أشجان راعي: هل توافقني الرأي عن جحود هذا العصر وتمسكه بخطاياه

كثرة الاعتراضات، ليس فقط من أعضاء الكنيسة، وشعبها، لا بل أيضا من خدام مدارس الأحد، رواد التعليم المسيحي، والمثل الأعلى للشباب خاصة الذين في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، فإذا تكلم الكاهن الذي عن سر التوبة، أو حاول أن يشرح مفهوم الخطية وشناعتها، فإنهم غالبا ما سينعتون هذا الكاهن بالرجعية، يترك التكنولوجية والعلوم الحديثة، يعيش في العصر الماضي .

 

قرأت أن أحد أعضاء الكنيسة في رعية صغيرة أعترض على راعيها يوم الأحد لأن عظته كانت تتحدث عن سم الخطية بوضوح، وكان يتكلم عن " يع 1 : 15 " ثم الشهوة إذا حبلت تلد الخطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا "

 

فقال له المعترض : لا تتحدث عن الخطية، لا تسميها خطية بل سمها "خطأ " إذا شئت ولا تسميها باسمها بوضوح، حتى أولادنا لا ينجرفون في تيارها بسهولة. فذهب الكاهن ومعه المعترض الى أقرب صيدلية وطلب قارورة إستركنين (مادة سامة جدا)، وقد كتب على الزجاجة كلمة (سم)، ألتفت إلى المعترض وقال: " أتريدني أن أغير عنوان هذه الزجاجة فبدلا من كلمة "سم" سنضع كلمة "زيت نعناع". ألا ترى الخطأ الذى يصحب هذا التصرف ؟ لأنه كلما كان العنوان مخففا كان السم أكثر خطرا " .

 

لقد بدأنا زمن العولمة وعصر التكنولوجية في السنوات القليلة الماضية، فكانت النتيجة هي أننا خففنا اسم الخطية، وأصبحنا ندعوها "خطأ" أو "ضعفا" أو "غلطا غير مقصود". ولكن أظن أنه يجب أن نسميها باسمها الحقيقي، وأن نضع كلمة "سم" على زجاجة المادة السامة، ولا نخاف أن نتحدث عنها كما علمنا الكتاب المقدس فى نصوص واضحة، ذاكرا نتائجها الخطيرة .

 

أضرار الخطيئة المميتة

 

الخطية المميتة تعدم النفس والحياة الروحية، وتفقدنا نعمة الله وتحرمنا الحياة الأبدية، وتجعلنا نستحق العذابات الجهنمية ( رو6) : أجرة الخطية هى الموت " .والخطأة يقول الرسول في ( عبر 6) " أنهم يصلبون أبن الله ثانية … " و(عبر10) "وأيضا يدسون أبن الله بأرجلهم، ويدنسون الدم الذكي الذي تقدسوا به "

 

 

الدواء الناجح لكل العصور

 

إذا كانت الخطية خطرة ونتائجها خطيرة على النفس لأنها سبب الهلاك.وهى السم الفتاك. فما هو المصل الذى يقضى على هذه الآفة، أو ما هو الدواء الناجح؟ توجد وسيلة واحدة هي سر التوبة (سر الرحمة ).

 

 

وللأسف يوجد الكثير من المؤمنين لا يمارسون هذا السر ومبررين موقفهم بأسباب خدروا بها ضمائرهم. وهذه الأسباب أشد خطرا لآنها من صنع الشيطان، تجعل النفس التى تتبعها لا تعرف السلام الباطني. وهم يؤكدون لأنفسهم:" اعترافي سيكون بيني وبين ربى، لماذا أعترف على

إنسان؟ من هو الكاهن؟، إنه بشر مثلى! ومن يقول أنه خالى من الخطايا؟، أنا لا أعترف إلا للذي خلقني".

 

 قال الآباء القديسون في هذا السر :

 

القديس باستليانوس أسقف مدينة برشلونة قال: "أي غريق لا يريد أن يتشبث بدفة لينجو من الغرق، التوبة هي الدفة". وقال القديس إيرنيموس: "سر التوبة للذي. سقط في الخطية بمقام دفة ثانية للنجاة من الغرق". وأكد نفس الشيء القديس أمبروسيوس والمجمع التريدنتينى

ونجد حزقيال النبي في ( 18 : 30 – 32 ) "يقول السيد الرب، فتوبوا وأرجعوا عن جميع معاصيكم لئلا يكون الألم سببا لهلاككم. أنبذوا جميع معاصيكم وأتخذوا قلبا جديدا وروحا جديدا، فلماذا تريدون الموت ياشعب إسرائيل. فأنا لا أسر بموت من يموت، يقول السيد الرب. فأرجعوا إلى وأحيوا ".

