الحرية الدينية في مصر

 بقلم الدكتور الأنبا/ يوحنا قلته

مقدمة[1]:

الحرية الدينية، ثمرة للحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وليست موضوعاًُ منفصلاً، أو مستقلاً عنها، فليست هناك حرية دينية حقيقية في أي من بلاد العالم إلا إذا امتلكت هذه البلاد حريتها السياسية وانتصبت فيها الديموقراطية، وحقوق الإنسان، فالبحث عن الحرية الدينية خارج هذا الإطار نوع من الوهم والسراب. وفي البلدان الإسلامية، وبخاصة مصر، يمكن أن نحدد للحرية الدينية كما في واقع الحياة ومسيرة التاريخ موقفين لكل موقف ملامحه وأسبابه ومصادره:

الموقف الأول: نظري، عقائدي، فالمسلمون يتخذون من آيات القرآن الكريم أدلة على حرية دينية كفلها الإسلام لغير المسلمين: "لا إكراه في الدين.. لكم دينكم ولي دين" آيات تتردد في كل مجالات الحوار بين المسلمين وبين المسيحيين، يتجنب هذا الموقف الآيات الأخرى التي تنص على أن الإسلام هو الحقيقة الكاملة المطلقة، وعلى بطلان وكفر الأديان الأخرى "الدين عند الله الإسلام "، "ومن ابتغى غير الإسلام ديناً" ويعتبر الإسلام ذاته كمال الوحي الإلهي، والوحي الكامل.

الإسلام في عقيدة المسلم هو "الحق" والإيمان الصحيح، وهو الطريق الأوحد للجنة أو للفردوس السماوي، وهو الشريعة المثلى للقيم الأخلاقية والتشريع الاجتماعي، هذا الموقف النظري والعقائدي، هو السائد في كل مراحل التعليم والثقافة الإسلامية، وإن كان هناك نوع من الانفتاح على الثقافات الأخرى وعلى الحريات الدينية وبخاصة في مصر أو في بعض البلدان الأخرى، فإن الأمر يرتهن دوماً بمساحة الحرية السياسية والثقافية وعلى قناعة الحاكم.

الموقف الثاني: هو في الممارسة اليومية وفي نسيج العلاقات الاجتماعية، فإن كان المسلمون يؤمنون بأنهم "خير أمة أخرجت للناس" وأنهم يمتلكون القرآن الكريم والسنَّة كمصدر أساسي للقيم الأخلاقية والعملية، فإن ذلك لا يمنع أن لديهم شعوراً بالتمايز والتفوق الروحي والنفسي وأحياناً يختلط هذا الشعور باحتقار أصحاب العقائد الأخرى. لقد تعمّق الإحساس بالتمايز منذ بداية الإسلام بعد الانتصارات العسكرية السريعة والهائلة التي صحبت الدعوة الإسلامية إذ سيطر الفاتحون المسلمون على معظم البلاد التي خضعت للإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وامتدت الإمبراطورية الإسلامية حتى الهند شرقاً والأندلس غرباً وقلب إفريقيا وآسيا، حمل المسلمون معهم عقيدة جديدة ولغة جديدة، اكتسحت حضارة تلك البلدان التي توارت وأصبحت من التاريخ القديم، وأصبحت بعض البلدان الذي سيطر عليها الإسلام مصدراً من مصادر الفقه والثقافة الإسلامية، وقدمت أئمة ورواداً للفكر الإسلامي، أزيلت المسيحية من المغرب العربي، واضمحلت حضارة مصر الفرعونية والقبطية، والفرس واليونان والرومان، وتحولت كل الأقاليم التي سيطر عليها المسلمون إلى أمم إسلامية، بل قام من أبنائها علماء الفقه، وخرجت بدع ومذاهب التطرف والتعصب، ولكن الكنائس التي كانت قد تجزرت فيها القيم المسيحية صمدت وعاشت تحت رحمة الحكام، أحياناً تعيش مساحة من الحرية الدينية وأحياناً أخرى ينقلب مزاج الحاكم فيشعل فتنه واضطهاداً. وهكذا ظلت الحرية الدينية في مصر وبلدان الشرق تمضي وفق مزاج الحاكم ومصالحه، وامتدت الهيمنة الإسلامية قروناً طويلاً، ولعل تلك كانت صورة للعصور الوسطى بوجه عام، فالشمال والغرب يخضع لهيمنة الكنيسة ورجالها، والجنوب والشرق مستسلم للسلطان وتقلباته وفق أحوال البلاد.

