عيد البشارة في سنة القديس بولس

الأخت سيسيل حجازين- الحصن

كان "سلام" الملاك لمريم ولنا بشرى فرح و"سلام": "افرحي، أيتها الممتلئة نعمة، الربّ معكِ".

 

"وفي الشهر السادس أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال: "افرحي أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك". فداخلها لهذا الكلام اضطراب شديد وسألت نفسها ما معنى هذا السلام. فقال لها الملاك: "لا تخافي يا مريم فقد نلت حظوة عند الله. فستحملين وتلدين ابنا فسميه يسوع. سيكون عظيما وابن العلي يدعى ويوليه الرب الإله عرش أبيه داؤد، ويملك على بيت يعقوب ابد الدهر، ولن يكون لملكه نهاية". فقالت مريم للملاك "كيف يكون هذا ولا أعرف رجلا؟" فأجابها الملاك: "إن الروح القدس سينزل عليك وقدرة العلي تظللك لذلك يكون المولود قدوسا، وابن الله يدعى، وها إن نسيبتك اليصابات قد حبلت هي أيضا بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرا, فما من شيء يعجز الله". فقالت مريم: "أنا أمة الرب، فليكن لي حسب قولك". وانصرف الملاك من عندها (لو 1: 26-38).

 

عيد البشارة هو عيد سيدتنا مريم العذراء الدائمة البتولية، وهو عيد تجسد الكلمة في أحشائها وهو إكراما لوالدة الإله.

 

عندما بشر الملاك جبرائيل رئيس الملائكة، مريم العذراء، كشف الرب عن السر الإلهي العظيم ألا وهو سر الثالوث الأقدس، ففي البشارة نرى بان الله تعالى يعبر عن نفسه وكجوهر واحد في ثلاثة اقانيم.

 

إن الله بواسع رحمته، يقترب من الإنسان ليجدده حسب صورته الأصلية التي كان عليها في الفردوس (آدم الإنسان القديم) إلى (المسيح الرب الإنسان الجديد).

 

ها هو الله يكلم الإنسان مجدداً ببشارة مريم التي تقبل الكلمة الذي سيتجسد منها. فعيد البشارة هو أول الأعياد، من حيث ترتيب أحداث التجسد فلولا البشارة وحلول السيد المسيح في أحشاء مريم العذراء لما كانت بقية الأعياد.

 

"السلام عليك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك". هذه هي تحية الملاك لمريم السلام عليك أيتها الممتلئة نعمة. يجب أن تكونا أمنا ممتلئة لأنها سوف تحمل في أحشائها الطاهرة رب الكون، مكان اتحاد اللاهوت بالناسوت. ما أجملها وأعمقها من تحية.ابتدأ التجسد بالسلام.

 

هذه هي فرحة أمنا الكنيسة بهذه البشارة، حيث تشارك العذراء فرحتها بهذه البشارة التي أتت إليها من السماء من خلال رئيس الملائكة جبرائيل. ونشاركها هذه الفرحة لأنها بشارة لخلاص البشرية جمعاء، أي لخلاصنا.

 

وهذا العيد هو باكورة الأعياد، فلولا التجسد ما كان الآلام والموت والقيامة والصعود والخلاص للجنس البشري. ما كانت العنصرة التي جعلت الكنيسة تنتشر بأنحاء العالم بأسره. هذه هي البشارة، هذه هي بداية كنيستنا الجامعة الواحدة المقدسة الرسولية، وها نحن الآن نعيش مسيرة زمن الصوم المقدس لنصل إلى القيامة.

 

مريم هي التي قالت نعم فكانت النعم "أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك". هذه هي خطوة البداية لإشراك أمنا مريم في تاريخ الخلاص. نالت العذراء هذه النعمة لأنها متضعه ومنسحقه فرفعها الرب فوق كل العالمين. "قريب هو الرب من المنسحقي القلوب، يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة "نظر إلى تواضع أمته".

