إجابات الفاتيكان حول التغذية والإهامة الاصطناعيتين

 

الفاتيكان، 18 سبتمبر 2007 (ZENIT.org)

 ننشر في ما يلي أجوبة مجمع عقيدة الإيمان على أسئلة مجلس الأساقفة الأمريكيين، حول التغذية والإهامة الإصطناعيتين.

مجمع عقيدة الإيمان

 إجابات عن بعض الأسئلة في مجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة حول التغذية والإهامة الاصطناعيتين

 السؤال الأول: هل أن تقديم الغذاء والمياه (سواء بشكل طبيعي أو عبر وسائل اصطناعية) للمريض في حالة الغيبوبة العميقة هو واجب أخلاقي باستثناء في حال لم يتمكن جسد المريض من امتصاصها أو لم يكن هناك وسيلة لإعطائها للمريض من دون التسبب بانزعاج جسدي كبير؟

 
الجواب:
نعم. في المبدأ، يعتبر منح الغذاء والمياه حتى ولو كان ذلك بالطرق الاصطناعية وسيلة اعتيادية وملائمة للحفاظ على حياة المريض. لذلك، تعتبر هذه العملية ملزمة، مهما طال أمدها، ما دامت تحقق مبتغاها، أي تغذية المريض وإهامته. بالتالي، نتفادى الموت والمعاناة نتيجة الجوع والجفاف.

 السؤال الثاني: هل يمكن وضع حد لعملية تغذية المريض وإهامته في حالة الغيبوبة العميقة (الحالة النباتية) الدائمة عبر الوسائل الاصطناعية عندما يعتبر الأطباء المؤهلون من غير أدنى شك أنه لا يوجد أي أمل بأن يستعيد المريض وعيه؟

 
الجواب:
كلا. إن المريض في حالة الغيبوبة العميقة الدائمة هو شخص يتمتع بالكرامة الإنسانية ويجب أن يحصل على العناية الاعتيادية والملائمة التي تتضمن مبدئياً التغذية والإهامة حتى ولو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية.

 
* * *

إن قداسة البابا بندكتوس السادس عشر وافق خلال الجلسة المخصصة للكاردينال المسؤول عن مجمع عقيدة الإيمان على هذه الأجوبة التي اعتمدت خلال الجلسة العادية للجنة وأمر بنشرها.

 روما- مكاتب مجمع عقيدة الإيمان، 1 أغسطس 2007.

تعليق الفاتيكان على الأجوبة حول التغذية والإهامة الاصطناعيين (1)

الفاتيكان، 19 سبتمبر 2007 (ZENIT.org)

ننشر في ما يلي القسم الأول من تعليق مجمع عقيدة الإيمان على الإجابات عن بعض الأسئلة في مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة حول التغذية والإهامة الاصطناعيتين.

القسم الأول من التعليق

 لقد صاغ مجمع عقيدة الإيمان أجوبة عن الأسئلة التي قدمها سعادة الموقر "وليام س. سكيلستاد"، رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة، في رسالة بتاريخ 11 يوليو 2005 حول تغذية وإهامة المرضى في حالة الغيبوبة العميقة (الحالة النباتية). كان هدف الأسئلة معرفة ما إذا كانت تغذية وإهامة هؤلاء المرضى، وخصوصاً عبر الوسائل الاصطناعية، تشكل عبئاً ثقيلاً على المرضى أنفسهم أو أقاربهم أو نظام الرعاية الصحية إلى الحد الذي يمكن فيه اعتبار هذه العملية وسيلة استثنائية أو غير ملائمة على ضوء تعاليم الكنيسة، وبالتالي لا تشكل واجباً أخلاقياً.

 غالباً ما يتم ذكر كلمة البابا بيوس الثاني عشر التي ألقاها أمام منتدى حول علم التخدير في 24 نوفمبر عام 1957 من أجل دعم فكرة وقف تغذية هؤلاء المرضى وإهامتهم. ففي هذه الكلمة، شدد قداسة البابا على مبدأين أخلاقيين عامين. من جهة، تعلم الأخلاقيات المسيحية والمنطق الطبيعي أنه في حالة المرض الخطر، يحق للمريض ولمن يعتني به ومن واجبهم تأمين الرعاية الضرورية للحفاظ على صحة المريض وحياته. ومن جهة أخرى، يشمل هذا الواجب فقط استعمال الوسائل الاعتيادية في ظل هذه الظروف، أي الوسائل التي لا تفرض عبئاً استثنائياً على المريض أو الآخرين. فالواجب الأكثر صرامة يشكل عبئاً كبيراً على أغلب الأشخاص وقد يجعل من الصعب تحقيق خيراً أكبر. فالحياة والصحة وكل الأنشطة الدنيوية هي ثانوية مقارنة مع الغايات الروحية. وبالطبع، لا يمنع على أحد بذل أكثر مما هو ضروري للحفاظ على الحياة والصحة، شرط عدم التغاضي عن الواجبات الأهم.