 

وبالتالي: ارجع أيها الأثيم ولا تتأخر عن طلب العفو، الى ربك الذى يمد لك يد الرحمة ليحفظك ويقبلك بمحبة.

 

 

سر الرحمة هو السلطان الذي أعطاه ابن الإنسان لكنيسته

 

ولمحبة يسوع لنا رسم سر التوبة كعلاج للجحود الشديد الذي يمتلك على ضمائر الكثيرين الذي يتمسكوا بشهواته. والمدهش أن المحتاجين لسر التوبة هم في الغالب المعترضين على ممارسة سر المصالحة لأنهم يقنعون أنفسهم بان الاعتراف عند الكاهن وهو إنسان خاطئ لن يجدي.

 

السيد المسيح له المجد رد على أعتراض الكتبة والفريسيين لما قالوا : "من يقدر أن يغفر الخطايا، إلا الله وحده " ( مر 2 : 12 ). فقال للمخلع "قم فقتم" مؤكدا أن ابن الإنسان هو هو الله، وبالتالي يستطيع أن يغفر الخطايا. إلا إن يسوع بشفائه المخلع، أراد أن يثبت للكتبة والفريسيين أن أبن الله له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا..

 

وقد أراد يسوع أن يعطى سلطان مغفرة الخطايا على الأرض لكنيسته من بعده لصالح المؤمنين، على مر الأجيال والأزمان .

 

أجل إن سلطان مغفرة الخطايا هو سلطان إلهي، إلا أن الله أراد أن يشرك في هذا السلطان من يشاء من الناس، لصالح الناس

 

ويسوع بصفته ابن الله، بل وبصفته ابن البشر، أراد أن يعطى هذا السلطان لرسله ولكنيسته التي أسسها لتدوم الى الأبد. تمّ ذلك قبيل صعوده الى السماء، وعودته إلى الآب، ففي أول ظهور له للتلاميذ بعد القيامة قال لهم : " السلام لكم، كما أرسلني الآب، كذلك أنا أرسلكم " ( يو 20: 21) …. نفخ فيهم، وقال لهم: خذوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت " ) (يو 20 : 22 و 23 )

 

وبهذا الكلام أعطى يسوع الرسل وخلفاءهم سلطان الحل من الخطايا. فقد قال لهم على وجه الإطلاق : " من غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكت خطا يا هم امسكت " وعليه الكنيسة تستطيع بقوة السلطان الالهى الممنوح لها من المسيح، أن تغفر في سر التوبة، كل الخطايا مهما كان عددها ونوعها وجرمها.

 

والكاهن وهو ممثل الكنيسة، ونائب المسيح في كرسي الاعتراف لا يستطيع أن يحكم بأن التائب مستوجب الحل والربط، دون سابق معرفة هذه الخطايا، وفحص كل دعوى التائب بالتفصيل، والنظر في استعداداته الباطنية، فعلى التائب واجب الإقرار والاعتراف بكل خطاياه المميتة والمرتكبة بعد المعمودية، والتي لم توضع تحت سلطان المفاتيح .

 

إذن بسلطان مغفرة الخطايا هذا، جعل المسيح من الرسل وخلفائهم قضاة على النفوس فى محكمة التوبة السرية، بحيث إذا ما حكموا فى قضية ما من هذا القبيل على الأرض، أجاز الله حكمهم فى السماء.

 

ومن هنا يظهر لنا أن خارج هذه المحكمة الروحية، التي فيها الكاهن قاض، والتائب مدعى عليه ومدع وشاهد، لا مغفرة للخطيئة بتاتا وعليه قد تحتم علينا من باب الإلزام الكبير، وضع جميع الخطايا المميتة – المرتكبة بعد المعمودية – تحت سلطان المفاتيح. أي أنه لا بد من الاعتراف والإقرار بها. بشرط أن يكون الإقرار بالخطايا بنية نوال الحل منها وتعبير صادق عن التوبة.

 

سر قوى وفريد

 

سلطان مغفرة الخطايا، الذي سلمه المسيح لكنيسته ’ والذى تفوضه الكنيسة بدورها لرجال الاكليروس من أساقفة وكهنة هو سلطان فريد، وعجيب، لا مثيل على الأرض. فبقوة هذا السلطان العجيب يحظى التائب، لا بمغفرة كل خطاياه فحسب، بل ويخلق خلقا جديدا أيضا : فمن عبد للشيطان يصبح أبنا لله، ومن عدو يصبح صديقا، ومن إنسان معد للهلاك الأبدي يصبح إنسانا مباركا معدا لسعادة تدوم إلى الأبد، يتمتع بها في رحاب الآب السماوي، الذي يشاهده وجها إلى وجه

 

 وذلك ما أتمناه، لكل خاطئ يتوب

 

الأب جبرائيل الأحمر