الكرسي الرسولي حول أهداف الألفية

"الناس يفقدون الرجاء والثقة"

نيويورك، الجمعة 26 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البارحة رئيس الأساقفة تشيلستينو ميليوري، المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة، وذلك في المؤتمر حول أهداف الألفية للتنمية.

*** 

سيدي الرئيس

عندما اجتمع قادة العالم سنة 2000 في هذه القاعة، التزموا بمكافحة الفقر المدقع من خلال وضع أهداف محددة لمعالجة مشاكل الجوع، والتربية، وعدم المساواة، وصحة الأطفال والأم، والضرر البيئي، وفيروس نقص المناعة البشرية، الإيدز، ذلك كله مع حلول سنة 2015.

وقد أخذنا هذه المسؤولية الكبيرة على عاتقنا من خلال التضامن الدولي، وباسم حقوق الإنسان. لذلك، ليست مجرد صدفة أن ينعقد اجتماعنا في السنة عينها التي نحتفل فيها بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في الواقع، توجد علاقة دقيقة بين أهداف الألفية للتنمية منصوص عليها في إعلان الألفية وحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وأكثر من ذلك، هدفها المشترك هو الحفاظ على كرامة الإنسان وحمايتها.

إضافةً إلى ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف مرتبط بشكل وثيق باحترام حقوق الإنسان. ففي حين أن الأهداف هي في النهاية التزامات سياسية، إلا أن حقوق الإنسان الملازمة لكل هدف تجعل من إنجازها مسؤولية اجتماعية وأخلاقية.

لقد اجتمع العالم اليوم، بحس من المسؤولية، وعلى المستوى الأعلى من التمثيل، من أجل تقييم الوضع الراهن.

واعترف تقرير الأمين العام بحق بالتطور الذي تم تحقيقه في هذا السياق، ولكنه كان أيضاً بمثابة إنذار قوي إذ أن الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها الدول الأعضاء ما يزال ضعيفاً.

والمثال على ذلك أن مساعدات التنمية الرسمية مثلاً، والتجارة، وتخفيف العجز، والمساعدة على تنمية القدرات، والنفاذ إلى تكنولوجيا جديدة وأدوية أساسية، تستمر في التخلف عن التزاماتنا، وكلمات دعمنا.

نحن متخلفون عن الالتزام بوعودنا، والأهم من ذلك أن الناس في العالم الذين ينظرون إلينا من أجل القيادة، يفقدون الرجاء والثقة.

وقد أظهرت السنوات الثماني الماضية أن العديد من البلدان أصبحت الآن أكثر استقلالية اقتصادياً، وذلك من خلال التزام دولي، وطني، ومحلي. أما بعض البلدان النامية فقد أصبحت بلداناً ذات الدخل المتوسط، وتوشك هذه البلدان الأخيرة على التحول إلى أنظمة اقتصادية متطورة.

كما أن هناك العديد من البلدان الأقل نمواً التي شهدت فيها بعض أهداف الألفية للتنمية، تقدماً ملحوظاً مثل القضاء على الفقر، وتحقيق النفاذ العالمي إلى التربية.

مع ذلك، فإن المعدل الأخير المرتفع للنمو الاقتصادي في العديد من البلدان الأقل نمواً لم يساهم بشكل كافٍ في معالجة مشكلة الفقر العامة. فالبلدان الأقل نمواً ما تزال في حالة تخلف وتأخير خطير عن بلوغ الأهداف التي وضعها إعلان الألفية، حتى أن الوصول إلى هذه الأهداف يعتبر في بعض الأحوال مستحيلاً.

إن الفشل في بلوغ أهداف الألفية للتنمية في البلدان الأقل نمواً، وفي بلدان فقيرة أخرى، قد يعني فشلاً أخلاقياً للمجتمع الدولي، ويحدث نتائجاً سياسية واقتصادية حتى خارج الحدود الجغرافية للبلدان الأقل نمواً.

لذلك، من المهم أن يكون هذا المنتدى وقت تفكير حول المسؤولية تجاه المجتمع.

فأهداف الألفية للتنمية تتحقق عندما يصبح بلوغها أولوية لدى جميع الدول.

وقبل كل شيء، نحن بحاجة إلى إطلاق ثقافة جديدة من العلاقات البشرية تطبعها رؤية أخوية للعالم، وثقافة مبنية على الواجب الأخلاقي لإدراك وحدة الإنسان، وعلى الواجب العملي للمساهمة في السلام، والخير العام.

إن الأموال والموارد التي تحتاجها البلدان الأقل نمواً من حيث الإعانة المباشرة، والمساعدة المالية، والمصالح التجارية هي ضئيلة بالمقارنة مع النفقات العسكرية العالمية أو مجموع نفقات الضروريات غير الأولية للشعوب في البلدان الأكثر تطوراً منها.

كما أن فعل حصول العديد من البلدان الأقل نمواً على نتائج مهمة بمواردها المحدودة يجب أن يلهم المجتمع الدولي.

وفعالية المجتمع المدني، بما فيه المنظمات الدينية التي تخدم الشعوب الأقل فقراً منها، هي الدليل الفعلي على إمكانية تحقيق الأهداف مع حلول سنة 2015، أو في السنوات المتعاقبة القريبة.

هذا ويبقى المجتمع المدني والمنظمات المبنية على الإيمان، العوامل الأساسية في توزيع السلع والخدمات الأساسية، في حين يجب بذل جهود أكبر من أجل أن تحصل الشعوب المحتاجة عليها. ففي النهاية، كثيراً ما تكون هذه المنظمات قادرة على تلبية حاجات الشعوب الأكثر حرماناً وفقراً.

إن الكرسي الرسولي يلتزم ومنظماته بتوفير المساعدة الإنسانية والتنموية حول العالم.

سيدي الرئيس

سبع سنوات فقط تفصلنا عن نهاية حملة أهداف الألفية للتنمية، لذا من المهم أن نركز على الأهداف في إعلان الألفية التي اتفق عليها رؤساء دولنا.

إن مناقشة وخلق أهداف جديدة، كتلك المتعلقة بالصحة الجنسية والتناسلية، تهدد بتمهيد ممارسات وسياسات تسيء لكرامة الإنسان والتنمية المستدامة، بصرف تركيزنا عن الأهداف الأصلية، وتحويل الموارد الضرورية عن الحاجات الأساسية الملحة.

ونشهد في هذه الأيام نقاشاً حول خطة إنقاذ اقتصادي تهدف إلى حل أزمة تهدد بشل اقتصاد البلدان الأكثر تطوراً، وبترك الآلاف من العائلات بلا عمل.

إن خطة الإنقاذ هذه ذات الحجم الكبير الذي يفوق عدة مرات حجم المساعدة الدولية لا يمكنه إلا أن يطرح سؤالاً ملحاً: كيف لنا أن نجد أموالاً بغية إنقاذ نظام مالي هش فيما نحن غير قادرين على إيجاد الموارد الضرورية من أجل الاستثمار في تنمية جميع المناطق في العالم، بدءاً بالأكثر حرماناً منها؟

لهذا السبب، إن عولمة التضامن من خلال الإنجاز الفوري لأهداف الألفية للتنمية التي نص عليها إعلان الألفية، هي واجب أخلاقي أساسي يجب أن يقوم به المجتمع الدولي.

كما أنها الوسيلة المهمة والأكثر فعالية من أجل منح الاستقرار للاقتصاد العالمي، وضمانة ازدهار حقوق الإنسان والاستمتاع بها لدى الجميع.

شكراً سيدي الرئيس

نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط