مخطوطات قمران (18)

2. نصوص موسعة

تعرَّف الدارسون على عدد قليل من نصوص كتابية موسعة. ويضع العلماء تحت هذا العنوان المواد الكتابية التي تحمل النص الكتابي بتغيرات بسيطة للغاية. نصوص هذه الفئة هي:

مغ 4/123 عن يشوع بن نون

مغ 4/127 عن الخروج (باللغة اليونانية)

مغ 4/367-346 تضم نصوصاً كتابية موسعة وأخرىً شرعية تنظيمية.

لا نعرف الأسس التي استند عليها العلماء لتمييز هذه الفئة وإعطائها هذا الاسم. فكان من الممكن أن تدخل مع النصوص الكتابية. عموماً أياً كانت الأسباب، فإن هذه الفئة أيضاً تؤكد فكرة الاهتمام الشديد الذي أولته جماعة قمران للنصوص الكتابية.

3. نصوص شرعية تنظيمية

تمكّن العلماء في العقد الأخير أو العقدين الأخيرين من اكتشاف غاية ومعنى كتابات قمران الشرعية. كان من المعروف أن عدداً من مخطوطات قمران يتضمن العديد من الشرائع والنظم المقتبسة من النصوص المقدسة، كما كانت تتضمن أيضاً تفسير الجماعة لهذه النصوص. ولكن بعض الكتب التي نشرت في أواخر السبعينات جعلت من الشريعة أحد الموضوعات الرئيسية لدراسة "مسألة قمران". لقد احتل العلماء اليهود مكانة بارزة في هذا المجال: تحليل الوثائق المكتشفة حديثاً ومقارنتها في نقاط التلاقي أو الاختلاف مع مجموعات شرائع الربيين وهي التي حررت بعد عدة قرون من اختفاء جماعة قمران. أربع وثائق من هذه الكتابات، تسترعي الانتباه بطريقة خاصة.

              ‌أ.          وثيقة دمشق

هناك عدة أسماء لهذه الوثيقة: جزئيات صادوقية، عهد دمشق ووثيقة دمشق. تنفرد الوثيقة بتاريخ خاص بين وثائق قمران، إذ أنها كانت معروفة قبل 1947. لقد عثر العالم اليهودي سولومون شيختر، عام 1896، في خزانة النصوص غير المستعملة في مجمع بن عزرا بمصر القديمة، على نسختين من هذه الوثيقة ونشرهما سنة 1910 النسخة الأولى أطلق عليها وثيقة أ وتتكون من 16 عاموداً (1-16) بينما تتكون الثانية، الوثيقة ب من عامودين. أرقامهما 19-20 ومطابقة للأعمدة 7-8 من الوثيقة أ. تم تحرير الوثيقة أ في القرن العاشر والوثيقة ب في القرن الثاني عشر الميلادي. لقد كانت الوثيقة محل دراسة لمدة طويلة، ولكنها اكتسبت أهمية خاصة عندما استطاع العلماء أن يتعرّفوا، في بعض مخطوطات قمران (مغ 4/266-273؛ مع 5/12؛ مع 6/15)، على هذه الوثيقة. ويعود أحد مخطوطات المغارة الرابعة لسنة 75-50ق.م، ويثبت أن النص، الذي عُرف فقط من نصوص تعود إلى القرون الوسطى (ق10-12م في مصر القديمة)، يرجع إلى زمن غابر جداً.

تتكون الوثيقة من جزأين رئيسيين: دعوة وتحذير في الأعمدة 1-8 و 19-20، والجزء الثاني جزء شرعي (الأعمدة 15-16 و 9-14) (الترقيم يتبع النسخة المكتشفة في مجمع بن عزرا سنة 1896). وتشير النسخة الخامسة في المغارة الرابعة أن مكان العامودين 15-16 هو بين العامودين 8-9. وتثبت مخطوطات قمران أن النص الذي استعملته الجماعة كان يختلف، في الترتيب وكذلك في الطول (فهو أطول)، عن النص المكتشف في مجمع بن عزرا. وتتعلق شرائع الوثيقة، بالإضافة إلى أشياء أخرى، بطهارة الكهنة الشرعية، الذبائح، الأمراض، الزواج، الزراعة، العشور، العلاقة مع غير اليهود، شروط الانضمام لجماعة العهد والأقسام التي يجب تلاوتها، حياة الجماعة، السبت، الترتيبات الخاصة بالجماعة. يوجّه الكتاب كلامه إلى جميع الذين يعرفون الحق (1:1) "إليكم يا من دخلوا في العهد "أبنائي" (2:2 وراجع 2: 14) ويدعوهم للسير في طرق الله كأعضاء العهد الجديد "في أرض دمشق" (19:6).

هناك جدال بين العلماء حول معنى "دمشق"، هل المقصود بها عاصمة سوريا، أم هو اسم رمزي للإشارة إلى مكان سبي، كما يعتقد البعض بالنسبة لعاموس 27:5؟ لم يتوصل العلماء إلى اتفاق في الرأي. ولكن الاسم يتكرر 7 مرات في النص مما جذب انتباه العلماء وسمّوه الوثيقة: وثيقة أو عهد دمشق.

وتحث الوثيقة القارئين على الحياة بموجب مقتضيات العهد الجديد والابتعاد عن الشر، مثل شبكة بليعال الثلاثية: الزنا والغنى وتدنيس الهيكل (14:4-18). كان من الممكن ألا يتمم بعض أعضاء الجماعة واجباتهم. وكذلك "لا يدخل أي من الذين قبلوا العهد إلى الهيكل، ليوقد باطلاً مذبحه" (12:6). قد تعني هذه الوصية أن أعضاء الجماعة لم يكونوا يشاركون الباقين العبادة في هيكل أورشليم. إنهم اعتبروا ذواتهم "البقية"، التي أقام لها الله معلم العدل لكي يقودها في طرق الله (10:1-11). ويدعم الكاتب كلامه ووصاياه بنصوص كتابية.

ويلفت الكـاتب ايفت النظر إلى عبارات المعسكرات (6:7) أو المعسكر (23:10) جماعة مدن اسرائيل (19:12) أو جماعة المعسكرات (23:12). فيفترض أن هذه الوثيقة موجهة إلى جماعة تعيش وسط آخرين، مما دفع بعض الدارسين إلى القول: لا توجه هذه الوثيقة إلى جماعة قمران بل إلى جماعة أخرى تبنت أفكار وطريقة حياة مشابهة، ولكنها لم تنسحب إلى قمران؛ بل كانت تعيش مع الآخرين في المدن والقرى، وكانوا على اتصال باليهود وبغير اليهود. تذكر الوثيقة شخصاً هاماً هو الحارس أو المفتش والذي كان من بين مهامه الحكم على خصائص وملكات الشخص الذي يريد الانضمام إلى الجماعة، وتعليم الجماعة أعمال وسبل الله. يتناول الجزء الشرعي موضوعات عديدة، كما سبق وأشرنا. تتفق هذه الموضوعات في تفاصيل عديدة مع تشريعات جماعة قمران، وأحياناً تختلف معها. ويحتل السبت مكانة هامة للغاية في هذه التشريعات.

         ‌ب.          نظام الجماعة

إنه أحد المخطوطات السبعة التي تم اكتشافها قبل باقي المخطوطات وقد استند عليها الدارسون كأساس لفهم طبيعة جماعة قمران. لقد عثر على نص شبه كامل في المغارة الأولى، وعشر نسخ في المغارة الرابعة (255-264) وربما واحدة في المغارة الخامسة (11 أو 13) وعلى الأرجح نسخة تجمع ما بين نظام الجماعة ووثيقة دمشق في المغارة الرابعة (265). إنه نظام حياة جماعة قمران. ويبدأ بعرض ما يجب أن يعلمه قائد الجماعة لأولئك الذين يريدون الدخول فيها.

"إنه يقبل في عهد النعمة كل الذين يرغبون المحافظة على اللوائح الإلهية لكي ينضموا إلى مجلس الله ويسيروا أمامه بكمال الأشياء التي كشفت في الأزمنة المحددة شهادة لهم، لكي يحبوا جميع أبناء النور، كل واحد حسب درجته في مجلس الله، وكرهوا أبناء الظلام حسب أخطائهم أمام انتقام الله" (7:1-10).

وبعد هذه المقدمة تلي طقوس القبول في الجماعة وتجديد العهد السنوي. وينقسم الناس إلى قسمين متميزين: أبناء النور وأبناء الظلام. هناك جزء في النظام يتناول هذا الأمر بالتفصيل (13:3-26:4) من الله الكلي الحكمة يأتي كل شيء، ما كان وما سيكون: قبل أن يوجدوا يحدد مصيرهم، وعندما يوجدوا يتمون أعمالهم حسبما سبق وحدد لهم بموجب خطة مجده، وبدون أي تغيير بين يديه نظم الجميع وهو الذي يسد كل احتياجاتهم (15:3-17). تتناول الأعمدة 5-7 حياة الجماعة وتحتوي نظم يجب اتباعها للدخول في الجماعة، وترتيبات اجتماعات الجماعة والعقوبات التي تفرض على المخالفين. ويواصل النظام عرض عن أعضاء الجماعة الأصليين وما يجب أن تكون عليه حياتهم في الوقت الحاضر. ويختم النظام نشيد شعري يمدح الله.

ويحتوي النظام، مثل وثيقة دمشق، مواداً تشريعية داخل أو بجوار أنواع أدبية أخرى. ويضم مخطوط المغارة الأولى ملحقين: نظام المجموعة ويتكون من عامودين ويتناول ترتيبات الأيام الأخيرة: الجماعة ومائدة العشاء. والثاني هو مجموعة البركات ويضم بركات رؤساء الجماعة. ولا يرد أي من الملحقين في أية نسخة من النسخ الأخرى.

