المدرسة المستنصرية بغداد – العراق

بدء المسلمون يتلقون العلوم الاسلامية واصول الدين الحنيف في  المساجد التي كانت تعتبر في العصر الاسلامي الاول معاهد وجامعات التعليم  في القرون الثلاثة الاولى بعد الهجرة النبوية .

        تبلورت فكرة انشاء مدارس تكون مخصصة للتدريس ومساعدة الدارسين مع اذدهار الحضارة الاسلامية في بداية القرن الرابع الهجري حيث قد بدأت الولة الاسلامية في تهيئة الاراضي والمساحات  لإقامة المدارس وتحضير المدرسين بصرف أٌجورهم لضمان استمرارها ، من هنا بدء عصر جديد وكان تاريخه في منتصف القرن الخامس الهجري وبنيت المدرسة النظامية في بغداد سنة 459 هـ أي سنة 1066م وصارللمدرسة أهمية كبرى في الحضارة الاسلامية .

        من بعد تأسيس المدرسة النظامية بدأت مرحلة فصل التعليم عن المساجد ففصلت الابنية عن المساجد متوفرةً لها كل المستلزمات من سكن وقاعات وفصول تدريس كما أُعدَ فيها أضرحةُ لمؤسيسها .

أمامنا اليوم نموذج من إحدى المدارس النظامية وهى المدرسة المستنصرية التي تنسب الى الخليفة العباسي المستنصر بالله الذي قد بيع للخلافة سنة 623هـ أي سنة 1226م وهو ابو جعفر منصور بن الظاهر محمد ابن الناصر  أحمد  الذي بيع لحسن سيره وعمله الدؤوب على قمع الفتن  وحبه للعلم والعلماء فانشأ خزانة كتب كبيرة في قصر الخلافة جمع فيها كل انواع الكتب والعلوم المختلفة .

 

شرع الخليفة المستنصر بالله في بناء مدرسته التي حملت اسمه منفقاً عليها الكثير من الاموال حتى تم بناءها بالكامل والافتتاح الذي حضره شخصيا في موكب رهيب مع النواب وسائر القضاة والولاة والمدرسون والفقهاء ومشايخ الصوفية والقراء والوعاظ.

صارت المدرسة المستنصرية جامعة اسلامية كبرى تدرس فيها علوم القرآن والفقه والحديث واللغة العربية والطب والرياضيات ، كما انها تخصصت في تدريس فقه المذاهب الاربعة لأهل السنة : مذهب الامام ابي حنيفة ، مذهب الامام الشافعي ، الامام أحمد بن حنبل ، الامام مالك .

قد اراد الخليفة أن يجعل المدرسة في حماية الدولة فاتحةً ابوابها لجميع الناس، فوضع نظاماً نظاماً دقيقاً للمدرسة معيناً لها ناظراً ومشرفاً وخازناً للكتب إلى جانب المعمارين والفراشين والبوابين .

حدد الخليفة عدد الفقهاء بأن يكون 248 متفقاً من طائفة بحيث يؤمن لهم كل ما يحتاجونه ويتقاضون دينارين شهرياً ثم  يضاعف الاجر في شهر رمضان .

وأن يُعين لكل مذهب مدرس وأربعة معيدين ينظمون امور الطلبة ويساعدوهم على حفظ القرآن الكريم وتجويده ، كما يشدد على ضرورة وجود طبيب وعشرة اشخاص يعملون في حقل الطب لمعالجة المرضى وتقديم لهم الادوية والائربة والاطعمة ، ثم جعل الخليفة للمدرسة اوقافاً والمسؤول عنها يسمى صدر الوقوف .

تنقسم المدرسة المستنصرية إلى أربعة اقسام تدرس فيها كافة العلوم الاسلامية والطبية وسائر العلوم المختلفة حيث كان التدريس يتم في القاعات الكبرى في الجهة الجنوبية من البناية قد امتدح البعض من المؤرخين العرب  الدار الخارجية المجاورة للمدرسة لم يرى احد مثيلها  وانها كانت احسن بناء عرفه العصر الاسلامي الاول .

