مفهوم الخدمة الحقيقى

… الحديث عن الخدمة متشعب وكثير ، ولكنى أريد فى حديثى هذا أن أتحدث عن المقياس الحقيقى للخدمة ، والأسلوب المطلوب لخدمة شعب الله حسب ارادته تعالى .

 

أولا ً : مقياس الخدمة :

يظن البعض أن كثرة الشهادات العلمية تؤهل صاحبها لخدمة أفضل . وهذا صحيح نوعا ً ما ، إنمـــــا القلب الملتهب حبا ً لله هو المقياس الحقيقى للخدمة ، وهذا ما طلبه الرب من بطرس الرسـول ثـــلاث مرات : ياسمعان أبن يونا أتحبنى، فيجيب بطرس : نعم يارب أنى أحبك. قال له الرب: إرع خرافى .

      فالحب الأمين المتفانى الغيور هو الذى يخدم حقيقة . يو 21/ 15-17 .

الدراسة اللاهوتية ، والثقافة الشخصية هـى مهمة جدا ً ، إنما هى وســائل لخدمة أفضل ، ولكن الحب يعطى معنى وقيمة للخدمة كمــا يقول ماربولس الرسول : " ولو تكلمت بلغات الناس والملائكة ، ولا محبة عندى ، فما أنا إلا نحاس يطن أو صنج يرن " . اكو 13/1 .

وهـذا الحب يجعلنى أ ُدرك محبة الله لى أولا ً بدون سبب ، بذل ذاته لأجــلى ، فيجب أن تكون خدمتنا للرب باعثها الأول هـو محبتنا له . وهذا يتجلى من خـلال محبتنا للآخرين ( المخدومين ) فهم شخص المسيح " الحق أقول لكم إن كل مافعلتنوه بأحد أخــــوتى هؤلاء الصغار فبى فعلتم " مت 25/ 40 .

وعن هذة المحبة يذكر كتاب الأقتداء بالمسيح فى السفر الأول والفصل الخامس عشر بند 1 (  العمل الخارجى بدون محبة لا يفيد شيئا ً ، أمــا ما يُعمل عن محبة فمهما صغـُر وحقـُر ، فإن بجملته يصبح مثمرا ً ) . والبند الثالث يقول ( من كانت فيه المحبة الحقيقية الكاملة ، لايطلب نفسه فى أمر البتة ، بل رغبته الوحيدة ، أن يتمجد الله فى كل شىء ) .   

لذلك يحذرنا كاتب كتاب الأقتداء بالمسيح من أن لا تكون سبب الخدمة دافع خفى فى حياة الخادم مثل كبرياء أوإثبات الذات، فإن لم تسير كل الأمور حسب أرادة الخادم الشخصية ، فيرتبك ويترك الخدمة لأنه لم يجد ذاته فيها ( كثيرون يطلبون أنفسهم سراً فى أعمالهم ، وهم لايعلمون لا بل يبدون موطدين فى سلام حقيقى، مادامت الأمور تجرى وفق أرادتهم ورأيهم ، فإذا حدث أمرعلى خلاف ما يشتهون، أضطربوا فى الحال وأكتأبوا ). الفصل 14 بند 2  .

على الخادم أن يضع أمام عينه أن الخدمة المقبولة من الله أن يكون هدفها ومقياسها الحب فقط .

فالحب هو الذى دفع الرب الى أن يتجسد لخلاصنا وليخدمنا ، لذلك يجب علينا أن نشعر بأننا مديونين للحب الآلهـى فيلتهب قلبنا غيرة وعطاءا ً وتفانى فى خدمة كل من هو محتاج .

 

ثانيا ً : أسلوب الخدمة :

الرب يعطينا مثال عظيم لخدمة حقيقية وهو غسل الأرجل وبعدها قال لتلاميذه " أذا كنت أنا السيد والمعلم غسلت أرجلكم ، فيجب عليكم أنتم أيضا ً أن يغسل بعضكم أرجل بعض " . يو 13/14 .   وهذا يعلمنا أن الأسلوب الحقيقى للخدمة هو التواضع وإنكارالذات ، وهذا يتجلى فى حقل الخدمة وفى معاملة الخدام لبعضهم ولبعض وللمخدومين .  لقد عاش يوحنا المعمدان هذه الخبرة الروحية بتواضع وإنكار الذات فكانت رسالته ناجحة فقدم الكل للمسيح وأنسحب هو كصديق للعريس  قائلا ً " له ينبغى أن ينمو ولى أن انقض" . يو 3/30 .        ونحن كخدام نستطيع بمعونة الرب أن نعيش هذا التواضع عمليا ً من خلال قبول الآخر( خدام ومخدومين ) وهذا يعنى قبول الآخر كما هو، والثقة بأن الله يعمل من خلاله ، فمواهب الروح القدس لاتقتصر على شخص معين إنما الروح يهب حيث يشاء .

واذا كان الآخر به عيوب ( فأجتهد أن تحتمل بصبرنقائص الأخرين وأوهـانهم ، آيا كانت ، فـأن فيك أنت أيضا ً عيوبا ً كثيرة يجب على الآخرين تحملها ، ان كنت لاتقدر أن تجعل نفسك كما تريد، فكيف يمكنك أن تجعل الآخرين وفق مرامك، نحب ان يكون الآخرين بلا نقص ، اما نحن فلا نصلح عيوبنا الخاصة ) . الأقتداء بالمسيح السفر الأول بند 2  .

يجب أن يتذكر الخادم أن الخدمة ليست قاصرة على شخص معين فالكل مـدعو لأن يشارك فى خدمة شعب الله .    فأن رأيت أن زميلك فى الخدمة محبوب من الآخرين فبدلا ً من أن تكن له غيرة شريرةً وحقد داخلى ، حاول أن تتعلم من أسلوبه فى الخدمة وأفرح لهذا النمو الروحى فيه لأن كل شىء أولا ً وآخيرا ً يؤول لمجد الله ، وحاول أن تعمل بروح الفريق، شارك المسئولين معك فى الخدمة ولاتـُهمل أحدا ً حتى لاتـُتهم بروح الأنانية وحب الظهور وتكون خدمتك غير مقبوله لدى الرب .

 

ثالثا ً : صفات الخادم :

صفات كثيرة يجب ان تتوفر فى خادم الله ، ولكن أود أن أذكر ما طلبه الرب فى مثل الخـدام الأمناء  " كونوا على أستعداد وأوسـاطكم مشدودة ومصابيحكم موقدة  هنيئا ً لهؤلاء الخدام الذين متى رجـع سيدهم وجدهم ساهرين " . لو 12/35 -37 .  على الخادم أن يكون أنسان صلاة من أجل مخدوميه وكذلك ليمتلىء هو من فيـض الروح القدس فيستطيع أن يتــكلم بروح الله ،   وتكون خدمته ممــلوءة بصبغة روحية مهما كان مجــال خدمته ( تعليم – ملاجىء – سجون – فقراء – مرضى …. الخ ) ، فأن كان الخادم مملوءا ً من ثمار روح الله  فانه يستطيع أن يمنحها للآخرين ، أنما اذا كان فارغا ً فلا يعطى شىء ، وتصبح خدمته بدون روح أو ثمار، هشة سهلة الكسر.

كذلك يجب على الخادم أن يكون له رؤية على المدى البعيد فمثلا ً أن كنت تخدم فى :

 مجال التعايم المسيحى فلتكن رؤيتك أستنارة المخدومين ونموهم روحيا ً وعقائديا ً .

– مجال الكورال والشمامسه ،  فلتكن رؤيتك فى التجديد الدائــم للترانيم لتكون ملائمة لتعزية وفرح شعب الله .

– مجال الشئون الأجتماعية فلتكن رؤيتك فى جمع شمل أعضاء الكنيسة والمحافظة على روح الحب بين جميع الأعضاء من خلال تنظيم حفلات ورحلات دائمة .

– مجال الصيانة والأهتمام بالأمـور المالية ، فلتكن رؤيتك فى جمــال ونظافة المبنى الكنسى ليـكون ملائما ً لعبادة الله .

– مجلس الكنيسة ، فلتكن رؤيتك المحافظة على ســلامة الكنيسة ومتابعة الأنشطة الكنسية وتشجيعها الدائم والمستمر والعمل على خلق روح المبادرة البناءة وسط الجماعة الكنسية .

 

      عزيزى خادم الرب أجتهد أن يكوم الحب هو الدافع الأول لخدمتك ، وإنكار الذات طريقك فيها ، والصلاة هى العون الدائم لأستمراريتها ،  نقية بدون شوائب أوعثرات فيتمجد الله  فيها وينمو الخدام والمخدومين ، وبالتالى تنال اكليل الخدمة الذى يعده لك الرب " من غلب وثابر على خـــدمتى إلـــى النهاية أعطيه سلطانا ً على الأمم " . رؤ 2/26 .

 

 

    الأب / بيشوى أنيس

                                                        راعى كنيسة الأقباط الكاثوليك بتورنتو