رو 5/12-21
رعية مار انطونيوس الكبير –جديدة المتن
الثلاثاء17/3/2009
يركّز بولس الرسول فكره هنا حول المسيح وعمله. فيقدّم آدم الذي به كان الموت والمسيح الذي جاء يخلّص البشرية منه.
يعود الرسول إلى سفر التكوين فيقول إنّ الإنسان هو "صورة الله ومجده" متأمِّلاً إيّاه في وضعه الحالي كساقط وخاطىء معه ساد الموت سيادة موقّتة مستبدّة ومطلقة فصار البشر عبيداً خاضعين جميعاً لسلطان الخطيئة رو3/9 لذا نقول إنّ الموت في آدم الإنسان الأوّل أدرك البشر جميعًا.
كلمة آدم هي لفظ متداول يدل على مجموعة كبيرة من المعاني منها مثلاً الانسان عامة(أي14/1) أو الناس(أش6/12) أو شخص ما(جا6/12) أو الذات البشرية(هو11/4،مز94/11) أو الانسان الاول(تك4/25 ،5/1و3-5، اخبار الايام1/1،طوبيا8/6) في حين يُظهر العهد الجديد أن البشر ينحدرون من أصل واحد(اع17/26) ويؤكد بولس الرسول في (1كور15/45-49) أن الانسان الأول صُنع نفساً حياً أرضياً وبشرياً وفي النص الذي امامنا يؤكد أن آدم كان رمزاً للآتي بعده
وللتعمق أكثر في الموضوع استند بولس الرسول الى ما ورد في سفر أشعياء حول فكرة عبد الربّ المتألِّم وكشف عن موضوع أساسيّ وهو: إنسان واحد بريء البراءة كلّها، خاضع لإرادة الله، يمنح البشرية الخاطئة كلّها المغفرة والمصالحة التامّة مع الله.
إعلان المسيح الذي صُلب وقام كما في نبوءة أشعياء عن موت عبد الله وتمجيده. ونظرته إلى آدم الجديد والفادي (5: 12- 21) تقابل ابن الإنسان وعبد الله المتألّم كما في التعليم الإنجيلي. في هذا الاطار نفهم قول أشعياء وسرّ الفداء
شدّد بولس رسول الأمم على "عبد الله" الذي "أُسلِم" عن خطايا البشر، قال إنّ المسيح أَسلَم نفسه، وهب ذاته من أجلنا، من أجل خطايانا (غل 1: 4؛ 2: 20؛ أف 5: 2، 25). وذكَّرنا بالحبّ الذي ألهم هذا العمل: "ابن الله أحبّني وبذل ذاته عنّي" (غل 2: 20). "المسيح أحبّنا وبذل نفسه عنا مقدِّماً ذاته ذبيحة رائحة طيّبة (أف 5: 2). "المسيح أحبّ الكنيسة وبذل نفسه لأجلها" (أف 5: 25). وتركّز الرسالة إلى أهل روما على حبّ الآب أيضًا وليس على حبّ المسيح وحسب. "والبرهان على أن الله (الآب) يحبّنا، هو أن ابنه مات عنّا" (5: 8). "بهذا عرفنا المحبّة، أنّ ذاك قد بذل نفسه لأجلنا. فيجب علينا، نحن أيضاً، أن نبذل نفوسنا لأجل الإخوة".
مقابلة بين النصّين
رو 5/12-21 يقابل بولس المسيحَ المخلِّص بالمخلَّصين العديدين الذين هم كثيرين الذين هم "جميع" البشر (آ 18). (بطاعة واحد تبرّر الكثيرون5/9) 5/19 فيُنسب عمل التبرير إلى المسيح5 : 6 "مات المسيح عن الأثمة". في 5: 8 "مات المسيح من أجلنا. التضامن الذي أراده الله بين المسيح والبشرية |
أش52/3-53-12 يدلّ على مجمل الذين نعموا بالعمل الخلاصي الذي قام به عبد الله المتألّم استعمل أربع مرات (52: 14، 15؛ 53: 11، 12) كثيرين، الكثيرين (لا أقلّية، ضئيلة). "الجميع" معنيّون بهذا التحرّر أش 53: 6 "إنّ عبدي البارّ يبرّر الكثيرين يرتبط عمل التبرير بمبادرة الآب في عبد الله المتألِّم |
يكشف لنا القدّيس بولس في رسائله جميعها أنّ المسيح هو
برّنا (روما)، غنانا1(كو)، راحتنا2(كو)، محرّرنا(غلا)، حياتنااف(نحن جسده)، سعادتنا (في)، المسيح قادم لمجدنا1و2تسا)، المسيح معلِّمنا (1تيم وتي)، المسيح مثال لنا(2تيم)،المسيح مثال لنا كسيّد(فل)، المسيح شفيعنا الكفّاري(عب)،أمّا في كولوسي فالمسيح هو كلّ شيء لنا . "وأنتم مملوءون فيه" (كو 10:2). نجد فيه كلّ شيء ولا يعوزنا شيء فهو النور الذي ينقذنا من سلطان الظلمة (12:1-13)، لنصير نحن أنفسنا نور العالم. وهو المخلِّص الذي يخلّصنا من سلطان إبليس وكلّ إثارة، إذ "لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا" (14:1).ينقلنا إلى ملكوته، أي مملكة ابن محبّة الآب (13:1). فبالمعمودية باسمه نتمتّع بالبنوّة للآب، ونُحسب أولاد الله المحبوبين. من جهة لاهوته فهو صورة الآب غير المنظور (15:1)، فيه تتجدّد طبيعتنا، لنصير نحن حسب صورته: "ولبستم الجديد الذي يتجدّد للمعرفة، حسب صورة خالقه" (10:3). في آدم الأوّل فقدنا صورة الله، في آدم الثاني استرددنا الصورة. هو الخالق، فيه خُلق الكلّ(16:1)، حملنا فيه كجسدٍ له، وقادنا مستنيرين فيه لننعم بحياته المُقامة: "الذي هو البداءة، بكر من الأموات، لكي يكون هو متقدِّمًا في كل شيء" (1: 18)، "لأنّكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (3:3).صار رأسًا لنا نحن جسده، يتقدمنا في كلّ شيء (18:1)، لكي يكون مثالاً لنا في كلّ شيءٍ. بعمله الخلاصيّ كشف لنا سرّ الحبّ الإلهيّ الفائق، فتمتّعنا بالرجاء في المجد: "الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد" (27:1). "متى أُظهر المسيحُ حياتُنا، فحينئذ تَظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (4:3). يدعونا الرسول بولس إلى التمتّع بالشركة معه لنختبر آلامه: "أُكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده" (24:1)، وموته: "لأنكم قد متّم" (3:3)، ودفنه: "مدفونين معه في المعمودية" (12:2)، وبالتالي نشترك في مجده: "تظهرون أنتم معه في المجد" (4:3). هكذا لا يعوزنا السيّد المسيح شيئًا!
في المسيح :
1- يتحقق لقاء الله بالإنسان لقاءاً حيًّا – شخصيًّا- كاملاً- مجّانيًّا
2- يهب الله ذاته لنا فنعرفه – نتّحد معه ونبني الجسد الواحد الإنسانيّ الإلهيّ
هنا يدعونا القديس بولس لا إلى فهم المسيح فقط بل إلى معرفته وهذه الدعوة تعني سعياً مستمرًّا متّصلاً – متطلِّعاً إلى الأمام (تاركين ما وراءنا ناظرين الى قدّام إلى مبدأ إيماننا ومتمِّمه يسوع المسيح) وبالتالي لا بدّ من ضرورة صلب الإنسان القديم وانتهاج حياة جديدة جاهدة في سبيل القيامة تمرّ من خلال مراحل التألُّم مع المسيح
نظرة بولس الإيمانيّة لهذا النصّ
بنى بولس اختباره لشخص المسيح الذي حوّله من مضطهِد إلى مبشِّر على طريق دمشق وقلب حياته، فتمحور تعليمه حول سرّ المسيح الفصحيّ، أي موته وقيامته وقام على بعدَيْن الأوّل عقائديّ نعيشه بالإيمان والمعموديّة والثاني خُلُقيّ نعيشه في "الحياة في الروح" التي تفرض على المؤمن خلع الإنسان القديم ولبس الإنسان الجديد، وهي حالة صراع دائم في الإنسان.
خلق اللهُ الإنسان حرًّا طليقاً ذا سلطان ولم يشأ مطلقاً الموت له، خلقه كي يحيا لأنّه هو(الله) حياة ولكن، أراد الإنسانُ الانفصالَ عنه فآدم الأوّل قطع أوصال الخليقة مع الخالق وبخطيئته أقام حاجزًا كبيرًا فرض عليه الخروج من محيطه الأبديّ وعدم الموت الى محيط فساد وانحلال وفناء فصار آدم مائتًا يحدّه الزمان والمكان وخاضعاً لشروطهما وقيودهما بعد أن كان في اللامحدود في حضن الآب. هذا من جهة ومن جهة أخرى صار آدم بخطيئته ظلاماً وحُكمَ أو حَكمَ هو على نفسه بالموت لأنّ روحه فضَّلت ذاتها على الله ومع ذلك بقيّ حيًّا لوقت معيَّن (تك5/5) بالجسد بفضل رحمة الله كي يمنحه فرصة العودة والتوبة. ممّا لا شكّ فيه أنّ عذاب آدم ما كان لخسارة الفردوس وجماله بقدر ما كان لفقدان الحبّ الذي يجذب النفس الى الله. شعر آدم بالغربة والحرمان وهكذا تشعر كل نفس خاطئة بعيدة عن الله وتعود إليه بفعل التوبة الحقيقيّة " خسرّ آدم الفردوس فكان يطلبه بدموع"، فجاء إليه المسيح فاتحاً له الفردوس السماويّ الذي يشرق منه وفيه النور للأبد.
في ختام حديثنا نقول أن المسيحي هو ابن آدم بحكم ولادته، ويولد ولادة جديدة في المسيح بايمانه . لذلك يحتفظ المسيحي بعلاقة دائمة مع ىدم الأول وآدم الجديد(الآخر) وإن اختلفت طبيعة هذه العلاقة ، وعلى المسيحي أن يبقى آمين لإصله ولا يتذرع بخطيئة الانسان الأول لتبرئة نفسه بل يدرك أنه هو نفسه آدم بما فيه من ضعف وخطيئة ومن واجبه أن يخلع هذا الانسان العتيق ليلبس يسوع المسيح الانسان الجديد.
أردت في نهاية الحديث أن أقوم بعمل خلاصة في هذا الجدول يوضح لنا ما قلناه عن آدم الإنسان الأوّل وآدم المسيح الإنسان الجديد
الانسان آدم الأول |
المسيح آدم الثاني |
1- به دخلت الخطيئة العالمَ (تدبير الخطيئة) 2-به كان الموت 3-إنساننا العتيق 4- دشّن عهد حكم الخطيئة والموت 5-مولود من الجسد قابل للفناء 6-مولود من رجل وامرأة ومنه صرنا أبناء الجسد- أبناء الموت – أبناء الزمن أبناء اللعنة والغضب مقيَّدين بقيود الخطئية 7-به انفصلت البشريّة عن ينبوع الحبّ 8- به انتهت حقبة من حقبات علاقة الله بالانسان بطرده من الفردوس 9- بخطيئته صار ظلاماً 10-به صارت المعصية والهلاك والموت |
1- به حلَّت النعمة على البشر (تدبير النعمة) 2- فيه كانت الحياة 3-إنساننا الجديد 4- دشّن عهد حكم الحياة والنعمة 5- مولود من الروح غير قابل للفناء 6-مولود من الآب وبه صرنا أبناء الروح- أبناء القيامة-أبناء الأبد-أبناء البركة والمحبّة –حلنّا من رباطات خطايانا 7- فيه ترتبط البشريّة بينبوع الحبّ 8- معه بدأت الحقبة الجديدة لمجيء ملكوت الله بشكل نهائي في سّره الفصحي. 9- بنعمته يعطينا نورًا 10-به صارت الطاعة والتبرير والحياة |
الاب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان