الجمعة 10 2008 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها الكاردينال فيليب بارباران في السينودس لشهر أكتوبر 2008 حول "كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها".
يجب قراءة كل شيء!
في الكتاب المقدس، يجب قراءة كل شيء!
في قلب كلمة الله التي نقلت إلينا بكل أمانة إلى كل جيل، والتي نتلقاها "لا كأنها كلمة بشر، بل كما هي في الحقيقة: باعتبارها كلمة الله العاملة أيضا ً فينا ]نحن[ المؤمنين" (1 تس 2، 13)، يعتبر الكتاب المقدس منبعاً لا ينضب بغية تسكين المؤمنين، وإسقاء حياة الكنيسة بأسرها.
من الضروري إحاطة ليتورجية الكلمة بعناية كبيرة، وبتبجيل جميل، لأنها اللقاء الاعتيادي بين الشعوب المؤمنة، وربها، الذي يتقرب منها. يحق للأب أن يتحدث مع أولاده، ويحتاج التلامذة إلى الإصغاء إلى سيدهم. إن الروح القدس يمنحنا نعمة الإصغاء بقلب بنوي إلى كلمات هذا الأب، وفهم حجم المحبة التي يكنها لنا. كما أن الروح القدس يشرح للتلامذة تعليم سيدهم بإرشادهم "إلى الحق كله" (يو 16، 13).
يجب أن يتم اختيار القراءات الليتورجية وفقاً لمعيار أساسي وهو وحدة الرسالة التي تقدمها لنا هذه الكلمة. حتى وإن كانت قراءة كل شيء مستحيلة في الاحتفالات الليتورجية، وحتى وإن كانت التقطيعات مشبوهة، وتثير أسئلة حقيقية، فإن بعض الصمت والغياب يثيران أسئلة أكثر. وينجم هذا الأمر عن أحكام مسبقة يجب إبطالها. وهكذا نسمع الكثير من الأقوال بأن هذه النصوص صعبة، وبأنها لم تعد تخاطبنا في أيامنا هذه، أو أنها من الماضي…
على ما أظن، فإننا نجد هنا بعض الخوف العاري عن الصحة. وعلى سبيل المثال، نحن لا نشرح أبداً يوم الأحد مقطع متى 23، 13 – 31: "الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون…" الذي يعطي مع ذلك تنويراً مفيداً جداً حول تعليم التطويبات. ولا نسمع مقطع التطهير (أو الباعة المطرودين من الهيكل) سوى مرة كل ثلاث سنوات، في يوم أحد من آحاد الصوم، في حين أن هذا المقطع في الأناجيل الأربعة هو مهم جداً في جعلنا نفهم علاقة يسوع بأورشليم، مدينة فصحه. أنخاف من غضب يسوع؟ أنشك في أنه ليس سوى تعبير عن محبته؟
إن بعض الإغفال يوهن قراءتنا، أو تعليمنا الديني. كثيراً ما تُروى حكاية الطفل صموئيل، وتوفره المذهل لله: "تكلم يا رب فإن عبدك يسمع"، في حين يتم إهمال محتوى الرسالة القاسية على مسامع الطفل، والتي يجب أن ينقلها إلى الكاهن إيليا (1صم 3، 1 – 10، وبخاصة الآيات 11 – 18).
كما أنني أعطي مثل إرميا 15، 16: "إن كلماتك قد بلغت إلي فأكلتها فكانت لي كلمتك سروراً وفرحاً في قلبي"، الآية المعسولة التي كثيراً ما ترد في قراءاتنا الليتورجية، وغالباً ما يتم إهمال سياقها القاسي. وأذكر أيضاً النبي إيليا والتفسيرات المتكلفة اللطف المقدمة إليه في النسيم العليل "صوت نسيم لطيف"، في الوقت الذي ستوكل إليه مهمة مهولة للدفاع "باندفاع غيور عن رب الجنود" ضد بني إسرئيل الذين نبذوا العهد، وقوضوا المذابح، وقتلوا الأنبياء (3 ملو 19، 12 – 18). أعتقد أنه يجب أن نكون واضحين وألا نخفي ما يمكن أن يكلفنا تلقي الكلمة ونقلها.
ولربما هناك سبب آخر لإهمال بعض المقاطع. إني أجد هذا السبب في صفحة من الرسالة الثانية (1، 12 – 21)، النص الذي يتميز بنبرة قوية كرسالة يهوذا. إن بطرس، أو الذي تحول إليه ببراعة كاتب، قد وجه إليه تنبيهاً باطنياً بأن "خيمته ستطوى بعد وقت قصير". إن النبرة هي شبه مكروبة: "فما دمت في خيمة جسمي هذه أرى من واجبي أن أنبهكم مذكراً"، وهو يريد أن يترك رسالة قوية: "أجتهد الآن في تذكيركم بهذه الأمور، حتى تستطيعوا أن تتذكروها دائماً بعد رحيلي" (آية 15).
يذكر الكاتب، باعتباره هو الشاهد العيان على التجلي (وقت العظمة، والمهابة، والقدرة)، والسامع صوت الآب المنحدر على يسوع، بأن النبوءات تمنحنا معرفة قدرة ربنا يسوع المسيح وحضوره (آية 16). وهو يقصد ألا ننسى الذكرى، وعملياً الاتصال مع النبوءات التي تممتها حياة يسوع. وأبعد من ذلك، فهو يشدد على ألا ننسى "الأقوال التي أعلنها الأنبياء القديسون" (3، 2). وتحمل هذه الكلمات، تقريباً في الكتاب المقدس، قيمة وصية روحية تمنح إلى الكنيسة جمعاء: حذار من الغطرسة التي قد تؤدي بكم إلى التفكير بأن النبوءات القديمة لم يعد لها أي أهمية. إن رؤية نور الله يضيء على وجه يسوع لا يبرر إطلاقاً ابتعادنا عن الكتاب المقدس، لا بل أنه يدعونا على العكس إلى "التمسك أكثر بالكلمة النبوية: فحسناً تفعلون إن انتبهتم إلى هذه الكلمة، إلى أنها أشبه بمصباح يضيء في كل مكان مظلم… (آية 19).
هذه النصيحة التي تأتي على الأرجح في أواخر العهد الجديد، لا تبدو لي أنها منقولة أيضاً لدى اليهود، إخوتنا الكبار. أحياناً، في الحوار معهم، لدي الانطباع بأنهم لا يتلقون الكلمة النبوية بكل قدرتها. إنهم يقدمونها بشكل خاص كدعوة متجددة إلى التقيد بالتوراة – التي تكاد تصبح شعائرية، في حين أنها تتطلب بنفسها أن يتم تلقيها كنبوءة خارقة. في الحقيقة، يظهر الأنبياء عظمة الله، ويذكرنا تعليمهم بإمكانية دخوله بغتة وبكل حرية إلى حياة الإنسان. فلنتمسك إذاً أكثر بكلمتهم، بعد أن أظهر لنا يسوع معناها وأهميتها.
لقد شهدنا لدى المسيحيين دوماً وعلى مر الأزمان هذه النزعة المتواترة والمفجعة إلى "نسيان" النبوءات المقدسة، وإلى اعتبارها "أساطير مختلقة" (آية 16)، في حين أننا بحاجة إلى "أن يستمر رجال الله في التكلم إلينا مدفوعين بوحي الروح القدس". وتبقى النبوءات "مصباحاً مضيئاً" في ظلماتنا الراهنة (هذا "المكان المظلم")، وتحفظنا في الخشوع والرجاء "في انتظار أن يطلع النهار ويظهر كوكب الصبح" (آية 19).
لذلك، يجب علينا أن نستمر حتى مجيء الرب في قراءة جميع النبوءات.
الأحد 5 أكتوبر 2008
الكاردينال فيليب بارباران
رئيس أساقفة ليون