أزعم أن فكرة الحرية الدينية، لم تقلق بال المسلم تجاه غير المسلم، فهو يقبل أن يمارس غير المسلم عبادته ويحتفظ بعقيدته، كنوع من الهبة أو المنحة، أو قل كضرورة للتعايش مع الشعوب المغلوبة التي تدير مع الفاتح المنتصر شؤون البلاد واستنزاف خيراتها لصالح الحكام وأتباعهم، ويمكن القول بدون مبالغة أن الحرية الدينية لم يعرفها الشرق العربي، بمفهوم عصرنا، لم تكن حقاً من حقوق المهزومين، أو دستوراً أو حتى موضوعاً للمناقشة، بل كانت هبة من القوي للضعيف.

أعتقد أن عبارة "الحرية الدينية" بدت تتسرب إلى البلدان العربية والإسلامية بقوة بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، حيث كثُر الكلام في كل أنحاء الدنيا حولها، وصدرت كتب بمختلف اللغات، وتصدرت المقالات الصحفية أرجاء العالم، وأزعم أن هذه العبارة، أو هذه الدعوة للحرية الدينية أصابت العالم العربي والإسلامي، بأمرين: الدهشة… والاستفزاز.

أولاً: أصابت هذا العالم العربي دهشة وبخاصة مصر التي لا يزال يحكم في الأمور الدينية فيها يسير بأحكام وقوانين العهد العثماني الذي خنق كل تقدم ونهضة وتنوير في البلاد التي سيطر عليها، ولزمن امتد إلى قرون طويلة، كان المجتمع المصري يعيش حتى اليوم نظماً تمس الحرية الدينية وضعها العثمانيون بما سمي "الخط الهمايوني" الذي قسم المجتمع إلى سادة وعبيد، وإلى أصحاب سلطة ودين وإلى أتباع من غير المسلمين، فإذا جاءت دعوة للحرية الدينية، فإنما هي دعوة جاءت متأخرة جداً وبعد أن ترسخت تقاليد التمايز بين دين السلطة والدولة– الإسلام– وبين رعايا السلطان من غير المسلمين، الدهشة التي أصاب العالم العربي جاءت من المفاجأة ومن الأسلوب ومن محاولة قلب نظام اجتماعي قديم، وطرح سؤال: هل لغير المسلمين حقوق دينية ضائعة؟ وهل لهم مطالب في ظل الدساتير التي تعلن أن للدولة ديناً رسمياً واحداً، وأن مصدر تشريعاتها هو الإسلام؟ وإذا كان المسيحيون في الشرق، كالأقباط، والسريان، والكلدان، والأرمن، عاشوا طيلة هذه القرون راضين مستسلمين فهل يحق أن تأتي مثل هذه الدعوة من الغرب لتوقظ فتنة، أو تشعل نار التعصب؟ إن عقل المسلم في مصر، وفي العالم العربي، لا يقرّ بالمساواة بين الأديان، ولا يعترف إلا بسيادة الإسلام، فهل لغير المسلمين حقوق يطالبون بها؟، بل لعل هذه العقلية سادت فكر العصور الوسطى عند المسيحيين وعند المسلمين.

ثانياً: عبارة "الحرية الدينية" تمثل استفزازاً للعقل العربي وبخاصة للعقل المصري، لأنها عبارة مستوردة من الغرب غير المسلم، وكثر الحديث عنها بعد أحداث 11 سبتمبر، فهي تمثل ضغطاً على النظم العربية وعبئاً ثقيلاً على الحكومات التي تخشى الجماعات الإسلامية المتطرفة وتحسب لها ألف حساب.