 

فتجسد الكلمة، حررنا من العبودية، ذلك إن خوف الموت كان يجعلنا عبيدا، قال يسوع: "ثقوا إني غلبتُ العالم"، فنحن ننال الحياة لكوننا نأكل من الخبز النازل من السماء، "لستم عبيدا فيما بعد" للخطيئة ولا للموت، الخاطئ له المغفرة وله النقاوة، والموت يزول بالقيامة، وخوفنا من الموت يزول برجاء القيامة.

 

ففي عيد البشارة يُعلن الله حبه للبشر إذ أخذ صورتهم وطبيعتهم، وهذا بفضل البشارة. إذا حاشى للمسيح أن يسكن في جسد كله شر وخطيئة، وأيضا تجسد الرب في أحشاء مريم دعوة لنا لنسلك طريق القداسة، فالسماء هي مصدر الفرح لنا فمنها أتت البشارة بالرغم من خطيئتنا، لكن قبول التوبة في حياتنا اليومية هي خطوة للقداسة بل طريق القداسة وهذا هو الزمن الأربعيني يساعدنا على قبول التوبة.

 

أيضا نشاهد مريم في بشارة الملاك لها تتساءل وتستفهم قبل أن تستسلم: "ما معنى هذا السلام؟" كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟ يا ليتنا نكون كل واحد منا "مريم"، فنتسائل ماذا يريد الرب مني؟ لكي اقبل البشارة من لدن الرب خاصة في هذه الأيام المقدسة أيام المسيرة الروحية للصوم.

 

تحاول مريم أن تحدّد مصدر التدخل الغريب في حياتها، رغم أنها قد ألفت صوت الله كما تألف الخراف صوت راعيها، وعن كيفية تحقيق هذا؟ فبالبشارة مريم أمنا هي "حواء الجديدة". لبّت نـداء الله لها، لننتبه إخوتي مريم هي حواء الجديدة الإناء المختار.

 

علينا إذاً أن نميّز مشيئة الله: من هو مصدر النداء لنا؟ ما هو الدافع وراء هذا النداء؟ وثم علينا بعدئذ أن نسأل أنفسنا، عن كيفية تحقيق هذا النداء، هل لديّ الرغبة، أو الدافع لأقول نعم للرب لأعمل حسب مشيئته؟ ها هو الزمن الأربعيني وسيلة ليساعدنا على العمل بمشيئة الرب، أين أنا من نداء الرب؟

 

تقول مريم في نهاية البشارة: "ها أنا أمة الرب، فليكن لي حسب  قولك"، بإمكاننا ربطها بابينا إبراهيم أبي المؤمنين لما قال له الرب: "انطلق من أرضك وعشيرتك وأرض أبيك، إلى الأرض التي أريك"، "فانطلق إبراهيم ولا يعلم إلى أين يتوجه".

 

لم تحمل مريم كلمة الله في أحشائها ألا لأنها اعتادت، كإبراهيم أبا المؤمنين وكتلاميذ العنصرة، أن تحملها في قلبها. هكذا يكون الامتلاء من الروح القدس، هذه هي الأنفس التي تعيش بين يدي خالقها، هو الذي يرافقها ويرعاها، ومخططه الأكيد هو كلمة الله: "ليكن لي حسب قولك". ويقول القديس بطرس أيضاً: "بحسب كلمتك ألقي الشبكة".

 

إن تسليم الذات عند مريم هو فعل تقدمة، كرست له كلَّ حياتها. فاحتفلت به حين قدمت يسوع بسخاء إلى الهيكل. وعاشت مُرارتّه في تقدمته للصليب. لا يمكن فصل التقدمة وتسليم الذات عن سر الصليب. كما لا يمكن فصل الصليب عن سرِّ القيامة.

 

إن سرَّ الخلاص عنصر مهم في الحياة الروحية فهو "معجزة". وما أحوجنا إلى عالم يضجُّ بالمتناقضات، جعلت الإنسان المعاصر بارداً ليس أمام سر الخلاص فحسب بل أيضاً أمام حقيقة الوجود والكون والتاريخ. يقول احد القديسين: "كل شيء معجزة في عيني من يعرف كيف ينظر". لقد أيقنت أن إلهنا هو إله عظيم.

 

لقد عاشت مريم كل أحداث الخلاص، بصمت وتأمل عميقين: "وكانت مريم تحفظ هذه الأمور وتتأملها في قلبها".

 

أية دهشة عاشتها في بشارة الملاك لها بمولود من عذراء هو ابن الله! أية دهشة صمتت عندها في حياتها الخفية: أليس هو ابن الله، لماذا لم يفعل شيئاً طيلة ثلاثين سنة، سوى انه، وفي مراهقته، احتج على أبويه لما ضاع في الهيكل بقوله: "لماذا تبحثان عني، ألا تعلمان أنه ينبغي أن أكون فيما هو لأبي؟".

 

ألا يدهشنا صمت الله في حياتنا. أية دهشة عاشتها مريم من تعاليم يسوع خصوصاً لما كان ينتقد كبار عصره! وأمام معجزاته وأمام تصرفاته.

 

أية دهشة عصرت قلبها حين اخترقه سيفٌ قويٌ لما ارتفع ابنها أمام عينيها على الصليب بعد أيام من دخوله المدينة المقدسة! وقيامة يسوع..؟ أليست هذه الدهشة الكبرى في حياتها؟! موت وقيامة؟ ألا نمر نحن بهذه التجربة؟ نتسائل: أين نحن منها؟ وما هي فائدتها الروحية على أنفسنا؟

 

ألا تعلمون أن "المسيح هو أكبر المعجزات بين أكبر الحقائق.. يشعّ منه النور ويبعث الحياة.. فيه تظهر الخليقة على جمالها، شفافة. فالبشارة في الحقيقة هي بدء تغيير وجه الأرض.

 

فعيد البشارة يجمعنا في كل عام لنجدد فرح الحياة في نفوسنا، لنجدد قبول الحياة، يُسرَها وعُسرَها، آمالها وآلامها، بقوة وشفاعة، سيدتِنا مريم العذراء الكليةِ القداسة والطهارة.

 

قال الملاك لمريم العذراء: "افرحي"… وقال لها: "لا تخافي"… قال لها: "إن الروح القدس ينـزل عليك"… قال لها: "إن قدرة العلي تظللك"… وقال لها: "ما من شيء يعجز الله"… وقالت مريم: "فليكن لي بحسب قولك".

 

الفرح وعدم الخوف والروح يملأنا وقدرة العلي تظللنا. كل هذا يجب أن يصِحّ فينا، يتحول إلى الرسالة التي حمَّلها الله كلَّ واحد منا. رسالة مريم العذراء شاملة، للبشرية كلها، أرادها الله أن تكون أم الكلمة، وأم المخلص للبشرية كلها.

 

وأما كل واحد منا فيحمل رسالة محدودة، تجاه نفسه والآخرين، وتجاه الكنيسة، يجب أن يقوم بها على أكمل وجه، فهذه مهمّةُ تغذيةِ الروح.

 

دعونا إخوتي نتأمل في الفرح الذي أنعمه الله علينا، بواسطة مريم المتواضعة، في ما قاله الملاك لمريم العذراء، لنا يقال اليوم: "افرحوا ولا تخافوا".

 

نتأمل في مريم العذراء التي ملأها الله بنعمته. حياتنا في كل يوم يجب أن تكون بحثا عن الله وصلاة. يدعونا هذا العيد إلى إن حياتنا يجب أن تتحول إلى مسيرة فيها روح الله وقدرته، وفيها فرح الله ونوره، وفيها محبة الله وكلِّ الناس. "كلمة الله هنا صار إنسانا. هنا رأينا مجده مجدا من لدن الآب لابن وحيد ملؤه النعمة والحق… وهنا من ملئه نلنا بأجمعنا نعمة على نعمة" (يوحنا 1: 14 و16).

 

نطلب من الله، بشفاعة سيدتنا مريم العذراء، أن يمنحنا قوة الحياة وفرحها هي التي قالت نعم فكانت الحياة… مريم العذراء قالت نعم لله: ليكن لي كما قلت… قالت نعم للإنسان: ليس عندهم خمر… قالت نعم… فالتقت السماء بالأرض وانتصرت الحياة… وتدفق تاريخ الخلاص وكانت الأمومة وكان الإله الإنسان… عندما تلتقي نعمة الله ونَعَمْ الإنسان… يزهر الحب… يتفجر الأمل… تخصب الحياة… ويولد الإنسان… ويحل السلام.

 

نحن محبة الله المتجسدة في عالم يزيد فيه العنف والأنانية والكبرياء… نريد أن نعيش المحبة من أجل خير الإنسان، كل إنسان، بالتسامح والعطاء المجاني.. هذا هو سلامنا.

 

فيا "ملكة السلام" كوني لنا عوناً، ويا سيدة البشارة امنحي بلادنا السلام. فكان "سلام" الملاك لمريم ولنا بشرى فرح و"سلام": "إفرحي، أيتها الممتلئة نعمة، الربّ معكِ". (لوقا)

 

نقدم صلاتنا، في هذا العيد المبارك، وفي مسيرة زمن الصوم المقدس، من أجلكم جميعا، ومن أجل مدينة البشارة، التي تتحضر للقاء خليفة القديس بطرس في أيار، قداسة البابا بندكتس السادس عشر، هذه هي مدينة الناصرة، فرح البشارة، نصلي لكل سكانها، لكي يتحضروا بالصلاة للقاء قداسته، فيفرشوا قلوبهم بالمحبة والتسامح، لهذا الحدث الكنسي العظيم، وليكون هذا العيد لهم مصدرَ نعمة وبركة وسلام للجميع.

 

صلاتي ودعائي أيضا لجميع الرهبان والراهبات، وجميع العاملين في كرم الرب، الذي هو الكنيسة. وصلاتي الخاصة لرهبنتي الأم، رهبنة الوردية المقدسة، بأن يجود الله علينا، بنعمة تطويب مؤسستنا الأم ماري الفونسين الذي يصادف اليوم أيضا ذكرى مولدها، نطلب منه تعالى أن  تكتمل فرحة بنات مريم، بنات الوردية، بنات السلام عليك يا مريم، فتولد مؤسستنا في السماء وعلى هياكل الرب في الكنيسة، وفي قلوبنا وبيوتنا وأديرتنا، وصلاتي أيضا لكل شخص يحمل اسم البشارة ومشتقاتها واخص بالذكر قدس الأب بشير بدر كاهن رعية اللاتين في جبل اللويبدة ورعية اللويبدة التي تحمل اسم كنيسة البشارة.

 

ونقدم صلاة التبشير هذه عن نية جميع نوايانا التي نحن بحاجه لها جميعا، خاصة على نية رهبنتي الأم، وعن نية التحضير الروحي اللائق، لمجيء خليفة القديس بطرس، إلى أرضنا ليباركها.

 

ملاك الرب بشر مريم العذراء، فحبلت من الروح القدس. السلام عليك يا مريم…

ها أنا امة الرب، فليكن لي بحسب قولك. السلام عليك يا مريم…

والكلمة صار جسدا، وحلّ فينا. السلام عليك يا مريم…

صلي لأجلنا يا والدة الله القديسة، لكي نستحق مواعيد المسيح. آمين

 

لنصلي: نسألك يا رب أن تفيض في قلوبنا نعمتك، حتى نحن الذين ببشارة الملاك جبرائيل قد عرفنا سر تجسد ربنا يسوع المسيح، نهتدي  بواسطة ألامه وصلبه إلى مجد القيامة بالمسيح ربنا. آمين

 

المجد للأب والابن والروح القدس،  كما كان في البدء والآن وكل أوان والى الدهر الداهرين. آمين

 

يا ملاك الله. المقلد حراستي من رأفته تعالى، نور عقلي واحرسني ودبرني، وأرشدني وخلصني من الشر. آمين

 

يا سيدة البشارة، صلي لأجلنا ولأجل المرسلين ولأجل بلادنا

 

hij_cecile@yahoo.com

عن موقع ابونا