 تجدر الإشارة هنا إلى أن الأجوبة التي أعطاها قداسة البابا بيوس الثاني عشر تطرقت إلى استعمال تقنيات الإنعاش والتوقف عن استخدامها. لكن لا يوجد أي صلة ما بين هذه الحالة وهذه التقنيات. فالمرضى في حالة الغيبوبة العميقة يتنفسون بشكل طبيعي ويهضمون الغذاء بشكل طبيعي وتستمر وظائف جسدهم الأيضية بشكل عادي حيث يكونون في وضع مستقر. غير أنهم لا يستطيعون تغذية أنفسهم. وإذا لم يحصلوا على الغذاء والسوائل بشكل اصطناعي فسوف يموتون، ولن يكون المرض أو الغيبوبة العميقة السبب في وفاتهم بل الجوع والجفاف. وفي الوقت نفسه، لا تشكل عملية التغذية والإهامة الاصطناعيين عبئاً ثقيلاً على المريض أو أقاربه، ولا تشمل نفقات كبيرة بل هي جزء من نظام الرعاية الصحية العادي. كما أنها لا تتطلب الاستشفاء وتتلاءم مع غايتها، أي تفادي موت المريض نتيجة الجوع والجفاف. فهذه العملية ليست علاجاً يشفي المريض. ليس هذا هو هدفها بل هي رعاية صحية اعتيادية هدفها الحفاظ على الحياة.

 من جهة أخرى، قد تصبح الغيبوبة العميقة التي يعاني منها عضو في العائلة عبئاً ثقيلاً حيث يشبه ذلك عبء الاهتمام بمريض مشلول بالكامل أو شخص يعاني من مرض عقلي خطر أو من مرض الألزايمر أو غيره.  فهؤلاء الأشخاص يحتاجون عناية دائمة لأشهر وربما سنوات. لكن لا يمكن تفسير المبدأ الذي ذكره البابا بيوس الثاني عشر على أنه يعني أنه يمكن التخلي عن هؤلاء المرضى الذين تشكل رعايتهم عبئاً على عائلاتهم، وبالتالي تركهم ليموتوا. ليس هذا ما عناه البابا بيوس الثاني عشر عندما تحدث عن وسائل استثنائية.

 كل شيء يدفعنا إلى تطبيق الجزء الأول من المبدأ الذي ذكره البابا بيوس الثاني عشر على المرضى في الغيبوبة العميقة: ففي حالة المرض الخطر، من حقنا وواجبنا تأمين الرعاية اللازمة للحفاظ على الصحة والحياة. فتعاليم ماجيستيريوم الكنيسة الذي تابع عن كثب تقدم الطب والأسئلة التي طرحها تؤكد هذا الاستنتاج بالكامل.

 إن الإعلان حول القتل الرحيم الذي نشره مجمع عقيدة الإيمان بتاريخ 5 مايو 1980 شرح الفرق بين الوسائل الملائمة وغير الملائمة، وبين المعالجة والرعاية الصحية العادية للمريض. "عندما يكون الموت وشيكاً رغم الوسائل المستعملة، يمكن اتخاذ قرار رفض العلاجات التي قد تؤدي إلى إطالة الحياة بشكل مؤقت ومرهق ما دامت الرعاية الصحية الاعتيادية التي يحق للمريض بها مستمرة بدون انقطاع" (الجزء 4). لكن لا يمكن التوقف عن استعمال الوسائل الاعتيادية لرعاية المرضى الذين لا يواجهون خطر الموت الوشيك كما هي حالة المرضى في الغيبوبة العميقة. فبالنسبة لهؤلاء الأشخاص، قد يؤدي التوقف عن استعمال هذه الوسائل إلى وفاتهم.