العقلية الإسلامية تواجه هذه العبارة بشيء من التحدي لها، فالأديان في عرف هذه العقلية ليست على قدم المساواة، فالإسلام عندها– هو الحق المطلق– وهو الدين الأسمى، ومن ثم فالحرية الدينية لا تعني المساواة في جميع الحقوق والواجبات بالنسبة لأصحاب الديانات الأخرى، بل يريد بها العقل المسلم "حرية الممارسة" ولكن تحت قيد شديد الوطأة هو قيد "الإسلام هو دين الدولة" ويخشى لعقل المسلم من تداعيات هذه العبارة، إذ تساوى حقوق أصحاب الديانات بحقوق   المسلمين الغالبية الساحقة، وأصحاب الحقيقة المطلقة، وأعود لما ذكرته من قبل أن الحرية الدينية ثمرة من ثمار شجرة الحرية الكاملة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فليس من السهل إطلاق الحرية الدينية في مناخ يسوده الاستبداد والأمية والفقر، أن سيادة الديموقراطية تعطي ثمرة الحرية الدينية.

تمزقت الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وانطلق عصر الاستعمار الأوروبي، وتقاسمت إنجلترا وفرنسا وإيطاليا مناطق النفوذ في البلدان العربية، جاء الاستعمار الجديد من بلدان مسيحية، بعد أن رحل الاستعمار العثماني المسلم، وبدت تلك البلدان توحد صفوفه لمحاربة السيد الجديد، وكانت فرصة ذهبية للمسيحيين العرب والشرقيين، ليتحدوا مع أخواتهم المسلمين للدفاع عن "حرية الوطن" ومن ثم سقطت أمور كثيرة كانت تضيق الخناق على الحرية الدينية، أصبح للمسلم والمسيحي هدف واضح يوثق علاقتهما، "الحرية الوطنية" أضف إلى ذلك عنصراً هاماً جداً بدا يطرق باب العقل العربي ويفتح أمامه نوافذ الثقافات العالمية، هذا العنصر القوي هو جيل من المثقفين والسياسيين الذين نهلوا من ثقافة الغرب، وذاقوا طعم الحرية، وعرفوا معنى النهضة، أشعلوا نوراً على طريق العقل العربي، لطفي السيد أول رئيس للجامعة المصرية يعلن أن الجامعة لها هدف واحد "العلم"، طه حسين يغربل التراث الأدبي القديم ويهز المعتقدات الراسخة الدخيلة على العلم وينشئ المذهب النقدي، وزعيم مصر وثورتها ضد الاستعمار الإنجليزي– سعد زغلول (1919) يعلنها صراحة الدين لله والوطن للجميع، ومكرم عبيد رفيق سعد زغلول لا يخجل من القول باعتزاز "أنا مسلم وطناً، مسيحي عقيدة" حدث مثل هذه المواقف في مختلف أنحاء البلدان العربية، وبدت أنوار هد جديد تبيح "للحرية الدينية" أن تبسط أنوارها بانتعاش الحركة السياسية وبداية عهد الديموقراطية وإعداد الدستور الوطني، وزخرت الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية بثراء عقلي ونهضة شاملة حقيقية، كانت تلك الحقبة (1935– 1952) عصراً ذهبياً للأقباط وللحرية الدينية.

في خضم هذه النهضة واتساع مسحة الحرية الدينية، كان لبعض الفئات المتعصبة، التي أصابها القلق أمام تيار الحرية، والتي تمسكت بالأصولية الإسلامية، كان لها موقف مضاد، فنشأت حركة الأخوان المسلمين في ثلاثينيات القرن العشرين، هذه الحركة التي أفرخت أغلب الجماعات المتطرفة والتي كانت مهداً لكثير من فرق العنف ودعاة التكفير، والتي لعبت دوراً خطيراً في مسيرة مصر الحديثة، وبنوع خاص في تعثر "الحرية الدينية" وقفت ضد جمال عبد الناصر وحاولت اغتياله (1954) اتخذت من وسائل الإعلام جسراً إلى عقول الشباب، وأسست مراكز لها في مختلف أنحاء مصر، وقسمت الشعب المصري إلى قسمين، قسم يضم المسلمين كأصحاب الدين والسلطة وغير المسلمين، وعادت عبارات من العصور الوسطى للظهور في الكتب والمقالات وخطب المساجد، مثل عبارة "أهل الذمة" وديار المسلمين، وأهل الكفر، ونهض أئمة في تناسل عقلي يروجون لعودة "الحكم الإسلامي" وبشروا بدولة إسلامية نموذجية على مثال المدينة الفاضلة، أو جمهورية أفلاطون لا ترتكز إلا على الإسلام ديناً وتشريعاً وأخلاقاً، ووصلت قمة اندفاع الجماعات الدينية إلى مأساة 6 أكتوبر 1981 بمصرع السادات، ووقعت مصر من جديد في نفق مظلم، وانحسرت الحرية الدينية، وتوارى ظل الأقباط، وانطوت الكنيسة المصرية على ذاتها تنتظر المخرج، وسرى إرهاب بشع، وتوجس المصريون خوفاً من مستقبل مظلم بعد أن تعرض للقتل مفكرون وأدباء أمثال نجيب محفوظ وفرج فوده والشيخ الذهبي، غير أن عهد الرئيس مبارك استطاع أن يسيطر على الموقف ويعيد التوازن للمجتمع، ولكن لا تزال عبارة الحرية الدينية موضوع نقاش بين المستنيرين من مسلمين ومسيحيين وبين المتمسكين بالنظم القديمة الأصولية.

