عندما يكون العذاب نصيب الطبيب

عندما يكون العذاب نصيب الطبيب

تحليل للدكتور كارلو بيللياني

روما، الأحد 27 مايو 2007 ((ZENIT.org – ننشر في ما يلي تحليلاً للدكتور كارلو فاليريو بيللياني، مدير وحدة العناية الفائقة بعد الولادة في مجموعة العيادات الجامعية "لوسكوتّي" Le Scotte في سيينا (إيطاليا)، وعضو الأكاديمية الحبرية للحياة حول الطريقة التي يتّبعها الأطباء لمعالجة الألم.

قد يبدو ذلك غريباً ولكن هناك نقطة أساسية لكان من دونها أي علاج للألم قليل الفعالية: إنها معالجة وجع الطبيب. وتفيد آخر الأبحاث بالفعل بأن المشكلة الأولى في العلاقة الطبية هي النظرة التي ننظرها إلى المريض والتي تحدّد ما إذا كان المريض سيتقبّل مرضه أم لا، وفي حال الأهل، ما إذا كان الإبن سيتقبّل الحالة أو يرفضها؛ وهذه النظرة إلى المريض تعتمد بشكل أساسي على مدى تقبّل الطبيب لذاته أو مدى شعوره بتقبّل الآخرين له، بضعفه وحدوده. وأعتقد أن هذه بالتحديد هي النقطة الحساسة التي هي في أساس الخلافات في مجال الأخلاقيات، أي أننا نعكس على الآخرين نظرتنا إلى ذاتنا.

فلنحاول أن نتصوّر هذه الحالة في مجال إنعاش الحديثي الولادة الذين يواجهون خطر الإعاقة مدى الحياة أو الموت. فالمسألة هنا ليست فقط مسألة تحديد عدد الأسابيع الذي يجب أن يبلغه الجنين الذي وُلد للتوّ لكي يُتّخَذ قرار بإنعاشه أو لا: بل يجب أولاً أن نتوقف للحظة ونتساءل عن مفهومنا لهذا المريض الصغير ومرضه…فهل نحن نعتقد بأننا وبإنقاذنا طفلاً شديد المريض جلّ ما نفعله هو إثقال كاهل الأهل والمجتمع؟ وهل نعتقد بأن الإعاقة هي فعلاً نهاية الحياة؟ أترانا نعتقد (شأن العديد من الأطباء، وبحسب دراسة أوروبية أجريت في العام 2000) بأن "العيش مع إعاقة جسدية خطيرة أسوأ من الموت"؟ في الواقع، قد يكون من السهل أن نجيب ب "نعم" عن هذه الأسئلة إن كنا قد أمضينا سنوات طوال نعايش حالات مؤلمة، تخلّى عنها المجتمع وحتى الأهل في بعض الأحيان.

ولكن ولو أنه من السهل أن نجيب ب "نعم"، فإن الجواب خاطىء وذلك لسببين: أولاً، لأن ذلك يعني أننا استسلمنا لعدم قدرة الدولة على التضامن. وثانياً، لأنه لربما كنا جميعاً نخشى كل الخشية أن تتدهور صحتنا فنعكس خوفنا هذا على الآخرين. وتشير دراسة إحصائية أجريت مؤخراً إلى أن الأطباء الذين يعتنون بحديثي الولادة في نيوزيلندا وأستراليا والأقل تحبيذاً لفكرة متابعة العلاجات هم أيضاً أكثر من… يخافون الموت (أرشيف أمراض الطفولة Archives of Disease in Childhood للعام 2007).

والدراسة هذه عبارة عن إحصاء جديّ للغاية شمل 70 طبيباً على أساس سلّم تقييم نفسي محدّد وهو يحمل على التفكير: فلعلّ الألم الأول الواجب معالجته ليس ما يعانيه الطفل أو العائلة بل وجع الأطباء ووحدة الطبيب والعمل المفرط الذي يحوّل الطبيب إلى شخص متهكّم أو عاطفي. فكيف يمكن التصرف عند هذا الحدّ؟ ربما بمساعدة متبادلة تقوم على التربية وعلى وعي جديد للأمور. فمن البديهي أنّ وجود طفل مريض يغيّر مفهوم الحياة ويولّد العذاب، عذاباً لا يُحمل في بعض الأحيان؛ ولكن لعلّ قمة العار هي أن يقوم شخص بإصدار تشريعات حول من يفترض عدم إنعاشه، من دون أن يكون قد استنفد كل الموارد المتاحة من أجل العائلات والمرضى والخدمات والثقافة… فكم من "المبالغ" المهدورة تنتظر أن تصل إلى أيدي من هم أحوج حالاً إليها؟

من البديهي أن ذلك لا يعني أن ننكبّ (ولكن من الذي يفعل ذلك؟) على أطفال ندرك أنهم باتوا في آخر لحظات حياتهم، فنخضعهم لعلاجات لا طائل منها لكي نطيل حياتهم شبراً واحداً، بل إن ذلك يعني أن نجيب عن السؤال الذي تطرحه الإعاقة. وهذا يعني أن لكل شخص الحق في الحصول على علاج وعلاج لائق، خاصة إذا كان مصاباً بإعاقة… ما لم يكن العلاج من دون نفع. ولكن ما معنى "من دون نفع"؟ إن الحصان الذي يكسر قائمته يصبح غير نافع للعمل. بيد أنني على يقين من أنه في حال فقدت وظيفة ساقيّ، أو في حال أُصيب أحدنا بمرض عصبي خطير، لن نصبح "من دون نفع". إن العالم الذي يصنّف الحياة بين حياة نافعة وحياة غير نافعة لهو عالم مقزّز.