يوجد بالمدرسة دار الحديث فكان يقع داخل المدرسة بجوار دار الكتب في احدى القاعات الواقعة من الجهة الشمالية ومخصص له عشر موظفون يشتغلون بعلم الحديث النبوي واشخاص اخرون يعملون في مجال الطب والادوية بقصد علاج المرضى ومدواتهم في الايوان الواقع مقابل المدرسة ويسمى ايوان الطب .

إحتوات المدرسة على مكتبة ضخمة كانت تسمى دار الكتب أو خزانة الكتب بلغ فيها عدد الكتب  ثمانون الف مجلد إلى جانب مواد القرطاسية والاطعمة وحمام للطلبة بالقرب من نهر دجلة ، كما وضعت ساعة ضخمة عجيبة عند مدخل المدرسة وردت اوصافها في بعض المراجع العربية عملت على ارشاد الناس إلى اوقات الصلاة ليلاً ونهاراً ، وهذا دليل على تقدم العلم والفن في ذلك العصر .

أهم التواريخ :

 سنة 621هـ 1223م افتتحت فيه المدرسة وبدأت الدراسة فيها .

سنة 646هـ 1248م فيضان  مياه نهر دجلة في اساس حوائط المدرسة  .

سنة656هـ 1256م ذادت مياه النهر في بغداد فلجأ الناس إلى استخدم السفن للوصول الى 

                      رواق المدرسة لاداء الصلاة ومواصلة التعليم .

سنة 727هـ 1327م قام الرحالة ابن بطوطة بزيارة المدرسة وفوصفها وامتدح التدريس فيها

في القرن الرابع عشر الميلادي تحولت المدرسة المستنصرية إلى مخزناً لملابس الجنود وسكنتها كتيبةٍ من جنود الموصل .

سنة 1945م قامت هيئة الاثار العراقية بوضع يداها على المدرسة المستنصرية  شارعةً في إعادة ترميمها وصيانتها محولةً اياها إلى متحف للآثار الاسلامية .

 تعرضت المدرسة الستنصرية مع مرور الوقت لبعض المشاكل بسبب انخفاض مستوى ارضيتها بالنسبة للسوق المجاور وارتفاع مستوى حوض نهر دجلة وهذا مما جعل المدرسة تقع تحت تأثير الرطوبة والمياه الجوفية .

قد روعى في اعمال الصيانة استظهار الارضية الحقيقة للبناية واستعمال نفس المواد التي استخدمت في البناء وقت نشأتها مع إضافة الاسمنت والمواد المانعة للرطوبة .

يبلغ طول المدرسة 105م وعرضها من الجهة الشمالية الغربية 44.30م وتتسع من الجهة الجنوبية فيكون عرضها48.80م ومساحتها الكلية 4836م2  .

يتوسط المدرسة ساحة مكشوفة تسمى الصحن تزيد على ثلث المساحة الكلية للبناية . يلى الصحن من حيث الاتساع بيت الصلاة ( المسجد) المطل على النهر وهو  مستطيل الشكل طول جدار القبلة فيه 22م وعرضه 5.90م .

عدد قاعات المدرسة سبع قاعات معظمها ذات شكل مستطيل يتقدمها رواق شاهق الارتفاع كما تحتوي المدرسة على حجرات صغيرة مطلة على الساحة الوسطية ( الصحن) وهى مرتبة على اربع مجموعات في الاركان الاربعة للبناية .

بنيت المدرسة المستنصرية بطوب اصفر اللون يسمى الآجر متنوع الاشكال والاحجام استعمل فب بناء الاعمدة الاسطوانية والدعامات .

