القريب في مفهوم يسوع: السامري الصالح

لوقا 10: 25-37

                                                            اعداد الاب انطونيوس مقار ابراهيم

                                                              راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

 يقدم لنا لوقا الانجيلي في هذا النص مثل السامري الصالح الذي طرحه يسوع المسيح كجواب على سؤال أحد معلمي الناموس في احدى المناقشات التي دارت بينهم وكانت المناقشة غير صافية لا بل كان محتواة الخبث والتجربة وهذا ما يقوله القديس لوقا في العدد 25 وقام احد معلمي الناموس ليجربه " بقوله ماذا أعمل للأرث الحياة الابدية؟ وهنا أراد يسوع أن يعيد هذا الناموسي إلى شريعته بسؤالٍ ماذا تقول الشريعة؟عدد26 وما كان على ذاك الناموسي أن يجاوب إلا من خلال الشريعة التي يحفظها كلامياً فقط أحب الرب إلهك من كل قلبك ومن نفسك ومن كل فكرك وقدرتك وأحبب قريبك مثلما تحب نفسك»افعل هذا فتحيا« (ع28).وهنا وقع الناموسي المجِّرب فريسة تأنيب الضمير، »بالرغم من ذلك أراد أن يبرر نفسه فقال ليسوع: ومن هو قريبي؟

« وكان جواب الرب له بمَثَل السامري الصالح. هذا المثل وضع امامنا نحن المؤمنين الانسان في كل كيانهوكأن يسوع اراد من اللانسان أن يوسع في حدود تضامنه البشري إلى أبعد ما يكون من صلة القرابة أو الدين أو المذهب أو الوطن، كي يتمكن هذا الانسان من بناء كيانه وشخصيته المتسعة الآفاق. وتحدد شخصية الانسان من خلال علاقته بمن يحيطه ،

وهذا يعني :

أولاً :   علاقة الانسان بقريبه حسب المفهوم العادي والسائد أي العلاقة التي لاتبعد كثيراً عن نطاقه

وثانياً : علاقته بقريبه الذي يضعه الله في طريقة .

وها نحن كم مِن أشخاص يضعها الله في طريقنا دون أن نلتفت إليهم ؟

هذا المفهوم يجعلنا أو يدفعنا إلى القول بأن خلاصة مثل السامري تتمحور في المحبة لله والمحبة للناس

ٍ المحبة لله :

 من المستحيل أن تُترجم المحبة لله دون أن تكون هناك محبة الناس ، فالقديس يوحنا يقول " كيف تقول أنك تحب الله الذي لا تراه وتبغض أخاك الذي تراه .إذن المحبة لله هي نبع نستقي منه محبة الناس وأضف إلى ذلك بأن هذه المحبة هي طريق الحياة ونهج الحق.

فكم من أناس يتهون في الطريق بسبب تعدد الطرق الذي يسلكونها ويتسألون أين الطريق؟

وكم من أشخاص يجولون تائيهين في مجاهل الافكار بسبب كثرتها ويتسألون أين الحق؟

وكم من احباء يغرقون في مبالغة العبادة بتقديم الذبائح وسفك الدماء ويتسألون أين الحياة؟

كحالة المجرب الناموسي  ربما يعرف الحياة لكنه ضائع تائه غارق، يأتي إلى يسوع لا ليساله أين الحياة بل ماذا أعمل لأرث الحياة؟يسوع يرد على السؤال بسؤال كي يخرج هذا المجّرب من حدوده الضيقة تجاه الناموس والشريعة فيقول له ماذا تقول الشريعة ؟ يجاوبه أحبب الرب إلهك من كل قلبك ونفسك وقدرتك وفكرك ، وأحبب قريبك كنفسك أفعل هذا فتحيا. هنا لماذا تركز وصية الشريعة على مبدأ الحب الكياني

الجواب يكمن في " افعل هذا لتحيا" وهنا نقله كبيرة في حياة المجرب ونقطة تحول في مجرى الحب الكلامي إلى الحب العامل أو الايمان المحب أو الايمان العامل بالمحبة وهذا هو العمل الاساسي الذي يساعد على خلاص الانسان، لذا فوصية المحبة تتلخص في أربع كلمات  أحبب من

كل قلبك : فالقلب هو مركز الحياة فهو قادر على الحب.

كل نفسك: فالنفس مركز الاحساس والتأثر فهي قادرة على فعل العبادة.

كل قدرتك: فالقدرة هي مركز الارادة فهي قادرة على الطاعة والخضوع.

كل فكرك: فالفكر هو مركز القوة العاملة فهو قادر على التأمل وفعل الايمان الثابت والعامل بالمحبة وجعله ايماناً حياً ثابتاً ومثمراً عاملاً وفعالاً.

جاوب يسوع على سؤال البعض الباحث عن الحياة بقوله أنا الطريق والحق والحياة

ممكن نكون نحن عارفين الوصية ولكن لانترجمها في حياتنا ونبرر أنفسنا بالكثير من التبريرات كالمجرب الذي برر نفسه بقوله ليسوع من هو قريبي؟

 هنا يأتي جواب يسوع  في تحدي مفهوم القريب انطلاقاً من مثل السامري الصالح وكأنه اراد من خلال هذا المثل أن يخرج الانسان من ذاته وتقوقعه وانكماشه ومحدويته.

 تقول القصة إنساناً  سافر من مكانٍ إلأى أخر وفيما هو في الطريق ، تعرض له بعض المجرمين، فاعتدوا عليه فجرحوه، وجرّدوه من ثيابه ومن كل ما يملك. وتركوه بين حي وميت.

 مرّ به ثلاثة رجال :

 الأول كاهن »نزل في تلك الطريق« (ع31) أي انه كان سالكاً ذات الطريق ربما يكون قد انتهى من عمله، وعاد ليستريح، وكان المفروض أن يسعفه فلا عمل يعطله، ولكنه لم يفعل، »رآه وجاز مقابله« بدون اهتمام.

والثاني كان لاويًا وبحكم عمله كان مساعدًا للكاهن، »جاء ونظر«، وربما تأثر وتأسف، ولكنه لم يقدم أي إسعاف، بل »جاز مقابله« (ع32).

أما الثالث فقد كان »سامريًا«، وفي عُرف (الناموس) (ع25) »هو عدو« وبالرغم من ذلك العداء، »تقدم وضمد جراحاته«، قدم الاسعاف »وصب عليها زيتًا وخمرًا«، قدم من مستلزمات سفره، »وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق واعتنى به«. ودفع للفندق مالاً تحت الحساب (ع25).

 ثم سأل الرب يسوع الناموسي السؤال المنطقي للجواب على سؤاله: »فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص« (ع36)؟

سؤالنا اليوم أنا من أي نوع القريب؟« من أُشبه من هؤلاء الثلاثة؟

قريبي هو كل إنسان وأي إنسان يحتاج إلى رحمة ومحبة الله.

تحدد شخصية الانسان من خلال علاقته بمحيطة وبالتالي من علاقته بقؤيبه الذي يضعه الله في طريقه. وليست هذه العلاقة جزء من الحياة فقط أنما هي تشكل الأمر الأهم لابل هي غاية الحياة وطريقها،فمهما كنا نري أناساً غلب عليهم طابع الفردية والمجتمع ايضاً ازداد فيه الفردية فإن الانسان لايمكن أن يعيش مفرداً. لذك المجّرب الناموسي وقع في حيرة باحثاً عن ماذا يعمل ليرث الحياة؟ وعن من هو قريبي؟ وجواب يسوع له كان كصدمة كهربائية أيقظت فيه الوعي  وفتحت قلبة على العلاقات والمحبة.هذه الصدمة غيرت من نظرته تجاه الأخر ،فهو كيهودي كانت نظرته للقريب في مفهوم الاخ أو ابن العم ( صلة قرابة دموية) أو بمعنى أوسع قليلاً في مفهوم الدين أو الحزب السياسي أو القومية أو العرقية.

