الاسكيم الرهباني : رموزه وأبعاده الروحية

  الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي كنيسة القديس انطونيوس للاقباط الكاثوليك في لبنان

مقدمة :

من أجمل ما تتميز به الحياة الرهبانية هو الاسكيم الرهباني نظراً لما يحتويه من معاني ورموز وأبعاد روحية كثيرة تفوق الملابس المتنوعة التي يتشح بها الرهبان ، فقدت تعددت مدلولات هذا الإسكيم الرمزية في العديد من كتابات الآباء ولاسيّما الكتابات الروحية، تخطت هذه المعاني العديد من لشروحات ونالت المكانة السُامية بين الشروحات الأخرى للملابس الرهبانية. وفي نفس الوقت قد نجد تشابهاً كبيراً بين رموز الاسكيم، وبين رموز المنصفة أو الشملة التي بها يُغطي الكاهن وجهه أثناء القيام بالاحتفال بسر الافخارسيتا ولاسيما عند صلاة استدعاء الروح القدس .

معاني ورموز الاسكيم :

1-   يرمز لإسكيم الرهباني إلى الإيحاءات والإلهامات التي تهبط من عند أبي الانوار على عقل الراهب، ولاسيما في اللحظة التي فيها يتأمل الراهب ،فالاسكيم الذي يُسدل على رأس الراهب فيُغطي عنقه والأذنين يجعل الراهب يغوص في بحرٍ من الخشوع والانحناء ويحمله على الهذيذ واللتذذ في الأمور السماوية ، ، هذه الالهامات ماهي إلا إنسكاب لمواهب الروح في نفس الراهب منبعها من الله تعالى مصدر كل شيء بفيضٍ .

2-   يرمز الاسكيم إلى حياة الجهاد ، الجندي الصالح هو من يُحصن نفسه بحمايةٍ كافيه بخوذةٍ متينة من حديد لصد هجمات العدو والدفاع عن النفس . فعلى الراهب  أيضاً وبما أنه جندي للمسيح عليه أن يتخذ من الاسكيم خوذة للخلاص ، على حسب تعبير القديس بولس الرسول " اتخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح " أف 6/17 عندما يلبس الراهب الاسكيم فإنه يحمي عقله من دخول الأفكار الشريرة إليه ، وصم أذناه عن سماع الكلام الباطل ويصون بصره من كافة المناظر التي تبعده عن تسبيح الله الخالق وتقرب لمدحه الله في جمال الروح .

3-   وضع الاسكيم على الرأس هو إشارة إلى وضع إكليل الشوك على رأس يسوع المسيح المخلص.

4-    بإخفاء الرأس بالاسكيم إشارة إلى تجسد إبن الله الذي أخفى ذاته، أخذاً صورة عبدٍ .

5-   الإسكيم يُصنع من الكتان أو من الصوف هذا رمز وإشارة الى قطع القماش التي لُف بها جسد المخلص ، وبالتالي عندما يلبسه الراهب فهذا يهنى أنه مات عن العالم والاتشاح أيضاً بالإسكيم ضبط الراهب لشهواته ومنع حواسه عن الباطل وعقله عن الانشغال بامور الدنيا الباطلة .

6-    يرمز الاسكيم إلى العمامة التي لف بها نيقوديموس رأس المخلص في القبر.  يذكر لنا التقليد أن القديس بطرس عندما دخل القبر بعد القيامة أخذ هذه العمامة وكان يلف بها رأسه في الاعياد الكبرى وسيامة الاساقفة ، ويؤكد لنا ذلك البطريرك الماروني إسنفانوس الدويهي " في كتابه منارة الاقداس هذا القول " إنّي أرى أنّ القديس بطرس الذي أقام كراسي البطاركة ، لم يلبس تاجاً ، ولكنه لما دخل قبر المخلص بعد القيامة أخذ العمامة وعممّ بها رأسه ، وكان يلبسها في خدمة الاسرار وخاصة في الاعياد

7-   الإسكيم هو رمز لإكليلي المجد الذي سيتوج به الراهب بعد الابدية ، لذا قد القديس يوحنا فم الذهبي " الراهب لايموت ، إنما ينهي جهاده على الارض" إذ يكون قد مات مرةً واحدةً عندما ترك العالم وتبع يسوع المسيح معتنقاً الحياة الرهبانية" .

المعاني الروحية :

 نود في قولنا هنا أن نشير إلى الثوب الرهباني بكامله لا إلى الإسكيم فقد ، فقد ذكر الاب مبارك الديراني في كتابه الدليل الرهباني رموز ثياب الراهب بالقول " إعلم يأخي ، أنَّ لكل من ثيابك معنى فالرداء إشارةً إلى رداء إيليا النبي ورداء السيد المسيح . والثوب هو علامةً لثوب الرب الذي أنت تابعه وإن كان لونه أسود فهو إشارة على موتك عن العالم وأمور الدنيا الباطلة  أما القميص الأبيض فهو إشارة على برارة نفسك ونقاء ضميرك  وصلاح نيتك . اما الإسكيم الذي تستر به رأسك وظهرك فهو علامة على حماية الله لك ولكنيسته وصبغ النعم .

من أبرز المعاني الروحية التي يحملها الإسكيم الرهباني هي التزام الراهب بحفظ المشورات الانجيلية ، المتمثلة في النذور  الفقر والطاعة والعفة ، وكما ذكرن في المعاني أنه خوذة حماية ، والمعنى الروحي هو علامة نصر الراهب في جهاده المستمر ضد ابليس ومكايده . وبقدر منا يكون الراهب متشح بهذا الاسكيم بقدر ما ينال قوة كبرى على مجابهة عدو الخير ابليس وأنه يصير بسلوكه وبممارسة فضائله من أهل السماء ، وكما عبر أباء الروح عن الإسكيم بقولهم  أنه " علامة مميزة لتحرير الراهب من اهتمامات العالم .وانطلاقه نحو المسيح لعيش حياة سلام وطمائنية كاملة راحة ، هدوء ، هذيذ في وصايا الرب ، فرح دائم في السماء .

من جهة أخرى شرح لنا الاباء أن جوهر الحياة الرهبانية عند النساك كان يتمثل في الاتشاح بالاسكيم ، وهذا من الخارج كما كان يرافقه من الداخل موت عن العالم ، حياة كلها صلاة وتأمل وأصوام وإماتات وحفظ للمشورات الانجيلية  . من أبرز الاباء الذين كتبوا عن الاسكيم الرهباني والحياة الرهبانية عموماً هم يوحنا الأفامي في القرن الخامس ، اسحق السرياني في أواخر القرن السابع ويوحنا الدلياتي في القرن الثامن وغيرهم الكثير من الاباء ولاسيما في التقليد القبطي . هؤلاء جميعاٌ رسموا خط ونهج الحياة الرهبانية للفرد وللجماعة في ذات الوقت ، وعنى لهم الاتشاح بالإسكيم عنصراً هاماً من عناصر الحياة الرهبانية  وقد خلصوا إلى القول " في الحياة المسيحية عدة  درجات تسموا الواحدة عن الاخرى ، فهناك المسيحيون العلمانيون وهناك سُكان الاديار حيث لايتزوجون ولايأكلون لحماً كالعامة ويلبسون الإسكيم ويقيمون خدمة الصلاة يزرعون الارض ويحصدونها . هؤلاء جميعاً مدعوون لأن يعيشوا حياة المسيح كلٍ في مجاله وعلى قدر ما أُفيض في قلبه من نعم الله .