دخلت مصر نفقاً مظلماً تعرض الأقباط للاضطهاد من قبل الجماعة الإسلامية المتطرفة، اضطهاد طال كل الفئات القبطية، من فلاحين وتجار وطلبة وكنائس ومدارس، وبات واضحاً أن المستقبل ينبئ بشر مستطير، وسقطت "الحرية الدينية" في بئر الإهمال مع الحرية السياسية، حاول المتطرفون تدمير مصر، وحلمهم إقامة حكومة إسلامية، وليس لهم إلا برنامج واحد "الإسلام هو الحل"، وتغير وجه مصر السمح المترفع إلى وجه متجهم متعصب.

كيف خرجت مصر من هذا النفق الذي امتد من قبل مصرع السادات سنة 1981 إلى بداية حكم الرئيس مبارك، وكيف أزيح الكابوس الديني المتطرف من على العقل المصري بعد أن غمر هذا الكابوس بكل أوهامه ورؤاه المرعبة الحياة المصرية كافة، وبعد انتشرت الجماعة الإسلامية في كل مرافق الدولة، وسيطرت على النقابات والجامعات والإعلام، وبرز أئمة يعمقون الإحساس بالتطرف وباحتقار كل ما ليس هو من الإسلام، وانتشر النقاب كأنه يلغي وجود المرأة كما يلغي ملامح التفكير والتحليل، وكثرت المحجبات من النساء والبنات والأطفال، اختفت تماماً الحرية الدينية وامتلأ العقل المصري بالرعب والقلق.

كيف خرجت مصر من هذا الظلام الكثيف وكيف عادت عبارة "الحرية الدينية" أن ما أوقف هذا الإعصار المتطرف المدمر، يعود إلى حكمة الرئيس مبارك، ورؤياه الواضحة، وإخلاصه الكامل لمصر وشعبها، وبجانب حكمة الرئيس يمكن أن نرصد أسباباً ساعدت على وقف هذا التيار المتشدد.

(أ) طبيعة الشعب المصري، أنه ليس شعباً دموياً وليس شعباً متطرفاً بحكم عبقرية الزمان وعبقرية الجغرافيا التي أشار إليها الدكتور جمال حمدان في موسوعته: شخصية مصر، أن به أقباطاً وكنيسة احترمها الفاتح المسلم منذ البداية ولا تزال الكنيسة القبطية لها وجود في الحياة المصرية.