أما في مفهوم المسيح:

1- القريب تحدد هويته وجود المحبة وليس أي نوع من المحبة بل المحبة الملتزمة التي تشمل الرحمة

    والمسؤوليةتجاه الأخر في كل احتاجاته ( محبة عملية). فما الفائدة من القرابة الموية أو الطائفية أو الدينية في غياب المحبة.

2-القريب هو من نذهب اليه ونصنع معهة الرحمة أي كل انسان نشعر بامكانيتنا أن نتجه اليه كما فعل هذا السامري اتجه إلى الجريح دون وجود روابط عائلية ونصنع معه رحمة.

3- القريب هو الشخص الذي نخرج إليه بروح المحبة والرحمة والحنان ، فكل انسان يوجود الان أمام المسيحي يجب أن يكون هو قريبي سواء خرجنا إليه أو مازلنا مقصرين تجاه، كل انسان يضعه الله في طريقي "كان مَن كان ".

ما يطلبه منا المثل اليوم:

اخوتي الاحباء مطلوب منا اليوم أن نعبر من ذاتنا إلى ذات الاخر وننطلق من مفهوم القربي العادية إلى مفهوم جديد ، فيجب أن أعتبر كل من هم على جانب الطريق هم اقربائي، والمسيحي اليوم مدعو لأن يكون هو السامري الصالح الذي يبلسم جراحات العالم والانسان الحزين على مثال ربه ومعلمه يسوع المسيح. وأن يجعل المسيحي أن كل فعل رحمة ومحبة تجاه الأخر هو صلة قرابه فعليه أن لا يخسرها لأنه سيدان عليها.

فلا شركة حقيقة مع الله دون حب القريب والضمانات في الحياة هي في خدمة القلب وليس في تجنبه، أيضاً لا شركة مع الله لقلب لا يحب ولا يتحنن. فكل ما واجب على المسيحي أن يخرج إلى الآخر ويصنع معه رحمة

قصة حياتية من خلال المثل :

سأل في أحد الايام الرئيس اللبناني شارل الحلو هذا السؤال : كيف تقسم الناس؟

اجاب فخامة الرئيس أقسم الناس إلى قسمين الاول هو الناس الذين أحبهم والثاني هم الذين لاأعرفهم.

هذا الجواب كان دليك كبير على قلب الرئيس شارل المُحب ويجعلنا نعيد النظر في نظرتنا عن الانسان، فنحن حاضرين باستمرار على أن نحكم على الاخرين وندينهم ونجرحهم بحق أو بدون وجه حق ونسب ونشتم اشخاص ربما لا نعرفهم، ونتهجم على ديانات أو مذاهب لانعرف عن شيء، نحن في حاجة لأن نكون مستعدين لنفتح قلبنا للناس نفهم كل انسان نحبه ونسامحه ونعطيه فرصة جديدة فالمحبة وحدها تصنع القريب والاخ والصديق، والمحبة وحدها هي فرصة جديدة حقيقة، لمعرفة يسوع الطريق والحق والحياة.

أحبائي هل نحن نحب البشر كما  يحبهم سيدنا؟ أو  كما يُعرف العالم المحبة فيحددها في يوم للتجارة "يوم الفالنتين"؟ ليت الرب يعطينا نعمة لنعرف كيف نحب المحبة الحقيقية. والرب يبارككم.

تقترح علينا هذه القصة ثلاث فلسفات عالمية اليوم،

الأولى- "الذي لك هو لي وسآخذه." كانت هذه فلسفة العصابة.

الثانية- "الذي معي هو لي وسأحتفظ به." هذه كانت فلسفة الكاهن واللاوي.

الثالثة- "الذي لي هو لك وأريدك مشاركتي به." هذه كانت فلسفة السامري الصالح.