 في 27 يونيو 1981، نشر المجلس الأسقفي "قلب واحد" Cor Unum وثيقة بعنوان "بعض القضايا الأخلاقية المتعلقة بالمرضى في حال الخطر والمحتضرين" حيث أعلن المجلس من بين أمور أخرى أنه "من الواجب استعمال "الحد الأدنى" من هذه الوسائل بأي ثمن، أي الوسائل التي تهدف إلى الحفاظ على الحياة في ظل الظروف العادية والطبيعية (التغذية، نقل الدم، الحقن، الخ). فالتوقف عن استعمالها قد يعني القبول بوضع حد لحياة المريض (رقم 2.4.4).

 في كلمة ألقاها الباب يوحنا بولس الثاني أمام المشاركين في صف دولي حول أشكال سرطان الدم بتاريخ 15 نوفمبر 1985، ذكر البابا الإعلان حول القتل الرحيم وأعلن بوضوح أنه على ضوء مبدأ الرعاية الملائمة، لا يمكن التخلي عن "الالتزام بتقديم العلاج المناسب للحفاظ على الحياة أو تقديم المساعدة عبر وسائل عادية للغاية نفسها"، وهذا يتضمن بالطبع منح الغذاء والسوائل للمريض. وأشار قداسته كذلك أن التغاضي عن تقديمها أمر غير مشروع يهدف إلى "تقصير الحياة لتجنيب المريض أو عائلته المعاناة."

 عام 1995، نشر المجلس الأسقفي للمساعدة الرعوية لعمال الرعاية الصحية "شرعة عمال الرعاية الصحية" في الفقرة 120 التي تؤكد ما يلي: "إن إعطاء الغذاء والسوائل، حتى لو كان ذلك بالوسائل الاصطناعية، هو جزء من العلاج الطبيعي الذي يحق للمريض الحصول عليه عندما لا يشكل ذلك عبئاً عليه؛ ووقف هذه العملية قد يعني قتلاً رحيماً بكل ما للكلمة من معنى."

 

القسم الثاني من التعليق

 إن كلمة البابا يوحنا بولس الثاني أمام مجموعة من الأساقفة من الولايات المتحدة خلال زيارة بتاريخ 2 أكتوبر 1998 كانت في غاية الوضوح: إن التغذية والإهامة جزء من الرعاية الطبية العادية ويشكلان وسائل اعتيادية للحفاظ على الحياة. ومن غير المقبول وقفهما أو منعهما في حال أدى ذلك القرار إلى وفاة المريض. فعندها يكون ذلك قتلاً رحيماً بالإهمال (م. رقم 4).

 في كلمة ألقاها البابا يوحنا بولس الثاني في 20 مارس عام 2004 أمام المشاركين في المنتدى الدولي حول "العلاجات المغذية والغيبوبة العميقة: التقدم العلمي والمعضلات الأخلاقية"، أكد بكل وضوح ما قيل في الوثائق المذكورة آنفاً وشرح تفسيرها الصحيح. شدد قداسته حينها على النقاط الآتية:

1.  تشير عبارة "الغيبوبة العميقة الدائمة" إلى حالة المرضى التي تستمر غيبوبتهم أكثر من عام واحد. في الواقع، لا يوجد تشخيص مختلف يلائم هذا التعريف بل مجرد حكم تكهني تقليدي حيث يعتبر تعافي المرضى لجهة الإحصاءات أمراً صعباً مع استمرار حالة الغيبوبة العميقة لوقت طويل" (رقم 2).[1]

2.  رداً على المشككين "بالنوعية الإنسانية" للمرضى في الغيبوبة العميقة، من الضروري إعادة التأكيد على أن "القيمة الجوهرية والكرامة الشخصية لكل كائن بشري لا تتغير مهما كانت الظروف الملموسة لحياته. فحتى لو كان الإنسان يعاني مرضاً خطراً أو لا يقدر على ممارسة وظائفه العليا، هو إنسان ويبقى إنساناً ولن يصبح "نباتاً" أو "حيواناً" (رقم 3).

3.  "يحق للمريض في حالة الغيبوبة العميقة الذي ينتظر إما التعافي إما النهاية الطبيعية الحصول على الرعاية الصحية الأساسية (التغذية، الإهامة، النظافة، الدفء، الخ) وتفادي التعقيدات الناتجة عن بقائه طريح الفراش. ويحق له كذلك الحصول على العناية المناسبة لإعادة تأهيله ومراقبة الإشارات الحيوية السريرية للتعافي المحتمل. أود التشديد على أن كيفية إعطاء الغذاء والمياه، حتى لو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية، يمثل وسيلة طبيعية للحفاظ على الحياة وليس عملاً طبياً. وينبغي أيضاً اعتبارها مبدئياً اعتيادية وملائمة، وبالتالي ملزمة أخلاقياً ما دامت تحقق غايتها النهائية، أي تأمين الغذاء للمريض وتخفيف معاناته" (رقم 4).