 يقع مدخل المدرسة في منتصف ضلعها الشمالي الشرقي وهو مدخل شاهق البناء يرتفع عن باقي اجزاء البناية وهذا ما يُظهر  أهتمام الخليفة بهذه المدرسة  واعطائه اهمية كبرى لها .

 الزخارف :

 واجهة المدخل مزخرفة  باشكال هندسية وله سقف مزخرف بشكل قبو مدبب يرتكز طرفاه على عمودين بشكل اسطوانة ملتصقة بالجدار .

 الزخارف داخل المدرسة  تثير الاعجاب وتدل على ذوق فني رفيع في تلك الفترة التاريخية وهذه الزخارف جميعها مصنوعة من قطع الطابوق ، تصنف الزخارف الموجودة في المدرسة إلى مجموعتين  المجموعة الاولى الزخارف الهندسية :

 قد استعملت الزخارف الهندسية بكثرة في تزين المدرسة  وهى ذات اشكال متنوعة تعتمد معظمها في اساس تكوينها على الدائرة والخطوط المنبعثة منها ولكل نوع وحدة  مهنا وحدة زخرفية تكون على شكل مربع أو مستطيل  ومثال لذلك ربع الشمسة التي اشتقت منها تسمية النجمة الكثيرة الرؤوس التي تشبه الشمس .

 

المجموعة الثانية  :

هى الزخارف البنائية التي في الغالب موضوعة داخل مساحات هندسية كالنجوم والمضلعات تعتمد هذه الزخارف على عنصر المروحة النخيلية باشكاله البسيطة ، يتم اسلوب عملها حسب ما يرتسم في مخيلة الفنان من شكل زخرفي يتناسب مع المساحة المخصصة للزخرفة التي ستكون على شكل  اغصان وفروع نباتية ، ادى هذا النوع إلى ظهور اشكال من الزخرفة العربية الاسلامية عرفت بسم ARABESQUE أو التوشيح العربي   فكانت هذه الزخرفة ابتكاراً عربياً اسلامياً اصيلاً في أساسه وتكوينه وفكرته.

من جهة أخرى تزدان بناية المدرسة المستنصرية بكتابات على شكل اشرطة تزين واجهة  المدخل واعلى الجدران . 

نوع خط الكتابة هو خط الثلث الذي يمتاز بحروفه اللينة قد ازدهر هذا الخط خلال فترة حكم السلاجقة ووصل إلى درجة من التطور والشهرة في استخدمه على الابنية المختلفة والتحف الفنية مثالاً على ذلك نأخذ النص الموجود على المدخل :

نجد فيه اسم  الخليفة والتعريف بالمدرسة على انها مخصصة للفقهاء من المذاهب الاربعة وتاربخ تأسيس المدسة وبعض الايات القرآنية .

 بسم الله الرحمن الرحيم ، قد انشأت هذه المدرسة  رغبةً في أن الله لايضيع أجر من أحسن عملاً وطلباً للفوز بجنات الفردوس ، التي اعدها للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وامر أن تجعل المدرسة للفقهاء  سيدنا ومولانا امام المسلمين وخليفة رب العالمين ابو جعفر المنصور المستنصر بالله امير المؤمنين . والكثير من انصوص المكتوبة على جوانب المدرسة من الداخل والخارج .

 تبرز اهمية المدرسة المستنصرية في كونها  أول مدرسة مخصصة للمذاهب الاربعة بهدف جمع الامة وتوحيدها للوقوف امام التيارات الفكرية المتنوعة ، اصبحت المدرسة مثالاً يحتذى به  في جمع المفكرين والعلماء والفقهاء والادباء قصدها الطلاب من كل مكان ، لعبت دوراً بارزاً في الثقافة الاسلامية وعلم الاصول والفروع واحاديث الرسول وعلم الحساب والطب ومنافع الحيوان وحفظ قوام الصحة والابدان . تمثل المدرسة المستنصرية نظاماً متكاملاً أتبع في بناء كثير من المدارس فيما بعد.

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان