المرأة في الحوار الاسلامي المسيحي

 

 

 نبيلة بلطة جي السماك

جريدة المستقبل اللبنانية

 

تهدف الأديان السماوية جميعها الى الخير والسلام. والاسلام كالمسيحية يرتكز على مبادئ أخلاقية سامية كالصدق والمحبة واحترام الاختلافات في الجنس والثقافة وحتى العقيدة. ويدعو الى السلام مع الذات ومع الآخر، ومشاركته في السراء والضراء. ومن أهم هذه المبادئ الإيمان والحوار. لماذا الإيمان ؟ ولماذا الحوار؟

 

لأنه لا يكتمل إيمان المسلم أو المسلمة الا بالإيمان باليهودية والمسيحية رسالتين سماويتين من عند الله، وباحترام الاختلاف الموجود بين الناس، والإيمان بحقّ الآخر المختلف في عاداته وتقاليده ودينه ومعتقداته أن يكون كما يريد وكما يؤمن ويعتقد.

 

أما عن الحوار، فأعتبر ان الحوار فنّ من الفنون الثقافية السامية. انه فن التعايش أو التعامل مع الآخرين من كل الأجناس والأديان والثقافات. وفي الاسلام فان أول حوار اسلامي مسيحي في التاريخ حدث في المدينة المنورة بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووفد مسيحي من قبيلة نجران في اليمن. استقبلهم الرسول الكريم في بيته – مسجده الذي يعتبر اليوم لدى المسلمين ثاني أقدس مكان في الاسلام بعد الكعبة المشرفة في مكة المكرّمة. حاورهم النبي بمحبة واحترام محاولاً شرح دعوته ومستمعاً الى وجهة نظرهم.

 

وفي الاسلام مدرسة متكاملة للحوار تقوم أساساً على نبذ الحقد والعنف، والإصغاء الى الآخر واحترام وجهة نظره من دون إكراه.

 

لماذا الحوار؟

أستشهد بالآية الكريمة من سورة الحجرات "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم". ان الله خلق الناس من نفس واحدة وجعلهم شعوباً مختلفة الألوان والأعراق واللغات والثقافات، ودعاهم جميعاً الى التعارف، والتعارف لا يكون الا بالحوار، والحوار لا يكون الا بين مختلفين.

 

تأثير الحوار:

أولاً: السعي للوصول الى الحقيقة ومعرفة الآخر بصدق كما هو، وبناء جسور الودّ والتفاهم بين البشر، والتواصل مع الآخرين، وزرع بذور المحبة في نفوسهم.. ولا يتحقق ذلك كله الا باحترام القاعدة الأساس وهي "لا إكراه في الدين". فالانسان لا يؤمن بالإكراه. بل انه لا يكون هناك إيمان بالإكراه.

 

ثانياً: الحفاظ على هذا التنوع والتعدد الانساني الذي قام بإرادة إلهية، وهو مستمر بإرادة إلهية ايضاً.

 

ثالثاً: الحفاظ على الكرامة الانسانية التي وهبها الله للانسان، ولم يهبها انسان لانسان. فالهبة الإلهية مقدسة لا يجوز للانسان ان ينتهكها بأي شكل من الأشكال. وهي كرامة تشمل جميع الناس من كل الفئات والطبقات ومن كل الأجناس والأعراق والأديان دون استثناء.

 

متى يكون الحوار بنّاء؟

لا يكون الحوار مؤثراً وبناءً اذا كانت له أهداف سياسية أو اذا استخدم وسائل ارهابية فانه يسيء بذلك الى الدين ويتناقض مع تعاليمه ومبادئه. من هنا تظهر الصور المشوهة المغايرة للحقيقة. أقصد بهذا الفوبيا.

 

الاسلاموفوبيا او المسيحية فوبيا هي كراهية الآخر من غير معرفة حقيقية بمبادئه والتعصب لجهة دون اخرى وإكراه الآخر وإجباره على التقيّد بمبادئ معينة من غير اقتناع.

 

هنا يظهر دور المرأة الفعال في كل هذه المجالات التربوية والثقافية والاجتماعية التي أشرتُ اليها. وهنا يبرز بشكل خاص دور الأم، لتأثيرها في انماء ثقافة الحوار البنّاء وتنشئة الأسرة منذ الطفولة على محبة الآخرين وعقد صداقات معهم من مختلف الطوائف وزيارة دور العبادة الخاصة بمختلف الطوائف الكريمة.

 

كانت والدتي رحمها الله أكبر مثال لي وأهم نموذج للتعايش، فانتقلت هذه القيم لي ولأفراد عائلتي، وصدق قول الشاعر حافظ ابراهيم عندما قال "الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق".

 

لذلك يجب على كل انسان في المجتمع أن يكون له دور أساسي بالحوار وأن لا يكون الحوار منحصراً فقط بالأسرة بل يجب أن يكون بين أفراد المجتمع وبكل مرافق الحياة، المدارس، الجامعات، الجمعيات، الأحزاب، النقابات، ولا يكون محصوراً بفئة دون أخرى ليعطي الزخم للتقدم الحضاري والتدافع الانساني المبني على روح طاهرة تعكس إيجابياتها على المجتمع وهذا هو أرقى درجات الحوار لأنه كما يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر "الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي، وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي". من هنا الدعوة الى كلمة سواء أي البحث عن جوامع مشتركة تقوم على العلاقات الإيمانية وعلى التواضع الانساني الذي يرتكز على العلم وينبذ التعصب ويرقى بالمجتمع الى أعلى درجات السمو والحضارة لبناء مجتمع انساني كريم.