4.  بعد النظر في الوثائق السابق ذكرها، تم شرحها كما يلي: "إن واجب تأمين "الرعاية الاعتيادية التي يحق للمريض بها في هذه الحالات" (مجمع العقيدة والإيمان، الإعلان حول القتل الرحيم، ص. 4) تتضمن استعمال الغذاء والإهامة (م. المجلس الأسقفي Cor Unum وثيقة بعنوان "بعض القضايا الأخلاقية المتعلقة بالمرضى في حال الخطر والمحتضرين" رقم 2.4.4؛ المجلس الأسقفي للمساعدة الرعوية لعمال الرعاية الصحية، شرعة عمال الرعاية الصحية، رقم 120). إن تقييم الاحتمالات المبنية على آمال ضعيفة بالتعافي بعد استمرار الغيبوبة العميقة لأكثر من عام لا يمكن أن يبرر وقف أو قطع الحد الأدنى من الرعاية للمريض، بما في ذلك الغذاء والإهامة. في الواقع، إن الموت بسبب الجوع والجفاف هو النتيجة الوحيدة الممكنة لوقف الغذاء والإهامة. بمعنى آخر، يشكل ذلك قتلاً رحيماً نتيجة الإهمال إذا ما حصل عن سابق معرفة (رقم 4).

 بالتالي، تعبر الأجوبة التي قدمها مجمع العقيدة والإيمان بوضوح عن الميل المذكور في وثاق الكرسي الرسولي، وخصوصاً كلمة البابا يوحنا بولس الثاني بتاريخ 20 مارس عام 2004. ويشمل ذلك نقطتين أساسيتين. أولاً، إن تقديم التغذية والإهامة ولو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية هو مبدئياً وسيلة اعتيادية وملائمة للحفاظ على حياة المرضى الذين يعانون من غيبوبة عميقة. "وهي بالتالي وسيلة ضرورية ما دامت تحقق غايتها النهائية أي تغذية المريض وإهامته". ثانياً، من الواضح أنه يجب استعمال هذه الوسيلة الاعتيادية للحفاظ على حياة مرضى الغيبوبة العميقة الدائمة بما أنهم أشخاص يتمتعون بالكرامة الإنسانية الأساسية.

 عند اعتبار تقديم الغذاء والمياه واجباً أخلاقياً في المبدأ، لا يلغي مجمع العقيدة والإيمان إمكانية الاستحالة الجسدية لتقديم الغذاء والمياه بوسائل اصطناعية في أماكن نائية أو في حالات الفقر المدقع، أي أن لا أحد ملزم القيام بالمستحيل ad impossibilia nemo tenetur. لكن واجب منح الحد الأدنى من العلاجات المتوفرة يبقى قائماً، إلى جانب واجب الحصول على الوسائل الضرورية للحفاظ على الحياة، في حال كان ذلك ممكناً. ويبقى هناك احتمال عدم تمكن المريض من امتصاص الغذاء والمياه بسبب التعقيدات الناشئة عن حالته، وبذلك تصبح هذه العملية بل فائدة. وفي الختام، من الممكن أيضاً أن يشكل الغذاء والإهامة الاصطناعيين في بعض الحالات النادرة عبئاً ثقيلاً على المريض أو يؤديان إلى انزعاج جسدي كبير، نتيجة التعقيدات المترتبة عن استعمال هذه الوسائل على سبيل المثال.

 غير أن هذه الحالات الاستثنائية لا تلغي المعيار الأخلاقي العام الذي يعتبر أن تقديم الغذاء والمياه، حتى لو كان ذلك عبر الوسائل الاصطناعية، هو وسيلة طبيعية للحفاظ على الحياة وليس علاجاً طبياً. وبالتالي، يجب اعتبار هذه العملية عادية وملائمة حتى مع استمرار الغيبوبة العميقة.

 

[1] إن المصطلحات الخاصة بالمراحل والأشكال المختلفة للغيبوبة العميقة قيد النقاش لكن ذلك غير مهم على المستوى الأخلاقي.