لكننا نسعى اليها باستمرار .
· الحرية الفردية تتسق مع حرية الاخرين ، و تمارس داخل مجموعات ” الاسرة ، المدرسة ، الدولة ، العمل ، النادي . الخ ” .

ثالثاً : مشيئة الله و حرية الإنسان
1. خلق الله الإنسان حراً :
خلق الله الانسان على صورته كمثاله ” تك 1 : 26 ” لذلك فالانسان حرّ لان الله حرّ ، و قد اعطى الله الانسان الحرية منذ خلقه بأن اعطاه ان يعطي اسماء لجميع الحيوانات و الطيور التي خلقها هو .
2. واقع حرية الإنسان :
كيف نتعامل مع مشيئة الله ؟ نعطي امثلة من الكتاب المقدس
· قبول حرّ لمشيئة الله : مريم العذراء التي تجاوبت تجاوباً حراً تاماً .
· الشك في مشيئة الله : زكريا الذي شك في بشارة الملال له بان زوجته اليصابات ستلد ابناً و هي في شيخوختها .
· قبول غير حرّ لمشيئة الله : الابن الاكبر في مثل الابن الضال ، يتجاوب مع مشيئة ابيه في ان يخدمه و لكن خدمته ليست خدمة الابن الحرّ بل خدمة العبد ، لذلك لم يفهم ابداً قول ابيه { يا ابني انت معي دائماً أبدا و جميع ما هو لي فهو لك . لو 15 : 30 } .
· رفض مشيئة الله :الشاب الغني رفض رفضاً حراً دعوة يسوع له ” مت 16 : 19 ”

*** يبقى السؤال كيف اكتشف مشيئة الله لأتجاوب معها ؟؟
بما ان يسوع الابن الوحيد ، هو وحده كشف لنا عن وجه الآب علينا ان تقتدي به لنعرف كيف اكتشف هو إرادة أبيه في حياته على الارض ، و كان ذلك من خلال الآتي :
· الصلاة : صلاته في بستان الزيتون { لا كما انا اشاء ، بل كما انت تشاء . مت 26 : 39 }
· الأشخاص : نداء مريم له في عرس قانا الجليل ، اكتشف من خلاله مشيئة ابيه في ان يبدأ في اظهار مجد الله .
· الأحداث : عداوة الرئاسات و الفريسيين ، و اضطهادهم له في كل مكان حتى يوقعوا به كشفت له على مشيئة الآب انه اقترب من الفداء .

3- نهاية الإنسان الحرّة :
من الخلق الى حياة الانسان اليومية و حتى نهايته ، يظل الانسان كأنناً حراً امام الله و يحترم الله حريته هذه . الله خلقنا أحراراً و علينا ان نختار حياة الحرية المسيحية التي تصل الى الملكوت ، او رفض الحرية و قبول حياة العالم و هذا هو جهنم .

معنى مشيئة الله في حياتنا :
من الحسن ان نرى مشيئة الله في كل شيء و نقبلها و نرضى بها ، و لكن الله أعطانا قدرات و مواهب كي نستعملها ، فالله يريد الإنسان المقاوم و المكافح و المناضل ، الذي يواجه ظروفه السيئة بما أعطاه الله من قدرات . و فكرة الاستسلام لمشيئة الله هي فكرة غير مسيحية لان فكرة الاستسلام تضع الإنسان في قوسين من عجزه و عدم قدرته على فعل أي شيء . و الله لا يريد أن يقبل الإنسان كل ظروف حياته ، بل ان يغيرها و يبتكر فيها ، فهذا هو الإنسان الذي خلقه الله يستطيع ان يواجه كل شيء و ان يخرج من عبودية الظروف لحرية الإنسان المخلوق حرّ .