لنتأمل مع بندكتس 1 -2 من فبراير

الأول من فبراير

روما، 1 فبراير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل الأول من فبراير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 
كائنات تصبو نحو الآخر

 إن جوهر الصورة يكمن في أنها تمثل أمراً. فمتى نظرتُ إليها، رأيتُ، على سبيل المثال، الشخص الذي تمثله أو معالم طبيعية أو ما سوى ذلك. إنها تدلّ على ما يتجاوزها. فميزة الصورة ليست أن تقتصر على ما يكوّنها –من زيت وقماشة وإطار على سبيل المثال. فطبيعتها كصورة تكمن في أنها تتعدى كونها مجرّد صورة لتُظهر ما ليست عليه في ذاتها. وعليه، فصورة الله تعني أول ما تعني أن البشر لا يمكن أن ينغلقوا على أنفسهم. فهم يخونون أنفسهم إن حاولوا ذلك. فأن يكون المرء صورة الله تفترض فعل تواصل هو دينامية تجعل الشخص البشري ينطلق في مسيرة تقوده نحو ذلك الآخر المختلف كلياً. وذلك يعني الإستعداد للتواصل، وهو الإستعداد البشري للقاء الله. ونتيجةً لذلك، يكتسب البشر عمقاً إنسانياً أكبر عندما يخرجون من أنفسهم ويصبحون قادرين على التكلم مع الله ببساطة وعفوية  لا مكان فيها للكلفة. بالفعل، إن الجواب على السؤال حول ما يميّز الإنسان عن الحيوان، وما يميّز بالتحديد الأشخاص البشريين، جاء أنهم كائنات منحهم الله قدرة على التفكير والصلاة. وهم يصبحون أنفسهم بشكل أعمق عندما يكتشفون ما يربطهم بخالقهم. لذا، فإن صورة الله تعني أيضاّ أن الأشخاص البشريين هم كائنات الكلمة والمحبة، كائنات في نزعة تحركهم صوب "آخر"، يميلون إلى أن يهبوا أنفسهم إلى هذا "الآخر" ولا يسترجعون أنفسهم حقاً إلا من خلال بذل ذاتهم بشكل كلّيّ.

الثاني من فبراير 

 

يسوع الهيكل الجديد

 
إن يسوع لا يقول إنه سيدمّر الهيكل… ولكنه يتنبأ بأن هذا ما سيفعله متّهموه بالضبط. وهو بذلك ينبئ بالصليب مبيناً أن قتل جسده الأرضي سيتزامن مع خراب الهيكل. أما بقيامته فقيامة الهيكل الجديد، وهو جسد يسوع المسيح الحيّ الذي سيقف في حضور الله ويكون محطّ كل عبادة. وفي هذا الجسد سيجمع البشر. إنه المعبد التي لم تصنعه يد إنسان، مكان العبادة الحقة لله الذي يزيل الظلمة ويستبدلها بالواقع. والغوص في أعمق مستويات تفسير نبوءة القيامة يبيّن أنها أيضاً نبوءة الإفخارستيا. يُقدَّم جسد المسيح ذبيحةً يُضحّى بها، وعلى قدر ما هو أضحية فهو حيّ أيضاً. وهذا جوهر السرّ الذي يُعلَن في القداس، حيث يتجلى المسيح لنا وبذلك يقيمنا في رابط حقيقي مع الإله الحق… لحظة موت يسوع، تنتهي وظيفة الهيكل القديم، قُل إنها تُحَلّ. فلا تعود مكان حضور الله، وموطئ قدمه الذي أحلّ فيه مجده. ومن الناحية اللاهوتية، يمكن القول إن الخراب المنظور للهيكل قد تمّ التوقع به قبل حصوله. فالعبادة من خلال الرموز والظلال سرعان ما تتلاشى لحظة العبادة الحقيقية، أي تقديم الإبن ذاته ذبيحةً، ذاك الذي أصبح إنساناً و"حملاً"، "الإبن البكر"، الذي يجمع فيه كل عبادة لله، فينقلها من الرموز والظلال إلى واقع اتحاد الإنسان بالإله الحيّ. وبذلك تكون الحركة النبوية التي تقوم على تطهير الهيكل وتجديد العبادة الإلهية وإعدادها لواقعها الجديد قد بلغت هدفها المنشود.