الثاني عشر من يونيو
روما، الخميس 12 يونيو 2008 (zenit.org).
ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثاني عشر من يونيو للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".التعرف إلى المسيح عبر اللقاء
المسيح الحي
نحن بحاجة إلى المسيح الحي، الذي نستطيع أن نتعرف إليه عبر اللقاء. ولكن اللقاء يتطلب الحضور الحي – الحضور الحقيقي، الذي بدوره يتطلب السرّ والكنيسة التي هي وحدها مخولة أن تمنح السر، الكنيسة التي أراد وجودها المسيح عينه وهو يستمر في تثبيتها. يجب التعرف من جديد على الافخارستيا كنواة الحياة المسيحية في كل مرة يتم الاحتفال بها. ولكننا لا نستطيع الاحتفال بالافخارستيا بشكل مناسب إذا ما اكتفينا بجعلها مجرد عبادة طقسية تدوم نصف ساعة – لا أكثر ولا أقل. أن نتقبل المسيح يعني أن نعبده. نتقبله بشكل لائق ومناسب في لحظة المناولة الهامة فقط عندما نعبده، وبالعبادة نتعلم أن نعرفه، ونفهم طبيعته، ونتبعه. يجب أن نتعلم من جديد كيف نرتاح بسلام في حضرته الطيبة في كنائسنا، حيث الافخارستيا هي حاضرة دومًا لأن المسيح يشفع بنا أمام الآب، ولأنه ينتظرنا دومًا ويخاطبنا. يجب أن نتعلم من جديد أن نتقرب منه داخليًا، لأنه فقط بهذا الشكل يمكننا أن نضحي أهلاً لتناول الافخارستيا. لا يمكننا أن نهيئ أنفسنا لقبول الافخارستيا فقط عبر التفكير بأنه أمر واجب. يمكننا أن نتهيأ لقبول الافخارستيا فقط عندما نحاول أن نفهم عمق متطلباتها وعظمتها؛ وعندما لا ننزلها إلى مستوانا، بل نسمح لها أن ترفعنا إلى مستواها السامي؛ عندما نعي كثافة الصلوات التي تم رفعها على مر العصور، حيث تقربت أجيال بأسرها من المسيح، وما زالت تتقرب.
الثالث عشر من يونيو
الإيمان المستقيم وإكرام الله
غالبًا ما كان يطلق على الافخارستيا في العصور المسيحية الأولى اسم "أغابي" ببساطة، أي "محبة"، أو حتى ببساطة "pax"، أي سلام. وقد عبر مسيحيو تلك العصور بشكل دراماتيكي عن الرباط غير المنفصم بين سر حضور الله الخفي والعمل من أجل قضية السلام، و عن دور المسيحيين في أن يكونوا سلامًا في العالم. بالنسبة للمسيحيين الأولين، لم يكن هناك فرق بين ما يعرف اليوم بـ "الإيمان المستقيم" و "العمل المستقيم". بالواقع، عندما يتم التمييز بين هذين الواقعين، يتم ذلك غالبًا في إطار يزدري بـ "الإيمان المستقيم": يتم اعتبار من يتمسك بالإيمان المستقيم شخصًا منغلقًا، قاسيًا، غير متسامح مبدئيًا. في نهاية المطاف، بالنسبة لمن ينظر إلى الإيمان المستقيم بهذا الشكل، كل شيء يرتكز على "العمل المستقيم"، مع اعتبار العقيدة أمرًا يمكن البحث بشأنه دومًا. من يعتنق هذه النظرة يعتبر أن الأمر الأساسي هو الثمر الذي ينتج عن العقيدة، أما السبيل الذي يقود إلى القيام بالأعمال المستقيمة فهو غير هام. هذه المقارنة لم تكن معقولة بالنسبة لأبناء الكنيسة القديمة، لأنهم فهموا أن كلمة "أرثوذكسية" لا تعني "الإيمان المستقيم" وحسب بل أيضًا العبادة الأصيلة وتمجيد الله. كانوا مقتنعين بأن كل شيء يعتمد على العلاقة المستقيمة بالله، على معرفة ما يرضيه وما يمكن أن يتجاوب معه بالشكل الصحيح. أحب إسرائيل الشريعة: لأنه من خلالها كان يعرف إرادة الله… كانت سبيلاً لتنظيم العالم، ولفتح العالم على التسامي.
البعد الذبائحي للافخارستيا
في صلاة الكنيسة الأساسية، الافخارستيا، لا يتم التعبير عن جوهر حياتنا وحسب، بل يتم تحقيقها يومًا بعد يوم. في البعد الأعمق، تتعلق الافخارستيا بالمسيح وحده. فهو يصلي لأجلنا؛ يضع صلاته على شفاهنا، لأنه هو وحده يستطيع أن يقول: هذا هو جسدي – هذا هو دمي. لذا فهو يجتذبنا إلى حياته، إلى حركة الحب الازلي التي من خلالها يهب ذاته للآب، لكي نصبح ملك الآب معه، ومن خلال الفعل عينه الذي فيه يهب يسوع ذاته إلينا. لذا فالافخارستيا هي ذبيحة: نضحي تقدمة إلى الآب في المسيح يسوع، وفي الوقت عينه ننال هبة حبه، لأن المسيح هو في الوقت عينه الهبة والواهب. من خلاله ومعه وفيه نحتفل بالافخارستيا. الشركة معه هي شركة مع الكل، إذ ما من شركة مع المسيح من دون ذلك. يشكل الالتزام بالكل وتخطي المحدودية الذاتية جزءًا من الصلاة المسيحية ومن فعل الإيمان المسيحي. ليست الليتورجية فعل تأسيس لمجموعة أو لرابطة أصدقاء؛ إنها أمر نتلقاه من الكنيسة بأسرها، ويجب علينا أن نحتفل بها كأمر يأتي من الكل ويتوجه إلى الكل. فقط حينها يمكننا أن نؤمن ونصلي بشكل لائق، أي عندما نعيش في إطار فعل تخطي الذات، وإخلاء الذات، المتوجه إلى كنيسة كل العصور وكل الأماكن: هذا هو جوهر الكاثوليكية. هذا ما نصبو إليه كلما نخرج من منطقتنا لنتحد بالبابا وندخل بالتالي في كنيسة كل الأمم.