لا يمكن أن يتشابه واقع مصر بواقع الجزائر، أو لبنان، فمصر "أمة" لا تقسم إلى قبائل وعشائر، التقسيم الأوحد الذي يعمقه التطرف هو التقسيم الديني، لم تعرف مصر طوال تاريخها وعمقه حرباً أهلية، وإنما أصابها اضطهاد الحكام وأتباعهم، وأصيبت مصر إصابة جسيمة في تكوينها الثقافي والوطني من جراء هجرة الملايين إلى بلاد البترول وعودتهم أثرياء، وقد ازدحم عقلهم بمذاهب متطرفة تغلب على دول الخليج ولاسيما المذهب الوهابي الذي يكفر كل ما هو غير إسلامي، وكل من هو غير مسلم، وأزعم أن هذه الموجة آخذة في الانحسار تحت قوة المرونة في طبيعة الإنسان المصري، وتحت الصفة الأساسية لتكوينه وهي رفضه لسفك الدماء والعنف، كما أن التعايش اليومي بين المسلمين والمسيحيين في مصر وبخاصة تعايش الأغلبية الساحقة في القرى والأحياء الشعبية والمدن الكبيرة، ربط بين أبناء الشعب، وصقل العقل المصري الذي تعرض لهزات عنيفة جراء الإعلام المتطرف وتحت تأثير بعض البلاد الإسلامية المتطرفة ديناً، ولولا "الأمية" المتفشية في الأوساط الشعبية وبين النساء في مصر لجاز القول أن مصر لن يعود إليها إرهاب أو تطرف وستتسع دائرة الحرية الدينية، أن الثقافة والتنوير والإعلام الجيد، عوامل إيجابية لمستقبل الحرية.

(‌ب)  شجاعة بعض المثقفين، وموقفهم الرائد ضد التطرف والتعصب بل ودفاعهم أحياناً عن المسيحيين، ودعوتهم الصريحة والجريئة "لحرية الأديان" أن استشهاد فرج فوده في قلب مدينة القاهرة، ومحاولة قتل نجيب محفوظ دفع المثقفين والمفكرين إلى التصدي لتيار التطرف.

(‌ج)   المدارس المسيحية وبخاصة الكاثوليكية (170 مدرسة كاثوليكية بمصر) ووجود الرهبان والراهبات لإدارتها بالتعاون مع المسلمين وهم يشكلون أكثر من 50 % من تلاميذ هذه المدارس أقامت جسراً قوياً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وكونت نوعاً من الثقافة المشتركة، ومن الملاحظ أن خريجي هذه المدارس هم من صفوة المثقفين والفنانين الذين يرفضون العنف ويؤيدون "الحرية الدينية" بصورة منفتحة، أن رسالة المدارس المسيحية في قلب المجتمع المصري منه أقوى عوامل التقدّم.

(‌د)    فشل كل مساعي المتعصبين والمتطرفين في الحد من انتشار الثقافة الغربية والعلوم والتكنولوجيا بالرغم من شدة مقاومة الحضارة الوافدة التي تتهم بالكفر، وبالرغم من انتشار فضائيات تدعو إلى التعصب والتطرف، أن الحرية الدينية تواجه في العالم العربي تحدياً قوياً، ولكن أغلب الظن أن هذا التحدي لن يستطيع صد تيار التقدم وجوع البشر إلى المعرفة وإلى الحرية.

إن فشل الاستراتيجية العربية حتى اليوم في التعامل مع القضية الفلسطينية، وفي العراق، وفي الجزائر، والسودان، وبقاء الشعوب العربية في أمية غالبة وتحت حكم نظم استبدادية بالمقارنة مع الحرية المتاحة للشعوب الغربية، هذا الفشل دفع العقل العربي إلى التساؤل عن جدوى التيار الديني وعن النتائج التي قد يصل إليها، أن هناك انهياراً على مستوى الشعوب العربية في مختلف المجالات، ويبدو أنها– أي الشعوب– بدأت في فقدان الثقة في تيار التطرف وتميل إلى مناخ الحرية الدينية، بالإضافة إلى انتشار الوعي بحقوق الإنسان، وسقوط النظم الديكتاتورية، وفشل التجربة الإسلامية في إيران، وفي السودان، التي لم تستطع النهوض بالشعوب، بل ضيقت الخناق على أهل الفكر والفن، مما أصاب التيار الديني بهزيمة أمام الشعوب الإسلامية، وتثبت الأيام، يوماً بعد يوم، أن بناء نهضة على أساس ديني متعصب متطرف لن تقوم له قائمة فلا مناص من الحرية وهي السبيل الوحيد لتقدم الشعوب.

عن مجلة "صديق الكاهن"وجريدة "لمسياجي" و "مجلة الصلاح"

 

1سألني أحد مراكز الأبحاث أن أكتب مقالاً عن الحرية الدينية في مصر فجاء هذا المقال.