جـ. درج الهيكل

نشر العالم الإسرائيلي يجال يادين سنة 1977 درج الهيكل، وبذلك بدأت حقبة جديدة في دراسة القمرانيات، وهي الحقبة التي أقرت نهائياً أن الشريعة كانت تحتل المكانة الأولى في حياة وفكر جماعة قمران. ويعتبر الدرج أطول مخطوطات قمران إذ يتكون من 65 أو 66 عاموداً. ويبرر بعض العلماء الاختلاف بين الدرج وباقي مخطوطات قمران في بعض الأمور بأن الدرج كتب قبل نشأة الجماعة، بينما يعتبره آخرون أساسياً في مخطوطات الجماعة.

كان يادين سمع عن وجود المخطوط من أحد رجال الدين في فرجينيا، وبعد حرب الأيام الستة (5-10 يونيو 1967) استطاع أن يحصل عليه من تاجر الأنتيكات كوندو. ويبدو أن كوندو لم يحصل على ثمن المخطوط، إلا أنه لم يكن باستطاعته أن يرفض، إذ انتزع منه عنوة. ومازال الجدال قائماً حول هذا الأمر غير أنه بعد هذا الحادث لم يظهر أي مخطوط في سوق الأنتيكات.

تتحدث بداية المخطوط عن العهد الثاني الذي عقده الله مع الشعب في سيناء (راجع خر34)، يلي ذلك جزء طويل يتناول الهيكل (أعمدة 3-13) ثم الحديث عن الأعياد والمحرقات (13-29). ووصف الهيكل في المخطوط لا يطابق أيّاً من معابد بني إسرائيل: إنه هيكل نموذجي يتم بناؤه في المستقبل عندما يحقق الصديقون الانتصار النهائي. ومن المرجح أن يكون تقويم الأعياد في المخطوط هو التقويم الشمسي الذي يعتبر السنة 364 يوماً والذي تم ذكره في كتب اليوبيلات وأخنوخ ونصوص قمرانية عديدة. وتتناول الأعمدة 30-45 وصف ساحات الهيكل، أما الأعمدة 45-47 فهي مخصصة للحديث عن الأشخاص والأشياء التي لا يجب أن تدخل الهيكل لئلا تنجسه. ويتضمن العامود الأخير تنظيمات وترتيبات لأمور مختلفة مقتبسة من كتاب التثنية.

لقد درس العلماء الأعمدة المتعلقة بالأعياد والشرائع وقارنوها بمجموعات الشرائع اليهودية الأخرى لكي يستطيعوا وضع أعياد وشرائع قمران في مكانها الصحيح في تاريخ الشرائع اليهودية. يختلف المخطوط اختلافاً واضحاً عما أقره الربيون فيما بعد من شرائع، ويقترب من مواقف ومجموعات يهودية أخرى قديمة مثل الأسينيين. ومن خصائص المخطوط أنه عندما يتم ذكر نص كتابي ويرد فيه كلام الله في الغائب، فهو يغير الصيغة إلى المتكلم. وهكذا ينسب الكاتب بوضوح شديد جداً الكتب المقدسة إلى الله.

د. رسالة في السلوك

إذا كان نشر درج الهيكل قد دشن حقبة جديدة في دراسة القمرانيات فإن الوثيقة التي يطلق عليها العلماء اسم رسالة في السلوك (مغ 4/394-399)، والتي وجدت منها 6 نسخ في المغارة الرابعة وضعت الشريعة في قلب الدراسات حول طبيعة وتاريخ جماعة قمران. قد كانت هذه الوثيقة موضع جدال شديد حيث تباينت أراء العلماء حول طبيعتها. رأى ناشرو الرسالة أنها رسالة وجهها معلم العدل وأقرانه إلى خصومهم في أورشليم، بما فيهم رئيس الكهنة (الكاهن الشرير)، هدفها هو إعطاء لائحة بالاختلافات بين التيارين (قمران وكهنة أورشليم)، ودعوة الخصوم لتغيير نمط حياتهم. ويتم عرض الاختلافات والدعوة إلى التغيير في إطار هادئ، وكأنه من صديق لصديق. إذا كان هذا صحيحاً فنتيجته هامة للغاية: كانت الاختلافات شرعية محضة واليوم أصبحت أهميتها محدودة للغاية.

تبدأ الرسالة بتقويم سنوي مفصل، وهو أيضاً تقويم شمسي تتكون فيه السنة من 364 يوماً. ثم يعرض الكاتب 22 نقطة شرعية يختلف حولها التياران. تختلف هذه النقاط عن مفاهيم الربيين أو الفريسيين وتتفق مع مفاهيم الأسينيين وأحياناً مع الصادوقيين.

عن مجلة صديق الكاهن